لو كان ثمة نص على علي (عليه السلام) فإن الصحابة اكبر من ان يخالفوا أمر النبي (صلى الله عليه واله) |
1162
08:08 صباحاً
التاريخ: 19-11-2016
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-1-2017
1396
التاريخ: 12-1-2017
1360
التاريخ: 12-1-2017
1594
التاريخ: 19-11-2016
1621
|
نص الشبهة :
قال الدكتور عبد الله البغدادي [ لا ندري فيما إذا كان هذا الاسم له وجود واقعي أو هو اسم مستعار آخر لصاحب النشرة ! ؛ اي نشرة الشورى وصاحبها احمد الكاتب ] .
" ان من الغرابة بمكان ان يكون الطريق الوحيد هو ان يختار النبي بأمر الله شخصا/ هو علي/ يعده قياديا ورساليا و مع ذلك لم يجد أغلبية تؤيده من الجيل الطليعي للامة".
الرد على الشبهة :
اقول: تزول هذه الغرابة إذا عرفنا ان أغلبية الصحابة كانوا قد خالفوا في تشريعات عبادية فضلا عن غيرها و لعل افضل حادثة تصور لنا هذه الحقيقة بكل وضوح هي مسألة حج التمتع و قد وردت أخبارها في كل كتب الحديث و إلى القارئ الكريم خلاصة عنها:
العمرة و الحج في الإسلام :
هناك ثلاثة أنواع من الحج في الإسلام :
الأول حج التمتع :
وهو فرض من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، و يتألف من عمرة التمتع و حج التمتع، وصورة عمرة التمتع هي، ان يحرم من الميقات في اشهر الحج ثمّ يأتي مكة و يطوف بها سبعا، ثمّ يصلي ركعتي الطواف، ثمّ يسعى بين الصفا و المروة سبعا، ثمّ يقصر، فيحل من جميع ما حرم عليه بالإحرام، و يقيم بمكة محلا إلى يوم التروية أي اليوم الثامن من ذي الحجة فينشئ إحراما لحج التمتع من الحرم، ثمّ يخرج إلى عرفات، ثمّ يفيض عنها بعد غروب التاسع إلى المشعر، و منه إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، ثمّ الذبح ثمّ الحلق ان كان حجه صرورة و به يتحلل إلا من النساء و الطيب، ثمّ يطوف و يصلي و يسعى فيحل له الطيب، ثمّ يطوف طواف النساء و يصلي فتحل له النساء، ثمّ يرجع إلى منى للمبيت بها و رمي الجمرات الثلاث، فإذا بات ليلتين بمنى جاز له النفر في اليوم الثاني عشر بعد الزوال، و يسمى هذا الحج بحج التمتع، لان الحاج يتمتع بالحل بين إحرامي العمرة، و الحج و مدة الحل بين الإحرامين هي متعة الحج التي حرمها الخليفة عمر وتبعه اكثر المسلمين في وقته.
الثانى حج الإفراد:
ويتألف من حج أولا ثمّ عمرة يأتي بها بعد الانتهاء من المناسك في منى، و تسمى هذه العمرة بالمفردة، كما يسمى الحج بحج الإفراد، لان الحاج يأتي بكل منهما مفردا و ليس في هذا الحج هدي.
الثالث حج القران:
هو كحج الإفراد مع ملاحظة ان الحاج يسوق الهدي معه عند إحرامه، و قد سمي بذلك لان الحاج يقرن بين التلبية و سوق الهدي.
والنوعان الأخيران من الحج فرض حاضري المسجد الحرام.
العمرة والحج في الجاهلية :
كان الحج و العمرة من اهم الشعائر في الجاهلية و هما إضافة إلى أمور أخرى مما بقي من دين إبراهيم (عليه السلام)، و قد تحملت قريش بوصفها سكان البيت و ذرية ابراهيم (عليه السلام) مسئولية إقامة الحج و تعليم الناس الوافدين إلى مكة أحكام الحج و كانت مكة قد عَظُمَ شأنها بعد حادثة الفيل، و انعكس ذلك على قريش، و ابتدعت قريش بعد وفاة عبد المطلب بدعا خاصة في الحج و تابعتها العرب على ذلك، و كان من تلك البدع هو بدعة تحريم العمرة في اشهر الحج و جعلها من افجر الفجور.
