المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



دور الغذاء في الشفاء  
  
61   08:05 صباحاً   التاريخ: 2025-04-14
المؤلف : السيد حسين نجيب محمد
الكتاب أو المصدر : الشفاء في الغذاء في طب النبي والأئمة (عليهم السلام)
الجزء والصفحة : ص91ــ106
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية الصحية والبدنية /

عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): ((النشرة في عشرة أشياء (إلى أن قال) والأكل والشرب))(1). 

والنشرة: هي طريقة معالجة المريض سُميت كذلك لأنه ينشر بها عنه ما خامره من المرض والداء.

يُعتبر الطعام من أهم العوامل التي تُساهم في مرض الإنسان وصحته، فما من لقمة تدخل إلى جوفه إلا وتترك فيه آثاراً سلبية أو إيجابية، ولهذا فقد يُعدّ الطعام في قائمة العلاج بالطرق الطبيعية البديلة عن الأدوية الحديثة، ولم يُنظر إلى الغذاء كشيء ذي أهمية شفائية علاجية إلا في العهد الإغريقي على يد أبقراط أبي الطب والذي كان يقول: ((دع الطعام يكون علاجك)).

أما في العصر الحديث فلم يعر الأطباء اهتماماً للعلاج بالغذاء ذلك لأنَّهم اعتبروا أنَّ المرض هو عبارة عن جراثيم وميكروبات وفيروسات، ولكنهم بعد التجارب والاختبارات لاحظوا أنَّ للغذاء أهمية كبرى في إدخال المرض إلى جسم الإنسان وأنَّ له دوراً في وقاية الجسم من المرض بل وعلاجه منه أيضاً ولذلك صاروا ينادون بالعودة إلى الطعام الطبيعي الصحي.

يقول الدكتور (ماكاريزون) رئيس لجنة الأبحاث العلمية في جامعة الطب في أوكسفورد وصاحب كتاب ((دراسة الأمراض التي تسببها تغذية خاطئة وناقصة)) يقول موجزاً أبحاثه وتجاربه: ((يمكننا أن نتقبل كفرضية ليست بحاجة إلى برهان أنَّ العامل الأساسي للصحة الجيدة يرتكز إلى تغذية ملائمة ومتوافقة كما أنَّ العامل الرئيسي للصحة السيئة يرتكز إلى تغذية خاطئة))(2).

ويقول د. إفان روبنسكي: ((قد يبدو من الصعب الاقتناع بأنَّ الطعام هو الذي يُقرِّر عملية تطور الإنسان أو التسبب بانحطاطه السلالي ولكن أليست هي نوعية الطعام التي تقرّر مصير يرقانة النحل التي تولّد النحلة العاملة ذات الحياة القصيرة، أو الملكة التي تعيش حياة أطول؟(3).

ولإلقاء الضوء على دور الغذاء لا بُدَّ من الرجوع إلى أسباب المرض والتي يقع على رأسها الغذاء.

يقول الدكتور غسان ماهر: فإنَّ طرق زراعته (أو تربية الحيوانات) وخزنه وطبخه كلها تؤثر، وكذلك أكله وكميته.

أما زراعته، فإذا استعملت الأسمدة الكيمياوية تكون في الواقع، قد أضفت سموماً إلى طعامك. وقد أصبح هذا هو المعتاد في العقود القليلة الماضية لأجل زيادة الكمية على حساب النوعية بل الصحة.

وإذا أردت أن تحافظ على الطعام لفترة أطول من الطبيعي لا بُدَّ وأن تستعمل المواد الحافظة وخصوصاً في الأطعمة المعلبة التي باتت الطعام الوحيد للكثيرين.

وإذا أحببت أن تحسن من منظر بعض الأغذية (هكذا يقولون) بأن تقصرها مثلاً كما يحدث للرز الذي كان لونه أسمر فأصبح أبيض فإنَّك تضيف القاصر إلى غذائك!

أما طرق الطبخ فكثير منها يهدم قسماً كبيراً من المواد الغذائية خصوصاً القلي. كما إنَّ استعمال ملح الطعام والتوابل وكل ما يحسن من نكهة الأطعمة (أو قل يغيّرها لأنَّ الإنسان يحب ما يعتاد عليه ليس إلا) أصبح إلى درجة أننا أصبحنا لا نتذوّق الأطعمة كما هي.

