المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

Cluster Prime
5-9-2020
محصول التين ونضج الثمار وقطافها
28-12-2015
الهدروكربونات المشبعة
27-5-2018
القلة الجماعية المسيطرة خير من الفردية
28-5-2022
النحت الصاعد- حينما تتكون المسيلات على جوانب التلال
7/9/2022
ملوك الاسرة الخامسة نفر إر كا رع (كاكاو).
2023-07-03


2- حمورابي  
  
1915   11:05 صباحاً   التاريخ: 17-9-2016
المؤلف : عبد العزيز صالح
الكتاب أو المصدر : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق
الجزء والصفحة : ص451-462
القسم : التاريخ / العصر البابلي القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-10-2016 1673
التاريخ: 1-12-2016 9382
التاريخ: 20-9-2016 1603
التاريخ: 17-9-2016 2656

بدأ حكمه عام 1728 "في عرف أصحاب التأريخ المختصر"، وطال عهده ثلاثة وأربعين عامًا قدر له فيها أن ينهض ببابل من دويلة صغيرة إلى عاصمة دولة كبيرة ذات إمكانيات متعددة وأملاك واسعة وشهرة ضخمة، وبدأ تشريعاته التي خلدت اسمه في التاريخ منذ العام الثاني من حكمه، وخلد كتبته هذه البداية في تسمية عامها باسم عام "إقرار "حمورابي" العدالة في الأرض"(1)، وإن لم تكتمل هذه التشريعات إلا بعد ذلك بسنوات عدة "انظر ص463".

واستهدف الرجل منذ سنواته الأولى ضرورة توحيد بلاد النهرين تحت طاعته سواء بالسياسة أم بالحرب، مع إقصاء النفوذ شبه الإلامي عن جنوب العراق. وبدت منه في سبيل تحقيق هذا الهدف حنكة لا تقل عن حنكة سرجون الأكدي سامي الأصل مثله. فسجلت له حولياته أخبار جهوده في إخضاع مدن كثيرة مثل أوروك وإسين ومالحي ورابيكوم وغيرها، ولعله أراد بانتصاراته عليها أن يحد من نفوذ أعنف منافسيه ريم سين ذي الأصل الإلام وآخر ملوك لارسا عليها حتى يتفرغ له. وكان ريم سين كفئًا لمشاكل عهده بحيث ظل يناوئ حمورابي حتى العام الثلاثين من حكمه، وبحيث كتب أحد أعوان ملك دويلة ماري رسالة إلى ملكه يكشف له فيها عن أوضاع العراق، قائلًا له: "ليس هناك ملك واحد يمكن أن يقال عنه إنه أقوى الجميع، فإن عشرة أو خمسة عشر حاكمًا يتبعون حمورابي "ملك" بابل، ومثل هذا العدد يتبعون ريم سين "ملك لارسا"، ومثلهم يتبعون إبعل بي إيل "ملك" إشنونا ... إلخ" (2).

وشيئًا فشيئًا إطمأن حمورابي إلى متانة موقفه وسلامة ظهره، وتفرغ من ثم لملك لارسا وحلفائه، فمال ميزان القوى إلى جانبه منذ العام الثلاثين من حكمه، حتى فر ريم سين إلى منطقة إيموتيبال مسقط رأس أسرته، وتتبعته الجيوش البابلية إليها، ثم واصلت انتصاراتها فيما يليها من أرض إلام وسيطرت على جزء منها. ويبدو أن الأمر كان كذلك فيما بين البابليين وبين إشنونا وسوبارتو، بحيث رددت حوليات حمورابي ذكر اسميهما مرات كثيرة. وعندما آتت جهود حمورابي وجيوشه ثمارها، استقرت زعامة دولته في العراق فاعترفت بنفوذها آشور في الشمال وإن لم تنطوِ تمامًا تحت سلطانها. وماري في الغرب، وخضعت لها أغلب المناطق الجبلية الشمالية والشمالية الشرقية.

وكشفت نصوص حمورابي عن جانب من سياسة الحرب في عهده، ومنها هدم أسوار المدن التي يخشى بأسها(3)، وتقوية أسوار المدن الموالية له في المناطق الإستراتيجية الحساسة "وسميت بعض هذه الأسوار بأسماء أرباب مدنها"(4)، والعمل على رعاية تماثيل أربابها بعد الاستيلاء عليها، حتى تكون سبيلًا لاستمالة مشاعر أتباعها. وكان من ذلك أن ذكر أحد نصوصه أنه أعلى كلمة الربة إنانا في نينوى وأعاد لمدينة آشور حصانتها(5). أو لتحملها جيوشه معها باعتبارها موالية لها حين تعاون غزو مناطقها فتيسر لها مهمتها. وكانت رعاية هذه التماثيل تستتبع رعاية من يرافقونها من كهنتها وكاهناتها وإحياء أعيادها في معابد بابل نفسها ... (6).

واتبع حمورابي سياسة التحالف مع المدن القوية دون الإصرار على إخضاعها، أو على أقل تقدير حتى تسنح له فرصة إخضاعها. ويذكر من هذا القبيل تحالفه مع دويلة ماري، تحالفًا ظل هو الجانب الأقوى فيه، واستعان معه بها على بعض أعدائه(7)، حتى إذا ما ضعفت ماري نفسها تحت ضغط أعدائها أخضعتها جيوشه وضمتها إلى دولته، وهو ما كان يعتبر من حسن التدبير من وجهة نظر أنصاره، ويعتبر سمة للغدر من وجهة نظر خصومه. وكان من الطبيعي أن يلازم الاهتمام بالحروب في عهده اهتمام آخر برضا آلهة دولته الساميين والسومريين الذين رد إليهم تأييده ونصره، وبخاصة آنو وإنليل ومردوك. وتمثل هذا الاهتمام في عهده كما تمثل في عهود من سبقوه ولحقوا به من الملوك، في إنشاء المعابد وتجديدها وزيادة تماثيلها والاحتفاء بأعيادها وأوقافها ورعاية كهنتها وكاهناتها(8).

