أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2017
12954
التاريخ: 27-2-2017
8742
التاريخ: 13-2-2017
4508
التاريخ: 10-2-2017
1804
|
قال تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء : 174-175].
لما فصل الله ذكر الأحكام التي يجب العمل بها ، ذكر البرهان بعد ذلك ليكون الإنسان على ثقة ويقين ، فقال : {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} وهو خطاب للمكلفين من سائر الملل الذين قص قصصهم في هذه السورة {قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ أي : أتاكم حجة من الله يبرهن لكم عن صحة ما أمركم به ، وهو محمد ، لما معه من المعجزات القاهرة ، الشاهدة بصدقه . وقيل : هو القرآن {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ} معه {نُورًا مُبِينًا} يبين لكم الحجة الواضحة ، ويهديكم إلى ما فيه النجاة لكم من عذابه ، وأليم عقابه . وذلك النور : هو القرآن ، عن مجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وقيل : النور ولاية علي عليه السلام ، عن أبي عبد الله عليه السلام . {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ} أي : صدقوا بوحدانية الله ، واعترفوا ببعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم {وَاعْتَصَمُوا بِهِ} أي : تمسكوا بالنور الذي أنزله على نبيه ، {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ} أي : نعمة منه هي الجنة ، عن ابن عباس {وَفَضْلٍ} يعني ما يبسط لهم من الكرامة ، وتضعيف الحسنات ، وما يزاد لهم من النعم ، على ما يستحقونه . {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} أي يوفقهم لإصابة فضله الذي يتفضل به على أوليائه ، ويسددهم لسلوك منهج من أنعم عليه من أهل طاعته ، واقتفاء آثارهم ، والاهتداء بهديهم ، والاستنان بسنتهم ، واتباع دينهم ، وهو الصراط المستقيم ، الذي ارتضاه الله منهجا لعباده .
__________________________
1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 252 .
{ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً } . تعرضت الآيات السابقة لمحاجة اليهود والنصارى ، وبعد أن أقام سبحانه الحجة على الجميع دعا الناس عامة إلى الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) والقرآن الكريم ، فقد اتفق المفسرون على ان المراد بالبرهان محمد ، وبالنور المبين القرآن ، وكل من سنة محمد وكتاب اللَّه برهان قاطع على إحقاق الحق ، وإبطال الباطل ، ونور ساطع يهدي للتي هي أقوم ، لأنهما ينطقان بالوحي عن اللَّه ، لا عن سواه : { قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأحقاف - 9 ] . . { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهً فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران - 31] .
أما الدليل على انهما وحي من اللَّه ، وانهما برهان ونور فلا يتلخص بكلمات تقال في تفسير آية من الآيات ، وقد وضع المتخصصون فيه مئات الكتب ، وذكرنا الكثير مما جاء فيها في مطاوي هذا التفسير ، وسنذكر أيضا الكثير كلما دعت المناسبة ، وعلى طالب الحق ان يبحث ويتتبع . . أجل ، شيء واحد نسأل هذا الطالب ان لا يذهل عنه ، وهو أن يقارن بين تعاليم القرآن ، وتعاليم غيره من كتب الأديان . . وأيضا يقارن بين تاريخه وتاريخها ، والمراحل التي مرت بها عبر القرون والأجيال . . ويبحث أيضا بصورة خاصة عن عدد الأناجيل واشتهارها ، وكم كانت في القرن الأول والثاني الميلاديين ؟ ولما ذا انعقد المجمع المسكوني في نيقية سنة 325 م الذي ضم ألفين وأربعين أسقفا يمثلون جميع الكنائس في العالم المسيحي ؟ وما ذا تم في هذا المجمع ؟ وهل اتفق جميع الأساقفة على ان عيسى إله ، أو ان فئة منهم قالت : انه بشر مخلوق ، وأخرى قالت : هو إله ؟
وهل تعرض هذا المجمع للعنصر الثالث روح القدس ، وأتى على ذكر ألوهيته ، أو ان الذي أقر ألوهية هذا العنصر هو المجمع الذي انعقد في القسطنطينية سنة 381 م ، ولم يعرف هذا العنصر من قبل هذا التاريخ .
نرغب إلى طالب الحق أن يبحث عن هذه الجهات ، ونحن معه في النتيجة التي ينتهي إليها آية تكون .
{ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ واعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وفَضْلٍ ويَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً } . الضمائر الثلاثة في به ومنه واليه كلها تعود إلى اللَّه . .
وبعض المفسرين فرّق بين الرحمة والفضل بأن الرحمة تكون في الدنيا ، والفضل يكون في الآخرة . وقال آخر نقلا عن ابن عباس : ان الرحمة هي الجنة ، وان الفضل ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت . . ويلاحظ بأن هذا أراد أن يفرق فجمع ، لأن هذا الوصف هو للجنة بالذات . . أما نحن فلا نرى أي فرق بين رحمة اللَّه وفضله . . ويكفي لصحة العطف المفارقة في اللفظ . . وعطف بعض المترادفات على بعض في اللغة العربية كثير ومستحسن ، ويسمى بعطف التفسير .
