أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2016
3042
التاريخ: 23-10-2016
2540
التاريخ: 23-10-2016
2309
التاريخ: 23-10-2016
1728
|
أحوال العراق السياسية في عصر السلالات:
كشفت التحريات عن بقايا عصر فجر السلالات ازدهار العمران واتساع مراكز هذا العمران ممثلاً بتعاظم المدن واتساعها وتكاثرها منذ العصر الشبيه بالكتابي وصيرورتها مدناً معظمة في عصر فجر السلالات ومراكز لحكم سلالات مهمة، وأصبح للكثيرة من هذه المدن أسوار. وازدهرت الزراعة واتسعت التجارة الخارجية وأقيم جهاز منظم وواسع للري. وسنرى مما سنورده عن أخبار هذه المدن كيف ان كلاً منها صار في هذا العصر الذي نتكلم عنه مركزاً سياسياً واقتصادياً ودينياً يضم مدناً اخرى وقرى ومزارع، وهو الذي اصطلح على تسميته "دول المدينة" (City state). فإن أهم ما كان يميز هذا العصر من الناحية السياسية أن القطر كان مجزءاً إلى عدة دول مدن مستقلة ومنفصلة بعضها عن بعض، وكانت على الغالب في نزاع وحروب للاستحواذ على الأراضي والزراعية ومصادر مياه الري. وإن تضارب مصالح هذه الدويلات وما كان يتطلبه تنظيم شؤون الري والإدارة والتجارة الخارجية التي كانت العماد الثاني لازدهار حضارة وادي الرافدين من بعد الزراعة ــ كل هذه العوامل كانت تعمل على تغلب الاتجاه الثاني المعاكس، ونعني به ضرورة قياس وحدة سياسية أكبر من دولة المدينة، تضم تحت سلطتها السهل الرسوبي كله، أي دولة القطر الموحدة. وقبل أن يحقق "لوكال زاكيزي"، آخر حكام عصر فجر السلالات ومن بعده سرجون الآكدي هذا الاتجاه التاريخي الثاني كان يحدث بين الحين والحين ان ينجح احد حكام تلك الدويلات فيضم أكثر من دولة مدينة إلى سلطته ودولة مدينته ويبسط سلطانه على جميع بلاد سومر واكد ، كما فعل بعض اوائل الملوك مثل "ميسلم"، و "ميسانيبدا"، مؤسس سلالة أور الأولى، و "ايواناتم"، حاكم دولة لجش. وجرى العرف السياسي أن مثل هذا الحاكم الذي نجخ في مد سلطانه إلى المدن الأخرى كان يتخذ لقباً سياسياً هو ملك "كيش" ولقب "الملك". وتطور مدلول ملك "كيش" في العصور التأريخية التالية إلى معنى "ملك العالم" (وبالآكدية "شار كشتى") والمرجح أن "ميسلم" كان اول من استعمل هذا اللقب.
وسنحاول في الصفحات التالية إيجاز ما نعرفه عن أخبار دول المدن الكثيرة التي قامت في عصر فجر السلالات، بعضها في الأطوار الاولى منه، ولكن أغلبها من الطورين الثاني والثالث. وأول ما نذكر من الحقائق التأريخية الخاصة بالموضوع أن مصادرنا الكتابية أي النصوص المدونة عن حكام هذه الدويلات هي من القلة بحيث لا تتناسب وطول هذه الحقبة التأريخية. فباستثناء الوثيقة التأريخية المهمة التي أشرنا إليها مراراً باسم "أثبات الملوك السومرية" لم يصل إلينا شيء مدون من الطورين الأول والثاني من عصر فجر السلالات. اما الطور الثالث منه فقط جاءت منه بضعة نصوص قصيرة لا يتعدى البعض منها أسطراً قليلة مثل الكتابات المختومة على الآجر ومخاريط الطين. ولكن يعوض عن هذا النقص في مصادرنا ما وصل إلينا من النصوص المتنوعة العائدة إلى حكام دولة لجش، وهي تعد غزيرة بالمقارنة مع جاءنا من دويلات المدن الأخرى، يضاف إلى ذلك نصوص متأخرة العهد استفيد منها في إيضاح بعض الجوانب المهمة عن الحياة السياسية في هذا العصر، نخص بالذكر منها الكتابة المعروفة باسم نص "تمال" (Tummal inscription ) الخاص بتجديد معبد الإله "ننليل" في نفر من جانب الملوك السومريين عاش البعض منهم في عصر فجر السلالات، ثم طائفة من النصوص المتأخرة الخاصة بتنبؤات الفأل حيث وردت فيها إشارات إلى بعض اولئك فيها إشارات إلى بعض أولئك الملوك والحكام...... .
