وكلمة (البدل) بصرية، ويسميه الكوفيون : الترجمة ، او التبين، او التكرير.

وحقيقة البدل انه التابع المقصود بالحكم بلا واسطة⁽¹⁾.

 واقسامه سبعة، ولكل قسم منها تعريفه واحكامه التي تكفلت بها كتب النحو، وذكرت ما فيها من خلاف. وهذه الاقسام هي :

 1- بدل الكل من الكل ، او المطابق,

2- بدل البعض من الكل.

3- بدل الاشمال.

4- بدل الغلط، غلط اللسان.

5- بدل الاضراب او البداء.

6- بدل النسيان، عند خطا الفكر.

7- بدل الكل من البعض. قال السيوطي : وقد وجدت له شاهدا في التنزيل، وهو قوله تعالى : {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا}

ص131

جَنَّاتِ عَدْنٍ)⁽²⁾ . _

 والبدل كما يكون بين الاسمين المفردين يكون ايضا بين الفعلين، وبين الجملتين، وبين الجملة والمفرد.

 1- فكما يكون بين الاسمين المفردين غير المتضمنين لمعنى انشائي، يكون كذلك بين المفردين اللذين تضمنا معنى انشائيا، كأسماء الاستفهام، غير انه اذا ابدل من اسم الاستفهام نفسه وجب اقتران البدل بهمزة الاستفهام، ليوافق البدل المبدل منه في تادية المعنى، وذلك نحو : كيف جئت الينا، اراكبا ام ماشيا؟ من هذا⁽³⁾، ازيد ام خالد؟ ما لقيت، اخيرا ام شرا؟ متى تزورنا، اغدا ام بعد غد؟ كم غنمك، اخمسون ام ستون؟ وهكذا.

فاداة الاستفهام فما سبق هي المبدل منه.

اما اذا كان المبدل منه هو مدخول اداة الاستفهام فان البدل يأتي مجردا من ادوات الاستفهام، لان التصريح بحرف الاستفهام اولا يغني عن ذكره ثانيا لقوته في الاستفهام، بخلافه في الحال الاولى فانه لم يصرح فيها بالحرف وانما صرح فيها بما تضمن معنى حرف الاستفهام، وهي تلك الاسماء الاستفهامية التي لا تبلغ في قوتها قوة حرف الاستفهام، لان تلك الاسماء قد تاتي لغير الاستفهام. فتاتي من وما موصولتين وشرطيتين. ومتى ظرفية فقط، وكذلك اين وايان،

ص132

كما تأتي كيف⁽⁴⁾ وكم واي لغير الاستفهام.

ومثال مدخول اداة الاستفهام : هل احد جاءك، زيد ام عمرو؟

2- وكما يبدل الفعل من الفعل في حال تضمنهما معنى خبريا يبدل احدهما من الاخر في حال تضمنهما معنى انشائيا.

 واليك امثلة من البدل في فعل الامر.

(أ‌) مثال بدل الكل من الكل : اهدنا ارشدنا الى الصواب.

(ب‌) ومثال بدل البعض من الكل  : صل اسجد للرحمن، (باعتبار السجود جزءا من الصلاة).

(ت‌) ومثال بدل الاشتمال : عاملنا استن بنا نعنك، وذلك لان المعاملة تشتمل على الاستعانة.

(ث‌) ومثال بدل الغلط، وهو الناشئ عن سبق اللسان : اهن اكرم زيدا...

وهذا المثال يصلح لبدل الاضراب، وذلك اذا كان امر بالاهانة ثم بدا له ان يامر بالا كرام، كما يصلح لبدل النسيان ان كان ناتجا عن خطا ذهني.

وقس على ذلك سائر ضروب الانشاء في ابدال الفعل من الفعل.

3- بدل الجملة من الجملة، وهي تتبع محل ما قبلها ان كان لها محل. وهذا الضرب من البدل انما يكثر في الجمل الفعلية، فاني لم اجد النحويين يمثلون للجمل الاسمية في هذا الضرب الا ما نقله الصبان

ص133

عن المغني، قال ابن هشام : (جوز ابو البقاء في قوله تعالى : منهم من كلم الله، كونه بدلا من : فضلنا بعضهم على بعض⁽⁵⁾. ورد بعض المتاخرين بان الجملة الاسمية لا تبدل من الفعلية. ولم يقم دليل على امتناع ذلك). وهذا ما ذكره الصبان.

