المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

موطــــن العروبـــين (الجزريين - الساميين)
16-7-2016
القسم
22-10-2014
الموارد الطبيعية في روسيا
22-5-2018
التعارض بين الدليل اللفظي والدليل العقلي
10-9-2016
إباحة الحلق لأذى والتخيير بين التكفير قبل الحلق وبعده.
25-4-2016
Gavin Brown
24-3-2018


أصالة الإشتغال  
  
621   12:02 مساءاً   التاريخ: 1-9-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 3 ص 109.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2016 636
التاريخ: 4-9-2016 576
التاريخ: 4-9-2016 584
التاريخ: 2-9-2016 487

..الآن نبحث في الشكّ في المكلّف به مع العلم بنوع التكليف، سواء كانت الشبهة حكميّة أو موضوعيّة وسواء كانت وجوبيّة أو تحريميّة، فالوجوبية الحكميّة نظير ما إذا علمنا بوجوب صلاة في يوم الجمعة ولم نعلم بأنّها صلاة الجمعة أو صلاة الظهر، والوجوبيّة الموضوعيّة نظير ما إذا كانت القبلة غير معلومة في الخارج مع العلم بوجوب الاستقبال إليها في الصّلاة، والتحريميّة الحكميّة مثل ما إذا علمنا بأنّ أربعة عشر جزءاً (أو خمسة عشر جزءاً) من أجزاء الذبيحة حرام ولم نعلم بأنّها ما هى؟ والتحريميّة الموضوعيّة نظير ما إذا تردّد الخمر (الثابتة حرمتها) بين إنائين.

ثمّ إنّ الشكّ في المكلّف به قد يكون لتردّده بين المتباينين ذاتاً كجميع ما ذكرنا من الأمثلة آنفاً وقد يكون لتردّده بين الأقل والأكثر، وهو على قسمين: فتارةً يكون من قبيل الأقلّ والأكثر الإرتباطيين كالشكّ في أجزاء الواجب أو الحرام، واُخرى من قبيل الأقلّ والأكثر الإستقلاليين كما في دوران دَين بين تسعة دراهم وعشرة دراهم، أو دوران عدد الصلوات الواجب قضاءها بين التسعة والعشرة، فيقع الكلام في ثلاث مقامات:

المقام الأوّل: في دوران الأمر بين المتباينين

والأقوال فيه ثلاثة:

1 ـ حرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة (أي حرمة الموافقة الاحتماليّة مضافاً إلى حرمة المخالفة القطعيّة) وهذا هو المشهور بين الاُصوليين رضوان الله عليهم.

2 ـ التفصيل بين المخالفة القطعيّة والموافقة القطعيّة بأنّ الاُولى حرام وإنّ الثانية مباحة، وذهب إليه المحقّق القمّي(رحمه الله).

3 ـ جواز المخالفة مطلقاً سواء كانت قطعيّة أو احتماليّة، وهو المحكي عن العلاّمة المجلسي(رحمه الله).

ومنشأ النزاع والاختلاف في المقام هو أنّ العلم الإجمالي هل هو علّة تامّة لحرمة المخالفة ووجوب الموافقة: أو يكون علّة ناقصة لهما؟ وفيه مذاهب ثلاثة:

1 ـ كونه علّة تامّة بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة والاحتماليّة معاً وأنّ العقل يحكم مستقلا بها ولا يمكن ردعه من جانب الشارع المقدّس، وهو المنسوب إلى المحقّق الخراساني(رحمه الله)في المقام.

2 ـ كونه مقتضياً في كلا المقامين، فيمكن إيجاد المانع من ناحية الشارع، وهو مقتضى القول المنسوب إلى العلاّمة المجلسي(رحمه الله) ومختار المحقّق الخراساني(رحمه الله) في مبحث القطع.

3 ـ التفصيل بين المخالفة القطعيّة والاحتماليّة بأن يكون العلم الإجمالي علّة تامّة في الاُولى ومقتضياً في الثانية وهو مختار الشيخ الأعظم(رحمه الله).

