أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-7-2017
1035
التاريخ: 27-7-2017
2733
التاريخ: 28-7-2017
1263
التاريخ: 12-3-2018
1271
|
محنت الامام وشهادته
بعد محنة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وأكثر من سائر أئمة الهدى من أهل بيت الرسول ، كانت محنة أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام)شديدة وأليمة .
لقد كان الرّشيد يترصده ولا يقدر عليه، ولعله كان يخشى من بعث جيش إليه خوف انقلابه وتحوله إلى صفِّه ، وكانت السرّية التي عمل بها الرساليون تجعل السلطات لا تثق بأقرب الناس إليهم ، فهذا علي بن يقطين وزير الرّشيد ، وذاك وزيره الآخر جعفر بن محمد بن الأشعث شيعيان ، كما كان من بين قيادات جيشه ، وأبرز ولاته على الأمصار من يخفي ولائه لآل البيت (عليه السلام)، فلذلك قرر الذهاب بنفسه إلى المدينة ، لإلقاء القبض عليه ، وأخذ معه قوّاته الخاصة ، بالإضافة إلى جيش من الشعراء ، وعلماء السلاطين ، والمستشارين و. و. كما أنه حمل معه الملايين مما سرقه من المحرومين ، فقسّمها بين الناس لشراء سكوتهم .
وخص منهم رؤساء القبائل ووجوه وأعيان المعارضة.
هكذا ذهب الرّشيد إلى المدينة ليلقي القبض على أعظم معارضي سلطانه الغاصب، لننظر ما فعل:
أولاّ: جلس عدة أيام يستقبل الناس ويأمر لهم بالصِّلات السخية، حتى أشبع بطون المعارضين، ممن كانت معارضتهم للسلطة لأسباب شخصية ومصالح خاصة.
ثانياً: بعث في البلد من يبث الدعايات ضد أعداء السلطان، وأغرى الشعراء وعملاء السلطة من أدعياء الدين بمدح السلطان وإصدار الفتاوى بحرمة محاربته.
ثالثاً : استعرض قوّته لأهل المدينة لكي لا يفكر أحد بمقاومته في هذا الوقت بالذات .
رابعاً: وحينما أكمل استعداده قام شخصياً بتطبيق البند الأخير من خطته الإرهابية، فدخل مسجد رسول الله، ربما في وقت يجتمع الناس لأداء الفريضة، ولا يتخلف عنهم - بالطبع - الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام).
ثم تقدم إلى قبر الرسول وسلم عليه: وقال: السلام عليك يا رسول الله، يا ابن عم.
وكان هدفه إثبات شرعية خلافته لرسول الله ، لتكون سبباً وجيهاً لاعتقال الإمام (عليه السلام)، ولكن الإمام فوّت عليه هذه الفرصة ، وشق الصفوف حتى تقدمها وتوجه إلى القبر الشريف وقال في ذهول الجميع : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا جدّاه .
فلإن كان رسول الله ابن عمك يا سلطان الجور ، وإنّك تدّعي شرعية سلطتك بانتمائك النسبي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فإنه أقرب إليّ ، فهو جدي وأنا أحقَّ بخلافته منك .
ولكن الرّشيد استدرك الموقف وقال وهو يبرّر عزمه على اعتقال الإمام بالقول:
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إني أعتذر إليك من أمر عزمت عليه، وإني أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه، لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حرباً تسفك فيها دماؤهم.
فلما كان اليوم التالي أرسل إليه الفضل بن الربيع وهو قائم يصلي في مقام رسول الله، فأمر بالقبض عليه وحبسه (1).
وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في أحدهما ، ووجّه مع كل واحدة منهما خيلاً فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ، ليعمي على الناس امره ، وكان الإمام في القبة التي مضت على البصرة ، وأمر الرسول أن يسلم إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان والياً يومئذ على البصرة فمضى به فحبسه عنده سنة .
ثم كتب إلى الرّشيد أن خذه منّي ، وسلّمه إلى من شئت ، وإلاّ خلّيت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة ، فما أقدر على ذلك ، حتى أني لأتسمّع عليه إذا دعا لعله يدعو عليّ أو عليك فما أسمعه يدعو إلاّ لنفسه ، يسأله الرحمة والمغفرة ، فوجّه من تسلمه منه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد ، فبقي عنده مدة طويلة ، وأراده الرّشيد على شيء من أمره فأبى ، فكتب بتسليمه إلى الفضل بن يحيى ، فتسلّمه منه وأراد ذلك منه فلم يفعل ، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة ، وهو حينئذ بالرقة .
فأنفذ مسروراً الخادم إلى بغداد على البريد، وامره أن يدخل من فوره إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) فيعرف خبره ، فإن كان الأمر على ما بلغه أوصل كتاباً منه إلى العباس بن محمد وأمره بامتثاله، وأوصل منه كتاباً آخر إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس (2).
