أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2016
1217
التاريخ: 9-8-2016
380
التاريخ: 1-9-2016
792
التاريخ: 9-8-2016
452
|
الكلام في هذا البحث في ثلاثة جوانب :
الأول : في تأثر الفكر الأصولي بالفلسفة .
الثاني : في عوامل التأثر.
الثالث : في آثار هذا التأثر.
الجانب الأول :
لا إشكال في تأثر الفكر الأصولي بالمفاهيم الفلسفية واختلاط مصطلحاته بالمصطلحات الفلسفية عند الشيعة والسنة كما يلاحظ في الكتب الأصولية بصفة عامة، وقد تنبه لذلك السيد المرتضى (ره) فقال في الذريعة : « قد وجدت بعض من أفرد في الأصول كتاباً قد تشرد عن أصول الفقه وأسلوبها وتخطاها كثيراً، فتكلم على حد العلم والنظر وكيف يولد النظر العلم ووجوب المسبب عن السبب الى غير ذلك من الكلام الذي هو محض خالص لأصول الدين دون اصول الفقه(1).
الجانب الثاني :
عوامل التأثر المذكور وهي متعددة :
1 - وجود مجموعة كبيرة من علماء الفلسفة وعلم الكلام في عداد علماء الأصول كالسيد المرتضى والشيخ الطوسي والعلامة الحلي وأمثالهم ، فهؤلاء مع كونهم من رواد علم الأصول فهم في نفس الوقت من المتكلمين الماهرين في علم الكلام ، وهذا عامل فعال في اختلاط المفاهيم والمصطلحات .
2 - الحاجة للمصطلحات الفلسفية وبيان ذلك في مقدمتين :
أ - إن اللغة العربية لم تكن لغة قانونية فهي رغم كثرة مفرداتها وتعدد أساليب التعبير والتجوز فيها الا أنها لا تضم بين طياتها مفردات قانونية دقيقة ، وذلك بسبب عدم معاصرتها لكيان حضاري مهم في عهد الجاهلية، ومن هنا حينما أراد الشرع المقدس إيصال الأفكار القانونية كالوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والطهارة والنجاسة والحقوق كحق الرهانة والغرامة والجناية لأذهان المسلمين استخدم اللغة المولوية ، وهي لغة الأمر والنهي والوعد والوعيد، إذ لا يمكن طرح هذه المفاهيم بحدودها الدقيقة لعدم وجود مفردات قانونية في اللغة العربية تعبر عنها تعبيراً واضحاً، وقد تعرضنا لهذا البحث في مبحث علل اختلاف الحديث ودور اللغة في ذلك الاختلاف ، وذكرنا أن القرآن والحديث قد يعبر عن القانون التكليفي والقانون الوضعي بصيغة واحدة مثلاً يقول القرآن : {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وهو حكم مولوي ، ويقول : {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وهو حكم وضعي ، أي شرطية العدة في الطلاق ، فهذا الاشتراك في الصيغة سبب من أسباب اختلاف الحديث ومنشأه فقر اللغة العربية من المصطلحات القانونية .
ب - إن الأصوليين عندما بحثوا حول قواعد الاستنباط وأرادوا وضع المصطلحات فيها وجدوا أن اللغة العربية فقيرة من المفردات الصريحة الوافية بتحديد المعنى الأصولي القانوني تحديداً دقيقاً ، فاستخدموا المصطلحات الفلسفية المترجمة الى اللغة العربية للتعبيرعن ذلك ، فمثلاً يعبرون عن الارتباط بين الحكم التكليفي وموضوعه بالشرط فيقولون الزوال شرط لوجوب الصلاة، ويعبرون عن الارتباط بين الحكم الوضعي وموضوعه بالسبب فيقولون الغسل سبب للطهارة، مع أنه لا توجد سببيبة وعلية واقعية بين الحكم وموضوعه بل الموجود هو الارتباط الجعلي لا الواقعي ، وهذا عامل يؤثر في فهم الفكر الأصولي واستيعابه لبقاء رواسب الفكر الفلسفي في نفس هذه المصطلحات مما يؤدي لاختلاط الافكار كما سيأتي البرهنة عليه .
