معنى قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ |
![]() ![]() |
أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2015
![]()
التاريخ: 2/12/2022
![]()
التاريخ: 18-10-2015
![]()
التاريخ: 1-7-2022
![]() |
معنى قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [التوبة : 111، 112].
قال أبو عمرو الزّبيري قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : أخبرني عن الدّعاء إلى اللّه والجهاد في سبيله ، أهو لقوم لا يحلّ إلّا لهم ، ولا يقوم به إلا من كان منهم ، أم هو مباح لكلّ من وحّد اللّه عزّ وجلّ وآمن برسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ومن كان كذا فله أن يدعو إلى اللّه عزّ وجلّ وإلى طاعته ، وأن يجاهد في سبيله ؟
فقال : « ذلك لقوم لا يحلّ إلا لهم ، ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم ».
قلت : من أولئك ؟ قال : « من قام بشرائط اللّه عزّ وجلّ في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى اللّه عزّ وجلّ ، ومن لم يكن قائما بشرائط اللّه عزّ وجلّ في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد ، ولا الدعاء إلى اللّه حتى يحكم في نفسه ما أخذ اللّه عليه من شرائط الجهاد ».
قلت : فبين لي ، يرحمك اللّه . قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ أخبر نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في كتابه بالدعاء إليه ، ووصف الدعاة إليه ، فجعل ذلك لهم درجات ، يعرّف بعضها بعضا ، ويستدل ببعضها على بعض ، فأخبر أنّه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتّباع أمره ، فبدأ بنفسه ، فقال : {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [يونس : 25] ثمّ ثنى برسوله ، فقال : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل : 125] يعني بالقرآن ، ولم يكن داعيا إلى اللّه عزّ وجلّ من خالف أمر اللّه ويدعو إليه بغير ما أمر به في كتابه ، والذي أمر ألّا يدعى إلّا به . وقال في نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى : 52] يقول : تدعو . ثمّ ثلّث بالدعاء إليه بكتابه أيضا ، فقال تبارك وتعالى : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء : 9].
ثمّ ذكر من أذن له في الدعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه ، فقال : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران : 104] ثمّ أخبر عن هذه الأمّة ، وممّن هي ، وأنّها من ذريّة إبراهيم وذريّة إسماعيل من سكّان الحرم ، ممّن لم يعبدوا غير اللّه قطّ ، الذين وجبت لهم الدّعوة دعوة إبراهيم وإسماعيل ، من أهل المسجد ، الذين أخبر عنهم في كتابه أنّه أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ، الذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمّة إبراهيم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، الذين عناهم اللّه تبارك وتعالى في قوله : {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف : 108] يعني أوّل من اتّبعه على الإيمان به والتّصديق له فيما جاء به من عند اللّه عزّ وجلّ من الأمّة التي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق ، ممّن لم يشرك باللّه قط ، ولم يلبس إيمانه بظلم وهو الشّرك.
ثمّ ذكر أتباع نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأتباع هذه الأمّة التي وصفها في كتابه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجعلها داعية إليه ، وأذن لها في الدعاء إليه ، فقال : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال : 64].
ثمّ وصف أتباع نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من المؤمنين ، فقال اللّه عزّ وجلّ : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} [الفتح : 29] وقال : {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم : 8] يعني أولئك المؤمنين . وقال : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون : 1].
ثمّ حلّاهم ووصفهم كيلا يطمع في اللّحاق بهم إلا من كان منهم ، فقال فيما حلّاهم به ووصفهم : {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [المؤمنون : 10، 11] وقال في صفتهم وحليتهم أيضا : {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } [الفرقان : 68، 69] ثمّ أخبر أنّه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ثمّ ذكر وفاءهم له بعهده وميثاقه ومبايعته ، فقال : { وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.
فلمّا نزلت هذه الآية إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ قام رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال : يا نبيّ اللّه ، أرأيتك الرّجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا أنه يقترف من هذه المحارم ، أشهيد هو ؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ على رسوله التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ففسّر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشّهادة والجنّة ، وقال : التائبون من الذنوب ، العابدون الذين لا يعبدون إلّا اللّه ، ولا يشركون به شيئا ، الحامدون الذين يحمدون اللّه على كلّ حال في الشّدّة والرّخاء ، السائحون وهم الصائمون ، الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصّلوات الخمس ، والحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها ، الآمرون بالمعروف بعد ذلك والعاملون به ، والناهون عن المنكر والمنتهون عنه.