واحتفظت حولياته باسم نهير صغير شقه رجاله أو أزادوا اتساعه وامتداده، وقالت عنه "نهير حمورابي "واهب" الخير للناس، حبيب آنو وإنليل، الذي غذى نيبور وإريدو وأور ولارسا وأوروك وإسين بمورد ري دائم، وكان يبدأ من الفرات أسفل كيش ويمتد حتى الخليج العربي(9).

تشريعات حمورابي:

لم تعتمد شهرة حمورابي على فتوحه وتدينه ورعياته لاقتصاديات بلده بقدر ما اعتمدت على تشريعاته الإدارية والقانونية. وهي تشريعات بدأ في إصدارها منذ العام الثاني من حكمه، وسجلها رجاله على نصب كثيرة، اشتهر منها نصب كبير من الديوريت "2.25 متر ارتفاعًا" نقشوه في السنوات الأخيرة من حكمه، وصوره في جزئه العلوي يتلقى الإذن بإصدار تشريعاته من رب العدالة ورب الشمس "شمش"، ويبدو أنهم أقاموه في معبد مردوك ببابل. ويبلغ أكبر عرض لهذا النصب ثلاثة أقدام، ونقشت نصوصه بخط دقيق. وكان العيلاميون قد استولوا عليه في أواخر القرن الثاني عشر ق. م، ونقلوه إلى عاصمتهم سوسه ضمن الغنائم نكاية في صاحبه الذي انتصر على أجدادهم، وأزالوا بعض سطوره ليسجلوا نصوص نصر ملكهم مكانها - ولكنهم لم يتموا هذا العمل ربما اتقاء للعنات الي صبها صاحبه على من يمحو كلماته. ثم نقل النصب بعد العثور عليه إلى متحف اللوفر، وعوضت نقص سطوره نصوص أخرى مرادفة لها.

لم تكن تشريعات حمورابي هي الأولى من نوعها في تاريخ بلاد النهرين كما كان يظن من قبل، فقد سبقتها كما مر بنا ثلاث محاولات لتشريع ولتدوين نصوص العرف القديم، في أور، وإشنونا، وإسين "وإصلاحات لجش احتمالا"، ولم تكن مرة أخرى بنت عهدها ولا جديدة كلها، وإنما تضمنت كثيرًا مما سبقها من نصوص العرف واللوائح ونصوص التقنين وأبقت بعضها على حاله، وعدلت بعضها الآخر وزادت عليه، ولكنها اكتسبت شهرتها باعتبارها أكبر سجل قديم عثر عليه حتى الآن احتفظ بقوانين عهده وأحكام العرف في العهود التي سبقته. وأغلب الظن أنه تولى تجميع هذه التشريعات في عهد حمورابي عدد ما من رجاله القانونيين والإداريين أغفلت النصوص أسماءهم ونحلت فضلهم إلى ملكهم بل وجعلتها من وحي ربه إليه، وهو مسلك كثيرًا ما تكررت أمثاله في العصور القديمة والعصور الحديثة أيضًا.

تألفت المواد الباقية من تشريعات حمورابي من 282 مادة تناولت أمور القضاء والأمن، وحقوق المحاربين ومسئولياتهم، وعقود الزراعة، وشروط الفروض، والأحوال الشخصية بما تتضمنه من تقاليد الزواج والطلاق والمواريث، وتحدثت عن القصاص والتعويضات، وأجور أصحاب المهن ومسئولياتهم. وتضمنت في ثناياها أحكامًا راقية يتقبلها المنطق في كل عصر، وأحكامًا أخرى يصعب علينا قبولها إلا بمنطق الحياة في عصرها، ولم تخل في بعض تفاصيلها من تكرار وتناقض، ويرى بعض الباحثين في ترتيب بنود هذا التشريع ما يسمح بتقسيمها إلى ثلاث مجموعات: مجموعة تتضمن البنود 1 - 5 وتتعلق بأمور القضاء والتقاضي وما يشبه أصول المرافعات. ومجموعة ثانية تتألف من البنود 6 - 126 وتتضمن قانون الأموال أو المعاملات. ثم مجموعة ثالثة تتألف من البنود 127 - 282 وتتضمن قوانين الأسرة أو الأحوال الشخصية - غير أن هذا التقسيم يصعب تتبعه حرفيًّا في بنود التشريع. وتعبر الأرقام التي وضعناها بين قوسين فيما يلي عن أرقام بنود التشريع المتعارف عليها.

فمن أحكام التشريعات الراقية في شئون التقاضي والقضاء، أنه أيما مواطن اتهم مواطنًا آخر بجريمة يعاقب عليها بالإعدام ثم لم تثبت عليه قتل عوضًا عنه. وإذا اتهمه بجريمة يعاقب عليها بالتغريم، ثم ولم تثبت عليه دفع غرامتها. وقد ينطوي هذا تحت ما يعبر الآن عنه بمكافحة البلاغات الكاذبة وأحكام رد الشرف. ونصت على أنه أيما قاضٍ أصدر حكمه في قضية ودون حكمه ووقع عليه ثم زور فيه لغرض ما وثبت ذلك عليه، أقيل من منصبه وحرمت عليه مناصب القضاء ودفع ما يوازي اثنتي عشرة مرة من قيمة الشيء الذي زور فيه، وفي ذلك ما فيه من مكافحة الرشوة في القضاء وهي شر البلية.

