أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-10-2014
1310
التاريخ: 5-4-2018
959
التاريخ: 5-08-2015
920
التاريخ: 2-07-2015
927
|
في إثبات أصل علمه تعالى ونستخدم له وجوهاً من الدلائل :
الأَوّل : إنّ العلم له ممكن وما أمكن في حقه واجب له ...
الثاني : إنّ العلم الإمكاني موجود ولابدّ من استناده إلى العلم الواجب ؛ بداهة عدم حصول العلم من غير العلم ، فإذا كان ما بالغير هو العلم ، فلابدّ وأن يكون ما به الغير أيضاً هو العلم ، ومعلوم أنّ العلم الواجب ليس إلاّ للذات الواجبة .
الثالث : إنّ الممكنات مستندة إليه حدوثاً وبقاءً كما مرّ ، ومن الضروري أنّ المفيض المختار لا يكون إلاّ عالماً بفعله وفيضه { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
الرابع : إنّا ندرك أنّ جملةً من الأشياء الموجودة على كمال الإتقان والإحكام ، ففاعلها عالم ؛ بداهة عدم صدور هذه المحكمات العجيبة عن الجاهل ، وهذا الوجه قوي جداً ، فإنّ الصغرى حسية والكبرى ضرورية ، فإنّا نذعن ـ بأوّل إلتفات ـ بأنّ الجاهل البَدوي لا يتمكّن من التدريس في الجوامع العلمية ، وأنّ البِناء العالي لا يتكوّن من التُرب المثارة بالأهوية .
فالواجب الصانع لمّا فعل أفعالاً محكمة متقنة ، نذعن إذعاناً اضطرارياً بأنّه عالم .
وهم ودفع :
نوقش في البرهان الثالث بصدور الفعل القليل عن النائم والغافل ، مع أنّهما قادرين عند المعتزلة وكثير من الأشاعرة ؛ إذ لو جاز ذلك لجاز صدور الكثير أيضاً ، فإنّ حكم الشيء حكم مثله ، ومن الظاهر أنّهما غير عالمينِ ، فالإيجاد لا يدل على العلم .
أقول : ويتوجه عليه :
أوّلاً : إنّ معنى المختار مَن له الفعل والترك ، ويرجّح أحدهما على الآخر ، ومن الظاهر أنّ النائم والساهي ليسا بهذا الشأن ، وليس لهما ترجيح لأحد الطرفين على الآخر ، بل يصدر الفعل عنهما بلا رَوية .
وثانياً : منع عدم الفرق بين الفعل القليل والكثير ، فإنّ القليل وإن كان ممكن الصدور من الفاعل غير العالم ، لكن الكثير غير ممكن بالضرورة ، ولا أظنّ أن يعدّ هذا سرّاً على عاقل ، وأمّا ما ذكره المدقّق اللاهيجي (1) ـ من منع استدعاء صدور الفعل الاختياري العلم بالمقصود ، مستنداً فيه إلى صدوره عن الحيوانات العجم مع خلوها عن العلم ، وقال: وادّعاء الضرورة فيه لا يخلو عن إشكال ؛ لمكان فعل النائم والساهي ، ولا فرق بين القليل والكثير في ذلك ؛ إذ لو امتنع صدور الكثير بلا علم ، امتنع صدور الواحد ؛ لامتناع تحقّق المشروط بدون تحقّق الشرط . انتهى ـ فهو ليس إلاّ وسوسة علمية لا طائل تحتها ، فإنّ إنكاره علم الحيوانات بلا دليل ، بل هي تعلم ما يصدر عنها بعلم خاصّ أودعه الله في نفوسها ، ومنع الضرورة غير مسموع ، وليس مجرّد الفعل دالاً على العلم حتى يمنع من صدور القليل بلا علم ، بل المشرط به هو الفعل الكثير ، وهما ـ أي القليل والكثير ـ كما يختلفان في جملة من الأحكام ، فليكونا كذلك في المقام ، وبالجملة هذا تشكيك في قبال الضرورة .
ثمّ إنّ الفاضل المقداد (2) لم يعتمد في إثبات الكبرى على الضرورة ، بل برهن عليها بأنّ فعل المختار تابع لقصده ، ويستحيل قصد شيء من دون العلم به .
أقول : القصد إمّا أن يراد به الصفة النفسانية فهي محال عليه تعالى ، أو تعلّل أفعاله بالأغراض فالبيان مصادرة ؛ ضرورة توقّف هذا على علمه كما يأتي في محلّه إن شاء الله، أو الإرادة فالدليل عين المدّعى ؛ لأنّها عنده هي علمه بالأنفع ، وهل الكلام إلاّ فيه ؟ فالصحيح ما ذكرنا من دعوى الضرورة عليها كما هو الظاهر من جماعة .
ونوقش في البرهان الرابع ، بما يصدر عن الحيوانات العجم من الأفعال المحكمة والمتقنة، ولا سيما بعد ما أثبتته العلوم الحديثة ، وبالأخصّ ما تفعله النحل والنمل والعنكبوت وأمثالها .
أقول : وجوابه ما تقدّم من إثبات العلم لها دائماً ، أو بإلهام منه تعالى حين صدور هذه الأفعال ، قال الله تعالى : {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ...} [النحل: 68] وقال أيضاً حاكياً عن نملة : {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] . فقد حذّرت قومها من عدم شعور الإنسان ، والهدهد علّم سليمان وأخبره عن ملكة اليمن ، وبالجملة : الكتاب والسُنة والعلم الحديث تدلّ على علم الحيوانات وشعورها ، فالبرهان غير منتقض .