والظاهر أنّ ما ذهب إليه المحقّق الخراساني(رحمه الله) في المقام (مبحث الاشتغال) ليس عدولا عمّا أفاده في مبحث القطع كما توهّمه بعض، حيث إنّه قال هناك: «إنّ التكليف حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة جاز الإذن من الشارع بمخالفة احتمالا بل قطعاً ... نعم كان العلم الإجمالي كالتفصيلي في مجرّد الاقتضاء لا في العلّية التامّة فيوجب تنجّز التكليف أيضاً لو لم يمنع عنه مانع عقلا» وقال: «إنّ التكليف المعلوم بينهما (المتباينين) ... إن كان فعليّاً من جميع الجهات بأن يكون واجداً لما هو العلّة التامّة للبعث أو الزجر الفعلي مع ما هو عليه من الإجمال والتردّد والاحتمال فلا محيص عن تنجّزه وصحّة العقوبة على مخالفته، وحينئذ لا محالة يكون ما دلّ بعمومه على الرفع أو الوضع أو السعة أو الإباحة ممّا يعمّ أطراف العلم مخصّصاً عقلا لأجل مناقضتها معه، وإن لم يكن فعليّاً كذلك ـ ولو كان بحيث لو علم تفصيلا لوجب إمتثاله وصحّ العقاب على مخالفته ـ لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعاً عن شمول أدلّة البراءة الشرعيّة للأطراف» (انتهى).

ولا يخفى أنّ المقصود من كلامه الأوّل أنّه إذا علم بالتكليف إجمالا فحيث إنّه لم ينكشف تمام الانكشاف كانت رتبة الحكم الظاهري محفوظة، للشكّ في وجوب التكليف في كلّ واحد من الأطراف وبه يتحقّق موضوع النافي فيجري بلا مانع، بخلاف ما إذا علم به تفصيلا فلا يبقى

مجال للإذن في مخالفته لعدم بقاء موضوع للحكم الظاهري (وهو الشكّ في الحكم الواقعي) لانكشافه تمام الانكشاف حسب الفرض، ولهذا يكون العلم التفصيلي علّة تامّة للتنجّز كما أنّ العلم الإجمالي يكون مقتضياً له كما صرّح به في تعليقته على الرسائل(1)، بينما المقصود من كلامه الثاني (وهو ما أفاده في مبحث الاشتغال) أنّه لو فرضنا إنّا كشفنا من دليل خارجي كالإجماع إنّ تكليفاً ما فعلي من جميع الجهات(2) وفعليته تامّة من ناحية إرادة المولى وكراهته بحيث لا يتوقّف العقوبة على مخالفته إلاّ على مطلق وصوله إلى المكلّف بأي نحو كان من أنحاء الوصول فلا فرق حينئذ بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي في تنجّز التكليف وعدم وجوب الموضوع للأصول المرخّصة، وأمّا إذا كشفنا من الخارج عدم كونه فعليّاً من جميع الجهات وأنّ فعليته لا تكون تامّة إلاّ بالعلم التفصيلي فليس للعلم الإجمالي حينئذ تأثير في التنجّز إلاّ بنحو الاقتضاء ويكون موضوع الأصل المرخّص موجوداً.

أقول: الإنصاف أنّه لا فرق بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي إذا تعلّقا بما هو فعلي من جميع الجهات بل وكذلك في الشبهة البدوية إذا كان المشكوك على فرض وجوده فعلياً من جميع الجهات كما في الشبهات قبل الفحص وشبهها، فحينئذ يكون الاحتمال منجّزاً لأنّ المفروض إنّ التكليف على فرض وجوده فعلي بتمام معنى الكلمة فلا مؤمّن من العقاب فلابدّ من إمتثاله بالاحتياط.

ثمّ إنّ ما مرّ من التفصيل ناظر إلى مقام الثبوت ويكون على نهج القضية الشرطيّة المعلّقة وأشبه بالضرورة بشرط المحمول فيكون توضيحاً للواضح على وجه.

