أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-9-2016
1072
التاريخ: 19-7-2020
1856
التاريخ: 5-9-2016
1827
التاريخ: 6-9-2016
917
|
اعلم أنّ للقياس تقسيمات باعتبارات في كتب القوم ، وبعضها يرد على أقسام بعض آخر ، فيدخل بعض الأقسام تحت بعض الأقسام الأخر. وربّما بقي تقسيم لم يرد على أقسام باقي التقسيمات ، فيبقى بعض الأقسام غير داخل تحت بعض الأقسام الأخر ، ولا مدخول عليه. وربّما اشتبه بعض الأقسام بغيره ولم يكن هو. وربّما كان بعضها عين بعض آخر عند التأمّل. وقد يرى المخالفة بينهم في تفسير بعضها ولا يعلم الصواب.
وربما سمّوا بعض الأقسام المختلفة باسم واحد ولم يتعرّضوا للتبيين والتمييز (1).
وقد يصرّحون بأنّ هذا القسم ممّا أثبت حجّيّته العامّة والخاصّة كلاّ أو بعضا ، وذاك القسم ممّا تفرّد بإثبات حجّيّته العامّة ، فربّما اشتبه حينئذ على غير الماهر أنّ غيرهما من الأقسام ـ كلاّ أو بعضا ـ هل يدخل في هذا أو ذاك ، أو لا يدخل في شيء منهما؟
وربّما كان ترتيب بحثهم على ما لا ينبغي ، واستدلالهم غير معلوم المحلّ ، فجاء بحث القياس في مصنّفاتهم مختلّ النظام ، غير مضبوطة الأقسام (2).
فلتفصيل ما أجملوه وتبيين ما أهملوه لا بدّ لنا أوّلا من ضبط التقاسيم ، وحصر الأقسام وتعريفها والإشارة الإجماليّة إلى أنّ أيّا من الأقسام يدخل تحت أيّ منها ، وأيّا منها يبقى غير داخل ، ولا مدخول عليه.
ثمّ تفصيل البحث عن كلّ واحد وما يتبعه. ثمّ الإشارة إلى أنّ الأقسام المعتبرة منها عند الفريقين في الجملة ما هي؟ وما تفرّد باعتباره المخالفون ماذا؟ وتحقيق الحقّ فيه.
ثمّ التذييل بما ينبغي من الشروط والافتراضات ، وغيرها على ما يقتضيه النظم الطبيعيّ في البحث.
فنقول : ينقسم القياس أوّلا إلى قياس طرد ، وهو ما يثبت فيه للفرع مثل حكم الأصل.
وإلى قياس عكس ، وهو ما يثبت فيه للفرع نقيض حكم الأصل.
وهذا شقّان :
والشقّ الأوّل ينقسم إلى قياس علّة ، وقياس دلالة ، وقياس في معنى الأصل.
وهذه ثلاثة أجناس :
[ الجنس ] الأوّل : ما صرّح فيه بجامع يكون هو العلّة للحكم ، كقياس النبيذ على الخمر بجامع الإسكار.
و[ الجنس ] الثاني : ما صرّح فيه بجامع لم يكن هو العلّة ، بل كان دليلها ، كقياس المكره على القتل على المكره عليه في وجوب القصاص بجامع الإثم ، وهو ليس علّة لوجوب القصاص ، بل يدلّ على أنّ قصد الشارع حفظ النفس الذي هو العلّة.
وكقياس النبيذ على الخمر في التحريم بجامع الرائحة الفائحة اللازمة للإسكار الذي هو العلّة.
وكقياس المسروق على المغصوب في وجوب الضمان بالتلف بجامع وجوب ردّه إذا كان باقيا ؛ فإنّ وجوب الردّ ليس علّة للضمان في صورة الغصب ، ولكنّه يدلّ على أنّ قصد الشارع حفظ المال الذي هو العلّة للضمان.
وكالجمع بين قطع أيدي جماعة بيد الواحد ، وقتل نفوس بالنفس الواحدة قصاصا بجامع الاشتراك في وجوب الدية عليهم على تقدير إيجابها. ووجوب الدية ليس علّة لوجوب القصاص ، بل هو أحد موجبي العلّة التي هي الجناية ، إلاّ أنّ وجوده يدلّ على وجود الموجب الآخر ، وهو وجوب القصاص ؛ لأنّهما متلازمان ؛ نظرا إلى اتّحاد علّتهما ـ وهي الجناية ـ وحكمتهما وهو الزجر.
