أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-3-2017
858
التاريخ: 3-08-2015
1211
التاريخ: 3-08-2015
1737
التاريخ: 16-11-2017
819
|
(مسألة) : إن قال قائل : فما معنى قوله تعالى حاكيا عن ابراهيم : {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] أوليس هذا الكلام والطلب من ابراهيم (عليه السلام) يدلان على أنه لم يكن موقنا بأن الله تعالى يحيي الموتى؟ وكيف يكون نبيا من يشك في ذلك؟ أوليس قد روى المفسرون ان ابراهيم (عليه السلام) مر بحوت نصفه في البر ونصفه في البحر ، ودواب البر والبحر تأكل منه ، فأخطر الشيطان بباله استبعاد رجوع ذلك حيا مؤلفا ، مع تفرق اجزائه وانقسام أعضائه في بطون حيوان البر والبحر؟ فشك فسأل الله تعالى ما تضمنته الآية ، وروى ابو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : نحن احق بالشك من ابراهيم (عليه السلام).
(الجواب) : قيل له ليس في الآية دلالة على شك ابراهيم في احياء الموتى ، وقد يجوز ان يكون (عليه السلام) إنما سأل الله تعالى ذلك ليعلمه على وجه يبعد عن الشبهة ، ولا يعترض فيه شك ولا ارتياب. وإن كان من قبل قد علمه على وجه للشبهة فيه مجال ، ونحن نعلم ان في مشاهدة ما شاهده ابراهيم من كون الطير حيا ثم تفرقه وتقطعه وتباين اجزائه ثم رجوعه حيا كما كان في الحال الاولى ، من الوضوح وقوة العلم ونفي الشبهة ما ليس لغيره من وجوه الاستدلالات ، وللنبي (عليه السلام) أن يسأل ربه تخفيف محنته وتسهيل تكليفه. والذي يبين صحة ما ذكرناه قوله تعالى : (أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي).
فقد أجاب ابراهيم بمعنى جوابنا بعينه ، لأنه بين أنه لم يسأل ذلك لشك فيه وفقد ايمان به ، وإنما أراد الطمأنينة ، وهي ما أشرنا إليه من سكون النفس وانتفاء الخواطر والوساوس والبعد عن اعتراض الشبهة.
ووجه آخر : وهو انه قد قيل انه الله تعالى لما بشر ابراهيم عليه السلام بخلته واصطفائه واجتبائه ، سأل الله تعالى ان يريه احياء الموتى ليطمئن قلبه بالخلة ، لان الانبياء عليهم السلام لا يعلمون صحة ما تضمنه الوحي إلا بالاستدلال ، فسأل احياء الموتى لهذا الوجه لا للشك في قدرة الله تعالى على ذلك.
ووجه آخر : وهو أن نمرود بن كنعان لما قال لإبراهيم عليه السلام : انك تزعم ان ربك يحيي الموتى ، وأنه قد قال : ارسلك الي لتدعوني إلى عبادته ، فاسأله ان يحيي لنا ميتا ان كان على ذلك قادرا ، فإن لم يفعل قتلتك. قال ابراهيم (عليه السلام) : (رب ارني كيف تحيي الموتى) فيكون معنى قوله : (ولكن ليطمئن قلبي) على هذا الوجه ، أي لآمن من القتل ويطمئن قلبي بزوال الروع والخوف.
وهذا الوجه الذي ذكرناه وإن لم يكن مرويا على هذا الوجه فهو مجوز ، وإن اجاز صلح ان يكون وجها في تأويل الآية مستأنفا متابعا.
ووجه آخر : وهو أنه يجوز ان يكون ابراهيم انما سأل احياء الموتى لقومه ليزول شكهم في ذلك وشبهتهم ويجري مجرى سؤال موسى (عليه السلام) الرؤية لقومه ، ليصدر منه تعالى الجواب على وجه يزيل منه شبهتهم في جواز الرؤية عليه تعالى ، ويكون قوله ليطمئن قلبي على هذا الوجه ، معناه ان نفسي تسكن إلى زوال شكهم وشبهتهم ، أو ليطمئن قلبي إلى اجابتك إياي فيما اسألك فيه.
وكل هذا جائز ، وليس في الظاهر ما يمنع منه ، لان قوله : (ولكن ليطمئن قلبي) ما تعلق في ظاهر الآية بأمر لا يسوغ العدول عنه مع التمسك بالظاهر ، وما تعلقت هذه الطمأنينة به غير مصرح بذكره ، قلنا ان تعلقه بكل امر يجوز ان يتعلق به.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى اولم تؤمن؟ وهذا اللفظ استقبال وعندكم أنه كان مؤمنا فيما مضى.
قلنا معنى ذلك أولم تكن قد آمنت؟ والعرب تأتي بهذا اللفظ ، وان كان في ظاهره الاستقبال ، وتريد به الماضي. فيقول احدهم لصاحبه : أولم تعاهدني على كذا وكذا ، وتعاقدني على ان لا تفعل كذا وكذا؟ وإنما يريد الماضي دون المستقبل.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260] ؟
قلنا قد اختلف اهل العلم في معنى قوله تعالى (فصرهن اليك) ، فقال قوم : معنى قوله فصرهن : ادنهن واملهن.
قال الشاعر في وصف الابل :
تظل معقلات السوق خرصا * تصور انوفها ريح الجنوب
أراد ان ريح الجنوب تميل انوفها وتعطفها.
وقال الطرماح :
عفايف اذيال أوان يصرها * هوى والهوى للعاشقين صؤر .