نظام دولة المدينة:
كان نظام الدولة هو النظام السائد في حضارة وادي الرافدين في عصر فجر السلالات. والمرجح كثيراً أن أصول هذا النظام تمتد في جذورها إلى زمن ظهور اولى مراكز للاستيطان البشري في السهل الرسوبي منذ الألف الخامس ق.م وتطور المراكز الزراعية الفلاحية إلى مدن في العصر الذي سميناه بالعصر الشبيه بالتأريخي أو الشبيه بالكتابي في منتصف الألف الرابع ق.م، اقترن ظهور أولى المدن بنشوء التمدن والعمران الحضري (Urbanization). وبالنظر إلى قدم حضارة وادي الرافدين فإن هذه الحضارة خير مرجع للباحثين في أصول هذا النظام وتطوره التأريخي. ولعلنا لا نعدو الحقيقة إذا أكدنا القول إن حضارة وادي الرافدين تفردت بأول ظهور لنظام دولة المدينة على أنه اول شكل من أشكال الحكم في التاريخ البشري. وإن ما ظهر في حضارة وادي النيل قبيل قيام المملكة الموحدة في عهد الأسرات الأولى، لا يشبه ذلك النظام، ولعل أقرب شيء يضاهيه نظام دولة المدينة في الحضارة الإغريقية (Polis)، حيث كان ذلك النظام في كلتا الحضارتين النظام النموذجي للوحدة السياسية أو الدولة. ونمت في المدينة وفي دولة المدينة فكرة المواطن والمواطنة (Ctizenship). فكانت المدينة أكثر من كونها تجمعاً سكانياً أو قبلياً، بل إن ما يدهش الباحث في حضارة وادي الرافدين أن لا يجد أثاراً للنظام القبلي منذ أواخر عصور ما قبل التأريخ، ولعل العامل في ذلك أن الوحدة السكانية في حضارة وادي الرافدين في السهل الرسوبي كانت أولاً القرية الفلاحية ثم المدينة المعتمدة كل منهما على الاقتصاد الزراعي وجهاز الري والتجارة، فنشأت فيها بدلاً من الأنظمة القبلية الولاء القبلية أنظمة سياسية واجتماعية عجيبة منذ أبعد العصور التأريخية، مثل مجلس المدينة "بوخرم" (Pukhrum) باللغة الآكدية، و "اوكن" (Ukin) في اللغة السومرية، ومشيخة المدينة "شيبوت آلم" (Shibut alim) إلى غير ذلك من الاجهزة المدينة والتنظيمات الاجتماعية والسياسية.
تشير التحريات الآثارية التي أجريت في المدن القديمة في السهل الرسوبي إلى أن القرى الفلاحية التي نشأت فيه في عصور ما قبل التأريخ سرعان ما نمت إلى مدن في العصر الشبيه بالكتابي كما ذكرنا من قبل، وبرزت ملامحها المميزة في عصر فجر السلالات، موضوع بحثنا. ولعل أبرز شيء طرأ على هذه المدن في ذلك العصر اتساع حدودها وتكاثر سكانها وازدياد ازدهارها بتأثير عوامل مهمة تطرقنا إلى بعضها وفي مقدمتها ازدهار الزراعة المعتمدة على جهاز منظم للري وازدهار التجارة الخارجية، وصارت مراكز لتجمعات سياسية، أي وحدات سياسية واقتصادية هي التي ينطبق عليها مصطلح دولة المدينة. فكانت دولة المدينة هذه مكونة من مدينة مركزية، هي العاصمة، يتبعها مدن أخرى وعدد من القرى والأرياف والأراضي الزراعية. ونظرة واحدة إلى الخارطة التأريخية لوادي الرافدين ترينا كيف ان السهل الرسوبي في عصر فجر السلالات يكاد ينفرد بظاهرة عمرانية وسكانية، تلك هي كثافة تلك المراكز العمرانية وقرب المدن الكبيرة والصغيرة بعضها من بعض. وقد يبلع قرب الجوار بين المدينة والاخرى بضعة كيلو مترات مثل مدينة "أريدو" بالنسبة إلى مدينة أور (زهار 25 كم) وقربها مدن منطقة لجش ولارسة والوركاء وايسن وغيرها. وقد مرّ بنا كيف أن دولتين مشهورتين من دول المدن السومرية لم تتجاوز المسافة ما بين عاصمتيهما الخمسين ميلاً، ونعني بذلك دولة لجش ودولة "اوما" . وخلاصة القول إن هذه الظاهرة أقدم مثال في التأريخ على تركيز العمران وكثافته.