وغير خفيّ أنّ حاصل جميع أمثلة قياس الدلالة يرجع إلى إثبات حكم في الفرع ، وهو وحكم آخر يوجبهما علّة واحدة ، والآخر متحقّق الوقوع في الفرع. فيقال : يثبت هذا الحكم في الفرع لثبوت الآخر فيه ، وهو ملازم له ، فيجمع بين الأصل والفرع في أحد موجبي العلّة ؛ لاجتماعهما في الموجب الآخر الملازم له ، ويؤول إلى الاستدلال بأحد الموجبين على العلّة ، وبها على الموجب الآخر ، ولكن يكتفى بذكر موجب العلّة عن التصريح بها.
و [ الجنس ] الثالث : ما لم يصرّح فيه بجامع أصلا ، وعلم الجمع بين الأصل والفرع في الحكم بنفي الفارق.
ثمّ الشقّ الثاني ـ وهو قياس العكس : ينقسم أيضا إلى هذه الأجناس الثلاثة ؛ فإنّ إثبات نقيض حكم الأصل في الفرع قد يكون لوجود نقيض علّته فيه ، كما يقول الحنفيّة : لمّا وجب الصوم في الاعتكاف بالنذر ، وجب بغير نذر ، كالصلاة ، فإنّها لمّا لم تجب بالنذر ، لم تجب بغير النذر (3) ، فالحكم في الأصل عدم الوجوب بغير نذر ، وفي الفرع الوجوب بغير نذر ، والعلّة في الأصل عدم الوجوب بالنذر ، وفي الفرع الوجوب بالنذر ، فلمّا كانت العلّتان متناقضتين ، فالحكمان أيضا كذلك (4).
وقد يكون لوجود لازم نقيضها فيه.
وقد يكون لتناقضهما المستلزم لتناقض حكمهما وإن لم يصرّح بعلّة للحكم أصلا. ومثالهما ظاهر.
هذا ، والظاهر أنّ المراد من التصريح بالعلّة في الجنس الأوّل أن يعلّل ثبوت الحكم بعلّة مطلقا، أي سواء عرفت بنصّ ، أو إيماء ، أو استنباط ، أو غيرها ؛ وليس المراد منه أن تكون العلّة مصرّحة في الأصل حتّى يختصّ (5) بمنصوص العلّة.
وعلى هذا ، يكون المراد من الجنس الثالث ما لم يعلّل الحكم فيه بعلّة أصلا ، بل لتساوي الأصل والفرع في جميع ما يصلح أن يكون سببا لاختلاف الحكم يحكم بثبوت الحكم في الفرع وإن لم يستند إلى علّة أصلا ، مثلا قوله (صلى الله عليه وآله) : « لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد » (6) إذا قيس عليه البول في الكوز وصبّه في الراكد ، لم يكن الجمع بينهما بعلّة أصلا ؛ لعدم وجودها نصّا وإيماء ، بل للعلم بعدم الفرق بينهما بشيء يصلح لاختلاف الأحكام. وعلى هذا يلحق قياس العلّة قسمة باعتبار (7) معرفة العلّة ، وذلك لأنّ معرفة كون الوصف الجامع علّة ليست ضروريّة ، فلا بدّ لها من طرق ، وتنحصر أوّلا (8) في طريقين : الدلالة ، والاستنباط. ونحن نسمّي ـ لسهولة التفهّم (9) ـ كلّ قياس مدلول العلّة براجح التأثير ، وكلّ قياس مستنبط العلّة بمرجوح التأثير.
ثمّ الطريق الأوّل إمّا النصّ ، ويسمّى القياس حينئذ منصوص العلّة ومثاله ظاهر.
وإمّا الإجماع ، ككون الصغر علّة لولاية المال ؛ فإنّه علّة لها بالإجماع ، ويقاس عليها النكاح.
وإمّا التنبيه والإيماء ، مثاله : ما قال الأعرابي : هلكت وأهلكت ، فقال (صلى الله عليه وآله ) : « ما ذا صنعت؟ » فقال : واقعت أهلي في نهار رمضان ، فقال : « أعتق رقبة » (10). وهذا يدلّ على أنّ الوقاع علّة للإعتاق. ويأتي تفصيل مراتب التنبيه والإيماء (11).
