المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 5832 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


العرب البائدة  
  
4775   09:35 صباحاً   التاريخ: 8-11-2016
المؤلف : جواد علي
الكتاب أو المصدر : المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام
الجزء والصفحة : ج1,ص106-116
القسم : التاريخ / احوال العرب قبل الاسلام / عرب قبل الاسلام /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-11-2016 20231
التاريخ: 2-2-2017 3455
التاريخ: 26-8-2018 2682
التاريخ: 14-1-2017 2032

نبدأ بالتحدث عن "عاد": عاد: و إذا جارينا الأخبارين، وسرنا على طريقتهم في ترتيب الشعوب العربية، وجب علينا تقديم طسم وعمليق وأميم وأمثالهم على عاد وثمود؛ لأنهم من أبناء "لاوذ بن سام" شقيق "إرم"، وعاد وثمود من حَفدة "إرم بن سام". ولكن الأخبارين يقدمون عاداً على غيرهم، و يبدأون بهم، وهم عندهم أقدم هذه الأقوام، ويضربون بهم المثل في القدم. ومثلهم في ذلك مثل أخباري العبرانيين الذين عدّوا العمالقة أول الشعوب. ولعل هذه النظرية تكونت عند الجاهليين من قدم عاد، أو من ورود اسم عاد في القرآن الكريم في سورة الفجر ثم مجيء اسم "ثمود" بعد ذلك. ولهذا صاروا إذا ذكروا "عاداً" ذكروا "ثمدوا" بعدها في الترتيب. فلورودهما في القرآن الكريم قدما على بقية الأقوام.

عاد في التوراة:

وقد أورد "الطبري" ملاحظة مهمة عن قوم "عاد" وعن رأي أهل الكتاب فيهم، إِذْ قال: "فأما أهل التوراة، فإنهم يزعمون أن لا ذكر لعاد ولا ثمود ولا لهود وصالح في التوراة، وأمرهم عند العرب في الشهرة في الجاهلية، والإسلام كشهرة إبراهيم وقومه". ويظهر من ذلك أن المسلمين حينما راجعوا اليهود يسألونهم علمهم عن عاد وأمثالهم، أخروهم بعدم وجود ذكرهم في التوراة. والواقع أن التوراة لا علم لها فيهم. فأحداث عاد وثمود وهود وصالح إنما هي أحاديث عربية، تحدث بها الجاهليون، وليس لها ذكر في كتب يهود، ولكن أهل. الأخبار ربطوا مع ذلك بينها وبين التوراة، وأوجدوا لها صلة ونسباً بأسماء أعيان وردت في التوراة. ولكن عملهم هذا لا يخفى بالطبع على من له وقوف على التوراة.

وأكثر هذه الأقوام أقوام متأخرة عاشت بعد الانتهاء من تدوين التوراة، عاشت بعد الميلاد في الغالب، ولعل منها من عاش إلى عهد غير بعيد عن الإسلام. ثم إن التوراة والكتب اليهودية الأخرى لم تهتم إلا بالشؤون التي لها علاقة بالعبرانيين، وهي ليست كتباً في التواريخ العامة للعالم حتى تكتب عنهم وعن أمثالهم من قبائل. أما بقاء أخبار قوم عاد ومن كان على شاكلتهم من العرب البائدة في ذاكرة أهل الأخبار، فلأنهم عاشوا بعد الميلاد، وفي عهد غير بعيد عن الإسلام، ومع ذلك، فقد أخذت أخبارهم طابع القصص والأساطير.

وقد ذهب بعض أهل الأخبار إلى أن عادا هي "هدورام" في التوراة. ودليلهم على ذلك اقتران عاد بإرم في الكتب العربية، وبعض القراءات التي قرأت "بعاد إرم" في الآية: (ألم ترَ كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد) على الإضافة، أو مفتوحتين، أو بسكون الراء على التخفيف، أو بإضافة إرم إلى ذات العماد. وبين "عاد إرم" و "هدورام" تشابه كبير في النطق.

ولكن التوراة تشير إلى أن "هدورام" من نسل "يقطان"، أي قحطان في الكتب العربية، وهذا لا يستقيم مع الروايات. ويرد "جرجي زيدان" على هذا الاعتراض بقوله: "ولعل كاتب سفر الخليقة رأى مقر تلك القبيلة في بلاد اليمن، فقال أنها من نسل قحطان، لأن مقام عاد في الأحقاف بين حضرموت واليمن. كثيراً ما التبس علماء التوراة في هدورام أو هادرام ومقر نسله، ولم يهتدوا إلى شيء عنه، مع انهم اهتدوا إلى أماكن أكثر أبناء قحطان، وكلها بحوار الأحقاف، فعاد هي "هدورام" في التوراة. وإما أن يكون كاتب سفر الخليقة أراد بيان القبائل التي سكنت اليمن، وكلها ينسب إلى قحطان، فرأى عاد إرم في جملتها، فجعله من أولاد قحطان وبعبارة أخرى: من القبائل المتفرعة عن قبيلة قحطان. وإما أن يكون بالحقيقة من نسل قحطان، وهم العرب في نسبته إلى آرام"، ورأى "فورستر" وجود صلة بين "عادة"، وهو اسم زوجة "لامك"، وبن "عاد"، وهي والدة "يابال" الذي كان أباً لسكان الخيام ورعاة المواشي، ونسلها من الأعراب. وقوم عاد من الأعراب كذلك. وذهب أيضاً إلى أن هؤلاء هم Oaditae وهو اسم "قوم ذكرهم "بطليموس"" على انهم كانوا يقيمون في الأرضين الشمالية الغربية من جزيرة العرب، ولعلهم كانوا يقيمون عند موضع "بئر إرم"، وهي من الآبار القديمة في منطقة(حسمى)على مقربة من جبل يعرف بهذا الاسم في ديلر جُذام بين أيلة وتيه بني إسرائيل. ولا يبعد هذا الموضع عن أماكن ثمود الذين ارتبط اسمهم باسم عاد. وقد أيد هذا الرأي (شبرنكر) وجماعة من المستشرقين، وهو أقرب الآراء إلى الصواب.

