أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-9-2016
1842
التاريخ: 22-9-2016
1938
التاريخ: 22-9-2016
2019
التاريخ: 2024-12-14
321
|
[ للخوف المذموم ] أقسام يقبحها العقل بأسرها و لا يجوزها ، فلا ينبغي للعاقل أن يتطرقها إلى نفسه , بيان ذلك : أن باعث هذا الخوف يتصور على أقسام : (الأول) أن يكون أمرا ضروريا لازم الوقوع ، و لم يكن دفعه في مقدرة البشر, و لاريب في أن الخوف من مثله خطأ محض ، و لا يترتب عليه فائدة سوى تعجيل عقوبة بصده عن تدبير مصالحه الدنيوية والدينية , و العاقل لا يتطرق على نفسه مثل ذلك ، بل يسلي نفسه و يرضيها بما هو كائن إدراكا لراحة العاجل و سعادة الآجل.
(الثاني) أن يكون أمرا ممكنا لم يجزم بشيء من طرفيه ، و لم يكن لهذا الشخص مدخلية في وقوعه و لا وقوعه , و لا ريب في أن الجزم بوقوع مثله و التألم لأجله خلاف مقتضى العقل ، بل اللازم إبقاؤه على إمكانه من دون جزم بحصوله: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق : 1] , و هذا القسم مع مشاركته للأول في استلزامه تعجيل العقوبة بلا سبب لعدم مدخليته لاختياره فيه ، يمتاز عنه بعدم الجزم بوقوعه ، فهو بعدم الخوف أولى منه.
(الثالث) أن يكون أمرا ممكنا فاعله هذا الشخص ، و هو ناشيء عن سوء اختياره ، فعلاجه ألا يرتكبه و لا يقدم على فعل يخاف من سوء عاقبته.
فإنه إما فعل غير قبيح من شأنه التأدي إلى ما يضره ، و لا ريب في أن ارتكاب مثله خلاف حكم العقل ، و لو ظهر التأدي بعد إيقاعه فيكون من الثاني ، أو فعل قبيح لو ظهر أوجب الفضيحة و المؤاخذة ، و إنما فعله ظنا منه أنه لا يظهر ثم يخاف من الظهور و المؤاخذة ، و لا ريب في أن هذا الظن ناشيء عن الجهل ، إذ كل فعل يصدر عن كل فاعل و لو خفية يمكن أن يظهر، و إذا ظهر يمكن إيجابه للفضيحة و المؤاخذة.
والعاقل العالم بطبيعة الممكن لا يرتكب مثله ، فباعث الخوف في الثاني هو الحكم على الممكن بالوجوب ، و في هذا الحكم عليه بالامتناع ، و لو حكم عليه بما يقتضي ذاته أمن من الخوفين.
(الرابع) أن يكون مما توحش منه الطباع ، بلا داع عقلي و لا باعث نفس أمري ، كالميت و الجن و أمثالهما ، لا سيما في الليل مع وحدته ، و لا ريب في أن هذا ناشيء عن قصور العقل و مقهوريته عن الواهمة ، فليحرك القوة الغضبية و يهيجها لتغلب به العاقلة على الوهم , و ربما ينفع إلزام نفسه على الوحدة في الليالي المظلمة و الصبر عليها ، حتى يزول عنه هذا الخوف على التدريج.
ثم لما كان خوف الموت أشد أقسام هذا النوع و أعمها ، فلنشر إلى علاجه بخصوصه ، فنقول : باعث خوف الموت يحتمل أمورا : (الأول) تصور فناء ذاته بالكلية و صيرورته عدما محضا بالموت.
ولا ريب في كونه ناشئا عن محض الجهل إذ الموت ليس إلا قطع علاقة النفس عن بدنه ، و هي باقية أبدا ، كما دلت عليه القواطع العقلية و الشواهد الذوقية و الظواهر السمعية ، و لعل ما تقدم يكفي لإثبات هذا المطلوب.