قال ابن القيم: (اعتمر رسول الله (صلى الله عليه واله) بعد الهجرة أربع عمر كلهن في ذي القعدة .. و المقصود مخالفة هدي المشركين فانهم كانوا يكرهون العمرة في اشهر الحج) زاد المعاد 1/ 209.
حجة الوداع:
كانت حجة الوداع هي الحجة الأولى و الأخيرة التي بيَّن النبي (صلى الله عليه واله) فيها أحكام حج التمتع، و كان قد جعل عمرة التمتع جزءا من الحج، و قد وقعت هذه الحجة في السنة العاشرة من الهجرة، و ذلك بعد ان أسلمت جزيرة العرب و من شاء الله من أهل اليمن و قدم المدينة بشر كثير يريدون ان يأتموا برسول الله (صلى الله عليه واله)، قال أهل السير:" فخرج لخمس بقين من ذي القعدة و معه أزواجه و أهل بيته و عامة المهاجرين و الأنصار و من شاء الله من قبائل العرب و إفناء الناس" (1) .
روى أبو داود في سننه (2) ان النبي (صلى الله عليه واله) لما وصل إلى عسفان (و هي بين الجحفة و مكة و الجحفة تبعد عن مكة أربعة مراحل) قال له سراقة بن مالك المذحجي يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم فقال (صلى الله عليه واله):
" ان الله تعالى قد ادخل عليكم في حجكم هذا عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل إلّا من كان معه هدي".
وتكرر منه (صلى الله عليه واله) نظير ذلك في (سَرَف) التي تبعد ستة أميال من مكة (3) .
ولننظر الآن كيف تلقى الصحابة تشريع حج التمتع.
موقف قريش من حج التمتع:
روى مسلم في صحيحه (4) عن جابر قال:
" هللنا مع رسول الله (صلى الله عليه واله) بالحج فلما قدمنا مكة امرنا ان نحل و نجعلها عمرة فَكَبُرَ ذلك علينا و ضاقت به صدورنا فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه واله) .. فقال: أيها الناس أحلوا، فلولا الهدي الذي معي فعلت مثل الذي أمرتكم به. قال فأحللنا حتى وطئنا النساء، و فعلنا ما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية و جعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج".
وفي رواية البخاري في صحيحه عن جابر أيضا:
" فبلغه (أي النبي (صلى الله عليه واله) انا نقول: لما لم يكن بيننا و بين عرفة إلا خمس امرنا ان نحل إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا". و مثله رواية مسلم و ابن ماجة و أبي داود و مسند احمد.
وفي رواية أخرى للبخاري (5) أيضا:
" ففشت في ذلك القالَةُ فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه واله) فقام خطيبا فقال: بلغني ان أقواما يقولون كذا و كذا و الله لانا أبَرُّ و اتقى لله منهم".
وفي رواية سنن ابن ماجة و مسند احمد و مجمع الزوائد:
" قال الناس يا رسول الله قد احرمنا بالحج فيكف نجعلها عمرة؟ قال: انظروا ما آمركم به فافعلوا، فردوا عليه القول، فغضب، فانطلق ثمّ دخل على عائشة و هو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك أغضبه الله! قال: ما لي لا اغضب و أنا آمر أمرا فلا أُتَّبَع" (6).
وفي رواية مسلم (7) :
" قالت عائشة: قدم رسول الله (صلى الله عليه واله) لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس فدخل عليَّ و هو غضبان، فقلت من أغضبك يا رسول الله ادخله الله النار؟ قال: و ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون".
قال العلامة العسكري:
" يبدو ان الممتنعين من التمتع بالعمرة إلى الحج الذين تعاظم عليهم ذلك كانوا من مهاجرة قريش من أصحاب النبي و يدل على ذلك أولا: ما رواه ابن عباس في حديثه (ان هذا الحي من قريش و من دان دينهم كانوا يحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة و محرم).
وثانيا: ان الذين منعوها بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) هم ولاة المسلمين من قريش".
