جاء في مضمون آيات كتاب الله الحكيم والأحاديث والروايات، بأنّ الله تعالى يُثيب ويُعاقب على قدر العقول، وهناك من الناس مَن يُعاني من طفراتٍ جينيّة ووراثيّة منذ الولادة، أو من حالاتٍ نفسيّة وعصبيّة تجعله مُعاقاً عقليّاً، ولا يستطيع القيام بواجباته الإنسانية الصحيحة -قصوراً لا تقصيراً- بل هو عاجزٌ حتى عن رعاية نفسه ومحتاجٌ لمن يرعاه ويهتمّ بشؤونه اليوميّة، ولندرة الاهتمام بهذه الشريحة في مجتمعاتنا سعت العتبةُ العبّاسية المقدّسة -بحكم تبنّيها ورعايتها للمشاريع الخيريّة والتطويريّة التي تهمّ المجتمع بكلّ مستوياته ومفاصله- لإنشاء معهد الكفيل لذوي الاحتياجات الخاصّة (العوق العقلي البسيط)، كغيره من المشاريع التي تصبّ في خدمة أهالي كربلاء المقدّسة، من أجل الاهتمام بهذه الشريحة على الخصوص وإعطائهم فرصة التعلّم والعودة للواقع مع أقرانهم، وتخفيف العبء عن عوائلهم وتحسين سلوكهم بكلّ جهدٍ نحو الأفضل بحكم عدم وجود جهةٍ تتبنّى هذه الشريحة من مدارس اعتياديّة أو معاهد متخصّصة.
شبكةُ الكفيل كانت لها جولةٌ في أروقة معهد الكفيل لذوي الاحتياجات الخاصّة والتقت بمديرة المعهد الأستاذة سارة حسن محمد علي الحفار التي تحدّثت لنا قائلة: افتُتِح معهدُ الكفيل لذوي الاحتياجات الخاصّة التابع لقسم التربية والتعليم العالي في العتبة العبّاسية المقدّسة في (23/ 12/ 2009)، وذلك بعد أن تبلورت فكرة تأسيسه من لدن سماحة المتولي الشرعي للعتبة المطهرة السيد احمد الصافي (دام عزّه)، بعد أن حصل على إجازة تأسيس من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعيّة، ليكون مؤسسة خيرية غير ربحية تقوم بتقديم البرامج والخدمات الإنسانية لذوي الاحتياجات الخاصة، فئة التخلف العقلي البسيط/ القابلين للتعلم، لتمكنهم من الاندماج والمشاركة الفاعلة في المجتمع تحقيقاً لتكافئ الفرص، وقد حققت الريادة في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وتأهيلهم وتدريبهم على المستوى المحلي ، فضلاً عن التميز والتألق في شمولية الخدمات المقدمة من أجل النهوض بالمجتمع العراقي / الكربلائي وتثقيفه حول حق الحياة لذوي الاحتياج الخاص، ويعد المعهد من المؤسسات التربويّة النادرة في محافظة كربلاء المقدسة التي تتولّى مهمّة تربية هؤلاء الأطفال وتعليمهم في ضوء الأسس التربويّة والاجتماعيّة والدينيّة الصحيحة، علماً أنها تقدّم خدماتها كافّة بالمجان.
وأضافت: "يستقبل المعهدُ الفئات العمريّة من (5 سنوات) لغاية (13 أو 14 سنة) بالنسبة للذكور، أمّا بالنسبة للإناث فيُمكن أن يتعدّى سنّ الـ (14 عاماً)، فلدينا إناث بعمر (20 عاماً و21 عاماً)، وتحديداً من لديه قابليّة التعلّم؛ ويكون استقبالهم بعد أن يخضعوا لاختبارٍ مبدئي من قبل الباحثات النفسيات المتخصصات في المعهد، ومن ثمّ إجراء الاختبارات السايكومترية العالمية:
اختبار ستانفورد – بينية / النسخة الخامسة.
اختبار ال DAYC.
اختبار رسم الرجل.
اختبار المتاهات بورتيوس.
اختبار فاينلاند للسلوك التكيفي.