ومع قطع النظر عن ذلك نقول : كيف يجوز لمن له أدنى بصيرة أن يجتمع عظماء نوع الإنسان بحذافيرهم ، كأهل الوحي والإلهام و أساطين الحكمة و العرفان على محض الكذب و صرف الباطل! فمن تأمل أدنى تأمل يتخلص من هذا الخوف.
(الثاني) تصور إيجابه ألما جسمانيا عظيما لا يتحمل مثله و لم يدرك في الحياة شبهه.
وهذا أيضا من الخيالات الفاسدة ، فإن الألم فرع الحياة ، و الألم الجسماني ما دامت الحياة لا يكون أشد مما رآه كل إنسان في حياته من الأوجاع و قطع الاتصال ، و بعد زوال الحياة لا معنى لوجوده ، إذ كل جسماني إدراكه بواسطة الحياة ، و بعد انقطاعها لا إدراك ، فلا ألم.
(الثالث) تصور عروض نقصان لأجله.
وهو أيضا غفلة عن حقيقة الموت و الإنسان ، إذ من علم حقيقتهما يعلم أن الموت متمم الإنسانية و آثارها و المائت جزء لحد الإنسان.
ولذا قال أوائل الحكماء : (الإنسان حي ناطق مائت) ، و حد الشيء يوجب كماله لا نقصانه ، فبالموت تحصل التماميه دون النقصان فالإنسان الكامل يشتاق إلى الموت ، لاقتضائه تماميته و كماله ، و خروجه عن ظلمة الطبيعة و مجاورة الأشرار إلى عالم الأنوار و مرافقة الأخيار من العقول القادسة و النفوس الطاهرة ، و أي عاقل لا يرجح الحياة العقلية و الابتهاجات الحقيقية على الحياة الموحشة الهيولانية ، المشوبة بأنواع الآلام و المصائب و أصناف الأسقام و النوائب ! فيا حبيبي! تيقظ من نوم الغفلة و سكر الطبيعة ، و استمع النصيحة ممن هو أحوج منك إلى النصيحة : حرك الشوق الكامن في جوهر ذاتك إلى عالمك الحقيقي و مقرك الأصلي ، و انسلخ عن القشورات الهيولانية ، و انقض عن روحك القدسي ما لزقه من الكدورات الجسمانية ، و طهر نفسك الزكية عن أدناس دار الغرور و أرجاس عالم الزور، و اكسر قفصك الترابي الظلماني و طر بجناح همتك إلى وكرك القدسي النوراني ، و ارتفع عن حضيض الجهل و النقصان إلى أوج العزة و العرفان ، و خلص نفسك عن مضيق سجن الناسوت و سيرها في فضاء قدس اللاهوت ، فما بالك نسيت عهود الحمى و رضيت بمصاحبة من لا ثبات له و لا وفاء؟!.
(الرابع) صعوبة قطع علاقته من الأولاد و الأموال و المناصب و الأحباب و معلوم أن هذا ليس خوفا من الموت في نفسه بل هو حزن على مفارقة بعض الزخارف الفانية.
وعلاجه : أن يتذكر أن الأمور الفانية مما لا يليق بالعاقل أن يرتبط بها قلبه ، و كيف يحب العاقل خسائس عالم الطبيعة و يطمئن إليها مع علمه بأنه عن قريب يفارقها ، فاللازم أن يخرج حب الدنيا و أهلها عن قلبه ليتخلص من هذا الألم.
(الخامس) تصور سرور الأعداء و شماتتهم بموته.