والمهمّ هو تعيين الحكم في مقام الإثبات وأنّ المستظهر من الأدلّة ما هو؟ فنقول: المستفاد

من مجموع أدلّة الأحكام والإجماعات الحاصلة بين الفقهاء أنّ الحلّ القريب من الكلّ من التكاليف عدم كونها فعلية من جميع الجهات، ولذا نلاحظ استثنائها وتخصيصها بالعناوين الثانوية كالاضطرار والإكراه والتقيّة وغيرها، فما دام لم يعلم بالعلم التفصيلي أمكن إجراء الاُصول المرخّصة أو الأدلّة الخاصّة الواردة فيها أو في مورد العلم التفصيلي تحت عنوان «العناوين الثانوية».

نعم يستثنى منها موارد الدماء وشبهها، فيمكن أن يقال بأنّها فعلية من جميع الجهات، أي إن كان المورد من قبيل الدماء وشبهها كان الحكم فعليّاً من جميع الجهات، فإذا علم إجمالا مثلا بوجود دم محقون مردّد بين شخصين: أحدهما: مؤمن متّق، والآخر: كافر يكون العلم الإجمالي منجّزاً للتكليف.

بل وكذا الحال في الشبهات البدوية منها، فإنّ الاحتياط واجب فيها، ولذا لا تجري فيها أحكام العناوين الثانوية كالتقيّة ومثلها كما ورد في الحديث: «إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فلا تقيّة»(3)، بخلاف ما إذا كان المورد كالمايع النجس الدائر بين الإنائين فإنّه يمكن ورود الترخيص فيها إمّا بمقتضى أدلّة الاُصول (على القول به) أو بعنوان «العناوين الثانويّة».

لكن مسألة الدماء أيضاً ليست فعلية من جميع الجهات لانتقاضها بمسألة التترّس في الجهاد كما لا يخفى، فإنّ المعروف حينئذ هو جواز القتل حتّى إذا كان الدم المحقون معلوماً تفصيلا.

ثمّ إنّه تصدّى في تهذيب الاُصول لتوجيه التكرار الحاصل في المقام في كلمات القوم حيث إنّهم تارةً يبحثون عن العلم الإجمالي في مبحث القطع واُخرى في مبحث الاشتغال، فقال: «إذا علمنا حرمة شيء أو وجوبه لا بعلم وجداني بل بشمول اطلاق الدليل أو عمومه على المورد كما إذا قال: «لا تشرب الخمر» وشمل بالإطلاق على الخمر المردّد بين الإنائين فهل يمكن الترخيص بأدلّة الاُصول بتقييد اطلاق الدليل أو لا؟ وهذا هو الذي ينبغي أن يبحث عنه في المقام (مبحث الاشتغال) ومثله إذا علم إجمالا بقيام حجّة على هذا الموضوع أو ذاك، كما إذا علم بقيام أمارة معتبرة إمّا بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة» وقال في صدر كلامه: «إذا علم علماً وجدانياً لا يحتمل الخلاف بالتكليف الفعلي الذي لا يرضى المولى بتركه ... وهذا هو الذي يصلح أن يبحث عنه في باب القطع»(4) فحاصل كلامه أنّ المراد من العلم الإجمالي المبحوث عنه في باب القطع هو العلم الحاصل بالوجدان والمراد منه في مبحث الاشتغال هو ما حصل بإطلاق دليل أو قيام حجّة.

ويرد عليه أوّلا: أنّه خلاف تعابيرهم والأمثلة التي ذكروها في المقام كالتمثيل بالعلم الإجمالي بالخمر الدائر بين الإنائين حيث إنّه يشمل ما إذا علم به بالوجدان، وليس المراد منه خصوص ما إذا قامت البيّنة على خمرية أحد الإنائين قطعاً، وكذلك التمثيل بالصلاة المردّدة بين الجمعة والظهر حيث إنّها معلوم وجوبها في يوم الجمعة بضرورة من الدين وإجماع المسلمين.

ثانياً: إنّ الملاك تمام الملاك في ما نحن فيه كون التكليف فعليّاً من جميع الجهات وعدم كونه كذلك، من دون فرق بين العلم الوجداني والأمارات المعتبرة، فإن لم يكن فعليّاً من جميع الجهات يمكن جريان الاُصول المرخّصة وإلاّ يكون المورد مجرى قاعدة الاشتغال.