حج التمتع على عهد ابي بكر:
روى البيهقي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال:
" حججتُ مع أبي بكر فجرَّد، و مع عمر فجرد و مع عثمان فجرد" (8).
ومعنى جَرَّد أي افرد الحج.
حج التمتع على عهد عمر:
روى مالك بن انس في الموطأ عن عبد الله بن عمر قال:
" ان عمر بن الخطاب قال: افصلوا بين حجكم و عمرتكم فان ذلك أتم لحج أحدكم و أتم لعمرته ان يعتمر في غير اشهر الحج".
وفي صحيح البخاري و صحيح مسلم و مسند احمد و غيرهم عن أبي موسى الاشعري قال:
" كنت أفتي الناس بذلك (أي بالحل بعد إتمام أعمال متعة الحج) في إمارة أبي بكر و إمارة عمر فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال انك لا تدري ما احدث أمير المؤمنين في شان النُّسُك فقلت: أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم فبه ائتموا (9) .. ثمّ ذكر أمره بفصل الحج عن العمرة".
وفي حلية الأولياء (10) :
" ان عمر بن الخطاب نهى عن المتعة في اشهر الحج و قال: فعلتها مع رسول الله و أنا أنهى عنها و ذلك:
ان أحدكم يأتي من أفق من الآفاق شعثا نصبا معتمرا اشهر الحج و إنما شعثه و نصبه و تلبيته في عمرته ثمّ يقدم فيطوف بالبيت و يحل و يلبس و يتطيب و يقع على أهله ان كانوا معه حتى إذا كان يوم التروية أهَلَّ بالحج و خرج إلى منى يلبي بحجة لا شعث فيها و لا نصب و لا تلبية إلا يوما، و الحج افضل من العمرة، لو خلينا بينهم و بين هذا لعانقوهن تحت الأراك،
وان أهل هذا البيت (أي أهل مكة) ليس لهم ضرع ولا زرع، و إنما ربيعهم في من يطرأ عليهم".
وفي رواية مسلم:
" فقال عمر: قد علمت ان النبي فعله و أصحابه و لكن كرهت ان يضلوا معرسين بهن في الأراك ثمّ يروحون في الحج تقطر رءوسهم" (11) .
و قد نقل النووي في شرح صحيح مسلم (12) عن القاضي عياض" ان عمر كان يضرب على متعة الحج".
حج التمتع على عهد عثمان:
تابَعَ الخليفة عثمان سَلَفه عمر في ما استن من الفصل بين الحج و العمرة و الضرب عليها قال ابن حزم (13) :" ان عثمان سمع رجلا يُهِلُّ بعمرة و حج، فقال: عليَّ بالمُهِل، فضربه و حلقه"، الضرب للتأديب و الحلق للتشهير، و في الشطر الثاني من خلافة عثمان حيث نَقِمَ المسلمون عليه كثيرا من أحداثه، سجلت كتب الحديث اكثر من رواية تشرح معارضة علي (عليه السلام) بقوة تحريم متعة الحج.
موقف علي (عليه السلام) من حج التمتع:
روى مالك في الموطأ:
" ان المقداد بن الأسود دخل على علي (عليه السلام) بالسُّقْيا و هو يُنجِع بَكرات له دقيقا و خبطا، فقال هذا عثمان بن عفان ينهى ان يقرن بين الحج و العمرة، فخرج علي (عليه السلام) و على يديه اثر الدقيق و الخبط فما أنسى اثر الدقيق و الخبط، على ذراعيه، حتى دخل على عثمان فقال: أنت تنهى عن ان يُقْرَنَ بين الحج و العمرة، فقال: عثمان ذلك رأيي، فخرج عليٌّ (عليه السلام) مغضبا و هو يقول: لبيك اللهم لبيك بحجة و عمرة معا" (14).
وفي سنن النسائي و مستدرك الصحيحين و مسند احمد و اللفظ للاول عن سعيد بن المسيب قال:
" حج علي و عثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع فقال علي إذا رأيته ارتحل فارتحلوا فلبى علي و أصحابه بالعمرة " (15) .
قال الإمام السندي بهامشه:
" قال (إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا) أي ارتحلوا معه ملبين بالعمرة ليعلم أنكم قدمتم السنة على قوله، و انه لا طاعة له في مقابل السنة" (16) .