وتضمنت مبادئها الراقية في مسئولية عن شئون الأمن وحقوق المواطنين عليها، أنه إذا سُرق مواطن ولم يتيسر القبض على سارقه واسترجاع المسروقات، عوضته مدينته وحاكم إقليمه عما سُرق منه بعد أن يعلنه ويثبت صحة دعواه أمام تمثال معبوده ورجال الإدارة في بلدته "23". وإذا قُتل مواطن ولم يتيسر معرفة قاتله والاقتصاص منه تعاونت المدينة وحاكم الإقليم على دفع دية إلى أهله مقدراها مينه من الفضة "24" وإذا شب حريق في دار مواطن وكلف آخر بإطفائه فاستغل وجوده في النار واختلس بعض متاعها، ألقي به في النار "25".

ومن مبادئها الراقية كذلك في إقرار حقوق المحاربين في مقابل مسئولياتهم، أنه إذا افتدى ممول محاربًا "ريدوم" أو متعهدًا بالجيش "بيثيروم" من الأسر وأعانه على العودة إلى بلده، رد المحارب فديته من أملاكه المنقولة، فإن لم يستطع تولاها عنه رب مدينته "أي حصل عليها من دخل معبده"، فإن لم يتيسر ذلك تولت الدولة سدادها عنه "32"، حتى لا يضطر إلى التضحية بأملاكه الثابتة التي تقطعها الدولة له، في سبيل افتداء نفسه. وكان إقطاع المحارب يُسمى كو، وقد يتألف من حقل أو بستان أو دار، أو يضم الثلاثة جميعها، ويدفع عنه صاحبه ضريبة سنوية ويورث حق الانتفاع به لولده الأكبر ولكن لا يحق له أن يبيعه أو يرهنه أو يورثه لزوجته أو لابنته، ويمكن أن ينزع منه هذا الإقطاع بأمر ملكي ويوهب لشخص آخر.

وإذا استشهد محارب آلت أملاكه إلى ولده "28"، فإذا كان ولده صغيرًا تولت أمه إدارتها نيابة عنه إن استطاعت، وربته من ريعها نظير انتفاعها بثلث إيرادها "29". فإذا لم يكن له ولد، وآلت إقطاعيته إلى شخص آخر، ثم ظهر أنه حي وعاد إلى بلده حق له أن يسترد إقطاعيته "27".

وأخذت تشريعات حمورابي بمثل قوانين إشنونا من حيث حق المحارب الذي يؤسر في ديار الأعداء في أن يسترد زوجته إذا عاد إلى بلده، ولو كانت في فراش زوج جديد "135"، وحرمت هذا الحق على من فارع بلده كارهًا له "136". وحتمت على زوجة الأسير أن تلزم داره ما دام فيها ما يكفيها، وألا تلجأ إلى فراش آخر وإلا ألقي بها في النهر "133". فإذا لم يكن لديها ما يقيم أودها فلا بأس عليها فيما فعلت "134".

وجعلت تدوين عقود القروض والمشاركة والأمانات وشهادة الشهود عليها، أساسًا لحق التقاضي بشأنها "99+"1. وحددت أرباح القروض "122 - 123" بالخمس "88+" واشترطت سدادها بنفس المكاييل والأوزان التي أقرضت بها "94". وعلى هذا الأساس جعلت ربح كور الغلة 60 قو، وفائدة شاقل الفضة سدس شاقل وست سيات، ولو أن بعض لوحات القروض الفعلية من نفس العصر قد دلت على زيادة أرباح القروض ونقصانها عن هذه النسبة في بعض الحالات، وتتمثل حالات النقص فيما كانت تقرضه المعابد والإدارات الحكومية في ظروف خاصة إلى ما يوازي 12% تقريبًا(10).

وأحاطت تشريعات حمورابي أفراد الأسرة وتقاليدها بضماناتها وعقوباتها، وزادت على ما نصت عليه تشريعات أور وإسين في حقوق الزوجة الشرعية فأباحت أن تسترق جاريتها ذات الولد إن تبينت منها تطلعًا إلى مساواة نفسها بها، وأباحت لها بيعها إن كانت غير ذات ولد، حتى ولو كانت أثيرة عند زوجها. وقد قرر رجل في عهد سين موبالليط والد حمورابي، في عقد زواجه، أن على زوجته الثانية أن تغسل قدمي زوجته الأولى وأن تحمل لها مقعدها حتى ولو شاءت أن تذهب به إلى معبد مردوك(11). وأكدت التشريعات حق الزوجة في استرداد بائنتها "شريقتو - وتقوم مقام الدوله عند بعض الشعوب المعاصرة" حين طلاقها - ما لم تكن ناشزًا، وأضافت إلى بائنة المطلقة ذات الأولاد نصف أملاك زوجها لتستغله في تربية أبنائها حتى يبلغوا أشدهم ثم تجتزئ منه نصيبًا تستعين به على زواج جديد إن استحبت فراقهم "137". وأضافت إلى بائنة المطلقة العاقر تعويضًا يبلغ مينه من الفضة بالنسبة للطبقات العليا وثلث مينه بالنسبة لأهل الطبقات العادية "138 - 140". ويبدو أنه لم يكن من الضروري أن يلتزم كل مطلق ومطلقة بهذه المبادئ، وكان الأمر يتوقف على ظروف الطلاق ومدى التراضي به بين المطلقين ومقدار ثرائهما(12).

وردت بائنة الزوجة المتوفاة ذات الأولاد على أولادها "162"، وجعلت بائنة الزوجة العاقر المتوفاة من حق أبيها بعد أن يسترد زوجها منها قيمة هداياه إليها حين عرسها، وحين نتدبر أحكام البائنة هذه نرى أن المشرع قد غطى بها كل حالاتها ودل بذلك على عقلية تقنينية واعية. وجعلت التشريعات للزوج حق الوصية أو الهبة لزوجته دون اعتراض من أبنائه، وسمحت لها بأن تتنازل عن جزء من هذه الهبة لأولادها، ولكن دون الغرباء "150"، واعترفت بحقها في أن تلزم بيت زوجها المتوفى إلا إذا أرادت أن تتركه لتتزوج وحينذاك يكون لها حق الخروج ببائنتها دون هدايا عرسها "172". وقضى المشرع على من اتهم سيدة بسوء السلوك دون بينة أكيدة، بحلق نصف شعره في ساحة القضاء تشهيرًا بافترائه عليها "127" فإذا اتهمها زوجها ولم يقدم بينة واضحة على فجورها، كفاها أن تقسم على طهرها أمام معبودها وتعود إلى دار زوجها "131" وهو ما أقرت الشريعة الإسلامية بما يشبهه مع تجديدات تتفق مع روح دينها.

