عَزَم يوسف على فعل المعصية وسولت له نفسه ذلك بنص القرآن ولكن الله عصمه |
841
09:43 صباحاً
التاريخ: 25-12-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-12-2017
1207
التاريخ: 9-11-2017
1042
التاريخ: 27-11-2017
821
التاريخ: 18-12-2017
653
|
[نص الشبهة] : في قوله تعالى حاكيا عن يوسف عليه السلام وامرأة العزيز : {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24] دلالة واضحة على نية ارتكاب المعصية من يوسف لأنه هم بها لولا تدخل ارادة الله في الوقت المناسب ؟
[جواب الشبهة] : ان الهم في اللغة ينقسم إلى وجوه : منها العزم على الفعل كقوله تعالى : {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} [المائدة: 11] اي ارادوا ذلك وعزموا عليه.
قال الشاعر : هممت ولم افعل وكدت وليتني * تركت على عثمان تبكي حلائله .
ومثله قول الخنساء : وفضل مرداسا على الناس حلمه * وان كل هم همه فهو فاعله .
ومثله قول حاتم الطائي : ولله صلعوك يساور همه * ويمضي على الايام والدهر مقدما .
ومن وجوه الهم : خطور الشئ بالبال وان لم يقع العزم عليه قال الله تعالى : {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] وانما اراد تعالى ان الفشل خطر ببالهم ، ولو كان الهم في هذا المكان عزما ، لما كان الله تعالى ولا هما لأنه تعالى يقول : {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16] وارادة المعصية ، والعزم عليها معصية وقد تجاوز ذلك قوم حتى قالوا ان العزم على الكبيرة كبيرة وعلى الصغيرة صغيرة وعلى الكفر كفر ولا يجوز ان يكون الله تعالى ولي من عزم على الفرار عن نصرة نبيه صلى الله عليه وآله واسلامه إلى السوء ، ومما يشهد ايضا بذلك قول كعب بن زهير :
فكم فيهم من سيد متوسع * ومن فاعل للخير ان هم أو عزم .
ففرق كما ترى بين الهم والعزم ، وظاهر التفرقة قد يقتضي اختلاف المعنى.
ومن وجوه الهم ان يستعمل بمعنى المقاربة ، فيقولون هم بكذا وكذا اي كاد ان يفعله. قال ذو الرمة :
أقول لمسعود بجرعاء مالك * وقد هم دمعي ان يلج اوائله
والدمع لا يجوز عليه العزم ، وإنما اراد انه كاد وقرب.
وقال ابو الاسود الدؤلي : وكنت متى تهمم يمينك مرة * لتفعل خيرا تقتفيها شمالكا .
وعلى هذا خرج قوله تعالى جدارا يريد ان ينقض اي يكاد.
قال الحارثي : يريد الرمح صدر أبي براء * ويرغب عن دماء بني عقيل .
ومن وجوه الهم الشهوة وميل الطباع ، لان الانسان قد يقول فيما يشتهيه ويميل طبعه إليه : ليس هذا من همي وهذا أهم الاشياء الي ، والتجوز باستعمال الهمة مكان الشهوة ظاهر في اللغة ، وقد روي هذا التأويل عن الحسن البصري قال : أما همها فكان اخبث الهم ، واما همه (عليه السلام) فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء.
فإذا كانت وجوه هذه اللفظة مختلفة متسعة على ما ذكرناه نفينا عن نبي الله ما لا يليق به وهو العزم على القبيح ، واجزنا باقي الوجوه لان كل واحد منها يليق بحاله.
فإن قيل : فهل يسوغ حمل الهم في الآية على العزم والارادة؟ ويكون مع ذلك لها وجه صحيح يليق بالنبي (عليه السلام)؟. قلنا : نعم ، متى حملنا الهم ههنا على العزم ، جاز أن نعلقه بغير القبيح ويجعله متناولا لضربها أو دفعها عن نفسه ، كما يقول القائل : قد كنت هممت بفلان ، أي بأن اوقع به ضربا أو مكروها.