وفي صحيح البخاري و سنن النسائي و سنن الدارمي و سنن البيهقي و مسند احمد و مسند الطيالسي و غيرها عن علي بن الحسين (عليه السلام) عن مروان بن الحكم قال:
" شهدت عثمان و عليا (عليه السلام) و عثمان ينهى عن المتعة و ان يجمع بينهما فلما رأى علي أهل بهما لبيك بعمرة و حجة معا قال ما كنت لأدع سنة النبي (صلى الله عليه واله) لقول أحد" (17).
وفي لفظ النسائي:
" فقال عثمان أ تفعلها و أنا أنهى عنها فقال علي لم اكن لأدع سنة رسول الله لأحد من الناس".
هذا هو موقف علي (عليه السلام) من أمر متعة الحج في عهد عثمان، و هو موقفه ايضا في عهد عمر و لكنه (عليه السلام) لم يتابع إنكاره على عمر، بقوة لشدة عمر المعروفة و لما تولى علي (عليه السلام) الأمر بعد قتل عثمان كان من الطبيعي ان يحث على إقامة سنة النبي (صلى الله عليه واله) في حج التمتع و غيرها و كذلك كان الأمر في عهد الحسن (عليه السلام).
حج التمتع على عهد معاوية:
لما تولى معاوية أمر الحكم عمل على إحياء سنن الخلفاء الثلاثة و كان منها تحريم متعة الحج ففي سنن النسائي عن ابن عباس قال: هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة. و قد تمتع النبي (صلى الله عليه واله).
وفي موطأ مالك و سنن النسائي و سنن الترمذي عن محمد بن عبد الله بن الحارث:" انه سمع سعد بن أبي وقاص و الضحاك بن قيس عام حج معاوية، و هما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحاك: يا بن قيس لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله عز و جل، فقال سعد: بئس ما قلت يا بن أخي، فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك، فقال سعد: قد فعلها رسول الله و فعلناها معه".
أقول: قوله (قد فعلها رسول الله)، تعبير غير صحيح من الراوي لان رسول الله (صلى الله عليه واله) كان قد ساق الهدي و لم يحل، و إنما أمر بالحل.
لقد جدَّ معاوية خاصة بعد وفاة الحسن (عليه السلام) في المنع من متعة الحج فلم يكن يجرأ من يعرف الحقيقة و ثبت عليها من المجاهرة بها كما يظهر من الرواية الآتية:
روى مسلم عن مطرف قال:
" بعث إليَّ عمران بن الحصين في مرضه الذي توفي منه فقال: أني محدثك بأحاديث لعل الله ان ينفعك بها بعدي فان عشت فاكتم عني و ان مت فحدث بها ان شئت .. واعلم ان نبي الله (صلى الله عليه واله) قد جمع بين حج و عمرة، ثمّ لم ينزل فيها كتاب يحرم، و لم ينه عنها رسول الله، قال فيها رجل برأيه ما شاء" (18) .
اقول: اراد بالرجل الذي قال فيها برأيه ما شاء هو عمر.
حج التمتع على عهد ابن الزبير:
ولما ولي ابن الزبير مكة اكثر من عشر سنوات واصل هو و بنو أبيه في منع المسلمين من عمرة التمتع فوقعت بينهم و بين أتباع علي (عليه السلام) مناظرات و مساجلات، ففي صحيح مسلم (19):" كان ابن عباس يأمر بالمتعة و كان ابن الزبير ينهى عنها".
وفي زاد المعاد:" قال عبد الله بن الزبير افرِدوا الحج أي لا تجمعوا بين الحج و العمرة ودعوا قول أعماكم هذا (يريد ابن عباس)، فقال عبد الله بن عباس: ان الذي أعمى قلبه لأنت، أ لا تسأل أمك عن هذا، فأرسل إليها فقالت: صدق ابن عباس جئنا مع رسول الله (صلى الله عليه واله) حجاجا فجعلناها عمرة، فحللنا الإحلال كله، حتى سطعت المَجامِر بين الرجال و النساء" (20).