واقول : اليس قولك : من اهان زيدا من شتمه؟ وقد ابدلت فيه الانشائية الثانية من الانشائية الاولى، وهما جملتان اسميتان؟

ومثال بدل البعض من الكل في الجمل الانشائية الفعلية : اقرا الكتاب ادرس فصلا منه.

 4- بدل الجملة من المفرد، وذهب اليه ابن جني والزمخشري وابن مالك.

 مثاله في الجمل الانشائية : عرفت زيدا ابو من هو؟ فجملة (ابو من هو) بدل من كلمة (زيدا) قبلها، لان عرف لا تتعدى الا الى مفعول واحد. ومن ذلك ايضا قول الفرزدق :

الى الله اشكو بالمدينة حاجة         وبالشام اخرى كيف يلتقيان

 فجملة (كيف يلتقيان) في هذا المثال بدل من (حاجة واخرى) بدل اشمال.

 وقال صاحب التصريح : (انما صح لرجوع الجملة الى التقدير بمفرد، أي الى الله اشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما.

 ومثل ذلك قوله تعالى : (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) ⁽⁶⁾، ابدلت فيه الجملة الانشائية من المفرد قبلها، وهو الابل.

ص134

5- ويبدل المفرد من الجملة ايضا. صرح ابو حيان  في تفسيره – كما ذكر يس في حاشيته على التصريح – ان المفرد يبدل من الجملة، كقوله تعالى : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (0) قَيِّمًا)(7). فـ(قيما) بدل من جملة (لم يجعل له عوجا) لأنها في معنى المفرد ، أي جملة مستقما.

 فعلى هذا الضوء نستطيع ان ناتي بمثال في هذا من الاساليب الانشائية : عرفت ابو من هو زيدا، وذلك بتعليق الفعل واعماله في محل جملة المبدل منه، وهي (ابو من هو). والمعنى عرفت زيدا ابو من هو؟

 المراجع :

سيبويه 1 : 75-82، 218-219، 224-224 ابن يعيش 3 : 63-69 الرضى 1 : 311، 317 الشذور 533 – 541 ابن عقيل 2 : 193 – 199 التصريح 2 : 155 – 163 الاشموني والصبان 3 : 130- 132 الهمع 2 : 125 – 128 تفسير ابي حيان 6 : 96.

___________________________

(1) المراد بالواسطة هنا حرف العطف، ولا فقد يأتي البدل مع الواسطة، كما في قوله تعالى : (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنه لمن كان يرجو الله واليوم الاخر)، وقوله : (تكون لنا عيدا لاولنا واخرنا). واعادة اللام الزائدة مع البدل امر جوازي لا وجوبي، وانما تحسن الاعادة عند الفصل كما في الآيتين، وتجوز الاعادة مع عدم الفصل، بدليل : (ان هو الا ذكر للعالمين. لمن شاء منكم ان يستقيم). يس على التصريح 2 : 160.

(2) الآية 60، 61 من سورة مريم.

(3) مذهب سيبويه ان (من) هذه مبتدأ واجب التقديم، لأنه يخبر عنده بالمعرفة او النكرة المضمنة استفهاما، كما يخبر عنده بالمعرفة عن افضل التفصيل النكرة اذا كان في جملة هي صفة لما قبلها نحو مررت برجل افضل منه ابوه. وغير سيبويه على ان مثل هذين خيران مقدمان.

(4) تأتي كيف للشرط الجازم إذا اقترنت بما, كما تأتي للشرط فقط إذا جردت من ما, نحو كيف تصنع أصنع, بالرفع. وأجاز قطرب الجزم بها مع تجردها من ما, كما في المغني.

(5) الآية 253 من سورة البقرة.

(6) الآية 17 من سورة الغاشية.

(7) الآية 1 ، 2 من سورة الكهف.