المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

ماذا تفعل لو كنت احد هؤلاء الآباء؟
14-11-2016
ولاية علي براءةٌ من النار
12-02-2015
قصة القرية الخاوية
2-06-2015
الافكار الرئيسة في سورة الماعون
2024-07-26
غزوة الحديبية
4-12-2016
سلطة الرئيس الإداري في ترقية المرؤوس والنقل والندب
2023-10-25


ابن بشر الآمدي والصورة الأدبية  
  
2162   11:33 صباحاً   التاريخ: 26-7-2017
المؤلف : علي علي مصطفى صبح
الكتاب أو المصدر : في النقد الأدبي
الجزء والصفحة : ص :167-177
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-3-2018 2513
التاريخ: 22-3-2018 15397
التاريخ: 23-3-2018 2168
التاريخ: 19-1-2020 1974


والآمدي (1) في تحديده للنظم، والاهتمام به، وعنايته بالصورة الجزئية كمعاصرة القاضي على بن عبد العزيز الجرجاني، ويتفق معه في جميع الوجوه التي ستأتي ولكن

معالم الصورة عنده زادت وضوحًا أكثر من القاضي، كما سيظهر من خلال اهتمامه باللفظ والمعنى "أي النظم" والصورة التي تقوم عليها معًا، وسنعرض اتجاهه على النحو التالي:
أولًا: رجع الآمدي البحتري على أبي تمام في شعره، وذكر أدلة قوية تؤيّد اتجاهه حيث فرق فيها بين العلم والشعر، فلكل منهما طابعه وخصائصه فالشعر عنده غير العلم، والعلم حكمة وفلسفة، والشاعر مصور، وليس حكيمًا أو فيلسوفًا، والصورة الأدبية تكون من اللفظ والمعنى، في حسن تأنٍ، وقرب مأخذ، واختيار الوضع المناسب لكل لفظ، الذي يطابق المعنى في الاستعمال المعتاد، من غير كلفة ولا صنعة، مع اللياقة في الاستعارة والتمثيل للمعنى، حتى لا يقع بينهما تأثر، وبذلك يكتسي النظم رونقًا وبهاء، وهذا هو الأصل في بلاغة الصورة، من إصابة المعنى بألفاظ سهلة بعيدة عن التكلف، لا تزيد عن الغرض، فإن اتفق للنظم معنى لطيف، زاد من روعته، وإلا - فالصورة غنية في نفسها ودلالاتها يقول وليس الشعر عند أهل العلم به، إلا حسن التأتي، وقرب المأخذ، واختيار الكلام، ووضع الألفاظ في مواضعها، وأن يُورد المعنى باللفظ المعتاد فيه المستعمل في مثله وأن تكون الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له، وغير مغافرة لمعناه، فإن الكلام لا يكتسى بالبهاء والرونق، إلا إذا كان بهذا الوصف، وتلك طريقة للبحتري... والبلاغة إنما هي إصابة المبنى، وإدراك الغرض، بألفاظ سهلة عذبة، مستعملة سليمة من التكلف لا تبلغ الهذر الزائد، على قدر الحاجة ... فإن اتفق مع هذا معنى لطيف، أو حكمة غريبة، أو أدب حسن، فذلك رائد في بهاء الكلام، وإن لم يتفق، فقد قام الكلام بنفسه واستغنى عما سواه.... قالوا: وإذا كانت طريقة الشاعر غير هذه الطريقة، وكانت عبارته مقصرة عنها، ولسانه غير مدرك لما يستمدّ دقيق المعاني من فلسفة اليونان، وحكمة الهند أو أدب الفرس، ويكون أكثر مما يُورده منها بألفاظ متعسفة ونسج مضطرب، قلنا له: قد جئت بحكمة وفلسفة، ومعانٍ لطيفة حسنة، فإن شئت دعوناك حكيمًا، أو سمعناك فيلسوفًا، ولكن لا نسميك شاعرًا، ولا ندعوك بليغًا"(2).
ويلتقي الآمدي مع القاضي في النص السابق، في أن جلال الصورة وجمالها لا يرتبط بفخامة اللفظ، ومهارة الصنعة، وكثرة ألوان البيان والبديع.
ثانيًا:
