المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6689 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

زورن – ماكس
25-8-2016
أبو تمام
5-10-2015
وثيقة إعلام تحرير اليهود
11-10-2014
الإعجاز .. من ابعاد القران
23-04-2015
Freeze Fracture
12-5-2016
Fake pilot
5/9/2022


الديانة والمعبد لعصر فجر السلالات  
  
1948   12:46 مساءاً   التاريخ:
المؤلف : طه باقر
الكتاب أو المصدر : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة
الجزء والصفحة : ص365-375
القسم : التاريخ / عصر فجر السلالات /

ان الملامح  الأساسية لديانة مجتمع عصر فجر السلالات موضوع بحثنا الراهن، تلك الملامح التي استمرت بشيء من التحوير والتطور في جميع العهود التأريخية التالية سواء كانت السلالات الحاكمة سومرية أم بابلية أم آشورية. ومما لا شك فيه أن هذه الاستمرارية في اهم مقومات حضارة وادي الرافدين من الأدلة الكثيرة على ما سبق أن اكدناه من أن أسس هذه الحضارة قد وضعت ونمت وتطورت في وادي الرافدين منذ عصور ما قبل التأريخ. ومن ناحية الموضوع الذي بين أيدينا، أي الديانة، راينا كيف أن أقدم المباني العامة التي تركزت حولها اولى المستوطنات في السهل الرسوبي كانت المعابد التي استمرت في تطورها سعة وشكلاً وعدداً في الأدوار التأريخية التالية، وكان المعبد مركز القرية الفلاحية ثم المدينة حين تطورت القرى إلى مدن، ثم دولة المدينة حيث أصبح مدار حياتها الدينية والاقتصادية والاجتماعية. والمرجح كثيراً أن قوام المعابد ومديري شؤونها كانوا أقدم حكام في المجتمعات المتحضرة. فكان الكاهن الأعلى "أين" (En) حاكم المجتمع المعبدي في الوقت نفسه، وظل يجمع ما بين السلطتين الدينية والزمنية حتى بدأ الانفصال بين الوظيفتين الدينية والزمنية في فترة ما من عصر فجر السلالات حين ظهر إلى جانب الكاهن الأعلى الحاكم الزمني المفوض من إله المدينة او أنه كان وكيل هذا الإله في إدارة دولته الأرضية، وأطلق على هذا الحاكم مصطلح "أنسي" (Ensi) (وكان يقرأ باتيسى)، وأعقبه ظهور الملك (لوكال) حين كان يتسنى لحاكم إحدى المدن أن يبسط سلطانه على دول مدن أخرى، وعندئذ يصبح حاكم المدينة تباعاً له. والجدير ذكره بهذا الصدد أن العلامة المسمارية الدالة على الكاهن الأعلى (En) ظهرت في نظام الخط المسماري الصوري قبل العلامة الدالة على الملك.

وهكذا كان المعبد مركز الحياة في حضارة وادي الرافدين منذ ظهور اولى المستوطنات في السهل الرسوبي في الألف الخامس ق.م. وقد سبق ان رأينا كيف ظهر في كنف المعبد أعظم اختزاع حضاري في منتصف الألف الرابع، ونعني بذلك ظهور الكتابة في الأطوار الاخيرة من عصر الوركاء حين دعت الحاجة إلى إيجاد وسيلة لتدوين واردات المعبد وأملاكه. ولعله لم يكن من باب الصدفة أن يعثر على كتابة صورية في منطقة معبد "أي ــ أنا" في مدينة الوركاء الشهيرة. ومع أنه لا يمكن معرفة أسماء الآلهة التي عبدت في وادي الرافدين في العصور التي سبقت عصر فجر السلالات، بيد أن إمارات قوية ظهرت في الآثار الفنية ولا سيما المنحوتات والاختام الاسطوانية والكتابة في طورها الصوري، وهي تشير إلى أن الكثير من الآلهة التي عرفت أسماؤها واتضحت سماتها في العصور التأريخية منذ عصر فجر السلالات كانت معروفة منذ أزمان قديمة ولا سيما في العهد الشبيه بالكتابي كما تدل على ذلك "رموز الآلهة" والمشاهد الدينية الممثلة في القطع الفنية، وان استمرار إقامة الكثيرة من المعابد بعضها فوق بعض منذ عصر العبيد في "أريدو" مثلاً يشير كذلك إلى هذه الحقيقة.