ثالثاً: إنّ الترخيص الصادر من الشارع ليس منحصراً في موارد أدلّة الاُصول العمليّة، بل إنّها إحدى الطرق المرخّصة لما سيأتي من ترخيصه في الشبهات غير المحصورة لملاكات اُخر، والحقّ كما ذكرنا في محلّه أنّ مسألة القطع قائمة بتأثير العلم الإجمالي من حيث الاقتضاء، ومباحث العلم الإجمالي هنا ناظرة إلى عدم وجود الموانع لهذا المقتضى.

ثمّ إنّ البحث هيهنا يقع في جهتين: حرمة المخالفة القطعيّة، وحرمة المخالفة الاحتماليّة.

أمّا الجهة الاُولى: فقال الشيخ الأعظم الأنصاري(رحمه الله): «لنا على ذلك وجود المقتضي للحرمة وعدم المانع عنها، إمّا ثبوت المقتضي فلعموم دليل تحريم ذلك العنوان المشتبه فإنّ قول الشارع «إجتنب عن الخمر» يشمل الخمر الموجود المعلوم المشتبه بين الإنائين أو أزيد ولا وجه لتخصيصه بالخمر المعلوم تفصيلا مع أنّه لو إختصّ الدليل بالمعلوم تفصيلا خرج الفرد المعلوم إجمالا عن كونه حراماً واقعياً وكان حلالا واقعياً ولا أظنّ أحداً يلتزم بذلك، وأمّا عدم المانع فلأنّ العقل لا يمنع من التكليف عموماً أو خصوصاً بالاجتناب عن عنوان الحرام المشتبه في أمرين أو اُمور والعقاب على مخالفة هذا التكليف، وأمّا الشرع فلم يرد فيه ما يصلح للمنع عدا ما ورد من قولهم(عليهم السلام) «كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام بعينه» و «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه» وغير ذلك. ولكن هذه الأخبار وأمثالها لا يصلح للمنع لأنّها كما تدلّ على حلّية كلّ واحد من المشتبهين كذلك تدلّ على حرمة ذلك المعلوم إجمالا لأنّه أيضاً شيء علم حرمته»، انتهى.

فحاصل استدلال الشيخ الأعظم(رحمه الله) لحرمة المخالفة القطعيّة أنّ المقتضي (وهو إطلاقات أدلّة الأحكام وعموماتها) موجود، والمانع (وهو البراءة العقليّة والنقليّة) مفقود، وقد تبعه سائر الأعلام فمشوا في استدلالاتهم على ما يقرب استدلال الشيخ(رحمه الله) ومنهم المحقّق النائيني(رحمه الله)، غاية الأمر أنّه قسّم الاُصول على ثلاثة أقسام: أصالة الحلّية، والاُصول التنزيليّة، والاُصول غير التنزيلية، وأنكر جريان جميعها للزوم التناقض بين حكم العقل بلزوم الاجتناب عن جميع الأطراف (مقدّمة للإجتناب عن الحرام المنجّز الموجود في البين) وبين الترخيص في جميع الأطراف(5).

وكذلك المحقّق العراقي(رحمه الله) فقال: «لا إشكال في أنّه لا قصور في منجّزية العلم الإجمالي لما تعلّق به من التكليف وإنّه بنظر العقل بالإضافة إلى ما تعلّق به كالعلم التفصيلي في حكمه بوجوب الإمتثال، إذ لا فرق بينهما إلاّ من حيث إجمال المتعلّق وتفصيله وهو غير فارق في المقام بعد كون مناط التحميل بنظر العقل إحراز طبيعة أمر المولى بلا دخل خصوصيّة فيه ... بل التحقيق إنّ حكمه بالاشتغال ووجوب الإمتثال يكون على نحو التنجيز بحيث يأبى عن الردع عنه بالترخيص على خلاف معلومه في تمام الأطراف كإبائه عنه في العلم التفصيلي لكون ذلك بنظره ترخيصاً من المولى في معصيته وترك طاعته ومثله لا يصدّقه وجدان العقل بعد تصديقه خلافه»(6).