فإن قيل : فأي فائدة على هذا التأويل في قوله تعالى : {لوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [يوسف: 24] والدفع لها عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها؟
قلنا : يجوز ان يكون لما هم بدفعها وضربها ، اراه الله تعالى برهانا على انه ان اقدم على من هم به اهلكه اهلها وقتلوه ، أو أنها تدعي عليه المراودة على القبيح ، وتقذفه بأنه دعاها إليه وضربها لامتناعها منه ، فأخبر الله تعالى أنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل والمكروه ، أو ظن القبيح به أو اعتقاده فيه.
فإن قيل : هذا الجواب يقضي لفظة (لولا) يتقدمها في ترتيب الكلام ، ويكون التقدير لولا أن رأى برهان ربه لهم بضربها ، وتقدم جواب (لولا) قبيح ، أو يقتضي أن يكون (لولا) بغير جواب .
قلنا : اما جواب (لولا) فجائز مستعمل ، وسنذكر ذلك فيما نستأنفه من الكلام عند الجواب المختص بذلك ، ونحن غير مفتقرين إليه في جوابنا هذا ، لان العزم على الضرب والهم به قد وقع ، إلا انه انصرف عنه بالبرهان الذى رآه ، ويكون تقدير الكلام وتلخيصه : «ولقد همت به وهم بدفعها لولا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك». فالجواب المتعلق بلولا محذوف في الكلام ، كما يحذف الجواب في قوله تعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور: 20] ، معناها : ولولا فضل الله عليكم ورحمته ، وأن الله رؤوف رحيم لهلكتم ، وملثه {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ } [التكاثر: 5، 6] معناها لو تعلمون علم اليقين لم تتنافسوا في الدنيا ولم تحرصوا على حطامها.
وقال امروء القيس : فلو انها نفس تموت سوية * ولكنها نفس تساقط انفسا .
اراد فلو أنها نفس تموت سوية لتقضت وفنيت ، فحذف الجواب تعويلا على ان الكلام يقتضيه ويتعلق به. على أن من حمل هذه الاية على الوجه الذى لا يليق بنبى الله ، وأضاف العزم على المعصية إليه ، لا بد له من تقدير جواب محذوف. ويكون التقدير على تأويله : ولقد همت بالزنى وهم بمثله ، لولا أن رأى برهان ربه لفعله.
فان قيل : متى علقتم العزم في الآية والهم بالضرب أو الدفع كان ذلك مخالفا للظاهر.
قلنا : ليس الامر على ما ظنه هذا السائل ، لان الهم في هذه الاية متعلق بما لا يصح ان يتعلق به العزم والارادة على الحقيقة ، لأنه تعالى قال : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: 24] فتعلق الهم في ظاهر الكلام بذواتهما ، والذات الموجودة الباقية لا يصح ان تراد ويعزم عليها ، فلا بد من تقدير امر محذوف يتعلق العزم به مما يرجع اليهما ويختصان به ورجوع الضرب والدفع اليهما كرجوع ركوب الفاحشة فلا ظاهر للكلام يقتضي خلاف ما ذكرناه ، ألا ترى ان القائل إذا قال : قد هممت بفلان فظاهر الكلام يقتضي تعلق عزمه وهمه إلى أمر يرجع إلى فلان ، وليس بعض الافعال بذلك اولى من بعض ، فقد يجوز ان يريد انه هم بقصده أو باكرامه أو بإهانته أو غير ذلك من ضروب الافعال ، على انه لو كان للكلام ظاهر يقتضى خلاف ما ذكرناه ، وان كنا قد بينا ان الامر بخلاف ذلك لجاز ان نعدل عنه ونحمله على خلاف الظاهر ، للدليل العقلي الدال على تنزيه الانبياء عليهم السلام عن القبائح.