وهذه ثلاثة أنواع ، كلّ واحد منها : إمّا أن يكون اقتضاء الجامع فيه للحكم في الأصل أولى منه في الفرع ، كاقتضاء الإسكار للتحريم في النبيذ ؛ لاقتضائه له في الخمر ، ولا خلاف في كونه قياسا. أو بالعكس ، ويسمّى القياس بالطريق الأولى ، كاقتضاء وجوب كفّ الأذى لتحريم الضرب ؛ لاقتضائه لتحريم التأفيف.
أو مساويا ، كاقتضاء عتق الشقص في الأمة لتقويم نصب الشريك على المعتق ؛ لاقتضائه له في العبد.
وقد وقع الخلاف في كون الأخيرين قياسا (12). والحقّ أنّهما هو كما يأتي.
والحاصل تسعة أصناف. وكلّ واحد منها إمّا جليّ ، وهو ما يعلم فيه نفي الفارق بين الأصل والفرع ، كقياس الأمة على العبد في تقويم النصب ، فإنّا نعلم أنّ الفارق بينهما ـ وهو الذكورة والانوثة (13) ـ لا يصلح للتأثير في اختلاف أحكام العتق وإن صلح للاختلاف في أحكام غيره.
أو خفيّ ، وهو ما كان نفي الفارق فيه مظنونا ، كقياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدّد. والحاصل ثمانية عشر قسما.
وربما ظهر من كلام جماعة أنّ الجليّ اسم للقياس بالطريق الأولى لا غير (14) ، فيتّحد القياس بالطريق الأولى معه ولا ينقسم إليه وإلى غيره.
ولا يخفى أنّ كلّ قياس بطريق أولى ليس جليّا بالمعنى الذي ذكرناه ؛ فإنّ كون اقتضاء الجامع للحكم في الفرع أولى منه في الأصل ، لا يستلزم العلم بنفي الفارق بينهما ؛ لجواز أن يكون الاقتضاء المذكور ظنّيّا ؛ فإنّه لا يشترط في القياس بالطريق الأولى أن يكون الاقتضاء قطعيّا ، وحينئذ يكون تعليل الحكم بالجامع ظنّيّا ، فربما كان لخصوص مادّة الأصل مدخليّة في الحكم ، فلا يقطع بنفي الفارق بينهما فيه ، فيصحّ انقسام القياس بالطريق الأولى إلى الجليّ والخفيّ ، كما يصحّ انقسام عكسه إليهما.
ولا يرد أنّ اقتضاء الجامع للحكم في الأصل إذا كان أقوى (15) منه في الفرع ، لا يمكن القطع بنفي الفارق ، فينحصر في الخفيّ ؛ لجواز أن يقطع باقتضائه له فيهما وإن كان في الأصل أشدّ.
نعم ، إن اريد بالجليّ معنى يرادف القياس بالطريق الأولى وبالخفيّ ما يقابله ، فلا كلام ، إلاّ أنّ العرف المشهور بين القوم ما ذكرناه (16) ؛ لأنّ الظاهر أنّ الجليّ عندهم ما يعلم فيه نفي الفارق مطلقا ، أي سواء وجد معه علّة للحكم أم لا.
والذي ينقسم إليه الأصناف التسعة هو الأوّل. والثاني هو القياس في معنى الأصل بالمعنى المذكور ، فإن اريد بالجليّ الثاني وبالقياس بالطريق الأولى ما يرادف القياس في معنى الأصل، فيتّحدان.
ثمّ كلّ واحد من الأقسام الثمانية عشر إمّا قطعيّ ، وهو ما يقطع فيه بكون الحكم في الأصل معلّلا بالجامع وبثبوته في الفرع. أو ظنّيّ ، وهو ما يظنّ فيه بهما أو بأحدهما. والحاصل ستّ وثلاثون صورة.
وانقسام كلّ من الأقسام المذكورة إليهما مبنيّ على أنّ العلم بنفي الفارق لا يستلزم قطعيّة القياس بالمعنى المذكور.
وربّما ايّد ذلك بأنّا نعلم نفي الفارق بين الهندي والأعرابي في تعلّق الكفّارة بهما إذا وجد مقتضيها ، مع أنّا لا نقطع بكون الوقاع علّة للكفّارة في قضيّة الأعرابي ، بل هو مظنون لنا.
