أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-03-2015
2207
التاريخ: 2024-09-28
159
التاريخ: 2024-09-28
171
التاريخ: 2023-04-05
1168
|
ينعى الإمام على الثقافة القرآنية أنّها حوّلت التفسير بالرأي إلى
حجاب كبير يحول دون الانفتاح على كتاب اللّه، وذلك من جهتين على الأقلّ ، هما :
الاولى : الخلط بين التفسير بالرأي وبين عملية التدبّر بآيات القرآن والتفكّر
بها، للتزوّد من معاني كتاب اللّه وعطايا القرآن ومواهبه . فالأوّل هو الممنوع، في
حين أنّ الثانية هي حالة مشروعة تضع الإنسان في أفق رحب من المعاني المتكثّرة التي
لا نهاية لها.
الثانية : عدم تحرير النزاع في تحديد المراد من التفسير بالرأي على نحو دقيق،
وما يؤدّي إليه ذلك من خلط والتباس يفضي بدوره إلى تبعات سلبية على علاقة الإنسان
مع كتاب اللّه.
من التحديدات الرئيسية التي ينطلق منها
الإمام هي الاستناد إلى معنى محدّد للتفسير لكي يتضح ما سواه. وتفسير الكتاب عنده ،
هو : «شرح مقاصد ذلك الكتاب» (1) ، ومن ثمّ فإنّ «المفسّر يكون
مفسّرا حين يفهمنا المقصد من النزول» (2).
على ضوء هذا التحديد يستنتج سماحته : «إنّ
الاستفادات الأخلاقية والإيمانية والعرفانية لا شأن لها بالتفسير أبدا ، فكيف
بالتفسير بالرأي!» (3).
يضرب الإمام لهذه الحالة مثالا تطبيقيا،
يقول فيه : «مثلا، إذا ما استفاد أحد من طبيعة مباحثات حضرة موسى مع الخضر، وكيفية
معاشرتهما، وشدّ حضرة موسى رحاله إليه مع مقام النبوّة العظيم الذي يحظى به ، لكي
يحصل على ذلك العلم الذي لم يكن عنده، ثمّ إذا ما تأمّل بكيفية عرض موسى لحاجته
على حضرة الخضر، وذلك بالطريقة المذكورة في الكريمة الشريفة : {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ
تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف : 66] ، وكيفية جواب الخضر، وضروب
الاعتذار التي ساقها حضرة موسى؛ إذا ما استفاد الإنسان من التفكير بكلّ ذلك جلال
مقام العلم، وآداب سلوك المتعلّم مع المعلّم، ممّا قد يصل في الآيات المذكورة إلى
عشرين أدبا؛ فأيّ صلة لذلك كلّه بالتفسير، فضلا عن أن يكون تفسيرا بالرأي!»(4).
ينعطف الإمام إلى مثال تطبيقي آخر، يقول فيه
: «و في المعارف مثلا، إذا ما استفاد أحد من قول اللّه تعالى : {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعالَمِينَ} [الفاتحة : 1] الذي حصر جميع المحامد للّه وخصّ الأثنية [من
الثناء] بتمامها بالحقّ تعالى؛ التوحيد الأفعالي، وقال بأنّه يستفاد من الآية
الشريفة أنّ كلّ ما موجود في العالم من كمال وجمال ، وكلّ ما فيه من عزّة وجلال،
ممّا تنسبه العين الحولاء والقلب المحجوب إلى الموجودات ، هي من الحقّ تعالى، وليس
لموجود شيء من قبل نفسه ، ولهذا فإنّ المحمدة والثناء خاصّان بالحقّ لا يشاركه
فيهما أحد ؛ إذا استفاد الإنسان من الآية هذه المعاني فما علاقة ذلك بالتفسير، فضلا
عن أن يكون اسمه تفسيرا بالرأي أو لا يكون!» (5).
يعقّب الإمام على هذين المثالين ، بقوله :
«إنّ كثيرا من استفادات القرآن هي من هذا القبيل» (6) ، ليضيف بعدئذ : «إلى غير ذلك من الامور
التي تستفاد من لوازم الكلام، ولا تعدّ تفسيرا كما لا شأن لها بالتفسير بأيّ وجه» (7).