 

وقال شيخنا العلاّمة الحائري(رحمه الله): «لنا إنّ المقتضي للامتثال وهو العلم بخطاب المولى موجود بالفرض والشكّ في تعيين المكلّف به ليس بمانع عند العقل وهل تجوز المخالفة القطعيّة للتكليف المقطوع مع تمكّن المكلّف من الامتثال بمجرّد الشكّ في التعيين حاشاه من ذلك فإنّ الملاك المتحقّق في مخالفة العلم التفصيلي موجود هنا بعينه»(7).

أقول: لنا في قبال هذا الوجه أو هذه الوجوه نقض وحلّ:

أمّا النقض: فهو بالشبهات غير المحصورة، اللّهمّ إلاّ أن يقال بعدم لزوم المخالفة القطعيّة فيها لعدم إمكان إرتكاب المكلّف جميع الأطراف عادةً ولو تدريجاً.

وكذلك النقض بالشبهات البدوية لأنّه وإن كان الموجود فيها احتمال الإصابة إلى الواقع لكن لا إشكال في استلزامه احتمال التناقض، واحتمال اجتماع النقيضين محال كالعلم به، وهذا هو الشبهة المعروفة لابن قبّة التي تصدّى الأعلام للجواب عنها باسقاط أحد الحكمين عن الفعلية وإرجاعه إلى مرحلة الإنشاء، وبهذا ذهبوا إلى أنّ العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة والشبهات البدوية يكون مقتضياً للتنجّز، ونحن نقول: كما يمكن اسقاط أحد الحكمين في هذين الموردين عن الفعليّة والقول باقتضاء العلم الإجمالي للتنجّز، كذلك يمكن في المقام أيضاً اسقاط الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال عن الفعليّة وبذلك يرتفع إشكال التناقض، (وقد عرفت أنّ التناقض كما لا يجوز قطعاً لا يجوز احتمالا).

وعلى هذا فلا يمكن إثبات حرمة المخالفة القطعيّة من ناحية لزوم التناقض كما صرّح به في كلمات المحقّق النائيني(رحمه الله) والقول بأنّ العلم الإجمالي علّة تامّة للتنجّز كما هو ظاهر بعض كلمات الأعلام الأربعة المزبورة أو صريحها، بل للعلم الإجمالي ليس أكثر من الاقتضاء، فعلينا الفحص عن وجود المانع في الأدلّة النقلية، فإن ظفرنا على رواية مرخّصة تمنع عن نفوذ المقتضي فهو، وإلاّ تنجّز العلم الإجمالي لوجود المقتضي وفقدان المانع.

فنقول: هيهنا روايات عديدة يمكن أن يستدلّ بها على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي:

أحدها: ما رواه عبدالله بن سليمان قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الجبن فقال لي: «... ساُخبرك عن الجبن وغيره، كلّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه»(8).

فهى تدلّ على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي بناءً على أنّ الظاهر من قوله «بعينه»

العلم التفصيلي والمعرفة التفصيليّة، كما لا إشكال فيها من ناحية السند إلى عبدالله بن سنان، وأمّا عبدالله بن سليمان فهو مردّد بين خمسة أفراد: الصيرفي والعامري والعبسي والنخعي وعبدالله بن سليمان من دون لقب، وكلّهم مجاهيل لكن يمكن تصحيح الرواية من ناحية السند من باب أنّ نفس المضمون الوارد فيها نقل عن عبدالله بن سنان(9) من دون وساطة عبدالله بن سليمان وقد نقلها بهذا النحو الصدوق وابن إدريس في السرائر والشيخ الطوسي(رحمه الله)، في التهذيب.

ثانيها: ما رواه عبدالله بن سليمان أيضاً عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الجبن قال: «كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان فيه ميتة»(10).

بناءً على ظهور كلمة «فيه» في العلم التفصيلي.

ثالثها: ما رواه أبو الجارود قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأى إنّه يجعل فيه الميتة، فقال: «أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم في جميع الأرضين؟ إذا علمت أنّه ميتة فلا تأكله وإن لم تعلم فاشتر وبع وكل، والله إنّي لأعترض السوق فأشتري بها اللحم والسمن والجبن، والله ما أظنّ كلّهم يسمّون هذه البربر وهذه السودان»(11).