وغير خفيّ أنّه إذا جوّز أن يكون لخصوص الواقعة مدخليّة ، فلا يقطع بنفي الفارق ، وإن لم يجوّز ، يكون حكم الفرع في ثبوت الحكم له حكم الأصل بعينه ، وثبوت الحكم في الأصل إذا كان قطعيّا ومستندا إلى العلّة لا غير ـ كما هو الفرض ـ يستلزم قطعيّة العلّيّة.
نعم ، إذا لم يكن الحكم في الأصل قطعيّا بأن ينحصر ثبوته بعلّة عقليّة تكون علّيّتها له ظنّية ، أو بعلّة شرعيّة ظنّية الطريق وعلم ثبوتها في الفرع ، يمكن حصول العلم بنفي الفارق بينهما من غير قطعيّة القياس بالمعنى المذكور ، وحينئذ يرد القسمة الأخيرة على الأقسام المتقدّمة. وعلى أيّ تقدير ، لا شبهة في استلزام القطعيّة بالمعنى المذكور للعلم بنفي الفارق ، وهو ظاهر.
ثمّ لا يخفى أنّ الجنس الثاني ـ وهو قياس الدلالة ـ وإن لم ينقسم إلى الأنواع المذكورة إلاّ أنّه يمكن انقسامه إلى الأصناف والأقسام والصور المذكورة ، ووجهه ظاهر.
وأمّا الجنس الثالث ـ وهو القياس في معنى الأصل ـ فعلى التفسير الذي ذكرناه (17)
لا ينقسم إليها. ولو اريد منه ما لم ينصّ على علّة في أصله ـ وإن اثبت الحكم في الفرع بعلّة إيمائيّة أو استنباطيّة أو معلومة بالإجماع ـ واريد من الجنس الأوّل ـ وهو قياس العلّة ـ ما كانت العلّة في الأصل منصوصة ، لا يشمل (18) النوع الأوّل ، وينقسم إلى باقي الأنواع وجميع الأصناف والأقسام والصور المذكورة.
ولا يشمل الجنس الأوّل ما سوى النوع الأوّل ، أي منصوص العلّة ، بل يتّحد معه ، ولكنّه ينقسم إلى الأصناف والأقسام والصور المذكورة.
واعلم أنّ الظاهر من كلام جماعة أنّ تنقيح المناط ـ وهو الاستدلال في عرف الحنفيّة (19) ـ هو الجمع بين الأصل والفرع بمجرّد إلغاء الفارق ، أي القياس في معنى الأصل (20).
وقال بعضهم : هو الجمع بينهما بنفي الفارق مع كون العلّة مستخرجة في الأصل بالإيماء ، ففي قضيّة الأعرابي إذا قيل : كونه أعرابيّا لا مدخل له في العلّيّة ، فالهندي مثله ، كان تنقيح المناط (21).
والظاهر أنّه مطلق الجمع بينهما بنفي الفارق ، سواء وجد معه علّة إيمائيّة أو استنباطيّة ، أو لا.
بل يظهر من كلام جماعة أنّ كلّ ما جاز أن يحذف عنه بعض الأوصاف ويعلّل بالباقي ، يسمّى تنقيح المناط (22) ؛ لأنّهم عدّوا منه قوله (عليه السلام) وقد سألوا عن جواز بيع الرطب بالتمر: « أينقص إذا جفّ » قالوا : نعم ، فقال : « فلا إذن » (23) ، إذا قيل : لا اعتبار بما عدا تلك العلّة من أوصاف الأصل ، ولا ريب في أنّ « إذن » نصّ في علّيّة النقصان عند الجفاف للتحريم. فإذا قيل : كلّ ما نقص بعد الجفاف من الربويّات لا يجوز بيعه بيابسه ، يكون تنقيح المناط ، مع أنّ التعليل فهم نصّا.
هذه هي الأقسام والصور المندرجة تحت قياس راجح التأثير.
وأمّا مرجوح التأثير ، فله أيضا أقسام ؛ لأنّك عرفت (24) أنّه ما عرف الجامع فيه بالاستنباط ، وله طرق :
منها : المناسبة ، ويسمّى إخالة ؛ لأنّه بالنظر إليه يخال أنّه علّة ، وتخريج المناط ؛ لأنّه إبداء مناط الحكم. وحاصله تعيين العلّة في الأصل بمجرّد إبداء المناسبة بينها وبين الحكم من ذات الأصل ، لا بنصّ ولا بغيره.