إذا كانت الاستفادات التي يخرج بها الإنسان
وهو يعيش أجواء القرآن تقع خارج نطاق التفسير بمعناه العلمي والرسمي، وكذلك حال ما
يعدّ من لوازم الكلام، فإنّ للإمام تحديدا آخر يضيّق من منطقة الرأي الممنوع،
يتمثّل بإخراج ما يتطابق مع العلوم العقلية ويتوافق والموازين البرهانية عن نطاق
هذه الدائرة . وهذا المدار يستوعب آيات المعارف دون آيات الأحكام التي لا دور
للعقل فيها ، بل تؤخذ على سبيل التعبّد المحض. يتحدّث الإمام عن التحديد الجديد،
بقوله : «بالإضافة إلى ذلك هناك كلام في التفسير بالرأي ، إذ ربّما لا يكون هذا
التفسير له صلة بآيات المعارف والعلوم العقلية التي توافق الموازين البرهانية والآيات
الأخلاقية ممّا للعقل فيه دخل. فمثل هذه التفاسير تطابق البرهان العقلي المتين أو
الاعتبارات العقلية الواضحة ، فإذا ما كان ظاهر الكلام على خلافها من اللازم صرف
الكلام عن ذلك الظاهر، مثلا في الكريمة الشريفة : {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر : 22] و{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ
اسْتَوَى}
[طه : 5] اللتين يكون فيهما الفهم العرفي مخالفا للبرهان ، لا يعدّ ردّ هذا الظاهر
والتفسير بما يتطابق البرهان تفسيرا بالرأي، ومن ثمّ هو ليس ممنوعا على الإطلاق» (8).
يواصل الإمام تضييقه لمساحة الرأي الممنوع وهو
يضع محدّدا آخر، يتمثّل بإخراج ما قامت عليه شواهد سمعية قرآنية وحديثية عن هذه
المساحة . وبتعبيره بعد الانتهاء من تفسيره سورة القدر : «إنّ جميع هذه المعارف واللطائف
مستفادة من القرآن الشريف والأحاديث الشريفة ، ولها شواهد سمعية» (9) ومن ثمّ لا يمكن نسبتها إلى الرأي .
لقد ساق الإمام وجوها متعدّدة لمعنى ليلة
القدر وحقيقتها ، ولتنزّل الملائكة والروح (10) ، ثمّ عاد بنفسه ليثير النقطة التالية :
«ربما ظنّ البعض أنّ قسما من مطالب هذه الرسالة تفسير بالرأي» (11) ، فردّ على ذلك بإجابات متعدّدة ، منها أنّه
استمدّ المعاني والوجوه المذكورة من القرآن والحديث ، حيث ثمّ شواهد مكثّفة تدلّ
عليها، ساق بعضها في ثنايا البحث وأغمض عن أغلبها رعاية للاختصار كما ذكر (12) . وما هذا حاله لا يدخل في نطاق التفسير
بالرأي كما قال.
من التحديدات الاخرى التي يرتكز إليها
الإمام في تضييق منطقة التفسير بالرأي ، وفتح المجال للتفاعل مع معاني القرآن وحقائقه
بعيدا عن هذا المحذور، هو بيان مصاديق المفاهيم، والتوغّل في مراتب الحقائق . وكلا
هذين الأمرين لا يدخلان في دائرة التفسير بالرأي ، بل لا علاقة لهما بالتفسير
أساسا ، كما يذهب إلى ذلك سماحته، وهو يكتب : «إنّ بيان المصداق ومراتب الحقائق لا
صلة له بالتفسير، فضلا عن أن يكون تفسيرا بالرأي» (13).
من الخطوات الإجرائية التي استند إليها
الإمام في المجال التفسيري، لكي ينأى عن محذور التورّط بالرأي المنهي عنه، هو
ابتعاده عن لغة الجزم والبتّ القطعي. فلا يكاد يؤثر عنه فيما تركه من تراث تفسيري
أنّه استخدم لغة جزمية بحيث يقطع أنّ المراد من الآية هو ما وصل إليه دون غيره ،
بل تراه يقدّم للنتائج التي يبلغها بكلمة «يحتمل» أو «من المحتمل» ، فيكون ما ذكره
أحد المحتملات ، وذلك رعاية لغاية الاحتياط في الدين كما يقول «وإنّما هو بيان
أحد المحتملات ومن الواضح أنّ أحدا لم يغلق باب الاحتمال ، ومن ثمّ- فإنّ ما
يبلغه- لن يكون متصلا بالتفسير بالرأي» (14).
________________
(1)-
آداب الصلاة : 192.
(2)- نفس المصدر : 193.
(3)- نفس المصدر : 199.
(4)- آداب الصلاة : 199.
(5)- آداب الصلاة : 199.
(6)- نفس المصدر.
(7)- نفس المصدر : 200.
(8)- آداب الصلاة : 200.
(9)- نفس المصدر : 347.
(10)- راجع نفس المصدر : 328- 347.
(11)- نفس المصدر : 347.
(12)- نفس المصدر.
(13)- نفس المصدر.
(14)- نفس المصدر.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|