وفي مسند احمد:
" قال عروة بن الزبير لابن عباس: متى تضل الناس يا بن عباس؟
قال و ما ذاك يا عُرَيَّة (21)؟
قال تأمرنا بالعمرة في اشهر الحج و قد نهى عنها أبو بكر و عمر!
فقال ابن عباس: قد فعلها رسول الله (صلى الله عليه واله) (22).
وفي رواية أخرى فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون أقول قال النبي (صلى الله عليه واله) و يقولون نهى أبو بكر و عمر (23).
وفي صحيح مسلم عن أبي نضرة قال:" كنت عند جابر فأتاه آت فقال: ان ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر فعلناها مع رسول الله ثمّ نهى عنها عمر فلم نَعُد لهما (24).
ولم يفلح ابن الزبير في إرجاع الناس في أمر متعة الحج إلى ما سنه فيها عمر، و تعلقت قلوبهم بسنة النبي (صلى الله عليه واله) كما أحياها علي (عليه السلام)، ففي صحيح مسلم:
" قال رجل من بني الهجيم لابن عباس ما هذه الفتيا التي تشغفت أو تشعبت بالناس ان من طاف بالبيت فقد حل فقال سنة نبيكم وان رغمتم، و في رواية بعدها: ان هذا الأمر قد تفشغ بالناس من طاف بالبيت فقد حل" (25).
وقوله تشغفت أي علقت بقلوب الناس و تشغبت أي خلطت عليهم أمرهم و تفشغ أي انتشر و فشا بين الناس.
حج التمتع على عهد بني مروان:
وحاول عبد الملك و من جاء من بعده من حكام بني أمية أحياء موقف عمر، و كان الناس في زمانهم يتخوفون من الإفتاء بمتعة الحج، كما يظهر ذلك من رواية ابن حزم عن منصور بن المعتمر قال:" حج الحسن البصري و حججت معه في ذلك العام، فلما قدمنا مكة جاء رجل إلى الحسن، فقال: يا أبا سعيد إني رجل بعيد الشقة من أهل خراسان و إني قدمت مُهِلًّا بالحج، فقال له الحسن:
اجعلها عمرة و احل، فأنكر ذلك الناس على الحسن، و شاع قوله بمكة، فأتى عطاء بن أبي رباح فذكر ذلك له، فقال صدق الشيخ لكنا نفرق ان نتكلم بذلك" (26).
حج التمتع على عهد بني العباس:
زال التخوف و الحرج عن المسلمين عن العمل بمتعة الحج في عصر بني العباس، و انتشر القول بعمرة التمتع على عهدهم، ولعل لموقف جدهم عبد الله بن العباس دخلا في ذلك، و على عهدهم تبنى احمد بن حنبل القول بعمرة التمتع ثمّ استمر في أتباعه إلى اليوم (27) .
العبرة من قصة حج التمتع:
أقول: إذا كان سبعون ألفا إلى مائة ألف أو اكثر كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه واله) في حجة الوداع، و هي آخر سنة من حركة النبوة، قد سمعوا من النبي (صلى الله عليه واله) أمر حج التمتع ثمّ عملوا به بعد مشاكسة و ممانعة، و مع ذلك استطاع الخليفة عمر ان ينهاهم عنها، و يعاقبهم إذا خالفوا أمره فيها، و لم يجرأ على الوقوف أمام هذه المخالفة إلا علي (عليه السلام) ونفر من أصحابه معه كمقداد و عمار و غيرهما، فهل يُستغرَب منهم ان يخالفوا نص النبي (صلى الله عليه واله) في علي (عليه السلام) في حادثة الغدير و دواعي المخالفة هنا أقوى لمكان الرئاسة و التقدم على الغير؟
ثمّ لو قارن الباحث بين كيفية تبليغ النبي (صلى الله عليه واله) حكم متعة الحج و تدرجه فيه و كيفية تبليغ النص في ولاية علي (عليه السلام) و تدرجه فيه، ثمّ ردود الفعل إزاء الحُكمين في زمان النبي و بعده، و كيفية تخطيط علي (عليه السلام) لإحياء نص النبي (صلى الله عليه واله) فيه و في أهل بيته يوم الغدير و إحياء سنته (صلى الله عليه واله) في متعة الحج، لدهش من شدة التشابه، و قد جعل الله تعالى في ذلك عبرة لمن أراد الاعتبار.