فإن قيل : الكلام في قوله تعالى : (ولقد همت به وهم بها) خرج مخرجا واحدا فلم جعلتم همها به متعلقا بالقبح؟ وهمه بها متعلقا بالضرب والدفع على ما ذكرتم؟ قلنا : أما الظاهر ، فلا يدل الامر الذي تعلق به الهم والعزم منهما جميعا ، وإنما اثبتنا همها به متعلقا بالقبيح لشهادة الكتاب ، والآثار بذلك. وهى ممن يجوز عليها فعل القبيح ، ولم يؤمن دليل ذلك من جوازه عليها كما أمن ذلك فيه (عليه السلام) ، والموضع إلى يشهد بذلك من الكتاب قوله تعالى : { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [يوسف: 30] وقوله تعالى : {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف: 23] وقوله تعالى حاكيا عنها { الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 51] وفى موضع آخر : { قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: 32] والآثار واردة باطباق مفسري القرآن ومتأوليه ، على أنها همت بالمعصية والفاحشة ، وأما هو عليه السلام فقد تقدم من الادلة العقلية ما يدل على انه لا يجوز ان يفعل القبيح ولا يعزم عليه. وقد استقصينا ذلك في صدر هذا الكتاب. فأما ما يدل من القرآن ، على انه عليه السلام ما هم بالفاحشة ولا عزم عليها فمواضع كثيرة منها قوله تعالى : {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ } [يوسف: 24] وقوله تعالى {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52] ولو كان الامر كما قال الجهال من جلوسه منها مجلس الخائن وانتهائه إلى حل السراويل وحوشي من ذلك ، لم يكن السوء والفحشاء منصرفين عنه ، ولكان خائنا بالغيب ، وقوله تعالى حاكيا عنها : {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: 32] وفي موضع آخر : {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 51] وقول العزيز لما رأى القميص قد من دبر { إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28] فنسب الكيد إلى المرأة دونه ، وقوله تعالى حاكيا عن زوجها لما وقف على ان الذنب منها وبراءة يوسف (عليه السلام) منه : {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف: 29] وعلى مذهبهم الفاسد ان كل واحد منهما مخطئ فيجب ان يستغفر فلم اختصت بالاستغفار دونه ، وقوله تعالى حاكيا عنه : {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: 33، 34] فالاستجابة تؤذن ببراءته من كل سوء ، وتنبئ أنه لو فعل ما ذكروه لكان قد يصرف عنه كيدهن. وقوله تعالى : {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ } [يوسف: 51] والعزم على المعصية من أكبر السوء ، وقوله تعالى حاكيا عن الملك : {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: 54] ولا يقال ذلك فيمن فعل ما ادعوه عليه.
فإن قيل : فأي معنى لقول يوسف : {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } [يوسف: 53].
قلنا : انما أراد الدعاء والمنازعة والشهوة ولم يرد العزم على المعصية ، وهو لا يبرئ نفسه مما لا تعرى منه طباع البشر. وفى ذلك جواب آخر اعتمده ابو على الجبائى واختاره ، وان كان قد سبق إليه جماعة من اهل التأويل وذكروه ، وهو ان هذا الكلام الذي هو «وما ابرئ نفسي إن النفس لإمارة بالسوء» إنما هو من كلام المرأة لا من كلام يوسف عليه السلام. واستشهدوا على صحة هذا التأويل بأنه منسوق على الكلام المحكي عن المرأة بلا شك.
ألا ترى انه تعالى قال : {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف :51-53] فنسق الكلام على كلام المرأة وعلى هذا التأويل يكون التبرؤ من الخيانة الذى هو ذلك «ليعلم انى لم اخنه بالغيب» من كلام المرأة لا من كلام يوسف (عليه السلام) ويكون المكنى عنه في قولها (انى لم اخنه بالغيب) هو يوسف (عليه السلام) دون زوجها ، لان زوجها قد خانته في الحقيقة بالغيب ، وانما ارادت انى لم اخن يوسف (عليه السلام) وهو غائب في السجن ، ولم أقل فيه لما سئلت عنه وعن قصتي معه الا الحق ، ومن جعل ذلك من كلام يوسف (عليه السلام) جعله محمولا على انى لم اخن العزيز في زوجته بالغيب ، وهذا الجواب كأنه اشبه بالظاهر ، لان الكلام معه لا ينقطع عن اتساقه وانتظامه. فإن قيل : فأي معنى لسجنه إذا كان عند القوم متبرئا من المعصية متنزها عن الخيانة قلنا : قد قيل ان العلة في ذلك الستر على المرأة والتمويه والكتمان لأمرها حتى لا تفتضح وينكشف أمرها لكل أحد ، والذى يشهد بذلك قوله تعالى : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف: 35] وجواب آخر في الآية على ان الهم فيها هو العزم ، وهو ان يحمل الكلام على التقديم والتأخير ، ويكون تلخيصه «ولقد همت به ولولا ان رأى برهان ربه لهم بها» ويجرى ذلك مجرى قولهم : قد كنت هلكت لولا ان تداركتك ، وقتلت لولا انى قد خلصتك والمعنى لولا تداركي لهلكت ولولا تخليصي لقتلت ، وإن لم يكن وقع في هلاك ولا قتل.
