أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-04-2015
2341
التاريخ: 2024-05-07
622
التاريخ: 6-11-2014
2367
التاريخ: 3-12-2015
2559
|
كان الرق قبل نزول القرآن شرعة مباحة ، وقضية من القضايا المتعارف عليها بين الناس ، وأمراً من الأمور المسلمة في الشرائع والفلسفات والقوانين بل قرر أرسطو طاليس - وهو الفيلسوف الذي يعدونه من أعظم ذوي العقول في هذه الدنيا ، ويشيدون به وبعبقريته ، وتشدو بذكره الامم الاوروبية وغيرها – قرر أن (الرق نظام الفطرة ، لأن من الناس ناساً لا يمكن أن يعيشوا إلا أرقاء ، وآخرين لا يكونون إلا أحراراً) . وأين هذه من الإسلام ؟ أين هذه من تقريرات القرآن السامية؟ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات : 13] ، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء : 70] الى غير ذلك الآيات ، فالقرآن الكريم قرر أن الناس سواء ، خلقهم الله من نفس واحدة .
ويبين النبي (صلى الله عليه واله) هذه الآيات الكريم و بإشارات كثيرة في السنة النبوية ، فالخلق عيال الله ، أحبهم الى الله أنفهم لعياله ، (والناس سواسية كلهم لآدم وآدم من تراب) لا ينبغي أن يبغي أحد على أحد (1) ، وهذا ما فهمه عمر من كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه واله) ، فقال : (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار) وأيا كان الخلاف بين الناس فلا بد أن يأخذ كل حقه {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة : 8] .
والإعجاز التشريعي في قضية الرق بين المعالم . ويكفي لبيان ذلك أن نتصور اتفاق العالم كله بعباقرته ومفكريه ، ومقننيه وفلاسفته ، وأحباره ورهبانه ، نتصور هؤلاء وهم مجمعون على أن الرق من الأمور التي تستلزمها الفطرة ، ويجيء النبي الأمي سيدنا محمد (صلى الله عليه واله) ليعلن في هذا العالم ولهذا العالم كله تشريعات جديدة من شأنها أن تعيد لهذا الإنسان حريته ، وأن تقوم هذا الاعوجاج في حياة الناس ودنياهم ، وأن تصوغ هذا الإنسان صياغة جديدة خالية من المساوئ والمثالب ، وأن يكون الذي أعلنه هذا النبي تشريعاً فيه الدقة والإحكام ليس من شأن أي واحدا من الناس أن يقدر على هذه التشريعات ، فيكف إذا أميا ؟ لم يبق إلا شيء واحد وهو أن هذا الذي جاء به النبي الكريم (صلى الله عليه واله) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم : 4] .
ولا ندري لماذا هذه الجعجعة ؟ ، ولماذا هذه الحملة الجائرة التي يريد أصحابها النيل من دين الله ؟ ويعلم الله أنهم قد جاءوا ظلما وزورا .
لقد أدعى هؤلاء أن الرق قد نمى في ظل الإسلام ، وتلكم تهمة باطلة ، فما هي قضية الرق ، وما هو موقف القرآن الكريم منها ، واليكم بيان ذلك ؟
الأرقاء في الزمن القديم كانوا على ثلاثة أنواع :
1- أساري حرب .
2- الأحرار الذين كانوا يؤخذون ويسترقون ظلماً فيباعون .
3- الذين كانوا في الرق أبا عن جد ، ولا يعرف متى كان اباؤهم قد استرقوا .
فلما جاء الإسلام ، كان المجتمع الإنساني في بلاد العرب وغيرها من أقطار العالم ممتلئا بالأرقاء من هذه الأنواع الثلاثة تقريبا ، وكان يعتمد النظام الاقتصادي والاجتماعي في سيره أكثر ما كان يعتمد على الخدم والأحرار) (2) .
وينزل القرآن على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه واله) ومشكلة الرق قائمة لا يجد الناس فيها إشكالاً ، ولكن القرآن الكريم الذي انزله الله لسعادة البشر في الدارين ، كان له الوقفة الحكيمة من هذا القضية ، شأنه في جميع القضايا الإنسانية الخطيرة ، فكيف عالجها ؟
إن حكمة الإسلام في التدرج في الأحكام كان لها أكبر الأثر في وقاية المسلمين شرورا كبيرة ، فلقد تدرج القرآن الكريم في تحريم الخمر والربا ، وكان كذلك في قضية الرق ، وهذا من أعظم أدلة إعجازه وكونه من عند الله .