العامل الثالث : ترجمة الفلسفة : حينما دخل علم الفلسفة أوساط المجتمع العربي احتاج علماء العرب لترجمة الأفكار الفلسفية وانتخاب الفاظ عربية للتعبير عنها، سواءاً على مستوى المركبات أم على مستوى المفردات ، فمثلاً بالنسبة للمركبات نرى أن الجملة الاسنادية نحو زيد قائم يختلف تصورها في الارتكاز العربي عن تصورها في الارتكاز الفارسي أو اليوناني ، فالجملة في العرف العربي تعبر عن هو هوية واتحاد بين وجودين ، وجود زيد ووجود القيام من دون أن تشم رائحة الغيرية والاثنينية بينهما، بينما مفهوم هذه الجملة في العرف الفارسي واليوناني يعني ثبوت شيء لشيء آخر فهو يحافظ على الغيرية والاثنينية بين الطرفين ، ولذلك يحتاج لوجود الرابط بينهما كلفظ - است - في الفارسية و - أستين - في اليونانية ، وحيث إن الفكر المنطقي بدأ على يد اليونانيين لذلك أصبح التصور المنطقي للقضية وهي الجملة الخبرية موافقاً للعرف اليوناني ، وحينما ترجم علم المنطق إلى العربية ترجم هذا التصور أيضاً لكن لما لم يوجد في اللغة العربية ثلاثة أطراف - موضوع ومحمول ورابط - لأن العرف العربي لا يرى القضية بمعنى ثبوت شيء لشيء بل بمعنى اتحاد الوجودين فلا تحتاج لوجود رابط بحسب ارتكازه ، استعار العلماء لفظ - هو- للتعبير عن الرابط محافظة على التصور المنطقي المتأثر بالعرف اليوناني ، فقالوا : القضية ثلاثية الأطراف نحو زيد هو قائم . وأما مثال المفردات فهو لفظ العلم والظن والشك ، فلفظ العلم في اللغة العربية يعني البصيرة والوضوح لكن في مقام ترجمة الفلسفة تحول مدلوله للاعتقاد الجازم ، واصبح الأصوليون والفقهاء يحملون النصوص المتضمنة للفظ العلم على هذا المعنى مع أنه اصطلاح حادث .
كذلك لفظ الظن فهو في اللغة العربية والقرآن الكريم بمعنى الاعتقاد الذي لا يستند لدليل لكنه تحول لمعنى الاعتقاد الراجح عند ترجمة الفلسفة اليونانية، ولفظ الشك يعني مقابل اليقين لكن معناه الشائع الآن هو تساوي الاحتمالين .
والحاصل أن بعض المفردات والمركبات اللغوية اكتسبت مدلولاً جديداً عند دخول الفلسفة إلى اللغة العربية ، واعتمد الأصوليون عند استعمال هذه المفردات على مدلولاتها الفلسفية لا على مدلولاتها اللغوية، وهذا مما يؤدي إلى اختلاط المعاني عند استنطاق النصوص والروايات .
الجانب الثالث :
نتائج التأثر الفلسفي :
من أهم نتائج تأثر الأصول بالفلسفة وقوع الخلط بين القوانين التكوينية والاعتبارية وأمثلتنا على ذلك كثيرة، منها :
أ - القول بامتناع الشرط المتأخر لاستحالة تقدم المعلول على علته زماناً مع أن الشرط المتأخر من الاعتباريات لا من التكوينيات .
ب - استحالة القول بالكشف الانقلابي في الإجازة المتأخرة عن البيع الفضولي ، حيث ذهب بعض العلماء للقول بالنقل وذهب بعضهم للقول بالكشف الحقيقي وبعضهم للقول بالكشف الحكمي وذهب البعض الآخر وهو مسلكنا أيضاً - للقول بالكشف الانقلابي ، بمعنى الالتزام بملكية المالك للمبيع واقعاً إلى حين الاجازة وبحصولها ينكشف حصول الملك للمشتري منذ البيع، وبذلك يحصل انقلاب في الملكية ما بين زمان البيع وزمان الاجازة ولهذا عبر عنه بالكشف الانقلابي ، فالقائلون باستحالته يستندون لقاعدة استحالة انقلاب الشيء عما وقع عليه مع أنها قاعدة تكوينية فكيف تجري في الاعتبارات .
ج - القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي وامتناع اجتماع الحكم الواقعي والظاهري لاستحالة اجتماع الضدين والمثلين ، مع أنه لا تضاد في الاعتباريات بما هي .