بقي شيء يجب بيانه ، وهو أنّ التفتازاني ذكر في محكي كلامه (3) ، أنّ المحقّقين من المتكلّمين على أنّ طريقة القدرة والاختيار ، أوكد وأوثق من طريقة الإتقان والأحكام ؛ لأنّ عليها سؤالاً صعباً ، وهو أنّه لِمَ لا يجوز أن يوجب الباري تعالى موجوداً يستند إليه تلك الأفعال المتقنة المحكمة ، ويكون له العلم والقدرة ؟ ودفعه بأنّ إيجاد مثل ذلك الموجود وإيجاد العلم والقدرة فيه ، يكون أيضاً فعلاً محكماً بل أحكم فيكون فاعله عالماً ، لا يتم إلاّ ببيان أنّه قادر مختار ؛ إذ الإيجاب بالذات من غير قصد لا يدلّ على العلم ، فيرجع طريق الإتقان إلى طريق القدرة ، مع أنّه كافٍ في إثبات المطلوب . انتهى .
قلت : صدور الممكن العالم الفاعل لهذه المتقنات المحكمات من العلة الموجبة العديمة الشعور غير معقول ، فإنّه يرجع إلى صدور العلم عن الجاهل كما يدّعيه الماديون ، وقد نبّهنا سابقاً على استحالته بالضرورة العقلية ، فهذه الشبهة سخيفة جداً ، بل هذا البرهان أوثق وأوكد ، وإن كانت طريقة الاختيار أعمّ مدلولاً .
الخامس : إنّ الجهل نقص ، والنقص عليه محال .
أقول : إن فرضنا الكبرى ضرورية أو فطرية أي متسالمة عند جميع العقلاء ، كما قد يظهر ذلك من بعضهم فهو ، وإلاّ فالمدّعى أسهل إثباتاً من الكبرى ...
السادس : إخباره عن المغيّبات الآتية كما في الكتاب العزيز ، وكذا إخبار أنبيائه وأوليائه بها ، فإنّه يدل على علمه دلالةً واضحة .
السابع : إنّ الله عالم بذاته ، فإنّه خلق العالمينَ بذواتهم ، فهو أيضاً عالم بذاته ؛ لأنّ معطي الكمال لا يكون فاقده ، أو أنّه مجرّد ، وكل مجرّد عاقل بذاته ، وذاته عين العلّة لكل شيء ، وقد تقرّر أنّ العلم بالعلّة ـ أي بجميع جهاتها واعتباراتها اللازمة لها ، وإن شئت فقل : أي بالجهة المقتضية للمسبّب سواء كانت عين ذات العلة أو زائدةً ، ولا شك أنّها عين حيثية ترتّب المسبّب على السبب ؛ إذ التخلّف عن السبب التام محال ـ عين العلم بالمعلول ، كما صرّح به السبزواري (4) ، أو يقتضي العلم به ، أو يستلزمه كما في تعابير الآخرين .
أقول : قد أشرنا غير مرّة أنّ فاعليته تعالى لأجل الأغراض الزائدة على ذاته تعالى ، وإلاّ كان فعله لغواً ، فعلمه بذاته لا يدلّ على علمه بغيره ، فافهم جيداً .
نعم علمه بذاته وبتلك المصالح يدلّ على علمه بمعاليله ، إلاّ أنّ الكلام في علمه بهذه المصالح المذكورة فالبيان مصادرة . وبالجملة هذه القاعدة لو تمّت لاختصت بالعلل الموجبة التي تأثيرها بمجرّد ذواتها ، فتدبّر .
الثامن : إنّ الضرورة الدينية ، واتّفاق أهل المِلل والنِحل ، والقرآن المجيد ، والسُنة المتواترة، كلها تدلّ على علمه تعالى .
أقول : النبوة موقوفة على علمه ثبوتاً وإثباتاً ، فالتمسّك بهذا الوجه دوري .
لا يقال : القرآن لكونه معجزاً ليس من كلام البشر ، بل هو من كلام الله سبحانه ، فإذا ثبت وجوده تعالى يخبر هو عن علمه ، فلا يلزم الدور ...
حينئذٍ قلت : المحقَّق هو أنّ القرآن بمجموعه وتمامه ، ليس من إنشاء البشر ، وأمّا أنّ جميعه ليس منهم فهو غير ثابت عقلاً ؛ إذ لا شك في إمكان المماثلة ببعض الآيات ، وحينئذٍ يحتمل أنّ الآيات الدالة على علمه تعالى صادرة عن الذي جاء بالقرآن ، فما لم يثبت نبوّته وعصمته لم يتمّ حجّية القرآن ، فالتمسك بالنقل في إثبات أصل علمه وقدرته غير صحيح .
وما قيل (5) من أنّه إذا ثبت صدق الرسل بالمعجزات ، حصل العلم بكلّ ما أخبروا به ، وإن لم يخطر بالبال كون المرسِل عالماً ، ففيه : أنّ دلالة المعجزة على صدق الرسل، تتوقّف لا محالة على أن يكون المرسِل عالماً قادراً ، فإنّ طلب المعجزة ليس إلاّ طلب تصديق المرسِل من المرسَل ، فلابدّ من كونه عالماً بالطلب وقادراً على التصديق .
__________________
(1) الشوارق 2 / 222.
(2) شرح الباب الحادي عشر / 14.
(3) الشوارق 2 / 222.
(4) شرح المنظومة / 159.
(5) الشوارق 2 / 222 نقله عن بعضهم .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|