يدرك الآمدي الجمال في اللغة، وسحره في الصورة، فيجعل اللغة غاية في ذاتها ولو مجردة عن حكمة أو فلسفة، فهي كفيلة في ذاتها بالروعة والجمال، لأن الغرض منها إصابة المعنى، وإدراك الهدف، لا أن يحمل الشاعر لغته ما لا تطيق، وهو متأثر في هذا يقول البحتري:
والشعر لمح تكفي إشارته ... وليس بالهذر طولت خطبه
يقول الآمدي: "وإن اتفق له معنى لطيف، زاد في بهاء الكلام، وإن لم يتفق قد قام الكلام بنفسه واستغنى عما سواه" (3).
ويرى د. مندور أن الآمدي اهتدى بهذا إلى أن اللغة ليست وسيلة، ولكنها غاية لأنها تتضمن عناصر التصوير والموسيقى: "ويكون من حسن الذوق، وسلامة الحس بحيث يقيم للنسب الدقيق بين اللغة كوسيلة، واللغة كغاية في الأدب فلا يسرف في اعتبارها وسيلة لأنه يحرم نفسه بذلك من عناصر هامة في التأثير، عناصر التصوير، وعناصر الموسيقى" (4).
"
الجلال الحق في حسن التأليف، وبراعة اللفظ، ومهما يرتفع المعنى حتى يبدو غريبًا، وذلك مثل شعر البحتري، الذي هو عكس أبي تمام في شعره يقول: "وينبغي أن تعلم أن سوء التأليف، ورديء اللفظ، يذهب طلاوة المعنى الدقيق ويفسده ويعميهنّ حتى يحتاج مستمعه إلى تأمّل، وهذا مذهب أبي تمام في معظم شعره، وحسن التأليف وبراعة اللفظ، يزيد المعنى المكشوف بهاء وحسنًا ورونقًا حتى كأنه أحدث فيه غرابة لم تكن وزيادة لم تعهد، وذلك مذهب البحتري، ولذلك قال الناس لشعره ديباجة، ولم يقولوا ذلك في شعر أبي تمام" (5):
رابعًا:
ويرفع من جانب التصوير في الشعر، ويفضله على المعنى اللطيف، فلا جمال للصياغة الرديئة، وإن تضمنت معنًى نادرًا، أو مغزى لطيفًا، بل لا بد أن يكون المعنى اللطيف نتاج الصورة نفسها جاء من غير قصد ابتداء، وعلى ذلك فالشعر للشعر لا للعلم، وللعلم مجال آخر.
ويشبه الآمدي المعنى اللطيف في نسج رديء بالطراز الجيد على الثوب المتهتك، أو كرائحة الطيب على وجه جارية قبيح. يقول:
"
وإذا كان لطيف المعاني في غير غرابة، ولا سبك جيد، ولا لفظ حسن، كان مثل الطراز الجيد على الثوب الخلق، أو نفث العبير على خدّ الجارية القبيحة الوجه" ويقول: "فقيمة التأليف في الشعر وكل صناعة هي أقوى دعائمه، بعد صحة المعنى، وكلما كان أصبح تأليفًا كان أقوم بتلك الصناعة مما اضطرب تأليفه".
ويؤكد النص الأخير عنايته التامة بالتأليف والنظم، كالشأن في كل صناعة تتألف من مادة وصورة، فقيمة التأليف له المنزلة الأولى ما دام المعنى صحيحًا، وأما اضطراب التأليف فلا مدخل له في الشعر، كالشأن في سوء التشكيل لمادة من المواد المعدنية وغيرها.
خامسًا:
ويكاد الآمدي يبلغ الغاية في توضيح الصورة التي فضل بها البحتري أستاذه أبا تمام وهو يتحدث في باب العلاقة بين اللفظ والمعنى، فقد فسَّر التأليف وهو النظم في الصورة، حينما عقد موازنة بين صناعة الشعر وبين غيرها من الأشياء في سائر الصناعات الأخرى، فيبنى الشعر الجيد المحكم وكذا الصناعات الأخرى، على دعائم أربع:
أولًا: جودة الآلة.
ثانيًا: إصابة الغرض.
ثالثًا: صحة التأليف.
رابعًا: بلوغ الغاية في التأليف بدون نقصان لولا زيادة.
وكذلك الأمر في كل محدث مصنوع في الخلق والإيجاد، يحتاج إلى أربعة أشياء:
أولًا: علة هيولانية، وهي الأصل.
ثانيًا: علة تصويرية.