والظاهر أنّ تعيين العلّة في الأصل بمطلق الاستنباط ـ سواء كان بالمناسبة أو غيرها ـ وإثبات الحكم فيه لأجلها يسمّى تخريج المناط. وإثبات العلّة في الفرع ، يسمّى تحقيق المناط. والقياس بهذا الاعتبار يسمّى « قياس إخالة » ، مثاله ما يقال : علّة تحريم الخمر الإسكار ؛ لأنّه مناسب له ، فالنبيذ حرام ؛ لوجود العلّة المناسبة فيه أيضا.
ومنها : الشبه. وله تفسيرات ، أشهرها أنّه ما يوهم المناسبة وليس بمناسب ، ويسمّى القياس بهذا الاعتبار « قياس الشبه » ، وما لا يوهم المناسبة أصلا يسمّى بالطرد ، ويسمّى القياس بهذا الاعتبار « قياس طرد ». ويمتاز الوصف الطرديّ عن الوصف الشبهيّ بأنّ الطرديّ وجوده كالعدم عند الكلّ.
مثال الشبه : كما يقال في إزالة الخبث : هي طهارة تراد للعبادة ، فتعيّن الماء كالحدث ؛ فإنّ المناسبة بين الجامع وهو (25) طهارة تراد للعبادة ، وبين الحكم وهو تعيّن الماء غير ظاهرة ، إلاّ أنّ اعتبار الشارع للطهارة المائيّة في بعض الأحكام ـ كمسّ المصحف والصلاة والطواف ـ يوهم المناسبة ، فيكون الجامع وصفا شبهيّا.
ومثال الطرد : الخلّ لا يبنى عليه القنطرة ، ولا يصاد منه السمك ، فلا يزيل الخبث كالمرق ؛ فإنّه لا يتوهّم أحد وجود المناسبة بين الوصف الجامع والحكم هنا ؛ لأنّه ممّا ألغاه الشارع قطعا.
ومنها : السبر والتقسيم وهو حصر الأوصاف الموجودة في الأصل ـ الصالحة في بادئ الرأي للعلّيّة ـ في عدد ، ثمّ إبطال ما عدا الذي يدّعى أنّه العلّة واحدة كانت أو أكثر ، ويسمّى القياس حينئذ قياس السبر.
مثاله : كما يقال في قياس الأرز على البرّ في الربويّة : بحثنا عن أوصاف البرّ فما وجدنا ما يصلح أن يكون علّة للربويّة إلاّ الطعم والقوت والوزن ، لكنّ الطعم والقوت لا يصلحان لذلك عند دقيق النظر ، فتعيّن الوزن ، وهو موجود في الأرز ، فيكون ربويّا.
ومنها : الدوران ، وقد عرفت (26) أنّه الاستلزام في الوجود والعدم ، ويسمّى الأوّل الطرد ، والثاني العكس ، ولذا سمّي الدوران بالطرد والعكس ، ويسمّى القياس حينئذ « قياس الطرد ».
مثاله : كما يقال في قياس النبيذ على الخمر في الحرمة : العصير أوّلا لمّا لم يتّصف بالإسكار ، لم يكن حراما ، ولمّا حدث فيه وصف الإسكار حدثت فيه الحرمة ، وإذا صار خلاّ وزال عنه الإسكار ثانيا ، يزول عنه الحرمة أيضا. فيظهر أنّ الإسكار علّة للتحريم ، فيكون النبيذ حراما لوجوده فيه.
هذا ، وقد ظهر ممّا ذكرنا من أقسام القياس أنّ ثلاثة أقسام منه يسمّى قياس الطرد ، ونحن ـ للتمييز ـ نسمّي المقابل لقياس العكس قياس الطرد الأعمّ ، وقياس الدوران قياس الطرد المركّب، والمقابل لقياس الشبيه قياس الطرد البسيط. ولمّا كان الصور المتقدّمة مندرجة تحت الأوّل ، وبعضها حجّة عندنا ، والباقي ليس بحجّة ، كما يأتي ، فبعض أقسامه مقبول والباقي ليس بمقبول ، ومن أقسامه التي ليست مقبولة قياس الطرد المركّب والبسيط.
