أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-04-2015
1944
التاريخ: 8-10-2014
1322
التاريخ: 8-10-2014
1242
التاريخ: 8-10-2014
1119
|
قال تعالى : {الَم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِى ادنَى الارْضِ وَهُم مِّن بَعدِ غَلَبِهِم سَيَغلِبُونَ* فِى بِضْعِ سنِينَ لِلهِ الامْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَؤِمئذٍ يَفَرَحُ المُؤمنونَ* بِنَصرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحيمُ* وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخِلفُ اللَّهُ وَعدَهُ وَلَكِنَّ اكثَرَ النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ} (الروم/ 1- 6) .
في الآية إخبارٌ عن هزيمة الروميين «غُلِبَتِ الرُّومُ»، ثم يتحدث بعد ذلك عن محل وقوع هذه الحادثة فيقول : «فِى أَدْنى الأَرْضِ»، والمقصود منها أراضي الشام بحد ذاتها أي (المنطقة الواقعة بين بُصرى واذْرُعات)، وهي داخلة ضمن دائرة الروم الشرقية، وكانت تعتبر من المناطق القريبة بالنسبة إلى سكان الجزيرة العربية.
وقد وقعت هذه الحرب بحسب ما ورد عن بعض المؤرخين المعاصرين في عهد «خسرو برويز» وهي حرب طويلة الأمد دارت رُحاها بين الفرس والروم في حدود عام 617 ميلادي، حينما قام اثنان من القادة الايرانيين المعروفين، وهما «شهر بُراز» (1) و «شاهين» بمهاجمة أراضي امبراطورية الروم الشرقية، وتمكّنا من إلحاق هزيمة مرة بجيش الروم، وكانت منطقة الشامات ومصر وآسيا الوسطى مسرحاً لهذه العمليات، وقد آلت امبراطورية الروم أثر هذه العمليات إلى السقوط والانقراض بعد الهزيمة النكراء التي لحقت بها، وقد استولى الايرانيون على كل ما بسط الروم نفوذهم عليه في منطقة آسيا ومصر، وقد وقعت هذه الحرب في حدود السنة السابعة لبعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله.
وفرح أعداء الإسلام والمشركون في مكة بهذه الواقعة وتفاءلوا بها خيراً واستدلوا على حقانية أهل الشرك فقالوا : إنّ الايرانيين «مجوس» ومشركون و «وثنيون» أمّا الروميون فهم مسيحيون أهل كتاب، فكما تغلب الايرانيون على الروميين، سيكون النصر حليفنا أيضاً نحن المشركين، وستطوى صحيفة حياة محمد صلى الله عليه و آله وتكون الغلبة لنا ولمعتقداتنا.
إنّ هذا النوع من الاستنتاج والتفاؤل وإن لم يستند إلى أي قاعدة منطقية، إلّا أنّه لم يخل من تأثير إعلامي في أوساط ذلك المحيط، ولهذا السبب كان تأثيره شديد الوطأة على المسلمين.
ويضيف القرآن تعقيباً على الآية السابقة : اعلموا أنّ هذه الغلبة للفرس لا تدوم زمناً طويلًا {وَهُم مِّن بَعدِ غَلَبِهِم سَيَغلِبُونَ} أي الروم، ثم يشير إلى الجزئيات بعد ذلك بقوله :
{فِى بضِع سنِيِنَ للَّهِ الامرُ مِّن قَبلُ وَمِن بَعدُ وَيؤمئذٍ يَفْرَحُ المُؤمِنونَ}.
إلّا أنّ هذا الفرح والسرور ليس قائماً على أساس التفاؤل بالخير بالنسبة لغلبة الإسلام على الشرك فحسب، بل السبب الأساسي لغبطتهم هذه هو حصولهم على المدد الإلهي (بالنصرة على مجموعة من الأعداء في محيطهم الداخلي) {بِنَصرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
ومن أجل ترسيخ هذا المعنى أكثر، وازالة أي لون من ألوان الشك والتردد، يقول تعالى :
{وَعْدَ اللّهِ لا يُخلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ اكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ}.
