أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2017
5045
التاريخ: 10-2-2017
1855
التاريخ: 2-11-2016
10879
التاريخ: 14-2-2017
5312
|
قال تعالى : {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء : 114] .
{ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ } أي : أسرارهم . ومعنى النجوى ، لا يتم إلا بين اثنين فصاعدا ، كالدعوى . {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} فإن في نجواه خيرا {أَوْ مَعْرُوفٍ} يعني بالمعروف : أبواب البر ، لاعتراف العقول بها . وقيل : لان أهل الخير يعرفونها {أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} أي : تأليف بينهم بالمودة .
وقال علي بن إبراهيم في تفسيره : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن أبي عبد الله قال : إن الله فرض التجمل (2) في القرآن فقال ، قلت : وما التجمل في القرآن جعلت فداك ؟ قال : أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك ، فتجمل له وهو قوله {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ} الآية قال : وحدثني أبي رفعه إلى أمير المؤمنين أنه قال : " إن الله فرض عليكم زكاة جاهكم ، كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم " . {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} يعني ما تقدم ذكره {ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} أي : لطلب رضاء الله {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ} أي : نعطيه {أَجْرًا عَظِيمًا} أي : مثوبة عظيمة في الكثرة ، والمنزلة والصفة . أما الكثرة فلانه دائم ، وأما المنزلة فلانه مقارن للتعظيم والإجلال ، وأما الصفة فلانه غير مشوب بما ينغصه .
وفي الآية دلالة على أن فاعل المعصية ، هو الذي يضر بنفسه لما يعود عليه من وبال فعله . وفيها دلالة أيضا على أن الذي يدعو إلى الضلال ، هو المضل ، وعلى أن فاعل الضلال مضل لنفسه ، وعلى أن الدعاء إلى الضلال ، يسمى إضلالا .
____________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 189 .
2. كذا في الأصل وفي بعض النسخ " التحمل " بالحاء المهملة . وفي المصدر التمحل بتقديم الميم على الحاء . وكذا في (الصافي) . وقال في هامشه : التمحل : الاحتيال والمراد هنا أن تصرف وجهك عن وجه أخيك بما بينك وبينه من الكدرة ، وضيق خلقك عنه ، ثم تذكرت أمر الله ووصيته ، فصرفت وجهك إليه ببشر ، وفرح ، وبهجة ، وتحية ابتغاءا لمرضاته تعالى (اه) .
{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} . بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السابقة الذين يبيتون ما لا يرضى من القول ، ويجادلون عن الخائنين قال في هذه الآية : {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ} فضمير نجواهم يعود على هؤلاء بدلالة ظاهر السياق ، ولكنه في المعنى يعم كل نجوى في شؤون الناس ، لأن السبب الموجب عام لا يختص بفرد ، دون فرد ، ولا بفئة دون فئة . . والصدقة بذل المال للبؤساء والمعوزين ، والإصلاح بين الناس يوفر عليهم الكثير من المتاعب ، ويدفع عنهم الكثير من المشاكل ، والمعروف ما يعترف العقل والشرع به ويريانه حسنا ، والمنكر ضده ، ويشمل العلم وجميع الأعمال الحسنة ، ومنها الصدقة ، وإصلاح ذات البين ، وخصهما اللَّه سبحانه بالذكر للتنبيه على أهميتهما .
قال الرازي : « ان مجامع الخيرات مذكورة في هذه الآية » . . وأجمع منها قوله تعالى : {إِنَّ الإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وتَواصَوْا بِالْحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ} .
وتسأل : ان الناس تتناجى في شؤون التجارة والصناعة والزراعة ، وما إليها من شؤون الحياة ، فهل هذا التناجي مما لا خير فيه ؟ .
الجواب : ان هذا التناجي خير محض ما دام ضمن حدوده المشروعة ، ومنه ما هو واجب شرعا وعرفا وعقلا ، وهو كل ما لا تتم الحياة إلا به . . والآية بمعزل عن هذا النوع من التناجي ، وإنما تعرضت للذين يتناجون ويتحدثون عن الناس ، كما هو شأن البطالين ، يملئون فراغهم بالقال والقيل ، والاشتغال بهذا طويل ، وهذا قصير . . وقد جاء لفظ ( كثير ) في الآية للدلالة على ان النجوى في شؤون الناس لا خير فيها إلا إذا عادت عليهم بالفائدة والنفع بجهة من الجهات . . أما التناجي في شؤون الحياة فلم تتعرض له الآية سلبا ولا إيجابا .
{ومَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} . الأمر بالمعروف خير ، ما في ذلك ريب ، ولكن العامل به لوجه اللَّه ، لا للكسب والجاه أفضل من الذي يأمر بالمعروف ، ويفلسفه ، ويبين محاسنه وفوائده ولا يعمل به ، بل الحجة على هذا أقوى وأبلغ . . قال تعالى : {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف : 30] . ولم يقل : من أحسن قولا . . ان الأمر بالمعروف والدعوة إليه وسيلة ، والعمل هو الغاية ، ومن أمر به وأتمر كان ممن عناه اللَّه بقوله : {ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وعَمِلَ صالِحاً وقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت : 32] . فالقول المعروف حسن ، ويزداد حسنا إذا اقترن بالعمل . . هذا ، إلى أن الأقوال وان ترتب على ظاهرها آثار الإسلام ، كالزواج والميراث ، ولكن لا يدل على الإيمان الصحيح إلا الأعمال الصالحات ، قال الإمام علي ( عليه السلام ) : « فبالإيمان يستدل على الصالحات ، وبالصالحات يستدل على الإيمان » .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 435-436 .
قوله تعالى : { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ } قال الراغب : وناجيته أي ساررته وأصله أن تخلو به في نجوة من الأرض ( انتهى ) فالنجوى المسارة في الحديث ، وربما أطلق على نفس المتناجين قال تعالى : { وَإِذْ هُمْ نَجْوى } : ( الإسراء : 47 ) أي متناجون.
وفي الكلام أعني قوله { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ } عود إلى ما تقدم من قوله تعالى { إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ } (الآية) بناء على اتصال الآيات وقد عمم البيان لمطلق المسارة في القول سواء كان ذلك بطريق التبييت أو بغيره لأن الحكم المذكور وهو انتفاء الخير فيه إنما هو لمطلق المسارة وإن لم تكن على نحو التبييت ، ونظيره قوله { وَمَنْ يُشاقِقِ } ، دون أن يقول : ومن يناج للمشاقة ، لأن الحكم المذكور لمطلق المشاقة أعم من أن يكون نجوى أو لا.
وظاهر الاستثناء أنه منقطع ، والمعنى : لكن من أمر بكذا وكذا فيه ففيما أمر به شيء من الخير ، وقد سمى دعوة النجوى إلى الخير أمرا وذلك من قبيل الاستعارة ، وقد عد تعالى هذا الخير الذي يأمر به النجوى ثلاثة : الصدقة ، والمعروف ، والإصلاح بين الناس. ولعل إفراد الصدقة عن المعروف مع كونها من أفراده لكونها الفرد الكامل في الاحتياج إلى النجوى بالطبع ، وهو كذلك غالبا.
قوله تعالى : { وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ } ، تفصيل لحال النجوى ببيان آخر من حيث التبعة من المثوبة والعقوبة ليتبين به وجه الخير فيما هو خير من النجوى ، وعدم الخير فيما ليس بخير منه.
ومحصله أن فاعل النجوى على قسمين : ( أحدهما ) من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله ، ولا محالة ينطبق على ما يدعو إلى معروف أو إصلاح بين الناس تقربا إلى الله ، وسوف يثيبه الله سبحانه بعظيم الأجر ، و ( ثانيهما ) أن يفعل ذلك لمشاقة الرسول واتخاذ طريق غير طريق المؤمنين وسبيلهم ، وجزاؤه الإملاء والاستدراج الإلهي ثم إصلاء جهنم وساءت مصيرا.
_________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 71-72 .
النجوى أو الهمس :
لقد أشارت الآيات السابقة إلى اجتماعات سرية شيطانية كان يعقدها بعض المنافقين أو أشباههم ، وقد تطرقت الآية الأخيرة إلى هذا الأمر بشيء من التفصيل ، وكلمة «النجوى» لا تعني الهمس فقط ، بل تطلق على كل اجتماع سري أيضا ، لأنّها مشتقة من المادة «نجوه» على وزن «دفعه» أي بمعنى الأرض المرتفعة ، وبما أنّ الأرض المرتفعة تكون شبه معزولة عن الأراضي التي حولها ، وأن الجلسات السرية والهمس يتمّان بمعزل عن الأفراد الذين يكونون في الأراضي المحيطة بها سمّيت هذه الأخيرة بالنجوى.
ويرى بعضهم أنّ كلمة «النجوى» مشتقة من مادة «النجاة» أي التحرر ، وبمعنى أن البقعة المرتفعة تكون بمنأى ومنجى عن خطر السيل ، وإن الاجتماع السري أو الهمس يكونان بمنجى من معرفة الآخرين .
والآية هنا تذكر أنّ أغلب الاجتماعات السرّية التي يعقدها أولئك تهدف إلى غايات شيطانية شريرة لا خير فيها ولا فائدة ، إذ تقول : {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ}.