عاد عند الاخباريون:

ذهب الإخباريون إلى وجود طبقتين لقوم عاد هما: عاد الأولى، وعاد الثانية، وكانت عاد الأولى، في زعم أهل الأخبار، من أعظم الأمم بطشاً وقوة، وكانت مؤلفة من عدة بطون تزيد على الألف، منهم: رفد، ورمل، وصد، والعبود. والظاهر أن فكرة وجود طبقتين لعاد قد نشأت عند الأخبارين من الآية: (وأنه أهلك عاداً الأولى، وثمودَ فما أبقى)، فتصوروا وجود عاد ثانية، قالوا أنها ظهرت بعد هلاك عاد الأولى.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن "عاداً الأولى"، هو "عاد بن عاديا ابن سام بن نوح"، الذين أهلكهم الله، وأوردوا في ذلك بيت شعر ينسب إلى "زهر". وأما عاد الآخرة، فهم "بنو تميم" وينزلون برمال عالج. وذهب الطبري إلى أن عاداً الأولى، هم نسل بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح، وأن عاداً الآخرة هم رهط قيل بن عتر، ولقيم بن هزّال ابن هزيل بن عُتيَل بن صد بن عاد الأكبر، ومرشد بن سد بن عفير، وعمرو بن لقيم بن هزّال، وعامر بن لقيم، وسرو بن لقيم بن هزّال، وكانوا في أيام "بكر بن معاوية" صاحب "الجرادتين"، وهما قينتان له تغنيان. وقد هلكوا جميعا الا "بني اللوذية"، وهم "بنو لقيم بن هزّال ابن هزيل بن هزيلة ابنة بكر"، وكانوا سكاناً بمكة مع أخوالهم "آل بكر ابن معاوية"، ولم يكونوا مع عاد بأرضهم فهم عاد الأخيرة، ومن كان من نسلهم الذين بقوا من عاد.

وجعل بعض أهل الأخبار عدد قبائل عاد ثلاث عشرة قبيلة، ذكروا منها: "رفد" و "زمل" و "صد" و "العبود".

وجعلها "الهمداني" أحد عشر قبيلة وهي: العبود، والخلود، وهم رهط هود النبي المرسل، وفيهم بنو عاد وشرفهم، وهم بنو خالد. وقيل: بنو مخلد، وبنو معبد، ورفد، وزمر وزمل، وضد وضود، وجاهد، ومناف، وسود، وهوجد.

وقد ذهب العلماء مذاهب في تفسير المراد من "إرم ذات العماد" في الآية(ألم ترَ كيف فعل ربك بعادِ، إرَمَ ذات العماد) فذهب بعضهم إلى أن "إرم ذات العماد" مدينة في "تيه أبْينَ" بين عدن وحضرموت، وذهب آخرون إلى أنها دمشق أو الإسكندرية. والذي دعاهم إلى هذا الرأي - على ما أرى - هو كثرة وجود المباني ذوات العماد في هاتين المدينتين وما عرف عنهما من القدم، فوجد الإخباريون فيهما وصفاً ينطبق على وصف إرم ذات العماد. وقد خلقت "باب جيرون" من أبواب دمشق قصة "جيرون بن سعد ابن عاد" الذي قالوا فيه إنه كان ملكا من ملوكهم، وإنه الذي اختط مدينة دمشق، وجمع عمد الرخام والمرمر إليها، وسماها "إرم".

وهناك مناسبة أخرى جعلت بعض العلماء يذهبون إلى أن دمشق هي "إرم" أو "إرم ذات العماد"، فقد كانت دمشق - كما هو معروف - من أهم مراكز الإرمين "الآراميين"، وكانت عاصمة من عواصمهم. وهذا السبب أيضاً قال نفر من الباحثين إن "إرم" تعني "أرام"، وأن عاداً من "الآراميين"، وأن "عاد إرم" انما تعني "عاد أرام"، فالتبس الأمر على المؤرخين وظنوا أن ذات العماد صفة، فزعموا أنها مدينة بناها عاده. غير أنه قول لا يؤيده دليل يثبت أن "إرم" في هذا الموضع تعتي "ارام". ومن الجائز أن تكون "إرم ذات العماد" هي التي أوحت إلى النسابين فكرة جعل "عاد" من نسل "عوص بن ارم"، لتشابه اسم "ارام" و "ارم" عند العرب التي هي "آرآم" فأصبحت عاد من الإرميين.

ويرى بعض المستشرقين أن الذي حمل الأخبارين على القول إن "الإسكندرية" هي "ارم ذات العماد"، هو أثر قصص الإسكندر في الأساطير العربية الجنوبية ذلك الأثر الذي نجده في كتب القصاص اليمانيين، في مثل كتاب "التيجان" المنسوب إلى وهب بن منبه، وفي الرواية اليمانية. وقد حاول الإسكندر كما نعرف احتلال اليمن، فغدا "شداد بن عاد" بانياً للإسكندرية، وأصبح "الإسكندر" مكتشفاً لها.

وقد فسر العلماء لفظة "إرمي" الواردة في بيت الحارث بن حلزة اليشكري:

                                    إرَمي بمثله جالت الجن     فآبت لخصمها الأجلاء 

بأنها نسبة إلى "إرم عاد" في قدم ملكه، وقيل في حلمه.

ونسب بعض أهل الأخبار ل "عاد" ولداً، دعوه "شداداً" قالوا: إنه كان قوياً جبارا، سمع بوصف الجنة، فأراد بناء مدينة تفوقها حسناً وجمالاً، فأرسل عماله، وهم: "غانم بن علوان"، و "الضحاك بن علوان"، و "الوليد بن الريان"، إلى الآفاق، ليجمعوا له جميع ما في أرضهم من ذهب وفضة ودرّ وياقوت، فابتنى بها مدينته، مدينة "إرم" باليمن، بين حضرموت وصنعاء، ولكنه لم ينعم بها إذ كفر بالله، ولم يصدق بنبوة "هود"، فهلك. وتولى من بعده ابنه "شديد".

وزعم بعض، النسابين أن نسب "شداد" هو على هذه الصورة: "شدّاد ابن عمليق بن عوفي بن عامر بن إرم"، فأبعدوه بذلك عن "عاد". وقيل في نسبه غير ذلك.

عاد في القرآن الكريم :

ويفهم من القرآن الكريم أن مساكن "عاد" بالأحقاف، (واذكر أخا عاد، إذ أنذر قومه بالأحقاف). والأحقاف: الرمل بين اليمن وعُمان إلى حضرموت والشجر. وديارهم بالدوّ والدهناء وعالج ويبرين ووبار إلى عمان إلى حضرموت إلى اليمن. وقد اندفع أكثر الأخبارين يلتمسون مواضعهم في الصحارى، لأنها أنسب المواضع التي تلائم مفهوم الأحقاف، فوضعوا من أجل ذلك قصصاً كثيراً في البحث عن مواطن عاد وتبور عاد، ورووا في ذلك كثيراَ من قصص المغامرات التي تشبه قصص مغامرات لصوص البحر.