وتمضي الرواية التاريخية لتقول : وبلغ يحيى بن خالد فركب إلى الرّشيد ودخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه ، حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر ، ثم قال : التفت إليّ يا أمير المؤمنين فأصغى إليه فزعاً، فقال له: إن الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد، فانطلق وجهه وسرّ وأقبل على الناس فقال : إن الفضل كان عصاني في شيء فلعنته وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه ، فقالوا له : نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت وقد توليناه . ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى أتى بغداد فماج الناس وأرجفوا بكل شيء، فأظهر أنه ورد لتعديل السواد، والنظر في أمر العمّال وتشاغل ببعض ذلك، ودعا السندي فأمره فيه بأمره ، فامتثل وسأل موسى (عليه السلام) السندي عند وفاته أن يحضره مولى له ينزل عند دار العبّاس بن محمد في أصحاب القصب ليغسله ، ففعل ذلك ، قال : وسألته أن يأذن لي أن أكفّنه فأبى وقال :
(إنا أهل البيت مهور نسائنا وحجّ صرورتنا، وأكفان موتانا من طاهر أموالنا، وعندي كفني) .
فلما مات أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره فنظروا إليه ولا أثر به، وشهدوا على ذلك وأخرج فوضع على الجسر ببغداد، ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه، فجعل الناس يتفرّسون في وجهه وهو (عليه السلام) ميت .
قال : وحدّثني رجل من بعض الطالبيّين أنه نودي عليه: هذا موسى بن جعفر الذي تَزعم الرافضة أنه لا يموت ، فانظروا إليه ، فنظروا إليه .
قالوا: وحمل فدفن في مقابر قريش، فوقع قبره، إلى جانب رجل من النوفلِّيين يقال له عيسى بن عبد الله (3).
وتنقل الروايات التاريخية: أن الإمام (عليه السلام) كان يتصل بشيعته وأهل دعوته من السجون التي يتناقل فيها ، ويأمرهم بأمره ، كما انه كان يجيب عن مسائلهم السياسية ، والفقهية .
وقد نتساءل: كيف كان (عليه السلام) يتصل بهم، لعله بطرق غيبية، ولكن أحاديث كثيرة تبيّن لنا أن أكثر من سجن عندهم الإمام (عليه السلام) قالوا بإمامته، بالرغم من أن السلطة كانت تختار سجّانه من بين أغلظ الناس وأكثرهم ولاءً لها ، لما كانوا يرونه فيه من شدة الإجتهاد في العبادة ، وغزارة العلم ومكارم الأخلاق ، ولما كانوا يرونه منه من كرامات .
وفي كتاب الأنوار قال العامري : إن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية وصيفة ، لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن ، فقال قل له: { بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } (النَّمْل/36).
لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها ، قال : فاستطار هارون غضباً وقال: إرجع إليه وقل له : ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخذناك، واترك الجارية عنده وانصرف، قال : فمضى ورجع ، ثم قام هارون عن مجلسه وأنفذ الخادم إليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول : قدوس سبحانك سبحانك .
فقال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر بسحره، عليّ بها، فأتي بها وهي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها فقال: ما شأنك ؟ قالت: شأني الشأن البديع، إنّي كنت عنده واقفة وهو قائم يصلي ليله ونهاره، فلما انصرف عن صلاته بوجهه وهو يسبح الله ويقدّسه قلت: يا سيدي هل لك حاجة أعطيكها ؟ قال : وما حاجتي إليك ؟ قلت : إني أدخلت عليك لحوائجك قال : فما بال هؤلاء ؟ قالت : فالتفت فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري، ولا أولها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصائف لم أرَ مثل وجوههم حسناً ، ولا مثل لباسهم لباساً ، عليهم الحرير الأخضر ، والأكاليل والدرّ والياقوت ، وفي أيديهم الأباريق والمناديل ومن كل الطعام ، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت .
قال: فقال هارون: يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك ؟ قالت : لا والله يا سيدي إلاّ قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك ، فقال الرّشيد : إقبض هذه الخبيثة إليك ، فلا يسمع هذا منها أحد ، فأقبلت في الصلاة ، فإذا قيل لها في ذلك قالت : هكذا رأيت العبد الصالح (عليه السلام)، فسئلت عن قولها قالت : إني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح ، حتى ندخل عليه فنحن له دونك ، فما زالت كذلك حتى ماتت ، وذلك قبل موت موسى بأيام يسيرة .
هذه هي كرامة الإمام (عليه السلام)على الله، وتلك هي عاقبة الرّشيد الظَّالم الطَّاغي.
نسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا ممن يتولى أوليائه ، ويتبرأ من أعدائه ، ويسير على نهجهم أئمة الهدى من آل محمد ( صلى الله عليه وعليهم اجمعين ) والحمد لله رب العالمين .
__________
(1) المصدر : ( ص 213 )
(2) المصدر : ( ص 233) .
(3) المصدر : ( ص 234 ) نقلاً عن كتاب الغيبة للطوسي : ( ص 22 ).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|