ولعل أبرز ما يلفت إليه نظر الدارس لديانة حضارة وادي الرافدين في جميع عهودها كثرة الآلهة فيها، وبتعبير آخر شيوع مبدأ الشرك (Polytheism) بحيث يؤلف عدد الآلهة معجماً ليس بالصغير. ثم إن الآلهة بوجه عام، ما عدا تميزها عن البشر الخلود والقدرة، تشبه البشر في صفاتها الروحية والمادية، وهذا هو مبدأ "التشبيه" (Anthropomorphsim) الذي كان أبرز صفة للآلهة في هذه الديانة، وهي مفتاح فهمنا ومعرفتنا لجميع انواع الشعائر والعبادات الخاصة بالآلهة، كبناء معابدها التي كانت في الواقع بيوت الآلهة ومساكنها (لاحظ أن جميع المعابد تبدأ أسماؤها بالكلمة السومرية "أي" (e) التي تعني البيت)، ومن مظاهر هذه الصفة أن القوم نقلوا إلى الآلهة جميع الأفعال والأعمال التي يمارسها البشر في حياتهم الخاصة والعامة، كالطعام واللباس والزواج وإقامة الولائم وعقد مجالس الشورى والحكومة الإلهية والملوكية؛ والآلهة مثل البشر تفرح وتغضب وتتخاصم فيما بينها، وصار مجتمع الآلهة السماوي بموجب ذلك المبدأ نسخة ثانية للمجتمع البشري في الأرض، إلى غير ذلك من مظاهر هذا المبدأ. ومما لا ريب فيه ان كثيراً من الآلهة في حضارة وادي الرافدين نشأ في الأصل من القوى والظواهر الطبيعية البارزة في هذا الكون، ولا سيما القوى التي كانت تؤثر في حياة القوم كالكواكب والظواهر الجوية المختلفة وفي مقدمتها الشمس والقمر والسماء والهواء والأرض والمياه. وإلى هذه الأصول يمكن القول إنهم خصصوا لشؤون الحياة المختلفة المهمة آلهة تتحكم فيها وتسيرها، كالموت والولادة والغلال والخصب والأمراض، إلى غير ما هنالك من مظاهر الحياة الطبيعية والبشرية. ولما كانت ظواهر الكون والحياة تتفاوت في اهميتها وأثرها في حياة البشر، لذلك كانت الآلهة التي عبدت في حضارة وادي الرافدين متفاوتة في أقدارها ودرجاتها ومنزلة عبادتها وتقديسها. فنجد في أسفل درجات السلم طائفة من الآلهة القليلة الشأن لم يخصص لعبادتها سوى مزار صغير قد يقام في أحد الطرفات او في بيوت السكني على هيئة معبد صغير في أحد أركان البيت. ويكاد يكون من المؤكد أن القوم كان لهم عبادة وآلهة شعبية جماهيرية لا نعرف عنها أموراً كثيرة، لأن مصادرنا عن ديانة حضارة وادي الرافدين تقتصر بالدرجة الأولى على الديانة الرسمية، كما نظمها ودونها رجال الدين، اما عقائد الجماهير من عامة الناس وعباداتها الخاصة بها فليس لدينا عنها سوى النزر اليسير، مما نستشفه من المصادر المدونة الرسمية والآثار الفنية. ويلي الطبقات الدنيا من الآلهة طبقة يصح ان نسميها بالآلهة المحلية، وهي الآلهة التي اختصت بعبادتها وتقديسها المدن المختلفة بصفتها الآلهة الحامية لهذه المدن. وان آلهة المدن هذه هي التي كانت تتحارب وتتخاصم فيما بينها وكانت المسؤولة عن الحروب التي كان يشنها حكام دول المدن بعضهم على بعض، كما كانت تتقدم جيوش دولة المدينة وتشترك في القتال بأسلحتها الخاصة المفضلة لديها.