وفي بعض الأخبار: أن "عاداً" لحقت برالشحر، فسكنت به، وعليه هلكوا بوادٍ يقال له "مغيث". فلحقتهم بعد "مهرة" بالشحر. وقد سبق أن قلت: إن Oaditae الذي ذكرهم "بطلميوس" هم قوم "عاد"، وإنهم كانوا يسكنون في الأرضين الشمالية الغربية من جزيرة العرب في منطقة "حسمى"، أي في أعالي الحجاز، وعلى مقربة من مناطق ثمود. وهو أقرب إلى الصواب، اذ اقترن ذكر عاد في القرآن بذكر (ثمود الذين جابوا الصخر بالواد). "حسمى" أقرب إلى هذا الوصف من الرمال. ولم يعين القرآن موضع الأحقاف، و إنما عينه المفسرون، ولا يحتم تفسيرهم تخصيص الأحقاف بهذا المكان، حيث جعلوا رمال "وبار" في جملة المناطق التي كانت لعاد.

وقد ذهب "موريتس" إلى ان موضع "Aramaua" الذي ورد عند "بطلميوس"، وهو "إرم"، أو "إرم ذات العماد". ويقال له الآن "رم". وقد أيد "موسل" رأي "موريتس" غير أنه لم يذهب إلى ما ذهب أليه من أنه "إرم". وقد أظهرت الحفريات التي قام بها "المعهد الفرنسي" في القدس، صحة هذا الرأي، إذ ورد في الكتابات "النبطية" التي عثر عليها في خرائب معبد اكتشف في "رم" أن اسم الموضع هو "إرم". فيتضح من ذلك أن هذا الموضع حافظ على اسمه القديم، غير أنه صار يعرف أخراً ب "رم" بدلاً من "إرم".

وفي سنة 1932 قام "هورسفيلد" Horsfield من دائرة الآثار في المملكة الأردنية الهاشمية حفريات في موضع جبل "رم"، ويقع على مسافة "25" ميلا إلى الشرق من العقبة، ويقع المكان الذي بحث فيه عند وادّ، وعلى مقربة منه "عين ماء"، ووجد في جانب الجبل آثاراً جاهلية قديمة. وقد حملت اكتشافاته هذه و اكتشافات "سافينياك" Savignac واكتشافات "كليدن" H.W. Glidden على القول: إن هذا المكان هو موضع "إرم" الوارد ذكره في القرآن، والذي كان قد حل به الخراب قبل الإسلام، فلم يبق منه عند ظهور الإسلام غير عين ماء كان ينزل عليها التجار وأصحاب القوافل الذين يمرون بطريق الشام - مصر - الحجاز.

وذكر "ياقوت الحموي" اسم مكان سماه "جش إرم"، قال عنه: إنه اسم جبل عند "أجأ" أحد جبلَيْ. طيء، أملس الأعلى، سهل ترعاه الإبل، وفي ذروته مساكن لعاد وإرم، فيه صور منحوتة من الصخر. ففرق "ياقوت" هنا بين عاد وإرم، وجعلهما قومين: قوم عاد وقوم إرم، وقد تكون الواو بين الكلمتين زيادة من الناسخ، فيبطل حينئذ الاستدلال على تفريق ياقوت بينهما. وفي الكتب العربية أسماء محلات أخرى قديمة عثر فيها على نقوش وتماثيل، وصفت أنها من مساكن قوم عاد.

عاد في الشعر الجاهلي:

وبالإضافة إلى المواضع التي أشير فيها إلى "عاد" في القرآن الكريم، فقد أشر إليهم في الشعر الجاهلي كذلك في شعر طرفة وفي شعر النابغة وفي شعر زهير وفي شعر الهُذَليين، وفي شعر طفيل بن عوف الغنوي، وفي شعر "متمم بن نُوَيْرَة" شقيق "مالك بن نويرة"، وهو من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية وأدركوا الإسلام، وفي شعر "أمية بن أبي الصلت"، وهو ممن عاش في أيام الرسول كذلك، وفي شعر غيرهم من الشعراء الجاهلين المخضرمين.

وورد في شعر لزهير بن أبي سُلمى "أحمر عاد"، وضرب المثل بشؤم أحمر عاد، فقيل: أشأم من أحمر عاد. وجعل الشاعر "أبو خداش الهذلي" "كليب وائل" كأحمر عاد في الشؤم، وذلك بسبب الحرب التي هاجت بين بكر وتغلب. وقد نص "ابن قتيبة الدينوري" على أن المراد من "أحمر عاد" "أحمر ثمود" الذي عقر الناقة.

ويدل ورود خبر "عاد" في القرآن الكريم وفي الشعر الجاهلي على أن القصة كانت شائعة بين عرب الجاهلية معروفة عندهم، وأنهم كانوا يتصورون أن قوم "عاد" كانوا من أقدم الأقوام، ولذلك ضُرب بقدمهم المثل حتى إنهم كانوا ينسبون الشيء الذي يريدون أن يبالغوا بقدمه، إلى عاد، فيقولون إنه "عادي". وإذا رأوا أثراً قديماً أو أطلالا قديمة عليها نقوش لا يعرفون صاحبها، قالوا إنها عادية، أي من أيام عاد. وإذا رأوا بناءً قديماً لا يعرفون صاحبه، قالوا إنه بناء عادي. وقد تحدث "المسعودي" عن أشجار عادية، أي قديمة جداً. ولهذا السبب رأى "ولهوزن" أن كلمة "عاد" لم تكن اسم علم في الأصل، بل كان يراد بها القدم، وأن كلمة "عادي" تعنى منذ عهد قديم جداً، وكذلك كلمة "من عاد" أو "من العاد"، أو من "عهد عاد". وان المعنى هو الذي حمل الناس على وضع تلك الأساطير عن أيام "عاد".

وقد جعل بعض الشعراء أيام "عاد" من أوليات الزمان، التي جاءت بعد "نوح" وجعل بعض آخر لفظة "إرمي"؛ بمعنى "عادي"، أي قديم كأنه من عهد إرم وعاد، أو كأنه في الحكم من عاد.