إنّ هذا التنبؤ العجيب المشتمل على ذكر الجزئيات، والذي يخبر عن أحد المسائل العسكرية والسياسية المهمّة، كيف يمكن له أن يتحقق بدون الإحاطة بأسرار الغيب؟
فمن جهة يخبر عن أصل وقوع الانتصار للروميين المندحرين الذين وصل بهم الاحباط والهزيمة إلى حد الانقراض وفقدوا مساحة شاسعة من أرض بلادهم، ولم يعد هناك أمل بأنّ يستعيدوا قواهم ويثبتوا كيانهم بهذه السهولة، ومن جهة اخرى يصرح بأنّ هذا الأمر سيتحقق في بضعة أعوام.
ويضيف على ذلك بقوله : إنّ هذا سيقترن بنصر آخر للمسلمين على الكفار، وفضلًا عن ذلك كله يؤكد تأكيداً قاطعاً على أنّ هذا الوعد الإلهي حتمي الوقوع وانّ اللَّه لن يخلف وعده.
ونرى أنّ هذا الوعد تحقق فعلا بكل جزئياته، فقام ملك الروم «هرقل» بإلحاق الهزيمة تلو الهزيمة بمعسكر «خسرو برويز» في سنة 626 م أي بعد 9 سنوات تقريباً حيث كانت نتائج هذه الحروب لصالح الروميين إلى سنة 617 م وحققوا النصر الكامل والشامل، وأصيب «خسرو برويز» بالفشل الذريع فأزاحه الايرانيون من على دسدّة الحكم وأجلسوا مكانه ابنه «شيرويه».
خلاصة الكلام : إنّ هزيمة الروميين وقعت في سنة 617 م الموافق للسنة السابعة للبعثة النبوية الشريفة، واستعاد الروميون نصرهم من جديد في سنة 626 م حينما ألحقوا الهزيمة «بالجيش الساساني»، ووصلت هذه الهزيمة إلى أوجها في السنة القادمة أي (سنة 627 م) ذلك أن هرقل زحف إلى «دستجرد» الواقعة على بعد عشرين فرسخا من «تيسفون» عاصمة ايران وموطن «خسرو برويز»، واندحر «خسرو برويز» ولاذ بالفرار، وعُزل على أثرها من مقام السلطة ممّا أدى ذلك إلى قتله، ونجد أنّ الفاصلة بين هذين لم تتجاوز التسع سنوات، وهو مطابق تماماً لمعنى «بضع سنين»، لأنّ «البضع» في قاموس اللغة وعلى حد قول الراغب في المفردات : هو بمعنى حصة من العدد عشرة، فكل ما يقع بين الثلاثة والعشرة يقال له : بضع، وقال البعض : إنّ البضع يطلق على العدد الذي يكون أكثر من خمسة وأقل من عشرة.
وجاء في معجم مقاييس اللغة أيضاً أنّ «البضع» هو العدد الذي يقع بين الثلاثة والعشرة.
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ هذه النبوءة أصبحت من الأمور المتعارفة والمسلَّمة لدى المسلمين حتى كان البعض منهم على استعداد لأنّ يراهن على هذه المسألة مع المشركين في مكة، وتحقق هذا الرهان بالفعل، وفي بداية الأمر وقع الرهان على خمس سنوات، ولما لم يتغير من الأمر شيء جاءوا إلى النبي وأخبروه بحقيقة الأمر، وما جرى عليهم مع المشركين، فقال لهم : كان ينبغي عليكم أن تحاوروهم على أقل من عشر سنوات، وهكذا حصل وتحقق النصر بعد الهزيمة في أقل من عشر سنوات.
ومن النكات المهمّة الاخرى هي اقتران هذا النصر بانتصار المسلمين في «معركة بدر» لأنّ معركة بدر وقعت في السنة الثانية للهجرة، والمقطع الزمني الفاصل بين السنة السابعة للبعثة والسنة الثانية للهجرة هو تسع سنوات- هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار نفس السنة السابعة أيضاً وبدونها تكون الفاصلة بينهما ثمان سنوات.
من هنا كان انتصار الروميين وانتصار المسلمين متقاربين، وفي الواقع إنّما فرح المسلمون لأمرين، الأول : هو الذي حققه أهل الكتاب أي الروميّون على المجوسيين الذي كان أحد مشاهد انتصار العبودية لله تعالى على الشرك، في الوقت الذي كانت هزيمة الروم مدعاة لارتياح مشركي مكة وغبطتهم، والآخر : هو ما حققوه من انتصار كبير على المشركين في معركة بدر.
_____________________
(1) اسمه فرّخان، قائد إيراني حارب الروم في زمان خسرو برويز واستولى على مصر سنة 616 ميلادي، معجم دهخدا- مادة (براز).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|