ثالثًا: علة فاعلة.
رابعًا: علة تمامية(6).
وعلى هذا تقابل الآلة الأصل "الهيولانية"، وإصابة الغرض: وهو التأليف والنظم يساوي العلة الصورية، وصحة التأليف، وهي استقامة الفكر الناتجة من التأليف تساوي العلة الفاعلة. ووفاء الجودة وتمام الصنعة: يقابل العلة التمامية والمقابلة الأخيرة هي التي أراد بها الآمدي البلاغة في الصورة في قوله السابق: "فالبلاغة: إنما هي إصابة المعنى، وإدراك الغرض، بألفاظ سهلة عذبة مستعملة سليمة من التكلف، لا تبلغ الهذر الزائد على قدر الحاجة.... إلخ ".
يقول الآمدي في الموازنة التي عقدها بين صناعة الشعر وغيره من الصناعات الأخرى "زعموا أن صناعة الشعر وغيرها من سائر الصناعات لا تجود وتستحكم إلا بأربعة أشياء: جودة الآلة وإصابة الغرض المقصود، وصحة التأليف، والانتهاء إلى نهاية الصنعة، من غير نقص فيها، ولا زيادة عليها، وهذه الخلال الأربع ليست في الصناعات وحدها، بل هي موجودة في جميع الحيوان والنبات.
ذكرت الأوائل أن كل محدث مصنوع محتاج إلى أربعة اشياء، علة هيولانية وهي الأصل وعلة صورية، وعلة فاعلة، وعلة تمامية.
وأما الهيولي فإنهم يمنون الطينة متى يبتدعها الباري تبارك وتعالى، ويخترعها ليصور ما يشار تصويره من رجل أو فرس أو غيرهما من الحيوان، أو برة أو كريمة من أنواع النبات. والعلة الفاعلة. هي تأليف الباري جل جلاله لتلك الصورة، والعلة التمامية هي أن ينميها تعالى ذكره، ويفرغ من تصويرها من غير انتقاص منها وكذلك الصانع المخلوق في مصنوعاته التي علمه الله -عز وجل- إيَّاها، لا تستقيم له وتجود إلا بهذه الأربعة.
وهي آلة يستجيدها ويتخيرها مثل خشب النجار ... وألفاظ الشاعر والخطيب وهي العلة الهيولانية، التي قدموا ذكرها وجعلوها الأصل، ثم إصابة للغرض فيما يقصد الصانع صنعته، وهي العلة الفاعلة، ثم أن ينتهي الصانع إلى تمام صنعته، من غير نقص منها ولا زيادة عليها، وهي العلة التمامية فهذا قول جامع لكل الصناعات والمخلوقات، فإن اتفق الآن لكل صانع بعد هذه الدعائم الأربع أن يحدث في صنعته معنًى لطيفًا مستنريًا، كما قلنا في الشعر من حيث لا يخرج عن الغرض فذلك رائد في حسن صنعته وجودتها، وإلا فالصنعة قائمة بنفسها مستغنية عما سواها".
وهكذا يوضح الآمدي، ما يعتمد عليه الشعر وغيره من سائر الصناعات والصور التي يسببها الشعر في التركيب والبناء، وينص أيضًا على الصورة الشعرية نصًّا واضحًا، ولا يكتفي بالنظم والتأليف والصياغة كالسابقين، الذين اكتفوا بمجرَّد الذكر أو بإشارات مهمة وهم يقصدون الصورة، ولكنه قطع شوطًا في توضيح الصورة وذكر معالمها لمرحلة نامية دافعة في أطوار مفهومها.
فاقترن الشعر عنده -كصناعة- بسائر الفنون والصناعات، وتناول الصورة -باستقامة ذوقه ودقة فهمه، وحددها بحدود ينبغي مراعاتها في التصوير، ومن أخلَّ بشيء منها اختلت هي كذلك، وهذه الحدود هي:
1
حسن التأتي وقرب المأخذ في اللفظ والمعنى.
2
انتقاء الألفاظ، واختيار الكلام الجيد الحسن.