وقد ضرب المثل في القرآن الكريم بقدم "قوم نوح" وقوم "عاد وثمود" حتى إن أخبارهم خفيت عن الناس فلا يعلمها إلاّ الله: )ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود، والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله(، وفي ذلك دلالة على أن الناس في أيام الرسول كانوا يرون أن الأقوام المذكورة هي من أقدم الأقوام، ولهذا ذكروا بهم للاتعاظ.

وقد ورد ذكر عاد في الكتاب الذي وجهه "يزيد بن معاوية" إلى أهل المدينة يهددهم فيه بمصير يشبه مصير "عاد وثمود"، حيث ينزل بهم عقاباً شديداً ويصيرهم حديثا للناس، "واترككم أحاديث تنسخ بها أخباركم مع أخبار عاد وثمود". وقال "سبيع" لأهل اليمامة: "يا بني حنيفة بعداً كما بعدت عاد وثمود".

وضرب المثل برجل من "عاد" اسمه "ابن بيض"، زعموا أنه كان من عاد، وكان تاجراً مكثراً عقر ناقة له على ثنية، فسد بها الطريق على السابلة، فضرب به المثل.

وزعم أهل الأخبار أن رجلاً غنياً من بقية "عاد" اسمه "حمار" كان متمسكاً بالتوحيد، فسافر بنوه، فأصابتهم صاعقة فأهلكتهم، فأشرك بالله وكفر بعد التوحيد، فاًحرق الله أمواله وواديه الذي كان يسكن فيه فلم ينبت بعده شيء. ويزعمون أن "امرأ القيس" الشاعر ذكر ذلك الوادي في شعر له.

ويذكر أهل الأخبار أن المكان الذي كان فيه "حمار" المذكور هو "جوف"، وهو موضع في ديار عاد، وقد نسب اليه، فقبل "جوف حمار"، نسبة إلى "حمار بن مويلع"، فلما أشرك بالله وكفر، أرسل الله ناراً عليه فأحرقته وأحرقت الجوف أيضاً، فصار ملعباً للجن لا يستجرئ أحد أن يمر به، والعرب تضرب به المثل، فتقول: "أخلى من جوف حمار".

هود:

يرد مع قوم "عاد" ذكر نبي منهم، هو "هود"، وقد نعت في القرآن الكريم ب "أخي عاد": (وإلى عادٍ أخوهم هوداً، قال: يا قوم، اعبدوا الله). كما نعت القرآن عاداً بقوم هود: (ألا، إن عاداً كفروا ربهم، ألا بُعْداً لعاد قوم هود). "قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح". وقد نسبه الناسبون إلى "الخلود بن معيد بن عاد"، وإلى "عبد الله بن رباح ابن جاوب بن عاد بن عوص بن إرم"، وإلى "عبد الله بن رباح بن الخلود ابن عاد بن عوص بن إرم"، ومن أهل الأنساب من زعم انه "عابر بن شالخ ابن أرفخشذ بن سام بن نوح"، إلى غير ذلك من روايات.

وقد وردت قصته مع قومه ونهيه لهم عن عبادة الأصنام في القرآن الكريم. وقد ضرب المثل بكفر رجل من عاد، اسمه "حمار"، فقيل: "أكفر من حمار"، قالوا: "هو رجل من عاد، مات له أولاد، فكفر كفراً عظيماً، فلا يمر بأرضه أحد إلا دعاه إلى الكفر، فإن أجابه، وإلا قتله". وذلك على نحو ما ذكرته عنه قبل قليل. وهي قصة واحدة، رويت بطرق متعددة، تختلف في التفاصيل، لكنها متفقة من حيث الفكرة والجوهر، وعليها طابع قصص الوعاظ وأهل الأخبار. وقد ذكر أصحاب الأخبار أن غالبية "عاد" كفرت بنبوة "هود"، ولم تؤمن به، لهذا أصابها العذاب والهلاك. ولم ينج منهم إلا من آمن ب "هود" واتبعه وسار معه حين ترك قومه: قوم عاد.

وقد نبه المستشرقون إلى وجود شبه بين هود و "هود" الواردة في القرآن أيضاً بمعنى "يهود": (وقالوا كونوا هوداً، أو نصارى، تهتدوا). وأشاروا إلى أن "هوداً" تعني التهود، أي الدخول في اليهودية، كما لاحظوا أن بعض النساّبين قالوا إن هوداً هو "عابر بن شالح بن أرفكشاد" جد اليهود، فذهبوا إلى أن هوداً لم يكن اسم رجل، و إنما هو اسم جماعة من اليهود هاجرت إلى بلاد العرب، وأقامت في الأحقاف، وحاولت تهويد الوثنيين، وعرفوا بيهوذا، ومنها جاءت كلمة "هود"، و أنها استعملت من باب التجوز علماً لشخص.

وزعم الرواة أن هوداً ارتحل هو ومن معه من المؤمنين بعد النكبة التي حلت بقومه الكافرين من أرض عاد إلى الشحر. فلما مات دفن بأرض حضرموت. ويدعي الرواة انه قبر في واد يقال له "وادي برهوت" غير بعيد عن "بئر برهوت" التي تقع في الوادي الرئيسي للسبعة الأودية. وهي من الآبار القديمة التي اشتهرت في الجاهلية بكونها شر بئر في الأرض، ماؤها أسود منتن، تتصاعد من جوفها صيحات مزعجة، وتخرج منها روائح كريهة، ولذلك تصور الناس أنها موضع تتعذب أرواح الكفار فيه.

ويذهب السياح الذين زاروا هذا المكان ودرسوه إلى انه موضع بركان قديم، يظهر أنه انفجر، فاًهلك من كان حوله. ويؤيد هذا الرأي ما ورد في الكتب العربية من أنه كان يسمع لهذا المكان أصوات كالرعد من مسافات، وانه كان يقذف ألواناً من الحمم يسمع لها أزيز راعب. ومن هنا نشأت قصة قبر هود، وعذاب عاد في هذا الموضع، على رأي المستشرق "فون كريمر".

ولا يزال هذا الموضع الذي يقال له "قبر هود"، يزار حتى الآن، يقصده الناس من أماكن بعيدة في اليوم الحادي عشر من شعبان للزيارة، وربما كان من الأماكن التي كان يقدسها الجاهليون.

وفي هذه المناطق آثار مدن بائدة، وقرى جاهلية، وتشاهد كهوف ومغاور على حافتي الوادي، وكتابات وصور منقوشة على الصخور تسل كلها على أنها كانت من المناطق المأهولة، وأنها تركت لسبب آفات وكوارث طبيعية نزلت بهذه الديار.