لقد بدأ علاج القرآن لقضية الرق مبكراً ، قبل أن تقوم للإسلام دولته وهذا خير دليل على عناية القرآن بهذه القضية عناية تامة ، ففي سورة البلد المكية تقرأ قول الله تبارك وتعالى {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد : 11 - 13].
ولما منَّ الله على المسلمين بالنصر ، وصارت للإسلام دولة ، وجدنا للقرآن الكريم عنايته بهذه القضية فما هي تشريعات القرآن في هذا المضمار ؟
كان باب الرق ، بل أبواب الرق مفتحة ، فما اكثر أسبابه ، أما أبواب الحرية فكانت كلها مغلقة ، وكان علاج القرآن الكريم لهذه القضة على جبهتين اثنتين :
الأولى : أن يفتح أبواب الحرية ، ولكن تفتيح أبواب الحرية لا يحل المشكلة من أساسها ، فكان لا بد من الجبهة الثانية ، هي تغليق أبواب الرق .
أما تغليق أبواب الرق ، فلقد كان الناس يسترقون لأدنى الأسباب وأتفهها فقد يسترق السارق لسرقته ، والقاتل لقتله ، والمدين لدين عليه ، وقد يسلب بعض الأحرار فيباعون ، فما كان من القرآن الكريم إلا أن شرع لهذه الجرائم ما يناسبها ، فجعل للقاتل جزاءه ، وللسارق عقوبته .
أما فتح أبواب الحرية فكان له مظاهر متعددة ، ومن أولها حث الإسلام الناس على العتق كما رأينا في سورة البلد المكية ، ولكن القرآن الكريم لم يكتف بأنه رغب في فضل العتق ، بل نجده يفرضه كفارة لكثير من المخالفات التي يصيبها المسلم قال تعالى : {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة : 3] وقال تعالى في كفارة قتل الخطأ : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [النساء : 92، 93] فقد ذكرت تحرير الرقبة في هذه الآية ثلاث مرات .
وقال سحبانه في كفارة اليمين {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة : 89] .
وهكذا يفتح القرآن الكريم أبواب الحرية ، وقد يترك الامر اختياراً للمسلمين وقد يوجبه عليهم ، ولقد استجاب المسلمون لله ورسوله (صلى الله عليه واله) ، فأعتق ألوف الأرقاء في وقت قصير ، ثم صار أولئك بعد ذلك ممن يعول عليهم المجتمع المسلم في كثير من أموره ومتطلباته .
ولم يقف القرآن الكريم عند هذا الحد في علاج مشكلة الرق ، بل خطى خطوات كثيرة في هذا المضمار ، فجعل من ابواب الزكاة الواجبة على المسلم إعطاء الأرقاء جزءاً من مال الزكاة ، ليحرروا به أنفسهم ، وذكرهم في ذلك مع الفقراء والمساكين قال تعالى : {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ ....} [التوبة : 60] ، بل شرع المكاتبة وهي أن يطلب العبد من سيده عتقه مقابل مبلغ من المال يدفعه له ، فأوجب على المسلمين أن يعطوا هذا العبد من مال الزكاة وغيرها ليعينوه على حريته ، قال تعالى : {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } [النور : 33].
وفي قوله سبحانه {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} سمو التشريع ، وتكريم ما بعده تكريم لهذا الإنسان ، فهذا الرقيق المكاتب يجب على السيد أن يلبي رغبته إذا علمنا أن له من المهارات والقدرة ما يمكنه ان يكون لبنة صالحة في هذا المجتمع ، أما إذا كان سيعيش عالة على المجتمع بعد تحريره ، فليبق كلا على مولاه ، خير من أن يصير عالة على المجتمع .
ولقد كانت إرشادات النبي (صلى الله عليه واله) في تحرير الرقيق إرشادات هادفة وهادئة ، فأوجب عتق الرقبة عند ارتكاب بعض المخالفات ، ورغب فيه في كثير من المواقف ، فعن أبي مسعود البدري ، قال : كنت أضرب عبدا لي ، وبينما أنا كذلك سمعت صوتاً يقول : أعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه ، فالتفت فإذا هو رسول الله (صلى الله عليه واله) : فقلت : هو حر ، فقال : لو لم تفعل للفحتك النار .
والأحاديث في ذلك كثيرة ، ذلكم موقف القرآن الكريم من الرق ، ونستطيع أن ندرك الإعجاز التشريعي إذا نحن قارنا موقف القرآن بغيره ، وكيف أن هذه التشريعات جاء بها النبي الأمي (صلى الله عليه واله) الذي لم يتل كتابا من قبل ولم يخطه بيمينه .
_______________________
1- أخرجه مسلم في أبواب الجنة ، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار رقم الباب : 64 .
2- تفسير سورة النور لأبي الأعلى المودودي ، ص 188 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|