ونذكر على سبيل المثال أن محيط مدينة الوركاء بلغ زهاء تسعة كيلو مترات ومساحتها نحو (6) كيلو مترات مربعة، ومساحة مدينة "أور" زهاء 220 أيكراً (الأيكر الواحد يعادل نحو 4000 متر مربع او 4840 ياردة سريعة) ومساحة مدينة "خفاجى" (توتب القديمة) زهاء 100 أيكر(1). أما مساحات دول المدن اي المدينة وما يتبعها من مراكز عمرانية أخرى وقرى وأراض زراعية فلا يمكن تقديرها إلا على وجه التخمين، بالاستناد إلى النصوص المعاصرة. ولنأخذ دولة لجش مثلاً لوفرة المصادر عنها فقد قدرت مساحتها بزهاء (1800) ميل مربع او نحو (3000) كيلومتر مربع وعلى أقل تقدير (1000) كم مربع. أما سكان مدينة لجش فيرجح أن عددهم كان في حدود (36000)، وسكان دولة المدينة نحو 100,000، وهناك تقدير آخر لكان المدينة بنحو 19,000، وقدرت نفوس مدينة "اشنونا" (عاصمة مملكة أشنونا) بنحو 9000 وسكان مدينة خفاجى بـ 12,000 وسكان اوما بـ (16,000)(2).
وكان لمعظم المدن في عصر فجر السلالات أسوار تحيط بها،وقد نقض سرجون الآكدي أسوار المدن هادفاً من ذلك على ما يرجح الحيلولة دون ثوراتها والاحتماء داخل الأسواء. وكان المعبد، الذي تتبعنا نشوء منذ اولى اطوار الاستيطان في السهل الرسوبي، مركز حياة المدينة في النواحي الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، واخذ يضاهيه في الاهمية ويزاحمه في النفوذ والسلطة قصر الحاكم الذي بلغ هو الآخر اتساعاً كبيراً في المساحة والتنظيم، كما كشفت التنقيبات عن بعض قصور عصر فجر السلالات في بعض المدن المهمة مثل قصر كيش وقصر "أريدو" وقصر "ماري". وسنرى رجحان كفة القصر أي السلطة الزمنية على المعبد والسلطة الدينية منذ أن تولى الآكديون الساميون زمام الحكم في العراق واتضح هذا الاتجاه أكثر في العصر البابلي القديم (الألف الثاني ق.م.).
والقاعدة في اختيار مواقع المدن في جميع الادوار التأريخية تقريباً، أن تكون على مجرى ماء رئيسي أو بالقرب منه، وقد سبق أن نوهنا بظاهرة هجران مراكز العمران عند تحول اتجاه هذه المجاري، ونتج عن ذلك ظاهرة انتشار الاطلال الأثرية في بقاع جرداء الآن من جراء تبدل مجاري الأنهار القديمة حيث تشاهد تلك التلول على ضفاف هذه الانهار المندرسة. وحتى في حالة ارتفاع قيعان مثل هذه الأنهار إلى مستوى السهل المجاور وزوال معالمها فإن الخط الواصل ما بين عدة تلول أثرية من عصر واحد يحدد لنا مجرى النهر القديم الذي كانت تقع على ضفافه تلك المدن القديمة المهجورة. والغالب ان المصطلح السومري "أورو" (Uru) والآكدي "آلو" (Alu) كان يطلق على المستوطن من حجم المدينة، بيد أنه لا توجد مصطلحات خاصة للتمييز ما بين المدن الكبيرة وبين المدن الصغيرة. اما المستوطنات الريفية من قبيل القرى الفلاحية فيوجد لها بعض التسميات الخاصة، مثل المصطلح السومري "أي ــ أورو ــ شي" (e-ueu-she) وفي الآكدية السامية "كبرو" او "كفرو" (Kapru)، و "خصارو" أو " حضارو" (أي الحضر أو الحضيرة)(3) Khusaru)).