ومعنى الآية بمجموعها ان من آمن باللَّه ، واتكل عليه ، دون سواه فهو في رحمة اللَّه وفضله دنيا وآخرة ، أما في الدنيا فان اللَّه يمنحه التوفيق والهداية إلى الطريق المؤدية إلى الحق ، لا ينحرف عنه أبدا ، وإما في الآخرة فروح وريحان وجنة نعيم ، وأخصر تفسير لهذه الآية الكريمة قول علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « رب رحيم ، ودين قويم » . وكل امرئ وما يختار .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص504-505 .
قوله تعالى : { يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً } قال الراغب : البرهان بيان للحجة ، وهو فعلان مثل الرجحان والثنيان. وقال بعضهم : هو مصدر بره يبره إذا ابيض. انتهى ، فهو على أي حال مصدر. وربما استعمل بمعنى الفاعل كما إذا أطلق على نفس الدليل والحجة.
والمراد بالنور هو القرآن لا محالة بقرينة قوله { وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ } ويمكن أن يراد بالبرهان أيضا ذلك ، والجملتان إذا تؤكد إحداهما الأخرى.
ويمكن أن يراد به النبي صلى الله عليه وآله ، ويؤيده وقوع الآية في ذيل الآيات المبينة لصدق النبي في رسالته ، ونزول القرآن من عند الله تعالى ، وكون الآية تفريعا لذلك ويؤيده أيضا قوله تعالى في الآية التالية. { وَاعْتَصَمُوا بِهِ } لما تقدم في الكلام على قوله { وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ } : ( آل عمران. 101 ) إن المراد بالاعتصام الأخذ بكتاب الله والاتباع لرسوله صلى الله عليه وآله.
قوله تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ } ، بيان لثواب من اتبع برهان ربه والنور النازل من عنده.
والآية كأنها منتزعة من الآية السابقة المبينة لثواب الذين آمنوا وعملوا الصالحات أعني قوله { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } ، ولعله لذلك لم يذكر هاهنا جزاء المتخلف من تبعية البرهان والنور ، لأنه بعينه ما ذكر في الآية السابقة ، فلا حاجة إلى تكراره ثانيا بعد الإشعار بأن جزاء المتبعين هاهنا جزاء المتبعين هنالك ، وليس هناك إلا فريقان : المتبعون والمتخلفون.
وعلى هذا فقوله في هذه الآية : { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ } يحاذي قوله في تلك الآية : { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ } وهو الجنة ، وأيضا قوله في هذه الآية : { وَفَضْلٍ } يحاذي قوله في تلك الآية : { وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } وأما قوله { وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً } فهو من آثار ما ذكر فيها من الاعتصام بالله كما في قوله : { وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ } : ( آل عمران : 101 ) .
___________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 130-131 .
النّور المبين :
بعد أن تناولت الآيات السابقة بعضا من انحرافات أهل الكتاب بالنسبة لمبدأ التوحيد ومبادئ وتعاليم الأنبياء ، جاءت الآيتان الأخيرتان لتختما القول في بيان سبيل النّجاة والخلاص من تلك الانحرافات .
لقد توجه الخطاب أوّلا إلى عامّة الناس ، مبينا أنّ الله قد بعث من جانبه نبيّا يحمل معه الدلائل والبراهين الواضحة ، وبعث معه النور المبين المتجسد في القرآن الكريم الذي يهدي الناس إلى طريق السعادة الأبدية ، حيث تقول الآية الأولى : {يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} .
ويعتقد بعض العلماء أنّ كلمة «برهان» المشتقة من المصدر «بره» على وزن «فرح» تعني الابيضاض ـ ولمّا كانت الأدلة الواضحة تجلى للمسامع وجه الحق وتجعله واضحا مشرقا أبيض لذلك سميت بـ «البرهان».
والمقصود بالبرهان الوارد في الآية موضوع البحث ـ وكما يقول جمع من المفسّرين وتؤكّد ذلك القرائن ـ هو شخص نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنّ المقصود بالنور هو القرآن المجيد الذي عبّرت عنه آيات أخرى بالنور أيضا.
وقد فسّرت الأحاديث المتعددة المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام ـ والتي أوردتها تفاسير «نور الثقلين» و «على بن إبراهيم» و «مجمع البيان» ـ أن «البرهان» هو النّبي صلى الله عليه وآله وسلم و «النّور» هو علي بن أبي طالب عليه السلام .
ولا يتنافى هذا التّفسير مع ذلك الذي أوردناه قبله ، حيث يمكن أن يقصد بعبارة «النور» معان عديدة لتشمل «القرآن» و «أمير المؤمنين علي عليه السلام» الذي يعتبر حافظا ومفسّرا للقرآن ومدافعا عنه .
وتوضح الآية الثانية عاقبة اتّباع هذا البرهان وهذا النور ، فتؤكّد على أنّ الذين آمنوا بالله وتمسكوا بهذا الكتاب السماوي ، سيدخلهم الله عاجلا في رحمته الواسعة ، ويجزل لهم الثواب من فضله ورحمته ، ويهديهم إلى الطريق المستقيم. تقول الآية : {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً} (2) .
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 394-395 .
2. راجع تفسير سورة الحمد في تفسيرنا هذا الجزء الأوّل للاطلاع على تفسير عبارة «الصراط المستقيم».
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|