ورأى نفر من المستشرقين أن هذا المكان الذي فيه قبر "هود" هو الموضع الذي سماه الكتاّب اليونان Styx أو Stygis ، والذي زعم الرومان أن قبيلتين من قبائل جزيرة "اقريطش" "كريت" وهما قبيلة Minos و "رودومانتس" Rhodomantys تركتا موطنهما الأصلي، وارتحلتا إلى هذا المكان الذي ضم مئات من القبائل العربية، فكانتا من أقواها. وقد سكنتا في رأيهم، على مقربة من موضع سماه "بلينيوس" Stygis Aguniae Fossa.

أما الإخباريون الذين زعموا أن "هوداً" اعتزل قومه بعد يأسه من قبول دعوته، وأنه ذهب مع من آمن به إلى مكة، فقد ذهبوا إلى أنه عاش فيها أمداً، ثم مات هناك، فقبره بمكة مع قبور ثمانية وتسعين نبياً من الأنبياء. وذكر جماعة أنه بدمشق في المسجد الأموي. ولعل القصص الوارد عن "دمشق"، وأنها "إرم ذات العماد" هو الذي أوحى. إلى هؤلاء فكرة جعل قبر "هود" بدمشق. ومهما يكن من شيء فإن هناك جماعة من أهل الأخبار قبرت بعض الأنبياء في هذه المدينة، واختارت المسجد الأموي نفسه مقبرة لهم. ولعل ذلك بسبب أن هذا المسجد كان كنيسة معظمة قديمة عند أهل دمشق قبل دخولهم في الإسلام، وكان قد قبر فيها جماعة من قدّيسيهم ورجال دينهم، فلما تحولت الكنيسة إلى جامع تحولت قبور هؤلاء بعواطف الناس القديمة إلى قبور أنبياء. وقد ظهر مثل هذه الروايات التي تمجد الجامع الأموي في الوقت الذي تحصن فيه "ابن الزبير" بمكة، وتحزب أهل الحجاز على الأمويين.

وقد اتخذ القحطانيون هوداً جداً من أجدادهم، وألحقوا نسبهم به، وتفاخروا به. فعلوا ذلك بدافع العصبية والمفاخرة على العدنانيين الذين كانوا يقولون إن فيهم الأنبياء، ولم يكن في قحطان نبي، فأوجد نساّبوهم نسباً يوصلهم إلى الأنبياء، كما أوجدوا لهم نسباً احتكر لهم العروبة، وجعلهم الأصل والعدنانيون من الطارئين عليهم، كما سيأتي الحديث عن ذلك.

وإذا صح أن الشعر المنسوب إلى حسّان بن ثابت الذي افتخر فيه بانتسابه إلى "هود بن عابر"، وبأن قومه وهم من "قحطان" منهم، هو هذا الشاعر حقاً، يكون لدينا أول دليل يثبت أن هذا الانتساب كان معروفاً عند ظهور الإسلام. وأن أهل "يثرب"، وهم من الأوس والخزرج، وهم من قحطان في عرف النسّابين، كانوا قد انتسبوا أليه قبل الإسلام. أخذوا ذلك من اليهود النازلين بينهم، الذين كانوا يحاولون التقرب إلى أهل يثرب، للعيش مهم عيشة طيبة. فأشاعوا بين الناس أن "عايراً"، وهو جد العبرانيين، ووالد ولدين هما "فالغ" و "يقطان" كان جدّهم وجد أهل يثرب، لأن أصلهم من يقطان، وأن علاقتهم لذلك بهم هي علاقة أبناء عمّ بأبناء عم. ولما نزل الوحي بخبر "هود"، وتفاخر المكّيون على أهل يثرب بالإسلام، استعار أهل يثر ب "هوداً"، وصيروه "قحطاناً"، أو ابناً له، وانتسبوا اليه، ليظهروا بذلك انهم كانوا أيضاً من نسل نبي، وان نبوءة قديمة كانت فيهم، وقد كان "حسّان بن ثابت" من المتعصبين للأزد قوم أهل يثرب، والأزد من قحطان بر وكان من المتباهين بيمن و قحطان.

لقمان:

ومن قبائل عاد قبيلة كان فيها "لقمان" الذي ورد ذكره في القرآن الكريم وفي الشعر الجاهلي وفي القصص. وقد ضرب به المثل بطول العمر، فعدّ في طليعة المعمرين، وعدّه "أبو حاتم السجستاني" ثاني المُعَمّرين فيَ العالم بعد الخضر. وقد كان عرب الجاهلية يعرفون قصص "لقمان"، وكانوا يصفونه بالحكمة. وقدُ وصف في القرآن الكريم بهذه الصفة: (ولقد آتينا لقمان الحكمة). ولهذا السبب عرف بين الناس وفي الكتب ب "لقمان الحكيم". وذكر عنه انه كان "حكيماً عالما بعلم الأبدان والأزمان" وانه طلب من الله أن يعمّر طويلا فأًعطاه طلبه: و عُمرّ سبعة أنسر، وذكر الأخباريون أن آخر نسي أدركه، وهلك بهلاكه اسمه "لبد". قالوا واليه يشير "النابغة" بقوله: أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا  أخنى عليها الذي أحنى على لـبـد

وقد أكثرت العرب في صفة طول عمر النسر، وضربت به الأمثال. وبلبد، وبصحة بدن الغراب. وذكروا في ذلك شعراً، منه ما نسب إلى "الخارجي" في طول عمر "معاذ بن مسلم بن رجاء"، مولى القعقاع بن حكيم: يا نسر لقمان، كم تعيش، كـم  تلبس ثوب الحياة يا لُـبَـدُ ?

                                   قد أصبحت دار حْمَيرٍ خربت     وأنـت فيها كــــأنـك الـوتـدُ

                                   تسأل غِرْبانها إذا حَـجَـلـتْ       كيف يكون الصداع والرّمدُ ? 

ويذكر أهل الأخبار إن "لقمان" قد عرف لذلك ب "لقمان النسور"، لأنه عمّر سبعة نسور. وذكر بعض، أهل الأخبار انه عمّر مائة وخمسين سنة، وانه لما مات قبر بحضرموت، أو بالحجر من مكة. وهو عمر لا يتناسب مع ما يذكره أهل الأخبار من طوله، ومن انه يعادل عمر سبعة نسور. أما "السجستاني"، فجعل عمره خمسمائة سنة وستين. وهو عمر أخذه من عمر النسور المذكورة، اذ عاش كل نسر ثمانين عاماً، والعدد المذكور هو مجموع عمر تلك النسور السبعة. غير إن من الأخبارين من أعطاه عمراً قدره بثلاثة آلاف وخمسمائة سنة. وهو عمر يؤهله ولا شك لأن يكون في عداد المعمرين.