وبالقياس إلى ما نعرفه عن خطط المدن في العصور التي تلت عصر فجر السلالات يمكن القول إن المدينة في هذا العصر أيضاً كانت تتألف في الغالب من ثلاثة أقسام رئيسية(4):
(1) مركز المدينة المسمى بالآكدية "قلب المدينة" (Qabalti ali): وقد يعني هذا المصطلح في بعض الحالات الجزء القديم من المدينة. وكان سور المدينة يتضمن هذا القسم الرئيسي المدينة وفيه المعبد أو المعابد والقصر او القصور وبيوت السكان الحضريين. وكان الكثيرة من شؤون المدينة يدار عنه بوابتها او بواباتها، التي تطلق عليها التسمية المضاهية للكلمة العربية "بابتو"، وبالسومرية (Dag-gi4-a)، وكثيراً ما يرد اسم البوابة في مثل هذه الوظيفة في الشرائع (مثل شريعة حمورابي وشريعة اشنونا).
(2) ضواحي المدينة: وتسمى بالسومرية المدينة الخارجية أو "البرانية" أي (Uru – bar- ra)، ويوجد فيها في الغالب المعبد المخصص لأعياد رأس السنة في بداية الربيع، المسمى "بيت ــ آكيتو" (Bit – akitu)، وكذلك مساكن الزراع وبساتين المدينة وحظائر الماشية، وتعتمد المدينة في غذائها على هذا الجزء وعلى المزارع المجاورة.
(3) قسم الميناء والتجار ومستودع البضائع: الذي يطلق عليه بالسومرية "كار" (Kar) وبالآكدية "كارو" (Karu). وكان هذا القسم أكثر من مجرد ميناء على النهر، فقد كان مركز المدينة التجاري ولا سيما التجارة الخارجية، وكان في الغالب يتمتع بشيء كثير من الاستقلال الإداري والقانوني، وفيه يقيم التجار الأجانب حيث الخانات والبيوت المخصصة للمسافرين.
وقد وصلت إلينا أخبار طريفة في ألواح الطين من مدينة "اور", ندرس منها نشاط هذا الجزء المهم من المدينة، وقد سبق أن ذكرنا عثور المنقبين على بقايا ميناء "أور" (الكائن شمال شرقي الزقورة بنحو3 كم في الموضع المسمى الآن دقدقة). في الموضع المسمى "كول تبة" (كانيش القديمة). ومما تجدر ملاحظته عن أجزاء المدينة التي ذكرناها أنه لم كيكن كل المدن تتألف منها، فيضها مثل مدينة "سبارة"، كانت في الأصل مركزاً تجارياً مهماً للمتاجرة بالماشية والصوف من المناطق الرعوبة المجاورة.
وبالإضافة إلى المدن العريقة التي نمت من كونها مراكز قديمة للاستيطان في السهل الرسوبي واستمرت بالتطور والاتساع توجد طائفة أخرى من المدن في حضارة وادي الرافدين كانت تقام من جانب الملوك والحكام لأغراض عسكرية او سياسية كالسيطرة على طرق القوافل التجارية أو لحماية مواقع استراتيجية، نذكر على سبيل المثال الحصن الذي شيده الملك الآكدي "نرام ــ سين" في تل براك في أعالي الخابور، وبعض المدن الآشورية مثل مدينة "كار ــ تولكلتي ــ ننورتا"، و "كار شليمنصر" و "دور ــ شروكين" (خرسباد)، وقد سبق أن ذكرنا قيام مدن ومستوطنات جديدة في العهد الآكدي الذي أعقب عصر فجر السلالات وتبدأ أسماؤها في الغالب بكلمة "دور" (الحصن) او "مشكن" (Mashkan) المضاهية لمسكن العربية...... .