وفي مقابل هذه الضمانات الواسعة التي كفلتها التشريعات للزوجة، ألزمت الزوجة بواجبات زوجها وبيتها، بحيث إذا شكاها زوجها أمام مجلس المدينة وتبين أعضاؤه إهمالها لواجباتها الزوجية حرموها من بائنتها وسمحوا لزوجها بأن يتزوج عليها ويستبقيها في داره إن شاء ويلزمها بخدمته "141". فإن تبينوا نشوزها وإضرارها بزوجها ألقوا بها في النهر "143"، فإن ثبت عليها الزنا أمروا بتقييدها هي ومن زنى بها وإلقائهما في النهر، إلا إذا عفا عنها زوجها وعفا الملك عن عشيقها "129". فإذا تآمرت زوجة على قتل زوجها من أجل عشيقها، أعدمت على الخازوق "153".

وفصلت التشريعات صلات الأولاد بأبويهم وحقوقهم في المواريث. فجعلت من حق كل ولد على أبيه أن يعينه بمهر يتزوج به، فإن مات الوالد دون أن يتزوج أحد أبنائه، أفرد له إخوته قيمة مهر تناسب ثروة أبيه قبل أن يقتسموا ميراثه "166". وكفلت نفس الأمر بالنسبة للابنة وبائنتها ... ، بحيث إذا مات أب دون أن يزوج ابنته ودون أن يخصص لها بائنة مسجلة أفرد لها إخوتها بائنة مناسبة من ميراثه "178 - 179". وقيدت حق الوالد في حرمان ولده بحكم القضاء في مدى عصيانه، فإن أدانوه أنذروه، فإن لم يرتدع وافقوا على حرمانه، وإن تبينوا براءته حموه في أبيه "168 - 169". وجعلت للأبناء الذكور حصصًا متساوية في ميراث أبيهم(13) وبائنة أمهم، إلا إذا أوصى الأب لولده البكر بوصية "165". وجعلت للابنة العذراء المترهبة حق استغلال ما يعادل ثلث نصيب أخيها على أن تبقى الرقبة لإخوتها ولا يحق لها أن تتصرف فيها "181. واستثنت من ذلك من ترهبت في معبد مردوك رب بابل فسمحت لها بأن تستغل حصتها كما تشاء، وتهبها لمن تشاء بشرط ألا ترث حقوقًا إقطاعية، حتى لا تنتقل إلى أسرة غير أسرتها "182".

وألحقت التشريعات الأبناء بخير الأبوين، فنصت على أنه إذا تزوج عبد بحرة احتفظ أولادها بحريتهم، فإذا مات عنها زوجها استردت بائنتها، وإذا كانت ذات لد قاسمت مولى زوجها المقتنيات التي شاركت زوجها فيها بعد زواجها به، واحتفظت بنصفها من أجل أولادها "175 و176". وسمحت التشريعات للأب بحق الاعتراف بأولاده من جاريته، فإذا اعترف بهم شاركوا أولاده الشرعيين ميراثه بشرط أن يتركوا لولده الشرعي البكر حق اختيار نصيبه بنفسه "170". وإن لم يعترف صراحة ببنوتهم حرموا من ميراثه، مع حرمان إخوتهم الشرعيين من استرقاقهم "171".

ونصت على أن من باع جاريته أم أولاده أو أجرها "أم أعارها؟ " لآخر في سبيل توفير الضرائب المستحقة عليه، حق له أن يستردها من شاريها أو مستأجرها بنفس ما أداه له في مقابلها "119". وحفظت مكانه الزوجة الشرعية بالنسبة للجارية، بمثل ما قدمنا لها به، وبأن نصت على أنه إذا أهدت زوجة زوجها جارية فأحبها وشجعها ذلك على أن تشارك الزوجة مكانتها حق للزوجة أن تعيده الجارية إلى الرق وتبيعها، فإن كانت قد حملت منه أو ولدت له دمغتها بميسم العبودية وأبقتها في دارها من أجل أولادها "146 - 147".

وأباح المشرع ثلاثة أيام للمشاورة في شراء العبد أو الجارية، وشهرًا يستطيع المشتري أن يعيد العبد خلاله إلى بائعه ويسترد ثمنه إذا تبين أنه مصاب بصرع، فإذا انقضى الشهر كان مالكًا له مسئولًا عن الدعاوى التي تقام بشأنه. ونصت على أنه إذا اشترى رجل عبدًا أو أمة من بلد غريب ثم عاد إلى بلده وتبين له أن العبد ملك لمواطن آخر من أهل بلده، وطالبه به سيده، وجب تسليمه إليه دون تعويض. فإذا كان العبد من بلد آخر دفع فيه سيده ما دفعه فيه مشتريه واسترده، فإذا أنكر العبد تبعيته لسيده ثم ثبتت التبعية عليه صلمت أذنه "278 - 282".

وتضمنت لوحة من لوحات النخاسة التي أخذت بتشريع حمورابي، ولو أنها متأخرة عن عهده، ما ذكر اسم الجارية واسم بلدتها واسم سيدها واسم مشتريها، وقيمة ثمنها الأصلي وما زاده المشتري عليه، ثم سجل الكاتب اسمه وأشهد خمسة أشخاص على لوحته(14).