قال : فبشّر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنّة ، ثمّ أخبر
تبارك وتعالى أنّه لم يأمر بالقتال إلّا أصحاب هذه الشروط ، فقال عزّ وجلّ : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا }« 1 » وذلك أنّ جميع ما بين السّماء والأرض للّه عزّ وجلّ ولرسوله ولأتباعهما من المؤمنين من أهل هذه الصفة ، فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفّار والظّلمة والفجّار من أهل الخلاف لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والمؤمنين ، والمولّي عن طاعتهما ، مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصّفات ، وغلبوهم عليه ممّا أفاء اللّه على رسوله ، فهو حقّهم أفاء اللّه عليهم وردّه إليهم .
وإنّما معنى الفيء كل ما صار إلى المشركين ثم رجع مما كان قد غلب عليه « 2 » أو فيه ، فما رجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فاء ، مثل قول اللّه عزّ وجلّ : {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة : 226] أي رجعوا ، ثمّ قال : {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 227] وقال : {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الحجرات : 9] يعني بقوله : تَفِيءَ أي ترجع ، فذلك الدّليل على أنّ الفيء كلّ راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه ، يقال للشّمس إذا زالت : قد فاءت ، حين يفيء الفيء عند رجوع الشمس إلى زوالها ، وكذلك ما أفاء اللّه على المؤمنين من الكفّار ، فإنّما هي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفّار إياهم ، فذلك قوله : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } ما كان المؤمنون أحقّ به منهم .
وإنّما أذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الإيمان التي وصفناها ، وذلك أنّه لا يكون مأذونا له في القتال حتى يكون مظلوما ، ولا يكن مظلوما حتى يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الإيمان التي اشترط اللّه عزّ وجلّ على المؤمنين والمجاهدين . فإذا تكاملت فيه شرائط اللّه عزّ وجلّ كان مؤمنا ، وإذا كان مؤمنا كان مظلوما ، وإذا كان مظلوما كان مأذونا له في الجهاد ، لقوله عزّ وجلّ : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } وإن لم يكن مستكملا لشرائط الإيمان فهو ظالم ، ممّن ينبغي ويجب جهاده حتى يتوب إلى اللّه ، وليس مثله مأذونا له في الجهاد والدعاء إلى اللّه عزّ وجلّ ، لأنّه ليس من المؤمنين المظلومين الذين أذن لهم في القرآن في القتال . فلمّا نزلت هذه الآية : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} في المهاجرين الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم ، أحلّ لهم جهادهم بظلمهم إيّاهم ، وأذن لهم في القتال ».
فقلت : فهذه نزلت في المهاجرين ، بظلم مشركي أهل مكّة لهم ، فما بالهم في قتالهم كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب ؟
فقال : « لو كان إنّما أذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكّة فقط ، لم يكن لهم إلى قتال كسرى وقيصر وغير أهل مكة من قبائل العرب سبيل ، لأن الذين ظلموهم غيرهم ، وإنّما أذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكّة ، لإخراجهم إياهم من ديارهم وأموالهم بغير حقّ ، ولو كانت الآية إنّما عنت المهاجرين الذين ظلمهم أهل مكة ، كانت الآية مرتفعة الفرض عمّن بعدهم ، إذ لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد ، وكان فرضها مرفوعا عن الناس بعدهم إذ لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد.
وليس كما ظننت ، ولا كما ذكرت ، ولكنّ المهاجرين ظلموا من جهتين : ظلمهم أهل مكّة بإخراجهم من ديارهم وأموالهم ، فقاتلوهم بإذن اللّه لهم في ذلك ، وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في أيديهم ممّا كان المؤمنون أحقّ به دونهم ، فقد قاتلوهم بإذن اللّه عزّ وجلّ لهم في ذلك ، وبحجّة هذه الآية يقاتل مؤمنو كلّ زمان.
وإنما أذن اللّه عزّ وجلّ للمؤمنين ، الذين قاموا بما وصف اللّه عزّ وجلّ من الشّرائط التي شرطها اللّه عزّ وجلّ على المؤمنين في الإيمان والجهاد ، ومن كان قائما بتلك الشّرائط فهو مؤمن ، وهو مظلوم ، ومأذون له في الجهاد بذلك المعنى . ومن كان على خلاف ذلك فهو ظالم ، وليس من المظلومين ، وليس بمأذون له في القتال ، ولا بالنّهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، لأنه ليس من أهل ذلك ، ولا مأذون له في الدعاء إلى اللّه عزّ وجلّ ، لأنه ليس يجاهد مثله وأمر بدعائه إلى اللّه عزّ وجلّ ، ولا يكون مجاهدا من قد أمر المؤمنون بجهاد ، وحظر الجهاد عليه ومنعه منه ، ولا يكون داعيا إلى اللّه عزّ وجلّ من أمر بدعاء مثله إلى التّوبة والحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به ، ولا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه.