وقد ورد اسم لقمان على انه اسم خّمار في شعر منسوب للنابغة حيث يقول:

                                  كأن مشعشعاً من خمر بصرى     نمته البخت مشدود الـخـيام

                                  حملن قلاله مـن بـين رأس          إلى لقمان في سوق مـقـام

وجعلوا للقمان نسباً هو "لقمان بن عاد"، وصيروه "لقمان بن ناحور بن تارخ"، وهو "آزر" أبو "إبراهيم". وقال بعضهم: بل هو ابن أخت "أيوب"، أو ابن خالته، وجعله آخرون من حمير، فقالوا له: "لقمان الحميري"، وصره آخرون قاضياً من قضاة "بني إسرائيل". وقد اشتهر عند المسلمين بالقضاء، ويظهر أن هذا السبب هو الذي جعل الواقدي يقول: إنه كان قاضياً في بني إسرائيل. ولم يفطن الأخباريون إلى هذه الأخبار المتناقضة التي تخالف رواياتهم في عاد، وأنها من أمم العرب البائدة، إلا إذا جعلناه من الطارئين على قوم عاد الداخلين فيهم، فهو غريب بين قوم عاد.

ويظهر من روايات أهل الأخبار، أن الأخبارين كانوا يرون وجود لقمان اخر، هو غير لقمان عاد. فقد زعموا أنه كان في عهد "داوود" لقمان، عرف ب "لقمان الحكيم". وقد نسبه بعضهم على هذا النحو: "لقمان بن عنقاد"، وقد زعم "المسعودي"، أنه كان نوبياً، وأنه كان مولى للقين ابن جسر، ولد على عشر سنين من ملك داوود، وكان عبداً صالحاً، منّ اللهُ عليه بالحكمة، ولم يزل باقياً في الأرض مظهراً للحكمة في هذا العالم إلى أيام يونس بن متي حين أرسل إلى أرض نينوى في بلاد الموصل.

وهنالك من فرَق بين "لقمان بن عاد" وبين "لقمان" المذكور في القرآن، قال الجاحظ: "وكانت العرب تعظم شأن لقمان بن عاد الأكبر والأصغر، ولقيم بن لقمان في النباهة والقدر وفي العلم والحكم، في اللسان وفي الحلم، وهذان غير لقمان الحكيم المذكور في القرآن على ما يقوله المفسرون". وقد أورد الجاحظ جملة أبيات للنمر بن تولب في لقمان ولقيم.

وقد ذكر الجاحظ أنه كانت للقمان أخت محمقة ؛ تلد أولادا حمقى، فذهبت إلى زوجة لقمان، وطلبت منها أن تنام في فراشها حتى يتصل بها لقمان، فتلد منه ولداً كيساً على شاكلته، فوقع عليها فأحبلها ب "لقيم" الذي أشرت إليه، فهو ابن لقمان أذن من أخته. وقد أورد الجاحظ في ذلك شعراً جاء به على لسان الشاعر المذكور، أي: "النمر بن تولب"، زعم أنه نظمه في هذه القصة. وزعم الجاحظ أيضاً أن لقمان قتل ابنته "صُحرا" أخت "لقيم"، وذلك أنه كان قد تزوج عدة نساء كلهّن خنّه في أنفسهن، فلما قتل أخراهن ونزل من الجبل، كان أول من تلقاه "صُحرا" ابنته فوثب عليها فقتلها، وقال: "وأنت أيضاً امرأة". وكان قد ابتلي بأخته على نحو ما ذكرت، فاستاء من النساء. وضربت العرب في ذلك المثل بقتل لقمان ابنته صُحرا، وقد أشير إلى ذلك في شعر ل "خفاف بن ندبة".

وقد أشير إلى "حي لقمان" في شعر لأبي الطحان القيني، كما أشير أليه في شعر ينسب إلى "لبيد بن ربيعة الجعفري". وفي شعر للفرزدق، وفي شعر لبنت وثيمة بن عثمان ترثي به أباها.

وأضافوا إلى "لقمان" أمثالا كثيرة نسبت أليه في الإسلام، ولم تكن معروفة في الجاهلية. ونسب أليه بعض الأخبارين الميل إلى إنشاء المدن والبناء، وضربوا به أيضاً المثل في كثرة الأكل، فقالوا: "آكل من لقمان".

وزعم "وهبه بن منبّه" انه قرأ من حكمة "لقمان" نحواً من عشرة آلاف باب، وزعم الرواة إن عرب الجاهلية كانت عندهم "مجلة لقمان"، وفيها الحكمة والعلم والأمثلة، وان جماعة منهم كانوا قد قرأوها وامتلكوها، ذكروا من جملتهم "سُوَيْد بن الصامت". وقد رووا انه كان يقرأها، وانه أخبر الرسول بها لما قدم عليه. وقد جمع الناس، فيما بعد، حكمته وأمثاله والقصص المروي عنه، ويشبه ما نسب أليه المنسوب إلى "ايسوب" Aesop صاحب الأساطير والحِكَم والأمثال الموضوعة على لسان الحيوانات عند اليونان.

وبالغوا في حكمته وفي علمه حتى زعم انه كان يدرك من الأشياء ما يعجز عن إدراكه الإنسان السوي.. وضرب المثل في أيساره، وعظم أمره، حتى قيل "أيسار لقمان"، كالذي ورد في شعر "طرفة"، وورد في الأخبار: "إذا شرف الأيسار، وعظم أمرهم قيل: هم أيسار لقمان. يعنون لقمان بن عاد". واستشهدوا على ذلك ببيت طرفة: وُهم أيسارُ لقـمـانٍ، إذا  أغلت الشتوةُ أبْداء الجُزُرْ, وقد زعم أن "زرقاء اليمامة"، التي اشتهرت بحدة بصرها وقوة رؤيتها حتى أنها كانت ترى من مسرة ثلاثة أيام، كانت امرأة من بنات لقمان بن عاد، وكانت ملكة اليمامة واليمامة أسمها، فسيمت الأرض باسمها. وقد زعم أن النابغة الذبياني أشار إليها في شعره.