ونظمت التشريعات أمور التبني، فسمحت للرجل بأن يتخذ ربيبه ولدًا له، فإن فعل واعترف به ولدًا، ثم تنكر له ربيبه وكان لقيطًا وأبى أبوته وتطلع إلى اللحاق بأبويه بعد أن عرفهما، قطع لسانه أو فقئت عينه. وحرمت استرجاع الربيب إذا تبناه صانع ورباه وعلمه صنعته. ولكنها من ناحية أخرى أجازت رجوع الربيب إلى أبويه إذا عرفهما ولم يكن متبنيه قد اعترف به ولدًا له، كما أجازت رجوع الربيب إلى أبويه إذا لم يعلمه متبنيه الصانع حرفته. واشترطه على من يتبنى طفلًا ثم يستغني عنه بعد أن ينجب أولادًا من صلبه، ألا يرده إلى أهله صفر اليدين، وأن يهبه ما يساوي ثلث نصيب ولده من صلبه من ثروته المنقولة "185 - 193".

وقضت التشريعات على من ضرب أباه بقطع يده "195"، وعلى من ضاجع أمه بعد وفاة أبيه بأن يحرق معها "157"، وعلى من ضاجع زوجة أبيه الأرمل ذات الأولاد باستبعاده من أسرته "185، وقضت بالنفي على من يضاجع ابنته "154"، وبالهلاك غرقًا على من يضاجع زوجة ابنة بعد دخوله بها "155".

وعنيت التشريعات بأمور المعاملات الجارية، وتوسعت فيما تضمنته تشريعات إشنونا وإيسن عن أجور العمال الزراعيين وشروط المشاركة في الزراعة والتجارة وتربية الأغنام والمواشي وتعويضاتها، وأجور المراكب تبعًا لحمولتها، وأجور حيوانات النقل والزراعة، وأجور النساجين وصانعي الجلود والصاغة والبنائين وأمثالهم. وكان خير ما أزادته هو تحديد أجور الأطباء، ومراعاة الحالة الطبقية والاقتصادية للمرضى. بحيث حددت أجر العملية في البدن أو في العين بالنسبة للثري بعشرة شواقل، وبالنسبة للشخص العادي بخمسة شواقل، وبالنسبة للعبد بشاقلين يتحملهما عنه سيده "215 - 217". وحددت أجرة العلاج العادي وجبر العظام بالنسبة للطبقات الثلاثة بخمسة شواقل وثلاثة وشاقلين على التوالي "220 - 223". ولم تنس في ذلك أجور علاج الحيوانات وتعويضاتها "224 - 225".

كانت هذه أهم النواحي الطيبة في تشريعات حمورابي، أما ما يؤخذ عليها من وجهة نظر تشريعاتنا على أقل تقدير، فهو اعترافها بالتفاوت في الحقوق والعقوبات بين الطبقات، فهي وإن استحدثت مبدأ العين بالعين والسن بالسن "196" والولد بالولد، إلا أنها قصرت تطبيقه وأمثاله على أفراد الطبقة الواحدة لمصلحة الطبقة العليا بخاصة، بينما قضت بالتعويض المادي وحده جزاء لاعتداء أحد أفراد الطبقة العليا على فرد من طبقة أخرى أقل منزلة من طبقته. فجعلت عقوبة فقء عين العامي أو كسر عظمه نصف مينه من الفضة، وجزاءهما بالنسبة للعبد نصف ثمنه، أما إذا صفع رجل رجلًا أرقى منزله منه جلد ستين جلدة علنًا وإذا صفع رجلًا من طبقته دفع مينه من الفضة، وإذا صفع عامي عاميًّا آخر دفع عشرة شواقل من الفضة وجعلت غرامة إجهاض المرأة من الخاصة عشرة شواقل فإذا ماتت قتلت ابنة قاتلها. وغرامة إجهاض المرأة من العامة خمسة شواقل، فإذا ماتت ففديتها نصف مينه من الفضة، وغرامة إجهاض الأمة شاقلين، فإذا ماتت ففديتها ثلث مينه من الفضة "196 - 214". وقضت بتغريم من يختلس شيئًا من مقتنيات المعبد أو الحكومة ثلاثين مثلًا لما اختلسه، فإن اختلسه من "موشكينوم" دفع عشرة أمثاله، فإن كان معدمًا قتل "8" أي أنها فرقت بين عقوبة سارق المعبد والدولة، وبين عقوبة سارق المواطن العادي، وجعلت الإعدام جزاء المفلس في الحالتين، وألزمت الأبناء أحيانًا بجرائر آبائهم، فإذا أهمل معماري في عمله وانهار المنزل الذي بناه على ابن صاحبه قتل ابنه، وإذا أجهض رجل سيدة من طبقته أو من الخاصة فماتت قتلت ابنته "210".

واصطبغت أغلب مواد تشريعات حمورابي بالشدة في مواجهة الإضرار بمصالح الدولة والاعتداءات على النفس والمال، وليس من المستعبد أن تكون قد تعمدت ذلك لمجرد التخويف ومنع الجريمة قبل وقوعها، أو لتقيدها بتعاليم دينية متشددة، أو لشيوع الفساد في مجتمعها وفيما قبل عهدها فجعلت الإعدام عقوبة للتآمر على مصالح الدولة وأمنها والوقوف في سبيل تنفيذ أوامرها، كإيواء ثائر أو مجرم هارب، أو التكتم على مؤامرات قطاع الطرق "109"، أو التهرب من خدمة الجيش ولو عن طريق تقديم بديل، وعقوبة للضابط الذي أباح مثل هذا الإبدال أو تكتم أمره "33". وعقوبة للاعتداء على أملاك المعابد وأملاك القصر. وجعلته عقوبة لمن يعجز عن رد المسروقات ودفع التعويضات عنها، وعقوبة لمن يسم عبدًا بغير ميسم سيده وبدون علمه "226، 227"، وعقوبة لخطف الأطفال، إخفاء العبيد، ونقب الدور "21"، وعقوبة لمن يتجر في المسروقات، ومن يدعي ملكيته لأشياء مسروقة ثم يثبت تدليسه "9 - 11"، وعقوبة الكاهنة التي تفتح حانة أو تتردد عليها لتسكر فيها "110"، وعقوبة للمعماري الذي يتسبب إهماله في انهيار منزل على صاحبه "229". وجعلته عقوبة للرؤساء الإداريين "ديكوم، ولوبروتوم" إذا حرموا جنديًّا مما أنعم الملك عليه به، أو اغتصبوا متاع داره أثناء غيابه أو أجروها لصالحهم أو تخلوا عنها لصاحب نفوذ في ساحة القضاء "34"، وحرمت عليهم شراءها وإلا خسروا ما اشتروها به "35".