ويتضح تدرج النبي (صلى الله عليه واله) في تبليغه امر متعة الحج حين سئل في الطريق عن ذلك و قوله (صلى الله عليه واله) (دخلت العمرة في الحج الى الابد)، و قوله (صلى الله عليه واله) (من شاء منكم ان يجعلها عمرة او يجعلها حجة). ثمّ لما اتموا طوافهم امرهم امرا قاطعا بان من لم يسق الهدي ان يجعلها عمرة و كان رد فعلهم زمن النبي (صلى الله عليه واله) هو كثرة لغطهم و مناقشتهم للنبي (صلى الله عليه واله) حتى اغضبوه، اما رد فعلهم بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله) فهو العمل على خلافها زمن ابي بكر ثمّ نهي عمر كل المسلمين عن العمل بها.
وتميز موقف علي (عليه السلام) بالاستنكار على عمر استنكارا لينا لما يعلم من شدته، ثمّ استنكارا شديدا على عثمان في اخريات حكومته حيث تضعضعت سلطته، و كثر كلام الناس عليه، ثمّ العمل على احياء متعة الحج زمان حكمه.
اما تدرج النبي (صلى الله عليه واله) في تبليغه الولاية لأهل البيت (عليهم السلام) و تسمية علي (عليه السلام) فهو واضح لمن يتأمل كلمات النبي (صلى الله عليه واله) فيهم منذ واقعة الدار و إلى ما قبل حجة الوداع، اذ يجدها خاصة غير عامة فحديث الدار كان مع بني هاشم، و حديث الكساء كان امام ام سلمة و امام هذه المجموعة او تلك من اصحابه و هكذا الامر في كل ما اثر عنه (صلى الله عليه واله) من احاديث في فضل علي (عليه السلام) او احد من اهل بيته، اما في خطبته يوم عرفة و حديثه في الغدير فقد كان ذكر اهل بيته و علي (عليه السلام) امام كل اصحابه الذين بلغ عددهم مائة الف او يزيدون، و قد كثر لغطهم لما قرن النبي (صلى الله عليه واله) اهل بيته بالقرآن و جعل التمسك بهما امانا من الضلالة و ذكر الاثني عشر منهم (28) ، و بسبب اللغط و الصخب لم يسم عليا في خطبته في عرفة.
وعند رجوعه (صلى الله عليه واله) من الحج و وصوله الى غدير خم نزل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة: 67] فقام النبي و خطب اصحابه و ذكر اهل بيته (عليهم السلام) و سمى عليا (عليه السلام)، و جعل ولاية علي كولايته و هي كولاية الله تعالى و استجاب الناس لأمر الله في علي و سلموا جميعا عليه بأمرة المؤمنين، حتى قال عمر بخ بخ لك يا علي اصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة.
وكان رد الفعل بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله) هو العدول عن علي (عليه السلام) بل النهي عن ذكر احاديث النبي فيه و في اهل بيته بل نهيهم عن رواية السنة النبوية مطلقا كرد فعلهم ازاء حج التمتع و نهيهم عنها، كما مرت مصادر دلك في صفحة 159 163 من هذا الكتاب.
وتميز موقف علي (عليه السلام) بالاستنكار على اهل السقيفة و الامتناع عن البيعة ثمّ سالمهم حفظا على حياته، و لما صار الامر اليه بعد قتل عثمان احيا ما ذكره النبي (صلى الله عليه واله) فيه و في اهل بيته، و في مسجد الكوفة و هو يجمع الآلاف المؤلفة من المصلين روى علي (عليه السلام) حديث الغدير، واستنشد من كان حاضرا من الصحابة لتأييده، وبسبب ذلك صارت رواية حديث الغدير متميزة من ناحية كثرة رواتها من الصحابة والتابعين و قد سجل الحافظ ابن عقدة في القرن الرابع الهجري رواية مائة وعشرة من الصحابة الامر الذي لم يسجل مثله لأي حديث آخر من احاديث النبي (صلى الله عليه واله) سواء في الفضائل او في الاحكام.