وقد ورد في بعض الأشعار "لقمان بن عاد"0 إذ جاء:

                                   تراه يطوف الآفاق حرصاً      ليأكل رأس لقمان بن عاد

وهناك أمثلة عديدة ينسبها الرواة إلى "احدى حظيات لقمان"، ووردت على لسانها وعلى لسان لقمان وعلى لسان فتى اسمه عمرو.

وقد زعم بعض أهل الأخبار إن لقمان بن عاد، هو الذي بنى سدّ مأرب، وأن مأرب اسم قبيلة من عاد، وقد سمي باسمها هذا الموضع.

لم يبق بعد هلاك عاد الأولى، على رأي أهل الأخبار إلا هود ونفر ممن آمن به والوفد الذي سار إلى مكة للاستسقاء، وفيهم لقمان وكان من أكابر العاديين. فأنشأ هؤلاء عاداً الثانية، وخالف لقمان "الخلجان" ملك عاد الأولى، الذي خالف هوداً، فهلك. وخاف العاديون انحباس المطر والجفاف، فارتحلوا إلى أرض سبأ، وبنى لقمان سد "العرم" قرب مأرب، وبقيت عاد الثانية قائمة، إلى أن تغلبت عليها قبائل قحطان، ثم انقرضت وبادت.

ويذكر أهل الأخبار إن عاداً لما رأوا انحباس المطر عنهم، أرسلوا وفداً، بلغ سبعين رجلاَ في قول بعض الرواة، إلى مكة يستسقون، وكان أصحابها هم العمالقة يومئذ، ورئيسهم "معاوية بن بكر"، فأكرمهم وأضافهم، وأقاموا عنده شهراً: يشربون الخمر وتغنيهم "الجرادتان" وما قينتان لمعاوية بن بكر، وفي الوفد المذكور لقمان. ونسوا أنفسهم هناك، ولم يفطنوا لما جاؤوا أليه، إلا بعد أن ذكرتهم "الجرادتان" بما جاؤوا به إليها، فاستسقوا، فأرسل الله عليهم ريحاً عاتية، أهلكت عاداً في ديارها، ودمرت كل شيء، فهلكت، ولم يبق من عاد إلا من كان خارج أرضهم بمكة، وهم من "آل لقيم بن هزال بن هزيل بن هزيلة ابنة بكر"، فهم عاد الآخرة، ومن كان من نسلهم الذين بقوا من عاد.

وقد ذكر المؤرخون وأصحاب الأخبار أن "عاداً" تعبدوا لأصنام ثلاثة، يقال لأحدها: صداء، وللآخر صمود، وللثالث الهباء. ولم نعثر على أسماء هذه الأصنام حتى الآن في الكتابات.

وكان هلاك "عاد" واندثارهم بسبب انحباس المطر عنهم سنين ثلاثاً، أعقبه هبوب رياح عاتية شديدة استمرت (سبع ليال وثمانية أيام حسوماً) فهلك الناس واقتلعتهم الرياح وصارت ترميهم من شدتها، (كأنهم أعجاز نخل منقعر). (فترى القوم فيها صرعى، كأنهم أعجاز نخل خاوية) وخلت ديارهم منهم، وصارت أماكنهم أثراً.

ويجمع أهل الأخبار على أن هلاك عاد، إنما كان بفعل عوارض طبيعية نزلت بهم فأهلكتهم، وهي على اختلاف رواياتهم في وصفها وفي شرحها، انحباس الأمطار عنهم، وهبوب رياح شديدة عاتية عليهم. وقد تحدث المفسرون عنها لورود ذكرها في القرآن الكريم. وروي أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أشار إلى أن هلاكهم وهلاك ثمود كان بالصواعق، والصواعق من العوارض الطبيعية بالطبع.

ويرجع قسط من أخبار "عاد" إلى الجاهليين، فهو من القصص الشعبي القديم الموروث عنهم، ويعود قسط آخر منه إلى الإسلاميين، وهو القسط الذي جاء شرحاً لما جاء موجزاً في القرآن الكريم، ويرجع بعضه إلى "الحارث بن حسان البكري" و "الحارث بن يزيد البكري"، وتزعم رواية وردت في تأريخ الطبري أنه قص على الرسول قصصاً عن أمر "عاد"، ويرجع بعض آخر إلى "كعب الأحبار" وإلى "وهب بن منبه"، وهما من مسلمة يهود، وإلى "السّدّى"، وإلى أشخاص آخرين تجد ذكرهم في سند الروايات المذكورة عند "محمد بن اسحاق" صاحب السيرة، وعند الطبري وعند آخرين من أهل الأخبار والتواريخ ممن ساروا على طريقة ذكر المسند مع الروايات.

ويظهر أن كثيراً من أخبار "عاد" وضعت في أيام "معاوية" الذي كان له ولع خاص بأخبار الماضين، فجمع في قصره جماعة اشتهرت بروايتها هذا النوع من القصص، وفي مقدمة هؤلاء "عُبَيْد بن شَريْة الجُرْهُمي" و "كعب الأحبار".

ويذكر بعض أهل الأخبار أن رجلاً قصّ في أيام معاوية، أن إبلا له ظلت في تيه أيمن، وهو غائط بين حضرموت وأبن، فالتقطها من هناك، ووجد فيه موضع "إرم ذات العماد"، ووصف أبنيته العجيبة، وهذا الرجل هو في جملة من موّن العاشقين للأساطير بأخبار عاد. وقد ذكر الطبري أن "وهب بن منبه"، قصّ أنه سمع من رجل اسمه "عبد الله بن قلابة" أن إبلاّ له كانت قد شردت، فأخذ يتعقبها، فبينما هو في صحارى "عدن"، وقف على موضع "إرم ذات العماد"، وقد وصف ذلك الموضع على النحو المألوف عن "وهب"، من إغراقه في الأساطير وفي القصص الخيالي البعيد عن العقل.

جرهم الأولى:

وجرهم هؤلاء، هم غير "جرهم" القحطانية على رأي النسابين والأخبارين، ولذلك يقولون لجرهم هذه "جرهم الأولى"، ولجرهم القحطانية "جرهم الثانية"، ويقولون عن الأولى إنهم من طبقة العرب البائدة، وأنهم كانوا على عهد عاد وثمود والعمالقة. ويظهر من روايات الأخبارين أنهم كانوا يقيمون بمكة، ويرجعون أنسابهم إلى "عابر"، وأنهم أبيدوا: أبادهم القحطانيون. أما جرهم الثانية، أي جرهم القحطانيين فينسبهم بعض أهل الأخبار إلى "جرهم بن قحطان بن هود" وهم أصهار إسماعيل.