والإنصاف أنّ الضمير في كلمة «إنّه ميتة» أيضاً ظاهر في العلم التفصيلي.

رابعها: ما رواه معاوية بن عمّار عن رجل عن أصحابنا قال: «كنت عند أبي جعفر(عليه السلام)فسأله رجل عن الجبن فقال أبو جعفر(عليه السلام): «إنّه طعام يعجبني وساُخبرك عن الجبن وغيره، كلّ شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام فتدعه بعينه»(12).

وهى أظهر من الروايات السابقة في العلم التفصيلي فإنّ قوله «بعينه» قيد للضمير في «تدعه» فلا يمكن حمله على تأكيد العلم كما قد يقال في الرواية الاُولى.

خامسها: ما رواه الحلبي قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: «إذا اختلط الذكي بالميّت باعه ممّن يستحلّ الميتة وأكل ثمنه»(13). ودلالته ظاهرة من جهة إجازة بيع كليهما.

سادسهما: ما رواه الحلبي أيضاً عن أبي عبدالله(عليه السلام): إنّه سئل عن رجل كان له غنم وبقر فكان يدرك الذكي منها فيعزله ويعزل الميتة ثمّ إنّ الميتة والذكي اختلطا كيف يصنع به؟ قال: «يبيعه ممّن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه فإنّه لا بأس به»(14).

سابعها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن الدقيق يقع فيه خرؤ الفأر هل يصلح أكله إذا عجن مع الدقيق؟ قال: «إذا لم تعرفه فلا بأس وإن عرفته فلتطرحه»(15).

هذه روايات يمكن أن يستدلّ بها على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي وعدم حرمة المخالفة القطعيّة.

لكن الإنصاف إمكان المناقشة في الجميع من ناحية الدلالة.

أمّا روايات الجبن فلا يبعد القول بأنها خارجة عن المقام لأنّ موردها الشبهة غير المحصورة أو الشبهة البدوية وفرض الشبهة المحصورة خارجة عنها كما لا يخفى.

وأمّا روايات اختلاط الميتة بالمذكّى فمدلولها (وهو جواز بيع الميتة المعلومة بالإجمال ممّن يستحلّها) بناءً على عدم كونه معرضاً عنه للأصحاب وإمكان الإفتاء على طبقه كما أفتى به بعض الأعاظم ـ أخصّ من المدّعى، وهى الترخيص في الشبهات المحصورة مطلقاً، فلا يمكن التعدّي عن موردها إلى سائر الموارد لاحتمال الخصوصيّة، فلا يصحّ قياس غيرها عليها بل يمكن أن يقال: هى على خلاف المطلوب أدلّ لأنّ تقييد الجواز بمن يستحلّ دليل على عدم الجواز في غيره.

نعم، إنّه ينافي مقالة القائلين كون العلم الإجمالي علّة تامّة وإنّ الترخيص يستلزم التناقض فإنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كما أنّهم مكلّفون بالاُصول.

وأمّا الرواية الأخيرة (وهى رواية خرؤ الفأر) فهى مخدوشة سنداً ودلالة: أمّا السند فلمكان قرب الإسناد، وأمّا الدلالة فلاحتمال خصوصية في موردها وهى استهلاك الخرؤ في الدقيق، مضافاً إلى أنّ الرواية معرض عنها ظاهراً.

هذا مضافاً إلى تعارض هذه الروايات مع ما سيأتي في المقام الثاني من الروايات الدالّة على حرمة المخالفة الاحتماليّة فضلا عن المخالفة القطعيّة.

هذا كلّه في المقام الأوّل.