وهناك امثلة طريفة على أسر الآلهة، نذكر منها أسر الإله "مردوخ"، إله بابل الشهير، اكثر من مرة واحدة، فجردت الحملات الحربية لاسترجاع تمثال الإلهة الاسير، لأن غياب تمثال الإله، الذي هو المستودع أو الوعاء الحجري الذي تحل فيه روح الإله أو جوهر قوته، يعرض مدينته إلى قوى الشر والدمار. ومن قبيل الآلهة المحلية ما جرى عليه سكان العراق القديم، ملوكاً وحكاماً وأفراداً، من اتخاذهم ما يصح أن نصطلح عليه اسم الآلهة الحامية، وقد يكون هذا الإله الحامي بالنسبة إلى الحاكم إله المدينة التي يحكم فيها، وقد يكون إلهاً غيره، فيكون هذا الإله الحامي شفيعاً وحامياً للفرد إزاء لآلهة العظام ومسؤولاً عن أعماله وتصرفاته، كما كان بمثابة الملاك الحارس للفرد. وقد جاء إلينا هذا العرف مدوناً في المواضيع الفنية ولا سيما في نقوش الأختام الاسطوانية، إذ نجد طائفة من الاختام في بعض العهود التأريخية وهي منقوشة بمشهد يمثل فرداً عابداً (هو صاحب الختم)، يقدمه إله أو آلهة إلى بعض الآلهة من مقام ورتبة أعلى. وقد تكون العلاقة بين الأفراد ولا سيما الحكام وبين آلهتهم الحاسمة علاقة أبوة أو أمومة ولكن بالتبني، كما جاء ذلك واضحاً في نصوص حكام دولة لجش. اما علاقة الزواج بين الآلهة والبشر فهي نادرة جداً بخلاف الآلهة اليونانية على ما هو معروف من الأساطير اليونانية. فباستثناء البطل جلجامش الذي جعل في الملحمة لغرض فني (درامي)، ابن الآلهة ننسون، لا نعرف أمثلة أخرى على التزاوج ما بين الآلهة والبشر.

ويستطيع من يدرس أسماء الأعلام (الأشخاص) في حضارة وادي الرافدين أن يقف على أمور كثيرة عن آلهة القوم ومعتقداتهم الدينية، وفي رأيي أن هذا الحقل من المصادر المهمة لدرس ديانة هذه الحضارة في مختلف أدوارها ، فإن الغالب على هذه الاسماء، سواء كانت أسماء حكام وملوك أم أفراد من عامة الناس، أن تدخل أسماء الآلهة المختلفة في تركيبها. وإلى هذا فإن كثرة استعمال اسم إله معين في تركيب أسماء فترة تأريخية خاصة يكشف لنا عن اشتهار ذلك الإله لدى الجماهير وتعلقهم به، كما قد يشير إلى انتماء الشخص من الناحية القومية، إن كان سومرياً أو بابلياً أو آشورياً أو حورياً أو "سوباراياً" إلى غير ذلك من الأصول المختلفة التي دخلت في التركيب التأريخي لسكان العراق القديم.

أما النصف الثالث من آلهة حضارة وادي الرافدين فيتألف من الآلهة العظام التي عمت عبادتها وتقديسها جميع القطر ولم تقتصر على مدينة أو دولة مدينة، كما أنها استمرت في التقديس في جميع أدوار التأريخ، ويأتي على رأسها الثالوث الإلهي المؤلف من ثلاثة آلهة عظام، هم: "آنو" و "أنليل" و "انكي" (أبا)، وكان هؤلاء يقتسمون حكم الكون ما بينهم، فلآنو السماء، كما يشير إلى ذلك اسمه السومري. وكان لأنليل الجو، يدل على ذلك اسمه أيضاً، ويحكم الإله "أنكي" (ايا) الأرض والمياه الظاهرة والسفلى. وقد أخذ هؤلاء الآلهة حكم الكون من بعد القضاء على آبائهم من جيل الآلهة الحديثة، كما جاء ذلك في أسطورة الخليقة البابلية المشهورة التي دونت في حدود 1700ق.م. وجعل بطل المعركة فيها الإله "مردوخ"، إله بابل بعد أن عظم شان هذه المدينة وأصبحت عاصمة امبراطورية في عهد ملكها الشهير حمورابي (1750 – 1792 ق.م). والمرجح كثيراً ان البطل الأصلي في الأسطورة السومرية الأصلية الإله "أنليل". ولعل هذا الأمر خير ما يوضح الاتجاه العام في ديانة حضارة وادي الرافدين في حالة تعاظم إله محلي أي إله المدينة إلى مركز إله عام ولكن دون أن تنبذ عبادة الآلهة الاخرى، وهذا هو المبدأ المعروف في تأريخ الديانات بمصطلح "التفريد" (Henotheism)، إذ لم تصل ديانة حضارة  وادي الرافدين إلى مبدأ التوحيد في جميع عهود تأريخها.