وهذا وسوسة شيطانية صادرة عن محض التوهم ، إذ مسرة الأعداء أو شماتتهم لا توجب ضررا في إيمانه و دينه ، و لا ألما في روحه و جسمه ، على أن ذلك لا يختص بالموت ، إذ العدو يشمت و يفرح بما يرد عليه في حال الحياة أيضا من البلايا و المحن فمن كره ذلك فليجتهد في قطع العداوة و إزالتها بالمعالجات المقررة للحقد و الحسد
(السادس) تصور تضييع الأولاد و العيال ، و هلاك الأعوان و الأنصار و هذا أيضا من الوساوس الباطلة الشيطانية و الخواطر الفاسدة النفسانية ، إذ ذلك يوجب ظن منشئيته لاستكمال الغير و عزته ، و مدخليته في قوته و ثروته ، و ذلك ناشيء من جهله باللّه و بقضائه و قدره ، إذ فيضه الأقدس اقتضى إيصال كل ذرة من ذرات العالم إلى ما يليق بها و إبلاغها إلى ما خلقت لأجله ، و ليس لأحد أن يغير ذلك أو يبدله و لذا ترى أكثر الأفاضل يجتهدون في تربية أولادهم و لا ينجح سعيهم أصلا ، و تشاهد غير واحد من الأغنياء يخلفون لأولادهم أموالا كثيرة و تخرج عن أيديهم في مدة قليلة ، و ترى كثيرا من أيتام الأطفال لا تربية لهم و لا مال ، و مع ذلك يبلغون بالتربية الأزلية مدارج الكمال ، أو يحصلون ما لا حصر له من الأموال.
والغالب أن الأيتام الذين ذهب عنهم الآباء في حالة الصبي تكون ترقياتهم في الآخرة و الدنيا أكثر من الأولاد الذين نشأوا في حجر الآباء.
والتجربة شاهدة بأن من اطمأن من أولاده بمال يخلفه لهم أو ذي قوة يفوض إليه أمورهم ، اعتراهم بعده الفقر و الفاقة و الذلة و المهانة ، و ربما صار ذلك سببا لهلاكهم و انقراضهم.
ومن فوض أمورهم إلى رب الأرباب و خالق العباد ازداد لهم بعده عزا و قوة و كثرة و ثروة , فاللائق بالعقلاء أن يفوضوا أمور الأولاد و غيرهم من الأقارب و الأنصار إلى من خلقهم و رباهم ، و يوكلهم إلى موجدهم و مولاهم ، و هو نعم المولى و نعم الوكيل.
وقد ظهر أن الخوف من الموت لأجل البواعث المذكورة لا وجه له , ثم ينبغي للعاقل أن يتفكر في أن كل كائن فاسد البتة كما تقرر في الحكمة.
وهو من الكائنات , و الفساد ضروري له , فمن أراد وجود بدنه أراد فساده اللازم له ، فتمني دوام الحياة من الخيالات الممتنعة ، و العاقل لا يحوم حولها و لا يتمنى مثلها , بل يعلم يقينا أن ما يوجد في النظام الكلي هو الأصلح الأكمل و تغييره ينافي الحكمة و الخيرية ، فيرضى بما هو واقع على نفسه و غيره من غير ألم و كدورة , ثم من يتمنى طول عمره فمقصوده منه إن كان حب اللذات الجسمية و امتداد زمانها ، فليعلم أن الشيب إذا أدركه ضعفت الأعضاء و اختلت القوى وزالت عنه الصحة التي هي عمدة لذاته فضلا عن غيرها ، فلا يلتذ بالأكل والإجماع وسائر اللذات الحسية ، ولا يخلو لحظة عن مرض و ألم ، و تتراجع جميع أحواله ، فتتبدل قوته بالضعف و عزه بالذل ، و كذا سائر أحواله ، كما أشير إليه في الكتاب الإلهي بقوله تعالى : { وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [يس : 68] .