وتضمنت التشريعات أنه إذا اتهم مواطن مواطنًا آخر بالاشتغال بالسحر، كان على المدعى عليه أن يلقي بنفسه في النهر فإذا ابتلعه الماء ورثه الآخر، وإذا نجا أعدم من اتهمه وآلت أملاكه إليه. وقضت بأنه إذا أدت العملية الجراحية إلى وفاة مريض حر أو إلى ذهاب نور عينه قطعت يد الطبيب "ولعل ذلك كان مشروطًا بإهمال الطبيب وإن لم ينص عليه صراحة"، فإذا كان المريض عبدًا عوض الطبيب سيده عن حياته بعبد مثله، وعن عينه بنصف ثمنه من الفضة "218 - 219".

وصف حمورابي نفسه في تعاليمه بما اعتاد الملوك القدماء أن يصفوا أنفسهم به، من حيث اتصالهم بالأرباب، وتقواهم إزاءهم في الوقت نفسه، ومن حيث ظهورهم بمظهر المتفضل حينًا ومظهر المقدر لواجبه حينًا آخر، ومن حيث اعتزازهم بجبروتهم وانتصاراتهم حينًا وافتخارهم بميلهم إلى السلام والتعمير حينًا آخر. فادعى البنوة للمعبود سين، ووصف نفسه بأنه إله بين الملوك، وأنه أول الملوك وزعيمهم، والخالد بينهم، وأنه محارب لا مثيل له، وأنه الملك الحكيم والملك الكامل، وأنه منقذ شعبه من البأساء، وأنه طرق جهات العالم الأربع، وأنه فتح كذا وأخضع كذا وكذا، وكان من آثار هذه السمعة الغالية التي ادعاها لنفسه أو ادعاها له أتباعه أن سمى بعض رعاياه أبناءهم باسم حمورابي إيلو بمعنى حمورابي إله "أو هو الإله". ولكنه وصف نفسه إلى جانب ذلك بأنه الأمير التقي، وأن الأرباب تخيروه لإصلاح أحوال الناس، وأنه المطيع للإله شمش العظيم، وأنه كثير الدعاء للأرباب، ويعرف الرب أداد تضرعه، وأنه لم يهمل رعاية أصحاب الرؤوس السود الذين عهد بهم إليه رباه إنليل ومردوك، وأن ربه مردوك أمره بأن يرشد الناس إلى الطريق القويم ويحق الحق والعدالة ويدونها بلغة البلاد، فاستعان بأمر شمش القاضي الأعظم للسماء والأرض، وذلل الصعاب للناس، وكان أشبه بوالد لهم، ووضع أهل سومر وأكد في جوفه حتى سعدوا بحمايته وأظلهم بحكمه، ثم رجا أن تدوم عدالته وتنتشر في البلاد كلها بإذن مردوك مولاه، ودعا الملوك الذين سوف يعقبونه إلى أن يتبعوا أسلوب حكمه، ودعا كل مظلوم إلى أن يذهب بنفسه إلى نصب تشريعاته ويقرؤوها بعناية ويتمعن حكمته فيها حتى تستبين له قضيته ويهدأ باله، واستعدى أربابه على كل من يمحو التشريعات أو يغير فيها. هذا ويضيف اللغويون أن هذه التشريعات لم تعبر عن نضج العقلية التشريعية في عصرها فحسب، وإنما عبرت كذلك عن دور الاكتمال في الأسلوب اللغوي البابلي الذي أصبح من بعد نموذجًا كلاسيكيًّا للكتابات الراقية في العراق كله.

لم تكن تشريعات الرجل وليدة عهدها وحده كما قدمنا، ولم تكن فريدة في نوعها، وربما لم تكن تجديداتها من وضع حمورابي نفسه بالضرورة على أساس ما أسلفناه من أن أغلب التاريخ القديم وبعض الحديث تاريخ غير عادل حين ينسب خير الأعمال إلى الملوك ويغفل ذكر من شقوا في سبيلها من الرعية. ومع ذلك فقد كانت تشريعات عهده جديرة بشخصيته ويبدو أنه ظل معنيًّا بتطبيقها، وظل يتدخل في كثير من الشئون الإدراية بنفسه(15)، فتضمنت إحدى اللوحات الباقية من عهده أمرًا منه بافتداء أسير على حساب معبد مدينته قال فيه "وأما بخصوص إمانينوم الذي أسره العدو، فتصرف عشر مينات من الفضة من معبد سين إلى مموله "الذي افتداه"(16). وسمع حمورابي بارتشاء بعض موظفيه، فأرسل مندوبًا من عنده للتحقق من الأمر وسماع أقوال الشهود والتحرز على الرشوة، ثم إرسال المتهمين والشهود إليه(17). وكثيرًا ما تضمنت رسائله إلى عماله أوامره بالتحقيق في سرقات ومظالم سمع بها(18)، وأوامر أخرى بالتشديد على الملتزمين المتباطئين في تأدية الضرائب التي التزموا بها وإرسالهم إليه مع التحفظ على أملاكهم إن امتنعوا عن السداد(19). وذلك فضلًا عن أوامره إلى حكام الأقاليم بتنفيذ الخدمات العامة في أقاليمهم، مثل حفر الترع وتطهيرها، والإشراف على تجميع العمال والأهالي للقيام بها(20). غير أنه يبدو أن صفة العمومية التي أكدها حمورابي لتشريعاته لم تمنع قضاة عاصمته من أن يعترفوا بحق قضاة الأقاليم في تطبيقها بما يناسب أحوال أقاليمهم، أو هي على الأقل لم تجعلهم يصرون على مركزية القضاء في العاصمة، بحيث شهدت إحدى لوحاتهم القضائية برفضهم نظر قضية كان المدعى عليه فيها من أهل سيبار، وتحويلهم إياها غلى قضاء سيبار بالذات(21).