3- وضع الألفاظ في مكانها، وهذا ما يسمى حديثًا، بالوحدة في الصورة والملاءمة بين أجزائها.
4-
ألا يحمل اللفظ أكثر من معناه بالتكلف والتصنع، وهو ما يسمى حديثًا بالخروج عن التصوير الدقيق الواقعي.
5-
الترابط التام بين الصور الجزئية بعضها مع بعض، وبينها وبين المعنى المصور من غير تنافر "وأن تكون الاستعارات والتمثيلات لائقة ... إلخ " وكما سيأتي في بيت أبي تمام "ملطومة بالورد.... إلخ".
6-
قوة العاطفة في الصورة لتعلق في القلوب وتتداخل في النفس من غير تريث، وهذه هي البلاغة في الصورة التي يقصدها الآمدي من قوله: "والبلاغة إنما هي إصابة المعنى وإدراك الغرض بألفاظ سهلة عذبة مستعملة".
7-
الشعر غير العلم فالأول عماده العاطفة والشعور، والثاني عماده العقل والفكر وهو نفسه الفرق بين الشاعر والعالم.
8-
حسن التأليف، وتنسيق النظم، وتلاؤم الصياغة، يكشف عن المعنى في وضوح وروعة، وكذلك الأمر بالعكس فاضطراب النظم وفساد الصورة، يعقد المعنى، ويزداد به غموضًا.
9-
العبرة في الشعر بالصورة، لأنها هي التي تنقل ما في النفس، من خواطر ومشاعر بصدق ودقة، وتبرزه للغير، فلو كانت رديئة التأليف، مضطربة التنسيق، ولو اشتملت على نادرة أو حكمة فإنها تسقط في الاستعمال وتقبح في مرأى العين وتضعف في تأثيرها على النفس. "كان مثل الطراز الجيد على الثوب الخلق.
10-
الشعر صناعة وتصوير كسائر الحرف والصناعات، والجميع تشكيل وتجسيد للعواد وتصوير لها.