ونظم الكهنة ورجال الدين علاقات الآلهة بعضها ووضعوا أنسابها وخصصوا لها الزوجات والأبناء والبنات والوزراء والأتباع والمبلغين والمراسلين وسائر انواع الخدم والحاشية. فينسب إلى أولئك الآلهة العظام بموجب هذه الأنساب جملة أبناء وبنات. فكان للإله "آنو" مثلاً ابنة مفضلة هي "أنانا" (عشتار)، كما جعلت زوجته، وعبد الأب والبنت معاً في المركز الرئيسي لعبادتهما في مدينة الوركاء ويسمى معبدهما "أي ــ أنا"، أي بيت السماء، وصيغ من اسم "آنو" إلهة زوجة له أيضاً هي "آنتم". وكان من أشهر أبناء الإله "أنليل" من زوجته "ننليل"، الإله القمر "نانا" (بالسومرية) او "سين" (في البابلية). ومن أبنائه أيضاً "نرجال"، إله العالم الأسفل، و "ننازو"، إله الطب والشفاء و "ننورتا"، إله الحرب (وهو أيضاً ننجرسو، إله لجش). وولد للإله القمر "نانا" (وكان يلفظ سابقاً ننار) من زوجته "ننكال"، إله الشمس الشهير، "أوتو" (بالسومرية) و "شمش" (في البابلية). وعبد الإله "نانا" في أور، كما اشتهرت مركزا اخرى لعبادته مثل مدينة "حران". اما الإله الشمس فقد اشتهر بأنه إله النور والحق والعدل والموجي بالشرائع والكشاف عن الظلم والبغي، واشتهرت مدينتا" سبار" و "لارسة" على أنهما مركزان مهمان لعبادته كما شيدت له معابد في بعض المدن الأخرى، وكلها دعيت باسم "أي ــ ببار" (e-babbar). اما الإله "أنكي" (ايا) فكان مركز عبادته مدينة "أريدو"، ومعبده فما باسم "أي ــ أبسو"، منذ أقدم الأزمان، وكان إله الماء والحكمة والمعروفة الذي علم البشر المعارف والفنون، وولد له من زوجته "دام ــ كنا" (Dam – Kinna) ابنه البكر "مردوخ" الذي تولى عن الآلهة قتال الآلهة العتيقة وقضى على تيامة، كما جاء في أسطورة الخليقة البابلية. وولد لمردوخ من زوجته "صربنيتم" ابنه الشهير "نابو" أو "نبو"، إله المعرفة والكتابة والقلم،  واشتهرت مدينة "بورسبا" القريبة من بابل بكونها مركز عبادته حيث معبده فيها يسمى " أي ــ زيدا" (e-zida)، ومعبد أبيه في بابل باسم "اي ــ ساكلا".

ونختتم هذه الملاحظات الموجزة عن الآلهة المشهورة بالتنويه بعبادة إله تعدت شهرته وممارسة عبادته حضارة وادي الرافدين إلى أقوام وحضارات أخرى، ذلك هو الإله الشهير "تموز" أو "دموزي"، الذي كان في أصله من آلهة الخضار والنباتات والماشية، واشتهر باقترانه بآلهة الحب "عشتار" (أنانا)، فنشأت عن ذلك عبادة الخصب التي انتشرت من حضارة وادي الرافدين إلى أقوام كثيرة. فكان خصب الأرض وما تدره من ثمرات وخيرات يتوقف على الاقتران السنوي (في مطلع الربيع على ما يرجح) بين الإله "تموز" والإلهة "عشتار". وأغلب الظن أن أقدم ممارسة لهذه العبادة ظهرت في مدينة الوركاء، مركز عبادة "عشتار" (أنانا)، كما ذكرنا. ولكن لم يقتصر هذا الزواج الإلهي (Hieros gamos )، الضامن لإحلال الخصب والخير، على اقتران تموز بعشتار في الوركاء، بل كان يمكن لزوجين آخرين من الآلهة في المدن الأخرى أن يقوما بالدور نفسه، ثم صار الحاكم والملك بوسعه أن يمارس هذه الشعائر الخاصة بالخصب مع كاهنة عليا خاصة. وقد سبق ان نوَّهنا كيف أن بعض الباحثين فسر المقبرة الملكية في أور على ضوء هذه الشعائر الدينية الخاصة بتموز وعشتار. ونشأت حول تموز وعشتار جملة أساطير أشهرها الأسطورة الجميلة التي جاءت إلينا في أصلها السومري وبالرواية البابلية أيضاً(1)، وخلاصتها أن عشتار غضبت على حبيبها أو زوجها تموز فأتزلته إلى الأرض السفلى، عالم الأموات وحبسته فيه. وكان من سنن هذا العالم أن من دخله لا يستطيع الخروج منه حتى الآلهة، إلا بأن يضع بديلاً عنه في ذلك العالم(2).