ولا يستبعد أن من أسباب حرص حمورابي على تدوين كل قوانين عصره، رغبته في أن تتولى هيئة الموظفين المدنيين الخاضعة له خضوعًا كاملا، تطبيقها وفق نصوصها، وحتى لا يكون الكهنة حجة في الاستئثار بتفسير القانون وإصدار الأحكام أو تأويلها(22).

تأثر الفن في عهد حمواربي بنهضة عصره، وكان من الطبيعي أن تظهر آيات رقية في تماثيل الملك نفسه وفي صوره. وبقيت راس جرانيتية يرجح أنها تمثل رأسه، وضحت فيه الملامح السامية النبيلة التي ظهرت من قبل خلال العصر الأكدي القديم، ونجح فنانها النجاح كله في تمثيل نحافة وجه صاحبها ومستويات عظام الخدين ودقة تمثيل ركن العين ومسطحات الجفنين وخطوط الشفتين وتعبيرهما عن شخصية صلبة مجربة(23).

وعبر النقش عن جانب التقوى في شخصية حمورابي في صورته أمام ربه شمش في الجزء العلوي من النصب الكبير الذي سجلت تشريعاته عليه. فصوره واقفًا بعباءة محبوكة انسابت خطوطها المشدودة مع خطوط جسده، يحيي مولاه برفع يده ويواجهه في هيئة المقدر لجلاله، ولكنها مواجهة كريمة تشبه مواجهة الوزير لمليكه. وصور المعبود شمش نفسه أقرب إلى عالم الدنيا منه إلى عالم الخيال، لولا لحيته شديدة الكثافة والطول، وتاجه الطريف ذو الأربعة أزواج من القرون، وألسنة اللهب التي تشع من كتفيه. وصوره يمسك بالعصا والحلقة رمزي العدالة، وكأنه مع حمورابي أشبه برجلين متحدث ومستمع، وإن بدت شفتاهما مطبقتين. واستطاع الفنان أن يوازي بين جلسة المعبود وبين وقفة الملك، بالجمع بين استقامة جذع الإله واستقامة عصاه وبين استقامة جسم الملك(24).

وثمة تمثال برونزي صغير ذهب إلى أبعد من ذلك في تمثيل العلاقة بين الإنسان وربه، وهو لشيخ ربعة يركع على ركبته اليمنى ويقيم اليسرى، ويضم مجمع ثوبه بيده اليسرى ويجمع أصابع يمناه ويقربها من شفتيه كأنه يدعو بها أو يتمنى. والطريف أن نفس حركة اليد على الفم لا زال يؤديها بعض المسلمين حين الدعاء خلال الاستماع إلى أذان الصلاة .. وقد عبرت شفتا صاحب التمثال عن استبشاره باستجابة ربه لأمنيته. ولا يخلو التمثال من عيوب يسيرة تتمثل في اتساع العينين وقلة تناسق الجزء الأسفل من الساق مع بقية الجسم، ولكنه في مجمله رائع التعبير، وغشي وجهه ويداه برقائق ذهبية، وثمة احتمال بتمثيله للملك حمورابي نفسه. وقد تكررت هيئته نقشًا على قاعدته وسجل نص معه يذكر إهداءه إلى المعبود أمورو "من أجل حياة حمورابي"(25).

وكشفت الأبحاث الأثرية عن أطلال مشرقة من أحياء مدينة بابل في عهد حمورابي، قامت فوقها مباني قرى القصر وتل عمران والمركز الحالية. وشيدت بيوتها على نسق البيوت التي سبقت عهده، فبنيت أساساتها ومداميكها السفلى من الآجر؛ بينما شيدت مداميكها العليا من قوالب اللبن العادية. وكشفت الأبحاث كذلك عن أطلال بعض أحياء مدينة أكد من العهد نفسه؛ ويفهم منها أنها خضعت لتخطيط منظم وتميز فيها طريق مقدس يؤدي إلى معبد إشتار "عشتار" ووازته بضعة شوارع رئيسية تعامدت عليها شوارع أخرى(26).

وارتفع شأن مردوك معبود بابل بارتفاع شأن مدينته، وكان يعتبر من قبل ولدًا للمعبود إنكي، ثم تعمد البابليون تعظيم شأنه ليكفلوا لمدينتهم زعامة دينية إلى جانب زعامتها السياسية وبحيث تنافس المدن الدينية الأخرى القديمة؛ فنسبوا إليه هزيمة التنين تيامة "رمز ملوحة البحر وأخطاره" وأضافوا أن انتصاره هذا جعل الآلهة الكبار يمنحونه حق تقرير المصائر، وخلع عليه رب الحكمة إيا حكمته واسمه، وقال "فليسم إيا مثلي"، ثم خاطبه قائلًا "أي بني"، ماذا هناك لا تعرفه وأستطيع أن أعلمك إياه؟ إن كل ما أعرفه تعرفه أنت أيضًا"(27). ومثل مردوك في صوره المتأخرة بأذنين كبيرتين ترمزان إلى أنه "السميع"، وكثيرًا ما صور تحت قدميه وحش خرافي راقد يرمز إلى تيامة بعد أن أخضعها وذللها.