أمّا الجهة الثانية: وهى حرمة المخالفة الاحتماليّة (وجوب الموافقة القطعيّة) فالحقّ فيها أيضاً ثبوت الحرمة، أي وجوب الاجتناب عن جميع أطراف الشبهة بنفس القاعدة العقليّة التي مرّ ذكرها في المقام الأوّل وهى كون المقتضي موجوداً والمانع مفقوداً، أمّا وجود المقتضي فلشمول أدلّة تحريم المحرّمات للمعلوم إجمالا، وأمّا عدم المانع فلأنّ الموضوع في أدلّة البراءة من حديث الرفع وغيره الشكّ وعدم العلم، وهو مفقود في ما نحن فيه لأنّ العلم أعمّ من العلم التفصيلي والعلم الإجمالي، وكذلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان لأنّ موضوعها وهو عدم البيان مفقود هنا أيضاً لأنّ العلم الإجمالي بيان كالعلم التفصيلي، وإن أبيت إلاّ عن شمول أدلّة البراءة والحلّية لكلّ واحد منها فلا أقلّ من تساقطهما بالتعارض.

هذا هو مقتضى القاعدة الأوّلية.

أمّا الروايات الخاصّة الواردة في المسألة فهى على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما تدلّ على وجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي بشكل كلّي من غير تقييد بموضوع خاصّ.

منها: ما مرّ عند ذكر أدلّة الأخباري ممّا ورد في ذيل حديث التثليث المعروف: «فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الإقتحام في الهلكات»(16).

ومنها قوله(صلى الله عليه وآله): «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»(17).

ومنها: قوله «ما اجتمع الحرام والحلال إلاّ غلب الحرام الحلال»(18).

ومنها: قوله: «اتركوا ما لا بأس به حذراً عمّا به البأس»(19) ولا إشكال في أنّ موردها أو القدر المتيقّن منها أطراف العلم الإجمالي.

الطائفة الثانية ما وردت في موارد خاصّة:

منها: ما مرّ سابقاً روايات(20) القرعة في الغنم الموطوءة، حيث إنّ الأمر بالقرعة مع عدم حرمة المخالفة الاحتماليّة ممّا لا وجه له.

إن قلت: فلماذا أجاز الشارع إرتكاب الجميع بعد إخراج ما أصابته القرعة؟

قلنا: الجواب عنه واضح، فإنّ القرعة بمنزلة الأمارة كما يستفاد من أدلّتها فإذا إمتاز الحرام في البين بالأمارة جاز إرتكاب الباقي.

منها: ما مرّ آنفاً من روايات اختلاط الميتة بالمذكّى، لتقييد جواز البيع فيها بمن يستحلّ كما ذكرنا.

لكن يرد على هذه الطائفة إنّها خارجة عن محلّ النزاع لأنّ محلّ النزاع صورة عدم جريان الاُصول الناهية في أطراف العلم الإجمالي وإلاّ لا إشكال في حرمة المخالفة الاحتماليّة حتّى عند القائلين بالجواز لمكان الأصل، ولا إشكال في جريان استصحاب عدم التذكية في مورد اختلاط الميتة بالمذكّى في جميع الأطراف، وكذلك في الغنم الموطوءة بناءً على حجّية الاستصحاب التعليقي (حيث إنّ استصحاب عدم التذكية معلّق على وقوع الذبح خارجاً)، لعدم لزوم المخالفة القطعيّة العلميّة حينئذ لأنّ غاية ما يترتّب على جريان الاستصحاب إنّما هو ترك جميع الأطراف وهو مخالفة قطعيّة ولا إشكال في عدم مانعيتها عن جريان الاُصول.

الطائفة الثالثة: ما وردت في باب النجاسات وتدلّ على لزوم الاجتناب عن أطراف النجاسة المعلومة بالإجمال:

منها: ما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام) ... وقال: «في المني يصيب الثوب، قال:

«إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفى عليك فاغسله كلّه»(21).

ومنها: ما رواه عنبسة بن مصعب قال: سألت أباعبدالله(عليه السلام) عن المني يصيب الثوب فلا يدري أين مكانه قال: «يغسله كلّه»(22).

ومنها: ما رواه زرارة قال: قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني (إلى أن قلت): فإنّي قد عمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال: «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى إنّه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك»(23).

لكن يرد على هذه الطائفة أيضاً أنّ وجوب غسل الثوب إنّما هو لأجل الصّلاة، ومن المعلوم أنّ تمام الثوب موضوع واحد بالنسبة إليها، له حالة سابقة متيقّنة وهى النجاسة، ومعها لا تجوز الصّلاة فيه إلاّ أن يعلم بطهارته.