فمن كان قد تمّت فيه شرائط اللّه عزّ وجلّ التي وصف اللّه بها أهلها من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهو مظلوم ، فهو مأذون له في الجهاد ، كما أذن لهم في الجهاد بذلك المعنى ، لأنّ حكم اللّه عزّ وجلّ في الأوّلين والآخرين وفرائضه عليهم سواء ، إلّا من علّة أو حادث يكون ، والأوّلون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء ، والفرائض عليهم واحدة ، يسأل الآخرون عن أداء الفرائض كما يسأل عنه الأوّلون ، ويحاسبون عما به يحاسبون ، ومن لم يكن على صفة من أذن اللّه له في الجهاد من المؤمنين ، فليس من أهل الجهاد ، وليس بمأذون له فيه حتى يفيء بما شرط اللّه عزّ وجلّ عليه ، فإذا تكاملت فيه شرائط اللّه عزّ وجلّ على المؤمنين والمجاهدين فهو من المأذونين لهم في الجهاد.
فليتّق اللّه عزّ وجلّ عبد لا يغترّ بالأمانيّ التي نهى اللّه عزّ وجلّ عنها من هذه الأحاديث الكاذبة على اللّه التي يكذّبها القرآن ، ويتبرّأ منها ومن حملتها ورواتها ، ولا يقدم على اللّه عزّ وجلّ بشبهة لا يعذر بها ، فإنه ليس وراء المتعرّض للقتل في سبيل اللّه منزلة يؤتى اللّه من قبلها وهي غاية الأعمال في عظم قدرها . فليحكم امرؤ لنفسه وليرها كتاب اللّه عزّ وجلّ ويعرضها عليه ، فإنه لا أحد أعرف بالمرء من نفسه ، فإن وجدها قائمة بما شرط اللّه عليه في الجهاد فليقدم على الجهاد ، وإن علم تقصيرا فليصلحها ، وليقمها على ما فرض اللّه عليها من الجهاد ، ثم ليقدم بها وهي طاهرة مطهّرة من كلّ دنس يحول بينها وبين جهادها.
ولسنا نقول لمن أراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفنا من شرائط اللّه عزّ وجلّ على المؤمنين والمجاهدين : لا تجاهدوا . ولكن نقول : قد علّمناكم ما شرط اللّه عزّ وجلّ على أهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنان . فليصلح امرؤ ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك ، وليعرضها على شرائط اللّه عزّ وجلّ ، فإن رأى أنّه قد وفى بها وتكاملت فيه ، فإنّه ممّن أذن اللّه عزّ وجلّ له في الجهاد ، وإن أبى إلّا أن يكون مجاهدا على ما فيه من الإصرار على المعاصي والمحارم والإقدام على الجهاد بالتّخبيط والعمى ، والقدوم على اللّه عزّ وجلّ بالجهل والروايات الكاذبة ، فلقد - لعمري - جاء الأثر فيمن فعل هذا الفعل . إنّ اللّه عزّ وجلّ ينصر هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم . فليتّق اللّه عزّ وجلّ امرؤ ، وليحذر أن يكون منهم ، فقد بيّن لكم ولا عذر لكم بعد البيان في الجهل ، ولا قوّة إلّا باللّه ، وحسبنا اللّه عليه توكلنا وإليه المصير » « 3 ».
وقال أبو بصير : تلوت : « التائبون العابدون » فقال أبو جعفر عليه السّلام :
« لا ، اقرأ : التائبين العابدين ، إلى آخرها » . فسئل عن العلّة في ذلك ؟ فقال :
« اشترى من المؤمنين التائبين العابدين » « 4 ».
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « من أخذ سارقا فعفا عنه فذلك له ، فإن رفعه إلى الإمام قطعه ، فإن قال له الذي سرق له : أنا أهب له . لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفع إليه ، وإنّما الهبة قبل الترافع إلى الإمام ، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ فإن انتهى الحدّ إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه » « 5 ».
__________
( 1 ) الحج : 39 - 40 .
( 2 ) في « ط » : مما كان عليه .
( 3 ) الكافي : ج 5 ، ص 13 ، ح 1.
( 4 ) الكافي : ج 8 ، ص 377 ، ح 569 .
( 5 ) الكافي : ج 7 ، ص 251 ، ح 1 .
|
|
دراسة تكشف "مفاجأة" غير سارة تتعلق ببدائل السكر
|
|
|
|
|
أدوات لا تتركها أبدًا في سيارتك خلال الصيف!
|
|
|
|
|
مجمع العفاف النسوي: مهرجان تيجان العفاف يعزز القيم الأخلاقية والثقافية لدى طالبات الجامعات العراقية
|
|
|