اختبار الصورة الجانبية.
ليتم بعد ذلك تزويدهم بفحص طبي يراجعون من خلاله (مستشفى الكفيل التخصصي) لاستشارة أكثر من عشرة أطباء متخصصين ، ليتمّ بعدها تحديد قبولهم في المعهد.
أما فيما يخص المناهج الدراسيّة فقد بيّنت الحفار أن المناهج التي يتم اعتمادها في المعهد هي:
المهارات اللغوية
المهارات الحسابية
العلوم الحياتية
التربية الاسلامية
المهارات الاستقلالية
المهارات الفنية
المهارات البدنية
المهارات الاجتماعية
المهارات العاطفية
النطق
مشيرةً إلى أنّ المناهج الدراسيّة تكون على شكل مستويات خاصّة بالمعهد، تُقدّم بشكلٍ صوريّ مقبول لدى الطالب، ويُمكن استساغته بسهولة، فضلا على دروس ترفيهيّة: الرياضة، وورش العملٍ الفنيّة، والأعمال اليدويّة المفيدة، وهذه الدروس مقسّمة على قاعات ومختبرات متخصّصة ومجهّزة بوسائل تدريس حديثة، كالسبورات التفاعليّة الذكيّة وغيرها، وقد أصبح المعهد الآن يضمّ أكثر من (90) طالباً بعد أن بدأ بعشرين طالباً فقط.
وأضافت: المعهد يعمل بنظامٍ إداريّ تربويّ يرتقي لمستوى العالميّة وبنفس ما هو معمولٌ به في الدول المجاورة، مع توفير وسائط نقل تابعة للعتبة العبّاسية المقدّسة إضافةً الى التكفّل بتقديم العلاجات الطبّية والعلاجيّة من خلال مستشفى الكفيل التخصّصي وبضمنها العمليّات الجراحيّة، وتوفير التغذية الملائمة لهذه الحالات؛ لأنّ نوع الغذاء يكون مهمّاً في تنمية ذكاء الطفل، فضلاً عن إقامة سفرات ترفيهيّة للمراقد المقدّسة والمزارات والمتنزّهات داخل المحافظة وخارجها، وقد قطف المعهدُ ثمار جهده هذا في أكثر من حالةٍ إيجابيّة ناجحة تحسّنت لمستوى العقل الطبيعيّ بعد أن كانوا يعانون من حالات متعددة، وأيضاً في الأعوام القليلة الماضية استطاع المعهد تأهيل عددٍ من الأطفال بعودتهم الى المجتمع ودخولهم إلى المدارس الاعتياديّة، وهم يقومون بممارسة كافّة متطلّبات الحياة الطبيعيّة، بفضلٍ من الله تعالى وجهود الملاك التربوي في المعهد.
أولياءُ أمور الطلبة عبّروا عن شكرهم وامتنانهم للعتبة العبّاسية المقدّسة لهذه الالتفاتة الإنسانيّة، مبيّنين: لم نرَ أيّ معهدٍ أو مؤسّسة قدّمت ما قدّمه هذا المعهد لأطفالنا، فعندما لا يوجّه الأطفال في هذا العمر بصورةٍ صحيحة من قبل المعلّمات أو المعلّمين سيبقون وكأنّهم أسيرو أنفسهم؛ لأنّهم بطبيعتهم لا يستطيعون أن يمشوا أو يتحرّكوا أو يفعلوا أيَّ شيء، أمّا الآن فصار لهم متنفّس من خلال هذا المعهد لينطلقوا من خلاله إلى مستقبلهم، ويثبتوا وجودهم في المجتمع كأقرانهم.
خُططنا المستقبليّة هي بتوسعة المعهد وإقامة ورش عمليّة وفنّية وخياطة، ونحن بالأصل لدينا ورش للخياطة وللأعمال الفنّية، وقد شاركنا من خلالها في معارض خارج كربلاء المقدّسة كمعرض الجامعة المستنصريّة ومعرض وزارة التربية في كربلاء، كذلك لدينا احتفالٌ سنويّ مع التربية الخاصّة ونطمح إلى الأكثر.