الحرب والتسليح:
وننهي كلامنا على عصر فجر السلالات بإيجاز القول في نظام الحرب والأسلحة بالنظر إلى أن ذلك العصر كما مر بنا شغل بالحروب والنزاع ما بين دويلات المدن، فظهرت الحروب المنظمة لعله لأول مرة في تأريخ الحضارات.
ولعل خير ما يمثل لنا النزعة الحربية أو العسكرية (Militarism) التي سادت دول المدن هذه ، الاخبار التي جاءت إلينا من عصر فجر السلالات، سواء كانت من الوثائق المدونة أم من القطع الفنية التي مثلت فيها مشاهد الحرب، مما أشرنا إلى بعضها مثل "مسلة النسور" العائدة إلى حاكم لجش "اياناتم" وراية أور الشهيرة، التي وجدت في المقبرة الملكية. وإذا رجعنا إلى أثبات الملوك السومرية وقفنا على تلك النزعة العسكرية. فهي عندما تذكر انتقال الحكم من مدينة إلى اخرى بقيام سلالة فيها تستعمل العبارة الطريفة: "دحرت المدينة الفلانية ونقلت ملوكيتها إلى المدينة الفلانية"، ولكن الترجمة الحرفية لتلك العبارة أقرب إلى تفسير الروح الحربية السائدة وهي: "ضربت المدينة بالسلاح أو ضربت بالسيف ونقلت ملوكيتها إلى المدينة كذا". أما فن النحت ولا سيما من الطور الثالث من عصر فجر السلالات الذي حكمت في أثنائه أشهر دور المدن، فإنه لا يتفوق عليه في كثرة ما مثل فيه من مشاهد الحرب والقتال إلا الفن الآشوري.
وهذا ليس بالإمكان تقدير الجيوش في دول المدن المختلفة. وكانت دولة لجش الدولة الوحيدة التي خلفت لنا وثائق لا بأس بها، ولعله يمكن تقدير جيشها بالنسبة إلى عدد سكانها الذي أوردنا تقديره فيما سبق. ومن هذه الأخبار المدونة أن معبد "لجش" الرئيسي جهز من أتباعه نحو (600) او (500) رجل ليخدموا في جيش دولة المدينة. ويخبرنا "اياناتم" في أحد نصوصه المدونة أنه قتل من جيش دولة المدينة المعادية "اوما" (3600) رجل.
وإذا ما فحصنا القطع الفنية التي مثلت فيها المشاهد الحربية ولا سيما ما جاء إلينا من دولة لجش و "أور" وجدنا ان الصنوف الغالبة في جيوش عصر فجر السلالات العربات الحربية والجند المشاة، كما مثلت في "مسلة النسور" العائدة إلى "اياناتم". ولكن المشهد الممثل في راية "أور" الجميلة أكثر تفصيلاً في تمثيل الحرب والجيش. فنشاهد في الحقل الأعلى من هذه القطعة الفنية العربة الملكية وبجانبها الملك القائد. ويرينا المشهد الأسفل أربع عربات أخرى وهي مشتبكة في القتال. ويبدو أن عربات القتال هذه كانت تتسع لأكثر من مقاتل، والسلاح الشائع فيها الرمح والسيف المقوس نوعاً ما، ونوع آخر من السيوف على هيئة أوراق الشجر. ويكون مقدمة العربة الحربية محمياً بحاجز، وفيها جعبة للرماح الخاصة التي يرجح أنها كانت ترمي أو تقذف بنوع خاص من المقاليع أو المقاذف. والواقع أن هذا النوع من الرماح وجد في المقبرة الملكية في "أور"، وأنه هو الذي كان شائعاً في الاستعمال هما في الحرب من جانب المشاة من بعد ذلك العصر. اما الحيوانات المستعملة لجر العربات فكانت نوعاً من الحمر الوحشية المعروفة باسم Onager))(5). وكان يجر العربة الواحدة أربعة حيوانات في صف واحد، وتربطها أعنة تمرر من شق في أعلى مقدمة العربة ثم من عنان مزدوج مثبت بعمود العربة. وكانت هذه العربات ذات أشكال غريبة اختفت من الاستعمال في العصور التالية، فعجلاتها مثلاً كانت من النوع الصلد غير المشبك، وكان هيكلها الخشبي يغلف بجلود ثخينة قوية، وهي ذات جانبين واطئين ولكن مقدماتها عالية. وقد وجد من هذه العربات عدة اجزاء من المقبرة الملكية في "أور" ومن كيش، بالإضافة إلى النماذج المصغرة التي وصلت إلينا من مواضع كثيرة مثل "أور" وتل أجرب وتل أسمر، وفي المتحف العراقي نماذج منها.