ومع ذلك لا يخلو كل يوم من مفارقة حبيب أو شفيق ، و مهاجرة قريب أو رفيق , و ربما ابتلى بأنواع المصيبات ، و يهجم عليه الفقر و الفاقة و النكبات ، و طالب العمر في الحقيقة طالب هذه الزحمات , و إن كان مقصوده منه اكتساب الفضائل العلمية و العملية ، فلا ريب في أن تحصيل الكمالات بعد أوان الشيخوخة في غاية الصعوبة ، فمن لم يحصل الفضائل الخلقية إلى أن أدركه الشيب ، و استحكمت فيه الملكات المهلكة من الجهل و غيره ، فإني يمكنه بعد ذلك إزالتها و تبديلها بمقابلاتها ، إذ رفع ما رسخ في النفس مع الشيخوخة التي لا يقتدر معها على الرياضات و المجاهدات غير ممكن.
ولذا ورد في الآثار : «إن الرجل إذا بلغ أربعين سنة و لم يرجع إلى الخير، جاء الشيطان و مسح على وجهه و قال : بأبي وجه من لا يفلح أبدا».
على أن الطالب للسعادة ينبغي أن يكون مقصور الهم في كل حال على تحصيلها ، و من جملتها دفع طول الأمل و الرضا بما قدر له من طول العمر و قصره ، و يكون سعيه أبدا في تحصيل الكمالات بقدر الإمكان و التخلص عن مزاحمة الزمان و المكان ، و قطع علاقته من الدنيا و زخارفها الفانية و الميل إلى الحياة و اللذات الباقية ، و الاهتمام في كسب الابتهاجات العقلية و الاتصال التام بالحضرة الإلهية ، حتى يتخلص عن سجن الطبيعة و يرتقى إلى أوج عالم الحقيقة فيتفق له الموت الإرادي الموجب للحياة الطبيعية ، كما قال (معلم الإشراق) : «مت بالإرادة تحيي بالطبيعة» ، فينقل إلى مقعد صدق هو مستقر الصديقين ، و يصل إلى جوار رب العالمين ، و حينئذ يشتاق للموت و لا يبالي بتقديمه و تأخيره و لا يركن إلى ظلمات البرزخ الذي هو منزل الأشقياء و الفجار و مسكن الشياطين و الأشرار، و لا يتمنى الحياة الفانية أصلا و ينطق بلسان الحال : (السابع) تصور العذاب الجسماني و الروحاني المترتب على ذمائم الأعمال و قبائح الأفعال.
ولا ريب في أن الخوف من ذلك ممدوح ، و هو معدود من أقسام النوع الثاني ، إلا أن البقاء عليه و عدم السعي فيما يدفعه من ترك الخطيئات و كسب الطاعات جهل و بطالة ، إذ هذا الخوف ناشيء من سوء الاختيار، و قد بعث اللّه الرسل و أوصياءهم لاستخلاص الناس عنه.
فعلاجه ترك المعاصي و تحصيل معالي الأخلاق , و معلوم أن المنهمك في المعاصي مع خوفه من العذاب كالملقي نفسه في البحر أو النار مع خوفه من الغرق و الحرق ، و لا ريب في أن إزالة هذا الخوف باختياره ، فليترك المعاصي و يجتهد في كسب وظائف الطاعات ليتخلص عنه ، و اهتمام أكابر الدين من الأنبياء و المرسلين و الحكماء و الصديقين في وظائف الطاعات و صبرهم على مشاق العبادات و مجاهدتهم مع جنود الشياطين إنما هو لدفع هذا الخوف عن نفوسهم فهو في الحقيقة ناشيء منك و من سوء اختيارك ، فبادر إلى تقليله بالمواظبة على صوالح الأعمال و فضائل الأفعال.
وقد يأتي أن هذا الخوف هو سوط الله الباعث على العمل ، و معه لو كان مفرطا فليعالج بأسباب الرجاء ، و بدونه فلا بد أن يكون حتى يبعثه عليه ، على أنه مع عظم جرمه و قصور باعه عن تداركه فلا ينبغي أن ييأس من روح اللّه ، فلعل واسع الرحمة السابقة على الغضب يدركه بسابقة من القضاء و القدر.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|