ولا تعلم نهاية الأسطورة على وجه التأكيد، فهل بقي تموز رهينة ذلك العالم أو أنه خرج منه، على أن آخر الآراء في الموضوع أنه تم الاتفاق ما بين عشتار وبين أختها، ملكة العالم الأسفل في الموضوع (ايرش ــ كيكال) أن يظل تموز حبيس ذلك العالم طوال نصف العالم ويخرج منه في النصف الثاني مقابل الاحتفاظ بأخته المسماة "كشتن ــ أنا" (Geshtin anna) (أي خمرة السماء ) بديلاً عنه في العالم الأسفل في النصف الثاني من العام الذي يخرج فيه تموز إلى الحياة، والمرجح أن يكون في مطلع الربيع ليحل الخصب والحياة في الأرض. ومما لا شك فيه عندي أن هذه الأسطورة الإغريقية المعروفة الخاصة بأدونيس، الذي هامت بجماله إلهة الحب "أفروديت"، ولكن آلهة العالم الأسفل "برسيفونه" نازعتها حب "أدونيس"، وحل النزاع بين هاتين الآلهتين بان يبقى ذلك الإله الجميل عند آلهة العالم الأسفل طوال نصف عام ويخرج منه في النصف الثاني ليكون حصة "أفروديت".

وعلى ضوء السجلات الكثيرة المكتشفة من دولة لجش في عصر فجر السلالات الثالث نستطيع ان نستنتج اموراً مهمة عن حضارة وادي الرافدين في هذا العصر، وبالنسبة إلى موضوع الآلهة ومعابدها وعبادتها تقف منها على النشاط الاقتصادي الواسع الذي كانت تمارسه هذه المعابد في حياة القوة الاقتصادية والاجتماعية (3). فكان في دولة لجش ما لا يقل عن عشرين معبداً كبيراً خصصت لعبادة آلهة هذه الدولة، مثل معبد الإله "ننجرسو" والإلهة "يابا" والإلهة" نانشه" أو "نازي"، والإلهة "أنانا" والإله "نندار" والإله "انكي". وكان يتبع الإله "ننجرسو" ما بين 6000 و 5000 من العمال والخدم، وخصص لمعبد الإلهة "نانشة" في مدينة "نينا" (سرغل)زهاء ألف تابع، وقدر عدد الخدم والعبيد التابعين لمعابد دولة لجش بنحو (10,000) شخص مضافاً إليهم نحو 20,000 شخص من الأحرار. وقدرت أملاك هذه المعابد من الأراضي الزراعية في حدود (500) إلى (600) كيلومتر مربع، وتكون هذه المساحة نسبة تربو على ربع مساحة تلك الدولة.

وما دمنا في ذكر أملاك المعابد من الأراضي الزراعية فيستحسن أن ننوه بأنواع هذه الأراضي التي يمكن تصنيفها بوجه عام إلى ثلاثة أصناف غير خاضعة للبيع والشراء:

(1) حقول تسمى بالسومرية (Nif-en-na) أو (Gana-nig-en-na) ومعناها الحرفي "أرض الرب أو السيد"، وقد خصصت كلها لخدمة المعبد، وكان يقع على سكان دولة المدينة العمل فيها لمنفعة المعبد وسد احتياجاته، وتجهز إدارة المعبد المسخرين للعمل بالبذور والأدوات الازمة.

(2) نوع ثان من الحقول يطلق عليه بالسومرية (Gana-Kur5) أو (Gana-Kur-ra)، وكان هذا النوع من الأراضي يقسم إلى وحدات زراعية تعطى "باللزمة" إلى العمال الذين يشتغلون في أراضي المعبد من الصنف الأول، وتكون غليتها لإعالة هؤلاء العمال وإعاشتهم، ويخصص بعض  غلتها كذلك إلى الخدم والتابعين إلى المعبد.

(3) حقول تسمى بالسومرية: (Gana-Uru4-la) او (Gana-apin-la)، وكانت تؤجر إلى الفلاحين ولا سيما فلاحي أراضي المعبد من الصنف الثاني، مقابل حصة عينية من الغلة تتراوح ما بين السبع والثمن من الحاصل.