أما صنف الفرسان أو الخيالة فلم يظهر في القتال إلا في أزمان متأخرة من عصر فجر السلالات. وكان صنف المشاة كما تمثله القطع الفنية التي أشرنا إليها ينظم في المعركة على هيئة نظام الصف (Phalanx) الإغريقي والمقدوني، فكانت الصفوف تنظم الواحد خلف الآخر، وقد شرع الجند رماحهم بهيئة أفقية ويحمل كل منهم ترساً أو مجناً (Shield)، وتصف التروس الواحد جنب الاخر بحيث إنها تؤلف جداراً صلباً يحمي المحاربين المدججين بالسلاح، ويلبسون في رؤوسهم بيضات أو خوذا معدنية مرصعة بالمعدن أيضاً. ويتقدم صفوف الجنود في الغالب بعض الجنود المسلحين تسليحاً خفيفاً ، وينازلون نزالاً فردياً جنوداً من الأعداء بطريقة المبارزة. وكان الجند يسلحون بالإضافة إلى الرماح والسيوف بالخناجر او الفؤوس. والمعدن الشائع في صنع مثل هذه الأسلحة البرونز حيث لم يستعمل الحديد بعد.
اما القذائف (Missiles) كالقوس والسهم فإنها لم تستعمل في عصر فجر السلالات، بل بدأ استعمالها في الحرب في العصر الآكدي التالي. كما لم تستعمل الآلات القاذفة الأخرى مما استعمل في العصور التالية. وكان عماد التسلح بوجه عام الأسلحة الثقيلة والنزال الفردي وقتال نظام الصف. ومع أن القوس والسهم كانا معروفين منذ عصور أقدم من عصر فجر السلالات كما تشير إلى ذلك الصور المنقوشة على الأختام الاسطوانية والأواني الفخارية والمنحوتات مثل مسلة صيد الأسود من الوركاء، إلا انها كانت مقتصرة في استعمالها على الصيد دون الحرب. وعلى الرغم من أنه لم تأت إلينا مشاهد مصورة عن آلات الحصار والنقض ودك الأسوار، إلا أن المرجح أن نوعاً من مثل هذه الآلات كان معروفاً، ذلك لأن مدن عصر فجر السلالات كانت مسورة في الغالب كما بينا، ولعلهم اتبعوا في نقض أسوار المدن طريقة إقامة مدارج أو منحدرات ترابية (Ramp) على الأسوار ثم تسلقها والرقي بواسطتها إلى أعاليها، وهي الطريقة التي شاعت عند الآشوريين واليونان والرومان بالإضافة إلى آلات الحصار الاخرى.
_______________
(1) انظر:
Delougaz, The Oval Temple at Khafajah, (1940).
(2) ندرج فيما يلي المراجع المهمة عن الموضوع:
(1) Frankfort, "Town Planning in Ancient Mesopotamia", in Town Planning Review (1950), 104ff.
(2) Dikanoff, " The Population of the Sumerian City-State" in Vtstnik Drevney Istorill, (Moscow, 1950), 77ff.
(3) Diakanoff, Ancient Mesopotamia, (1959).
(4) Deimel, " Die Sumerichen Tempel Wirtschaft", in Analecta Orientalia(1931).
(3) حول الموضوع راجع:
L. Oppenheim, Ancient Mesopotamia, (1965), 109ff.
(4) حول الموضوع راجع:
L. Oppenheim, Ancient Mesopotamia, (1965), 109ff.
(5) انقرض هذا النوع منا لحمير، وكان موجوداً في العالم قبل زهاء القرن الواحد:
CAH., I, part 2, (1971), 122
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|