ويقول القائل لغيره : صر وجهك الي ، أي اقبل به علي.
ومن حمل الآية على هذا الوجه لابد ان يقدر محذوفا في الكلام يدل عليه سياق اللفظ ، ويكون تقدير الكلام : خذ اربعة من الطير فأملهن اليك ثم قطعهن ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا.
وقال قوم ان معنى صرهن اي قطعهن وفرقهن ، واستشهدوا بقول توبة بن الحمير :
فلما جذبت الحبل لطت نسوعه * بأطراف عيدان شديد أسورها
فادنت لي الاسباب حتى بلغتها * بنهضي وقد كاد ارتقائي يصورها
وقال الآخر :
يقولون أن الشام يقتل اهله * فمن لي ان لم آته بخلود
تغرب آبائي فهلا صراهم * من الموت ان لم يذهبوا وجدودي
اراد : قطعهم.
والاصل صرى يصري صريا ، من قولهم يأت يصري في حوضه إذا استسقى ثم قطع ، والاصل صرى ، فقدمت اللام وأخرت العين.
هذا قول الكوفيين ، وأما البصريون فإنهم يقولون ان صار يصير ، ويصور بمعنى واحد ، أي قطع.
ويستشهدون بالأبيات التي تقدمت ، وبقول الخنساء : «فظلت الشم منها وهي تنصار» وعلى هذا الوجه لابد في الكلام من تقديم وتأخير ، ويكون التقدير : فخذ اربعة من الطير إليك فصرهن اي قطعهن.
فإليك من صلة خذلان التقطيع لا يعدى بإلى.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : (ثم ادعهن يأتينك سعيا) وهل أمره بدعائهن وهن احياء أو اموات؟ وعلى كل حال فدعاؤهن قبيح ، لان أمر البهائم التي لا تعقل ولا تفهم قبيح. وكذلك امرهن وهن اعضاء متفرقة اظهر في القبح.
قلنا : لم يرد ذلك إلا حال الحياة دون التفرق والتمزق.
فأراد بالدعاء الاشارة إلى تلك الطيور. فإن الانسان قد يشير إلى البهيمة بالمجيء أو الذهاب فتفهم عنه. ويجوز ان يسمي ذلك دعاء. اما على الحقيقة أو على المجاز. وقد قال ابو جعفر الطبري أن ذلك ليس بأمر ولا دعاء ، ولكنه عبارة عن تكوين الشئ ووجوده ، كما قال تعالى في الذين مسخهم : {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] وانما أخبر عن تكوينهم كذلك من غير امر ولاء دعاء ، فيكون المعنى على هذا التأويل. ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ، فإن الله تعالى يؤلف تلك الاجزاء ويعيد الحياة فيها ، فيأتينك سعيا ، وهذا وجه قريب .
فإن قيل على الوجه الاول : كيف يصح ان يدعوها وهي احياء؟ وظاهر الآية يشهد بخلاف ذلك ، لانه تعالى قال : (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا). وقال عقيب هذا الكلام من غير فصل : (ثم ادعهن يأتينك سعيا) فدل ذلك على ان الدعاء توجه اليهن وهن اجزاء متفرقة.
قلنا : ليس الامر على ما ذكر في السؤال ، لان قوله : (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) لابد من تقدير محذوف بعده ، وهو : (فإن الله يؤلفهن ويحييهن ثم ادعهن يأتينك سعيا). ولابد لمن حمل الدعاء لهن في حال التفرق وانتفاء الحياة من تقدير محذوف في الكلام عقيب قوله :(ثم ادعهن) لانا نعلم ان تلك الاجزاء والاعضاء لا تأتي عقيب الدعاء بلا فصل ، ولابد من ان يقدر في الكلام عقيب قوله ثم ادعهن ، فإن الله تعالى يؤلفهن ويحييهن فيأتينك سعيا.
فأما ابو مسلم الاصفهاني فإنه فرارا من هذا السؤال حمل الكلام على وجه ظاهر الفساد. لأنه قال ان الله تعالى أمر ابراهيم (عليه السلام) بأن يأخذ اربعة من الطيور ، ويجعل على كل جبل طيرا ، وعبر بالجزء عن الواحد من الاربعة ، ثم امره بأن يدعوهن وهن احياء من غير اماتة تقدمت ولا تفرق من الاعضاء ، ويمرنهن على الاستجابة لدعائه ، والمجيء إليه في كل وقت يدعوها فيه. ونبه ذلك على انه تعالى إذا أراد احياء الموتى وحشرهم اتوه من الجهات كلها مستجيبين غير ممتنعين كما تأتي هذه الطيور بالتمرين والتعويد.
وهذا الجواب ليس بشئ لان ابراهيم عليه السلام انما سأل الله ان يريه كيف يحيي الموتى ، وليس في مجئ الطيور وهن احياء بالعادة والتمرين ، دلالة على ما سئل عنه ولا حجة فيه. وإنما يكون في ذلك بيانا لمسألته إذا كان على الوجه الذي ذكرناه.
فان قيل إذا كان انما امره بدعائهن بعد حال التأليف والحياة ، فأي فايدة في الدعاء وهو قد علم لما رآها تتألف أعضاءها من بعد وتتركب انها قد عادت إلى حال الحياة؟ فلا معنى في الدعاء إلا أن يكون متناولا لها وهي متفرقة.
قلنا للدعاء فائدة بينة ، لأنه لا يتحقق من بعد رجوع الحياة إلى الطيور وان شاهدها متألفة ، وإنما يتحقق ذلك بأن تسعى إليه وتقرب منه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|