ومع ان حصة المعبد من اراضي دولة المدينة الزراعية كانت حصة جسيمة كما بينا، بيد أن ما كان يظن سابقاً من أن معظم الأراضي يعود إلى المعبد أمر بمالغ فيه، ولعل ما ذكرناه في تقدير هذه الحصة بنحو ربع الأراضي وعلى أكثر تقدير نصف الأراضي أقرب إلى الواقع. أما الأراضي العائدة إلى الأفراد الخاضعة إلى التملك الفردي وشؤونها المختلفة من بيع وشراء وإجارة فقد جاءتنا عنها مجموعات مهمة من الوثائق المدونة ولا سيما سجلات دولة لجش، وسجلات مدينة "شروباك" (تل فارة) وسبار (أبو حية) و "ادب" (بسمي) وغيرها من الموقع الأثرية(4). فتشير هذه الوثائق إلى ان عامة الناس في دولة المدينة كان باستطاعتهم امتلاك الحقول الزراعية، وفي الوقت نفسه يستبان من هذه الوثائق سعة الأراضي التي كانت تمتلكها الطبقات الارستقراطية الحاكمة، مثل الحاكم (الأنسي (Ensi) ) والملك وكبار موظفي الدولة والكهنة الذين ينتمون إلى هذه الطبقة المالكة، ولا تدخل الأراضي المعبدية في حوزتهم. وكان العمل في أراضي هذه الطبقة يتم باستخدام العبيد والتابعين إلى مالك الأرض من نوع رقيق الأرض أو من الأحرار المأجورين. وكانت ملكية الأرض وراثية وقابلة للتعامل مثل البيع والشراء والتأجير والرهان. ولكن يؤخذ من الوثائق التي بين أيدينا أن نقل الملكية ينبغي أن يتم بموافقة مجلس المدينة. ويمكن تقسيم سكان دولة المدينة من ناحية علاقتهم بالأراضي الزراعية إلى الصنفين التاليين:

 (1) جماعة من السكان يعتمدون في الحصول على الأرض التي يزرعونها على الملاك من الطبقة الحاكمة أو المعبد مقابل العمل في الحقل.

 (2) ملاك احرار يملكون أراضيهم الخاصة بهم. كما يمكن تقسيم سكان دولة الدينة بالنسبة إلى طبقاتهم الاجتماعية إلى الأصناف الآتية:

 (1) الطبقة الحاكمة وهي رأس  المجتمع ومعها الطبقة المالكة الارستقراطية ومنهم الكهنة وشيوخ المدينة (Shibut ali))).

 (2) عامة الناس من الأحرار من أهل الطبقة الوسطى والفلاحين الاحرار والصناع والأجراء، ولعل هؤلاء كانوا يؤلفون نصف السكان في دولة المدينة.

 (3) صنف الاتباع أو ما يضاهي المصطلح العربي "الموالي" (Clients)، ومنهم الصناع التابعون إلى المعبد وعماله المشتغلون في صناعاته المختلفة كالحياكة والنسيج وصنع الجعة والخمور وزراع أراضي المعبد، والتابعون إلى الطبقة الارستقراطية، ويأتي في أسفل السلم الاجتماعي العبيد الأرقام سواء كانوا مملوكين من جانب القصر أو المعبد أم الأفراد، ولا يسعنا في هذا المجال ان نتكلم عن مصدر العبيد مثل الأسر والشراء وأيلولة الأشخاص الأحرار إلى العبودية في حالات خاصة مثل عجزهم عن دفع ديونهم، إلى غير ذلك .

__________________

 (1) حلو اسطورة "تموز" ونزول عشتار (أنانا) إلى العالم الأسفل راجع:

(1) ANET, 50ff.; 106ff.

(2) Falkenstein in Compt Rendu de la 2 em. Rencontre Assyriologique Internationalem (1954).

(3) Kramer, in IRAQ, (1960), 59ff.

(2) يسمى العالم الأسفل أو عالم الاموات بالسومرية "كور ــ نو ــ كي" وبالبابلية "ارصة لاتاري" وكلتا العبارتين تعني "الأرض التي لا رجعة منها".

(3) انظر:

Diakanoff, Ancient Mesopotamia, 173ff.

 (4) المصدر ذاته المذكور في الهامش رقم 65.

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).