الطائفة الرابعة: روايات إهراق الإنائين المعلومة نجاسة أحدهما:

منها: ما رواه سماعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل معه إناءان، وقع في أحدهما قذر، ولا يرى أيّهما هو، وليس يقدر على ماء غيرهما، قال: «يهريقهما ويتيمّم»(24).

ومثله حديث عمّار الساباطي عن أبي عبدالله(عليه السلام) ولا إشكال في دلالة هذه الطائفة على المقصود لعدم جريان الاُصول الناهية في موردها.

فظهر من جميع ما ذكر أنّ مقتضى القاعدة والروايات العامّة وكذلك مقتضى بعض الروايات الخاصّة حرمة المخالفة القطعيّة والاحتماليّة معاً، نعم إنّ موردها الشبهات التحريميّة، ولكن يستفاد منها حرمة المخالفة في الشبهات الوجوبيّة أيضاً بالغاء الخصوصيّة.

 __________________________________________
 

1. تعليقته على الرسائل: ص21.

2. اعلم أنّ مراتب الحكم على ما ذكروه أربع (كما مرّ سابقاً): مرتبة الاقتضاء، ومرتبة وجوب المصالح والمفاسد، ومرتبة الإنشاء، ومرتبة الفعليّة أي البعث والزجر، والفرق بين الأخيرة وبين ما قبلها يظهر من الفرق بين الأحكام التي نزلت على النبي(صلى الله عليه وآله) ولم يؤمر بإبلاغها فإنّها إنشائيّة غير فعليّة، والمرحلة الأخيرة هى مرحلة التنجّز وهى ما إذا اجتمعت الشرائط في المكلّف من العقل والقدرة وغيرهما وانتفت الموانع كالضرورة وغيرها، والحقّ كما ذكرنا في محلّه كون الحكم ذات مرتبتين فقط لأنّ المصالح والمفاسد اُمور خارجيّة لا أحكام اعتباريّة، ومرحلة التنجّز والفعليّة كلتاهما داخلتان تحت عنوان واحد، وتمام الكلام في محلّه.

3. وسائل الشيعة: ج 11، أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، الباب 31، ح 1.

4. تهذيب الاُصول: ج 2، ص 248، طبع جماعة المدرّسين

5. راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 10 ـ 24، طبع جماعة المدرّسين.

6. نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 305 ـ 306.

7. درر الفوائد: ج 2، ص 457، طبع جماعة المدرّسين.

8. وسائل الشيعة: الباب 61، من أبواب الأطعمة المباحة، ح 1.

9. وسائل الشيعة: الباب 64، من أبواب الأطعمة والأشربة، ح 2.

10. المصدر السابق: الباب 61، من أبواب الأطعمة المباحة، ح 2.

11. المصدر الساق: ح 5.

12. المصدر السابق: ح 7.

13. وسائل الشيعة: الباب 36، من أبواب الأطعمة والأشربة، ح 1.

14. المصدر السابق: ح 2.

15. المصدر السابق: ح 3.

16. وسائل الشيعة: الباب 12، من أبواب صفات القاضي، ح 9.

17. المصدر السابق: الباب 12، من أبواب صفات القاضي، ح 56.

18. عوالي اللئالي: ج 2، ص 132، طبعة مطبعة سيّد الشهداء.

19. فرائد الاُصول: ص 414، طبعة جماعة المدرّسين، ولم نظفر بها بهذا التعبير في الجوامع الروائية، نعم في بحار الأنوار: ج70، ص296، ذيل آية التقوى (البراءة / 109) عن مصباح الشريعة عن الإمام الصادق(عليه السلام): وتفسير التقوى ترك ما ليس بأخذه بأس حذراً عمّا به بأس.

20. وسائل الشيعة: راجع باب 30 تحريم لحم البهيمة التي ينكحها الآدمي من كتاب الأطعمة والأشربة.

21. وسائل الشيعة: الباب 16، من أبواب النجاسات، ح 1.

22. المصدر السالق: ح 3.

32. المصدر السابق: الباب 7، من أبواب النجاسات، ح 4.

24. المصدر السابق: الباب 12، من أبواب الماء المطلق، ح 1.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.