تعاقب بعد حمورابي خمسة ملوك على عرش بابل، شهدت أيامهم صورًا مختلفة من الحرب والسلام. واحتفظت حوليات ولده "سمسو إيلونا" ببعض هذه الصور، فذكرت من مشروعات عهده الإصلاحية أنه أعفى سومر وأكد من الضرائب في العام التالي لحكمه؛ وقد يعي ذلك أنه أعفى الممولين من متأخرات الضرائب بمناسبة اعتلائه العرش ثم ذكرت نفس الحوليات من صور القلاقل في عهده ما يدل على أعداء عديدين، وملك مغتصب شرير، وهدم أسوار وبناء أسوار، وعصيان أقطار كثيرة، ووجود جيش أموري وجيش كاسي. ورددت نصوص أخرى متأخرة عن عهده أسماء بعض خصومه، ومنهم رجل ادعى أنه ريم سين ملك لارسا القديم وجمع حوله حلفًا من المدن الكبيرة التي عز عليها خضوعها لبابل؛ مثل أوروك وإسين؛ فضلًا عن منطقته الأصيلة منطقة إيموتيبال، ولكن دارت الدائرة عليه وعلى حلفائه، وقيل إن الجيوش البابلية قبضت عليه حيًّا في قصره. وخصم عنيف آخر يدعى إليما إيلوم حكم أرض البحر وهي مناطق المناقع المستصلحة قرب مصبي دجلة والفرات، وقد حاربته جيوش سمسو إيلونا ولكن بغير نتيجة حاسمة، فاستمر خطره في عهد أبيشو البابلي الذي حاول أن يستعين على هزيمته ببناء سد على نهر دجلة يعوق تقدمه أو يغرق أرضه، فنجح رجاله في بناء السد كما روت الحوليات ولكنهم فشلوا في الانتصار على خصمه "راجع فيما بعد".

تلك صورة مصغرة للقلاقل التي واجهت خلفاء حمورابي، وما لبثت البلاد أن تعرضت بعدها لأخطار أشد وأعنف، وهي أخطار ندع مناقشة أسبابها ونتائجها إلى ما بعد كلمة قصيرة عن أثر العصر البابلي في التراث الأدبي لبلاد النهرين.

__________

(1) A. Ungand, "Datenlisten", In Reallexlkan Der Assyriology, Ii, 187 F., Nr. 2.

(2) Dossin, Syria, Xix, 177 F.

(3) A. Ungand, Op. Cit., Nr. 25.

(4) Ibid., No. 19, 20, 21.

(5) See, Anet, 165.

(6) Leonard W. King, the Letters and Inscriptions of Hammur Abi, No. 34, 45.

(7) W.F. Albright, Anet, 482; C. Jean, Archives Royales De Mari, Ii, No. 22.

(8)  A. Ungand, Op. Cit., Nos. 3, 4, 5, 12, 13, 14, 16, 17, 18, 29, 43, 36

(9)  ل. ديلابورت: بلاد ما بين النهرين - ص129.

(10) انظر عن عقد شركة بين شخصين يدعى أحدهما نور شمش للمشاركة فيما يمتلكانه من فضة وعبيد وإماء يستغلونها في الداخل والخارج وقد أقسما فيه على الإخلاص بأسماء المعبودات شمش وإيا ومردوك وباسم حمورابي. وعن عقود بيع بيوت حددت فيها مساحاتها ومواقعها بالنسبة إلى البيوت التي تجاورها والطرقات التي تطل عليها:

ديلابورت: المرجع السابق - ص146، 288.

(11) نفس المرجع ص153 - 154.

(12)  Pani Dhorme, Choix Des Textes Religieux Assyro-Babyloniens, No. Xix.

(13) من لوحات تقسيم المواريث الفعلية في عهد حمواربي لوحة قيل فيها: قسم نور شمش، وإيليما أخي، وبالاطوم، وهو موروم، ميراث أبيهم، ولا يحق لأحدهم أن يدعي على الآخر بشيء. وأقسموا "على ذلك بالآلهة" شمش وإيا ومردوك "والملك" حمورابي. ثم شهد على الاتفاق أربعة شهود، وأرخ بعام نهير حمواربي، وهو العام التاسع من حكمه.

See, Anet, 218.

(14)  See, Anet, 218-219.

(15) انظر عن رسائل حمورابي:

L. W. King, the Letters and Inscriptions of Hammrabi; Harper, Letters and Inscriptions of Hammubi; A. Uagand, Briefe Kenig Hammrabi

(16) Yale Oriental Series, T. Ii. No. 32.

(17) L. W. King, Op. Cit., No. 11.

(18) Ibid., 3, 12, 18, 24, 30, 73, 74.

(19) Ibid., Nos. 16, 30, 33.

(20) Ibid., 5, 26.

(21)  ديلابورت: المرجع السابق - ص119.

(22) كامبل طوسون: في تاريخ العالم "هامرتون" - معرب بالقاهرة: الفصل الثامن عشر - ص604 - 605.

(23) توجد الرأس بمتحف اللوفر - ويبلغ ارتفاعها نحو 15 سم.

See, Frakfort, The Art And Architecture…, Pl. 163.

(24) Cf. H. A. Corenewegen-H. Frankfort, Arrest and Movement…, 168 F.

(25)  في متحف اللوفر - وارتفاعه نحو 20 سم.

See, Frankfort, The Art And Architecture…, Pl. 64.

(26)  ديلابورت: المرجع السابق - ص49 - 50.

(27) ديلابورت: المرجع السابق ص171 - 172.

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).