سادسًا:
وفي مجال التطبيق لفهمه الواعي للصورة نذكر شاهدًا ومثلًا واحدًا، لبيان مدى إدراكه لمفهومهما أولًا. وذوقه الأدبي في فهمه للصور الشعرية ثانيًا. فيقول في نقد صورة أبي تمام، القائل فيها:
بيضاء تسري في الظلام فيكتسى ... نورًا وتبدو في الضياء فيظلم
ملطومة بالورد أطلق طرفها ... في الخلق فهي مع المنون محكم
وقوله ملطومة بالخدّ يريد حمرة خدّها، فلو لم يقل مصفوعة بالقار؟ يريد سواد شعرها، ومخبوطة بالشحم يريد امتلاء جسمها، ومضروبة بالقطن يريد بياضها، إن هذا الأحمق ما يكون من اللفظ وأسخفه وأوسخه، وقد جاء مثل هذا في كلام العرب، ولكن بوجه حسن، قال النابغة "مقذوفة بدخيس اللحم" يريد أنها قذفت بالشحم، أي كأنه رمي على جسمها رميًا، وإنما ذهب أبو تمام إلى قول أبي نواس: "وتلطم الورد بعضاب" وهذه كانت تلطم في الحقيقة في ماتم، على ميت بأنامل مخضوبة الأطراف، فجعلها عنابًا تلطم به وردًا، فأتى بالظرف كله، والحسن أجمعه والتشبيه على حقيقته، وجاء أبو تمام بالجهل على وجهه والحمق بأضره، والخطأ بعينه" (7).
وفي نقده لصورة أبي تمام، يتجلَّى فهمه للصورة الأدبية، لأنه يكشف بذوقه الأدبي الرفيع عن وجه الخطأ فيها، وأن على الشاعر تجنّب مثل هذه الأخطاء حتى تصح له الصورة، وتعلم جودتها، وأن لكل لفظ له معنى، وكل فكرة تخضع لصورة تتناسب معها، فالمقام في بيتي الشاعر هو مقام المدح، والمعنى الذي كسته الصورة في الأبيات هو سحر جمال المرأة، الذي يصعق المقيم كالموت. وعلى ذلك فلا محلّ في صورة المدح للنظم، الذي يتأدَّى به السمع، فهو يفسد التلاؤم فيها ويذهب انسجام أجزائها.
فالشاعر لم يضع الألفاظ في مواضعها، ولم يورد للمعنى باللفظ المعتاد فيه ووقع تنافر في المعنى بين طرفي الاستعارة، وغير ذلك مما سبق ذكره، مما جعل الآمدي بتهكم بالشاعر، ويرميه بالحمق والجهل والخطأ، كما هو واضح من النص السابق ويرى ايضًا أن التقليد الأعمى في الصورة ذهب برونقها وصحتها، ويطمس معالم الأصالة فيها، وقد يجعل المقلد الغرض الذي كسته الصورة.
فأبو تمام لم يستعمل اللطم في مكانه المناسب في نظم الصورة، مقلدًا النابغة الذي أحسن أداءه في التصوير، حيث قال: "مقدومة بدخيس الشحم" وهي على نصيب موفور من الجودة والحسن، لأن القذف بالشحم معناه: أنه رمى على جسمها رميًا وهو مصيب في حكمها هذا الذي يدلّ على سلامة ذوقه في فهم الصور، وإصابته في الحكم عليها.
فصورة النابغة بلغت غاية الجمال على عكس صورة أبي تمام، فقد أحسن الشاعر الجاهلي التعبير بالقذف لغزارة الشحم المتزايد في تتابع كسرعة القذف والرمي واختيار لفظ "القذف" هنا لا بديل عنه، لأن كثرة الشحم وغزارته، كما هو مفهوم من لفظ "دخيس" ينقص من جمال المرأة، ويودي برشاقتها ويسوي النتوء في جسدها، فلا يكون لها ردف وخاصرة، ولا ثدي ظاهر، وتقاطيع بارزة، مما يزيد من جمال المرأة وفتنة جسدها، ولكن التي طغى عليها الشحم، تستحق، لإهمالها نفسها - ألفاظ السباب والشتم، وهو ما اختاره النابغة في صورته، حيث قال: "مقذوفة" و"دخيس" أظن أن ليس هناك صورة أروع من هذه الصورة، وخاصة وقد وقعت لشاعر جاهلي.
ولكن أبا تمام على الرغم من إيغاله في حضارة الدولة الإسلامية وفي عصورها الذهبية أساء التقليد والفهم معًا لموطن الكلمة السابقة في صورته، وقد نقده الآمدي نقدًا لاذعًا.
وتعقب الناقد صورة أبي تمام ليكشف عن عيبها، ويفضح عجزه فيها، ويبين فهمه الخاطئ لصورة أبي نواس، وهي "وتلطلم الورد بعناب" فلم يفهم الفرق بين المقامين، فمقام صورة أبي نواس يقتضي هذا؛ لأن المرأة التي صورها كانت في الحقيقة كذلك، تلطم في مأتم خدها الأحمر بأصابعها المخضبة كالخضاب.
وصحيح أن أبا تمام أساء الفهم والتقليد لصورة ابي نواس، التي تطابق واقع المرأة اللاطمة، وهو ما ذهب إليه الآمدي.
ولكن الذي قصر فيه الناقد أن الغرض في صورة أبي نواس هو الحزن والبكاء، ولا يتلاءم معه ذكر الورد والعناب بجوار اللطم فيها، ولذلك نرى أن صورتي أبي تمام وأبي نواس دون صورة النابغة بكثير.
وبهذا يكون الناقد قد حقق كثيرًا في مفهوم الصورة الأدبية وفي إيضاح بعض معالمها ليمثل مرحلة هامة من مراحل نضوجها وتمامها في النقد القديم، وذلك في جانبيها النظري والعملي التطبيقي.

 

 

__________
(1) هو الحسن بن بشر الآمدي المتوفي سنة 390 هـ.

(2) الموازنة: للآمدي، ص 173 وما بعدها.
(3) المرجع السابق: الآمدي.

(4) النقد المنهجي عند العرب. د. محمد مندور ص 120.
(5) الموازنة: الآمدي.

(6) يرى الدكتور محمد مندور آن الأمدي ذكر العلة التمامية بدل الغائية، ليستقيم له المعنى في الشعر، وتفيد كمال الصنعة والجودة فيه، لا الغائية، وقال الدكتور أن الآمدي، لم يستطع فهم هذه العلة "النقد المنهجي عند العرب د. مندور ص 130 ".

(7) الموازنة: الآمدي ص 173.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.