وقد ورد اسم "جرهم" عند "اصطيفان البيزنطي" من الكتبة اليونان.

العمالقة:

وحشر الأخباريون العمالقة "العماليق" في هذه الطبقة أيضأَ، فنسبم وهم إلى "عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح". ولم تذكر التوراة أصلهم ونسبهم، وهي لا تشير إلى أل بناء "لود" أو "لاوذ" كما يقول له الأخباريون.

"وعمليق" جد العمالقة، هو شقيق طسم. ويذكرون أنهم كانوا أمماً كثيرة، تفرقت في البلاد، فكان منهم أهل عمان وأهل الحجاز وأهل الشام وأهل مصر. ويعرف أهل عمان والبحرين ب "جاسم"، وجاسم هم من نسل عمليق على زعم أهل الأخبار. وكان من العمالقة أهل المدينة، ومنهم "بنو هف" و "سعد ابن هزان" و "بنو مطر" و "بنو الأزرق". وكذلك سكان نجد، ومنهم بديل وراجل وغفار، وكذلك أهل تيماء.

وكان ملكهم "الأرقم"، وهو من العمالقة. وهو من معاصري "موسى" على رواية الهمداني. وقد أرسل "موسى" عليه جنداً لمقاتلته ففتك باتباعه أهل تيماء وببقية عمالقة الحجاز.

ويذكر بعض أهل الأخبار أن "العماليق" لحقت بصنعاء قبل أن تسمى صنعاء، ثم انحدر بعضهم إلى يثرب، فاًخرجوا منها "عبيلاً"، وسكنوا في ديارهم، وذهبت "عبيل" إلى موضع "الجُحْفَة"، فأقبل السيل فاجتحفهم، فذهب بهم، فسميت الجحفة. وذكروا أن "موسى" أرسل جيشاً لحرب عماليق يثرب، ولم نجد في التوراة ذكراً لمثل هذا الجيش، أو الحرب.

والعمالقة الذين نتحدث عنهم، هم عرب صُرحاء، من أقدم العرب زماناً، لسانهم اللسان المضُرَي الذي هو لسان كل العرب البائدة على حد قول أهل الأخبار. بل زعم بعضهم أن عمليقاً، وهو أبو العمالقة، أول من تكلم بالعربية حين ظعنوا من بابل، فكان يقال لهم ولجرهم "العرب العاربة".

ويظهر من فحص هذا المروي في كتب الأخبارين عن العمالقة ونقده أنه مأخوذ من منابع يهودية، فقد ذكر العمالقة في التوراة، وقد كانوا أول شعب صدم العبرانيين حينما خرجوا من مصر متجهين إلى فلسطين. وظلوا يحاربونهم، ويكبدونهم خسائر فادحة، وأوقعوا الرعب في نفوسهم، ولهذا ثار الحقد بينهم على العماليق. ويتجلى هذا الحقد في الآيات التي قالها التي "صموئيل" لشاؤول "Saul" أول ملك ظهر ضد العبرانيين، قالها لهم باسم إسرائيل: "إياي أرسل الرب لمسحك ملكاً على شعبه إسرائيل. والآن فاسمع صوت كلام الرب. هكذا يقول رب الجنود. أني افتقدت ما عمل عمليق بإسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر. فالان اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ماله، ولا تعف عنهم، بل اقتل رجلاّ وامرأة، طفلاّ ورضيعا، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً". وهذا الحقد هو الذي جعلهم يخرجونهم من قائمة النسب التي تربطهم بالساميين.

وقد كانت منازل العمالقة من حدود مصر فطور سيناء إلى فلسطين. وعدم ذكر العبرانيين لهم في جملة قبائل العرب لا يدل على أنهم لم يكونوا عرباً، فقد ذكرت أن العبرانيين لم يطلقوا لفظة "عرب" إلا على الأعراب، أعراب البادية، ولا سيما بادية الشام. ثم إن العمالقة من أقدم الشعوب التي اصطدم بها العبرانيون، وحملوا حقداً عليها، وهم عندهم وفي نظرهم أقدم من القحطانيين والإسماعيليين.

هلاك العرب البائدة:

يلاحظ أن هلاك العرب البائدة كان بسبب كوارث طبيعية نزلت بهم مثل انحباس المطر جملة سنين مما يؤدي إلى هلاك الحيوان وجوع الإنسان، واضطراره إلى ترك المكان والارتحال عنه إلى موضع آخر، قد يجد فيه زرعاً وماءً وقوماً يسمحون له بالنزول معهم كرهاً لقوته ولتغلبه عليهم، أو صلحاً بأن يسمح الأقدمون له بالنزول في جوارهم لاتساع الأرض وللفائدة المرجوة للطرفين. وقد يتفرق ويتشتت بين القبائل، فيندمج فيها بمرور الزمن ويلتحق بها في النسب والعصبية، فيكون نسبه النسب الجديد. وبذلك ينطمر ذكر القبيلة القديم والأصل الذي كان منه. وقد لا يبقى منه غير الذكريات، كالذي رأيناه من أمر القبائل البائدة.

وقد تكون الكارثة هيجان حرّات وهبوب عواصف رملية شديدة عاتية تستمر أياماً واهتزازات أرضية في الأرضين غير المستقرة، مما يلحق الأذى بالناس. ومن هنا في ذكر هذه الكوارث في القرآن الكرم وفي الأخبار الواردة عن هلاك القبائل المذكورة فيه، أو التي لم ترد فيه، و إنما يذكر أسماءها أهل الأخبار.

هذا وقد ألّف بعض أهل الأخبار كتباً في بعض العرب البائدة ومن هؤلاء "عبيد بن شريةَ الجُرُهميُّ"، و "ابن الكلبي"، فقد ذكر إن لهذا مؤلفا دعاه "كتاب عاد الأولى والآخرة" و "كتاب تفوق عاد"، ومنهم "أبو البختري" و "وهب بن وهب بن كثير" فله "كتاب طسم وجديس" وغير ذلك. والغالب على هذه المؤلفات كما يظهر من الاقتباسات منها والمبثوثة في الكتب الباقية، إنها ذات طابع أسطوري.




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).





موكب أهالي كربلاء يستذكر شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
العتبة العباسية تستذكر شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) بإقامة مجلس عزاء
أهالي كربلاء يحيون ذكرى شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) في مدينة الكاظمية
شعبة مدارس الكفيل النسوية تعقد اجتماعًا تحضيريًّا لوضع الأسئلة الامتحانية