واعلم أنّ كثيرا ما يستدلّ أصحابنا في كتبهم الفروعيّة على حكم بأنّه من باب اتّحاد طريق المسألتين لا القياس ، كما قالوا : يجب اليمين استظهارا مع البيّنة في الدعوى على الغائب والطفل والمجنون ؛ لمشاركتهم للميّت في العلّة المومئ إليها في النصّ (27) ، وهو أنّه لا لسان له للجواب.
والمراد منه (28) كلّ قياس علم أو ظنّ فيه ظنّا شرعيّا تعليل الحكم في الأصل بعلّة واشتراك الفرع له في علّة حكمه ، فيرادف قياس (29) راجح التأثير ويشمل جميع أقسامه ، ويحتمل أن يكون أعمّ منه وممّا علم ، أو ظنّ فيه كذلك (30) نفي الفارق بين الأصل والفرع ، فيشمل تنقيح المناط أيضا.
____________
(1) في « ب » : « للتبيّن والتميّز ».
(2) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة 2 : 191 ـ 196 ، والمعتمد 2 : 195 ـ 200 ، والمحصول 5 : 5 ـ 20 ، والإحكام في أصول الأحكام 4 : 108 ـ 110 ، ومعارج الاصول : 182 ، ونهاية السؤل 4 : 53 ـ 59 ، والوافية : 236 ـ 239.
(3) وحاصله أنّ الصوم في الاعتكاف واجب ، سواء وجب الاعتكاف بالنذر أم لا والصلاة فيه غير واجبة فيه ولو كان الاعتكاف واجبا بالنذر.
(4) قاله البصري في المعتمد 2 : 196. وحكاه الفخر الرازي في المحصول 5 : 14 بعنوان : « إن قيل ».
(5) أي القياس.
(6) كنز العمّال 9 : 354 ، ح 26421.
(7) متعلّق بـ « يلحق » وقوله : « قسمة » منصوب على التمييز ومفهوم الجملة : أنّ قياس العلّة على هذا يصير من أقسام تقسيم آخر غير التقسيم المذكور والتقسيم الآخر هو تقسيم القياس إلى كون العلّة معلومة أو مستنبطة.
(8) يكون قوله : « ثمّ الطريق الأوّل » بمنزلة قوله : « وثانيا ».
(9) في « ب » : « التفهيم ».
(10) الفقيه 2 : 115 ـ 116 ، ح 1885 ، وكنز العمّال 8 : 598 ، ح 24322 باختلاف يسير في المصدرين.
(11) يأتي في ص 447.
(12) قال الفخر الرازي في المحصول 5 : 15 : إنّهما ليسا بقياس ، وأشار إليه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 6 ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : 251 و 252 ، كما قاله الأسنوي في نهاية السؤل 4 : 4.
(13) في « ب » : « الذكوريّة والانوثيّة ». والصحيح ما أثبتناه كما في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 6.
(14) راجع : المحصول 5 : 121 ـ 124 ، وتهذيب الوصول : 271 و 272 ، ونهاية السؤل 4 : 26 ـ 28.
(15) في « ب » : « أولى ».
(16) ذكره آنفا.
(17) في ص 439.
(18) أي الجنس الثالث وهو جواب « لو ».
(19) حكاه عنهم الفخر الرازي في المحصول 5 : 230 ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : 258.
(20) قاله الفخر الرازي في المحصول 5 : 230 ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : 258 ، والأسنوي في نهاية السؤل 4 : 128 و 129.
(21) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 3 : 280 ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : 185 ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : 258 ، والفاضل التوني في الوافية : 238.
(22) حكاه الفخر الرازي في المحصول 5 : 151 ، والأسنوي في نهاية السؤل 4 : 73 ، والفاضل التوني في الوافية : 239.
(23) سنن ابن ماجة 2 : 761 ، ح 2264 ، والجامع الصحيح 3 : 528 ، ح 1225 ، وسنن أبي داود 3 : 251 ، ح 3359.
(24) راجع ص 440.
(25) أي الجامع.
(26) راجع ص 424.
(27) منهم : الشيخ في المبسوط 8 : 162 ، والحلبي في الكافي في الفقه : 447 ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 4 : 85 ، والعلاّمة في مختلف الشيعة 8 : 462 ، المسألة 63.
(28) أي اتّحاد طريق المسألتين.
(29) هذا من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة.
(30) أي ظنّا شرعيّا.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|