ولكي لا يحصل وهم من أن كل نجوى أو همس أو اجتماع سري يعتبر عملا مذموما أو حراما جاءت الآية بأمثال كمقدمة لبيان قانون كلي ، وأوضحت الموارد التي تجوز فيها النجوى ، مثل أن يوصي الإنسان بصدقة أو بمعونة للآخرين أو بالقيام بعمل صالح أو أن يصلح بين الناس ، فتقول الآية في هذا المجال : {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}.
فإذا كان هذا النوع من النجوى أو الهمس أو الاجتماعات السرّية لا يشوبه الرياء والتظاهر ، بل كان مخصصا لنيل مرضاة الله ، فإنّ الله سيخصص لمثل هذه الأعمال ثوابا وأجرا عظيما ، حيث تقول الآية : {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}.
وقد عرف القرآن النجوى والهمس والاجتماعات السرّية ـ من حيث المبدأ ـ بأنّها من الأعمال الشّيطانية ، في قوله تعالى : {إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ ...} [المجادلة : 10] والسبب هو أنّ هذه الأعمال غالبا ما تحدث لأغراض سيئة ، وحيث أنّ عمل الخير والشيء النافع والإيجابي لا يحتاج في العادة إلى أن يكون ـ أو يبقى ـ سرّيا أو مكتوما عن الناس ، ولذلك فلا حاجة بالتحدث عن مثل هذه الأعمال بالهمس والنجوى ، أو في اجتماعات سرّية.
ولمّا كان من المحتمل أن تطرأ ظروف استثنائية تجبر الإنسان على الاستفادة من أسلوب النجوى في أعمال الخير ، لذلك ورد الاستثناء بصورة مكررة في القرآن ، كما في قوله تعالى : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى ...} [المجادلة : ٩] .
والنجوى إذا حصلت ابتداء في جمع من الناس ، أثارت لديهم سوء الظّن حيالها، حتى أنّ سوء الظن قد يبدر من الأصدقاء حيال النجوى التي تحصل بينهم ، وعلى هذا الأساس فإنّ الأفضل أن لا يبادر الإنسان إلى النجوى إلّا إذا اقتضت الضرورة ذلك ، وهذه هي فلسفة هذا الحكم الوارد في القرآن.
وبديهي أنّ سمعة الإنسان تستلزم ـ أحيانا ـ اتباع أسلوب النجوى ، ومن جملة هذه الموارد تأتي مسألة الصدقات أو المعونات المالية ، التي أجاز القرآن استخدام النجوى بشأنها لحفظ ماء الوجه وسمعة الأشخاص الذين يتلقون هذه المعونات.
والمجال الآخر للنجوى هو عند الأمر بالمعروف ، حيث أنّ هذا الأمر لو تمّ أحيانا بصورة علنية لأصبح سببا في فضيحة أو خجل الشخص المخاطب بالمعروف بين الناس الحاضرين ، وقد يصبح سببا في أن يمتنع عن قبول ذلك ويقاوم هذا الأمر الذي عبّرت عنه الآية بالمعروف.
والحالة الأخرى التي يجوز فيها النجوى هي في مجال الإصلاح بين الناس ، الذي يقتضي أن يكون سريا أحيانا لضمان تحقيقه ، إذ من الممكن لو أنّ الأمر تمّ بصورة علنية لحال دون حدوث الإصلاح ، لذلك يجب أن يتمّ الإصلاح بالتحدث إلى كل طرف من أطراف النزاع بصورة خفية ، أي بطريق النجوى.
إذن فالنجوى جائزة وقد تكون ضرورية في الحالات الثلاث التي مر الحديث عنها ، وكذلك في حالات مشابهة.
والملفت للنظر في الحالات الثلاث المذكورة أعلاه هو أنّها تأتي كلها ضمن معنى «الصدقة» وذلك لأنّ من يأمر بالمعروف إنّما يدفع زكاة علمه ، ومن يسعى في إصلاح ذات البين يدفع بذلك زكاة قدرته ومنزلته المؤثرة في الناس .
وقد نقل عن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام قوله : «إنّ الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم» (2) .
ونقل عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله لأبي أيوب : «ألا أدلك على صدقة يحبّها الله ورسوله تصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتقرب بينهم إذا تباعدوا» (3) .
* * *
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 302-304 .
2. تفسير نور الثقلين ، الجزء الأوّل ، ص ٥٥٠ ، وفي كتب أخرى للتفسير.
3. تفسير القرطبي ، الجزء الثّالث ص ١٩٥٥ في شرح الآية.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|