قال الشاعر : ولا يدعنى قومي صريخا لحرة * لئن كنت مقتولا ويسلم عامر وقال الآخر : فلا يدعنى قومي ليوم كريهة * لئن لم اعجل طعنه أو اعجل فقدم جواب لئن في البيتين جميعا. وقد استبعد قوم تقديم جواب لولا عليها ، وقالوا لو جاز ذلك لجاز قولهم ، قام زيد لولا عمرو ، وقصدتك لولا بكر. وقد بينا بما اوردناه من الامثلة والشواهد جواز تقديم جواب لولا ، وان القائل قد يقول قد كنت قمت لولا كذا وكذا ، وقد كنت قصدتك لولا ان صدني فلان ، وان لم يقع قيام ولا قصد. وهذا هو الذي يشبه الآية دون ما ذكروه من المثال. وبعد ، فان في الكلام شرطا وهو قوله تعالى : (لو لا ان رأى برهان ربه) ، فكيف يحمل على الاطلاق مع حصول الشرط؟ فليس لهم ان يجعلوا جواب لولا محذوفا ، لان جعل جوابها موجودا أولى. وليس تقديم جواب لولا بأبعد من حذفه جملة من الكلام. وإذا جاز عندهم الحذف لئلا يلزم تقديم الجواب جاز لغيرهم تقديم الجواب حتى لئن لا يلزم الحذف.
فإن قيل : فما البرهان الذى رآه يوسف عليه السلام حتى انصرف لاجله عن المعصية ، وهل يصح ان يكون البرهان ما روي من ان الله تعالى اراه صورة ابيه يعقوب (عليه السلام) عاضا على اصبعه متوعدا له على مقاربة المعصية ، أو يكون ما روي من ان الملائكة نادته بالنهي والزجر في الحال فأنزجر. قلنا : ليس يجوز ان يكون البرهان الذي رآه فانزجر به عن المصعية ما ظنه العامة من الامرين اللذين ذكرناهما ، لان ذلك يفضي إلى الالجاء وينافي التكليف ويضاد المحنة ، ولو كان الامر على ما ظنوه لما كان يوسف عليه السلام يستحق بتنزيهه عما دعته إليه المرأة من المعصية مدحا ولا ثوابا ، وهذا من اقبح القول فيه (عليه السلام) ، لان الله تعالى قد مدحه بالامتناع عن المعصية واثنى عليه بذلك فقال تعالى : (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين) ، فأما البرهان ، فيحتمل ان يكون لطفا لطف الله تعالى به في تلك الحال أو قبلها ، فاختار عنده الامتناع من المعاصي والتنزه عنها ، وهو الذي يقتضى كونه معصوما لان العصمة هي ما اختير (ما اختار) عنده من الالطاف ، التنزه عن القيح والامتناع من فعله. ويجوز ان يكون معنى الرؤية ههنا بمعنى العلم ، كما يجوز ان يكون بمعنى الادراك ، لان كلا الوجهين يحتمله القول. وذكر آخرون : ان البرهان ههنا انما هو دلالة الله تعالى ليوسف (عليه السلام) على تحريم ذلك الفعل ، وعلى ان من فعله استحق العقاب لان ذلك ايضا صارف عن الفعل ومقو لدواعي الامتناع منه وهذا ايضا جايز.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|