د - قول المحقق النائيني (قدس سره) بمتمم الجعل المفيد فائدة الإطلاق أو التقييد ، وذلك في مورد كون القيد للحكم من التقسيمات اللاحقة له لا السابقة كقصد الامتثال بالنسبة للأمر، فهنا لا يصح كون الجعل مقيداً بقصد الامتثال لتأخره عنه رتبة ولا كونه مطلقاً بالنسبة له لأنه إذا استحال التقييد استحال الاطلاق لتقابلهما تقابل الملكة والعدم ، وحيث أن الإهمال في الواقعيات مستحيل فلابد من كون الجعل مقيداً أو مطلقاً ، ولكن حيث لا يمكن الاطلاق والتقييد في الجعل الأول في مقام الاثبات نحتاج لمتمم الجعل المفيد فائدة الاطلاق أو التقييد ، وهذا القول كما ترى مبني على قانون استحالة الاهمال في الواقعيات مع أنه قانون تكويني لا يجري في الاعتبارات .
هـ - انكار المحقق النراقي بيع الكلي في الذمة كبيع صاع من الحنطة في الذمة مستنداً لاستحالة تحقق العرض بدون المعروض ، وحيث ان الملكية في المقام عرض موجود فكيف تتقوم بأمر معدوم وهو الكلي في الذمة ، وهذا من باب اسراء التكوينيات للاعتبارات .
و- الاعتراض على مسلكنا القائل بمتمم الجعل التطبيقي الذي طرحناه في بحث الحقيقة الشرعية وبحث الصحيح والأعم ، ومفاده أن الشرع الشريف كما قام باختراع بعض الماهيات الاعتبارية كالصلاة مثلاً قام بالتدخل الاعتباري في مقام التطبيق أيضاً ، فالصلاة التي هي عبارة عن اللين الخضوعي أمام الخالق لا تنطبق قهراً على صلاة الحضر والسفر وصلاة الغريق وإنما الشارع قام بتطبيقها على هذه الافراد، وقد اعترض على هذا المسلك بان انطباق الكلي على فرده انطباق قهري لا وجه لتدخل الجعل فيه ، مع أن لا بدية انطباق الكلي على فرد قهراً أو على الجزء التحليلي للفرد كما هو الصحيح قانون تكويني لا يجري في الاعتباريات ، فأي مانع من تدخل المقنن في تطبيق الماهية الاعتبارية كالميتة والمذكى والدينار على أفرادها ، وهذا ما يسمى بمتمم الجعل التطبيقي فيكون الاعتبار متدخلاً في أصل جعل الماهية وفي تطبيقها أيضاً .
ز - الاعتراض على عدم حجية الأصل المثبت بان ذلك مستلزم للتفكيك بين اللوازم والملزوم والانفكاك بين الشيء ولوازمه مستحيل ، مع أن هذا قانون تكويني لا وجه لتسريته للاعتباريات، والحاصل أن دخول الفلسفة في علم الأصول أدى لمثل هذه الاشتباهات ، مع أن قوانين الفلسفة قوانين تكوينية لا تمتد للاعتباريات التي هي فرضيات مخترعة للتأثيرعلى سلوك الأخرين ، فهي أمور لا تختلف فيها الأنظار وإنما تختلف باختلاف الأنظار وتتطور بتطور المجتمعات كما نرى في عصرنا هذا من توسع المعاملات البنكية والتجارية وكثرتها ، بحيث يكون من الخطأ عند الفقيه أن يقوم بمحاولة ارجاع المعاملات الجديدة للمعاملات الشائعة في زمان النصوص ، فإنه لا موجب لذلك بل هي معاملات جديدة تندرج تحت عمومات الصحة ما لم تتعارض مع كتاب الله والسنة ، بلا حاجة لإرجاعها لعناوين المعاملات القديمة كالبيع والاجارة والصلح والشركة ونحوها ، بل نقول بانها معاملات اعتبارية جديدة فإن التطور الاقتصادي للبشرية يدفعها لتأسيس معاملات جديدة بقدر حاجتها إليها، والقانون العام في باب المعاملات هو عمومات الحل والصحة ما لم تعارض الكتاب والسنة .
_________________________________
(1) الذريعة 1 : 3.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|