__________________
(1) الامتاع 511: 1. و في السيرة الحلبية 308: 3 ان الذين خرجوا معه كانوا اربعين الفا و قيل كانوا سبعين الفا و قيل كانوا تسعين الفا و قيل كانوا مائة الف و اربعة عشر الفا و قيل عشرين الفا و قيل كانوا اكثر من ذلك.
(2) 1: 951.
(3) صحيح البخاري 189: 1. و صحيح مسلم: 875. و أيضا في بطحاء مكة سنن البيهقي 4: 5.
(4) صحيح مسلم: 882 ح 138.
(5) 2: 25.
(6) مسند احمد 286: 4، مجمع الزوائد 233: 3، سنن ابن ماجة: 993.
(7) صحيح مسلم: 879.
(8) سنن البيهقي 5: 5.
(9) يؤكد قول الاشعري هذا ان السلطة القرشية بعد النبي(صلى الله عليه واله) كانت قد عرضت نفسها على انها السلطة التشريعية، بمعنى ان الدين هو ما تقرره، مضافا الى السلطة الاجرائية.
(10) 5: 502.
(11) صحيح مسلم: 896 ح 157. مسند الطيالسي 70: 2 ح 516. مسند احمد 1: 49 50، سنن النسائي 16: 2. من هذه الرواية نفهم ان عمر كان من الذين انكروا على رسول الله(صلى الله عليه واله) امر متعة الحج و انه قال ضمن من قال( نغدوا حجاجا ورءوسنا تقطر).
(12) 1: 071.
(13) المحلى 107: 7.
(14) موطأ مالك الحديث 40 من باب القِران في الحج: 336، و ابن كثير 129: 5، و( السقيا) قرية جامعة بطريق مكة، و( ينجع) يسقي، و( بكرات) جمع بكرة ولد الناقة أو الفتى منها، و( الخَبْط) ضرب من ورق الشجر حتى ينحات عنه ثمّ يستخلف من غير ان يضر ذلك باصل الشجر و اغصانها قال الليث( الخَبَط) خَبَط ورق العِظاء من الطلح و نحوه يخبط يضرب بالعصا فيتناثر ثمّ يعلف الابل.
(15) سنن النسائي 15: 2 كتاب الحج باب حج التمتع. و مسند احمد 57: 1 الحديث 204 بمسند عثمان. و مستدرك الصحيحين 472: 1. و تاريخ ابن كثير 126: 5 و 721.
(16) يتضح من الرواية و تعليق السندي ان عليا( ع) و اصحابه كانوا في الحج على السنة و كان عمر و عثمان و من اقتدى بهما على خلاف السنة.
(17) صحيح البخاري 190: 1.
(18) صحيح مسلم ج 161: 168، 169. و عمران بن حصين توفي بالبصرة سنة اثنتين و خمسين. يتضح من هذه الرواية ان السلطة القرشية بعد النبي(صلى الله عليه واله) كانت قد عرَّضت سنة محمد (صلى الله عليه واله) للتحريف حين ادخلت فيها برأيها ما شاءت كما عرَّضت سنة ابراهيم في الحج بعد وفاة عبد المطلب حين ادخلت فيها برأيها ما شاءت من بدعة الحمس و تحريم العمرة في اشهر الحج.
(19) الحديث 194.
(20) زاد المعاد 248: 1. انظر أيضا زوائد المسانيد الثمانية 330: 1 الحديث 1108 و المصنف لابن أبي شيبة 103: 4.
(21) تصغير عروة.
(22) مسند احمد 252: 1.
(23) مسند احمد: 337.
(24) صحيح مسلم الحديث 1249 ص 914.
(25) صحيح مسلم 207: 206.
(26) المحلى 103: 7. توفي الحسن البصري سنة 110 هج و قد قارب التسعين و عطاء توفي سنة 114 هج.
(27) استفدنا اكثر ما ورد من بحث العلامة العسكري في كتابه معالم المدرستين ط 4 ج 197: 2512. و يعد بحثه في حج التمتع بحق افضل ما كتب في بابه.
(28) مسند احمد ج 99: 5 حديث سمرة بن جندب؟
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|