وبسبب سرعة الحياة وتعقيداتها أخذ الإنسان يأكل أسرع من السابق ويكتفي بالأطعمة المعدة في السوق التي ليس فيها فائدة تذكر. بل إنه ليأكل وهو في زحمة العمل.

كما أصبح الإنسان، في البلدان التي ليس فيها مجاعات، يأكل إلى حد التخمة. أصبح يأكل كميات كبيرة ولكن ذات نوعية رديئة. أو كما يقول المهتمون بشؤون المعيشة الطبيعية في أمريكا بأن الأمريكان (وهم أكثر الشعوب استهلاكاً للطعام يتمتعون بصحة من الخارج فقط، أو هم أصحاء من الخارج ومصابون بنقص التغذية من الداخل).

ونظراً لدور الغذاء في المرض والشفاء وردت النصوص التالية:

عن الإمام علي الرضا (عليه السلام): ((ما تداوى الناس بشيءٍ خيراً من مصة دم (حجامة) ومرغة عسل(4).

عن أحدهم قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ما ألقى من الأوجاع والتخم فقال لي: ((تغدّ وتعشى ولا تأكل بينهما شيئاً فإنَّ فيه فساد البدن أما سمعت الله تبارك وتعالى يقول: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62](5).

وقد وردت نصوص تذكر أنَّ الشفاء في بعض المأكولات، منها: العسل، وحبة البركة، وزيت الزيتون، والثوم، والبصل، واللحم وغيرها وسنذكر بيان ذلك لاحقاً إن شاء الله تعالى.

ولكي نُدرك كيفية حدوث المرض والشفاء بواسطة الغذاء فلا بُدَّ من بيان أمور وهي:

1- المعدة بيت الداء والدواء

تُعتبر المعدة المخزن الرئيسي لكافة أنواع الأطعمة والأشربة فهي تحتوي الماء، والخضار، والطعام، والحلو، والحامض، والمُر، والمالح، وما أشبه، وبالتالي فهي التي تزوّد الجسم بالطاقة والحياة، فإذا كان الطعام الذي يدخل إلى المعدة سليماً من الآفات فإنَّه يتحوّل إلى غذاء يمد الجسم بالقوَّة والنشاط والحيوية، وإذا كان الطعام فاسداً فإنه يتحوّل إلى أمراض وأوجاع كسوء الهضم، وفقر الدم، والضعف العام نتيجة عدم وصول الغذاء السليم إلى الخلايا والمراكز الهامة في الجسم وخاصة خلايا الدماغ الذي يحتاج إلى كمية وافرة من الدم السليم لتغذيته وتنشيطه.

وقد ذكر الأطباء جملة من الأمراض الناجمة عن الغذاء الفاسد وإهمال المعدة، منها:

الإمساك المزمن والإسهال، وكسل الكبد، وحب الشباب، والربو، ومرض السكري، والضعف الجنسي، وقرحة المعدة، والبواسير، وعدم انتظام الدورة الدموية، والدورة الشهرية لدى النساء، والاثني عشر، والصداع، وغيرها ...

ولهذا ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((المعدة بيت الداء، والحمية رأس كل دواء، وأعط كل بدن ما عوّدته))(6).

في هذا الحديث الشريف توضيح لدور المعدة في الصحة والمرض وذلك من خلال الحمية التي هي الإقلال من الطعام فعن الإمام علي الرضا (عليه السلام): ((وإنَّها ليس ترك أكل الشيء ولكنها ترك الإكثار منه))(7) .

وعنه (عليه السلام): ((لو أنَّ النَّاس قصروا في الطعام لاستقامت أبدانهم))( 8).

من هنا كان من الضروري الاعتناء بالمعدة وما يدخل إليها، فكانت التوصيات التالية:

1- المضغ جيداً حَتَّى يمتزج الطعام باللعاب، ويصير سائلاً فيصل إلى المعدة في حالة جاهزة للاختلاط بالعُصارات الهاضمة دون إرهاق للمعدة وللدورة الدموية، وليُعلم أنَّ المعدة ليس لها أسنان وأنَّ الله تعالى خلق الأسنان لاستعمالها لتسهيل عملية الهضم.

2- عدم ملء المعدة بالطعام والشراب بل ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للهواء وتفصيل ذلك تحت عنوان (كمية الطعام).

ومن الملاحظ في هذا السياق أن المعدة إذا تعودت على شيء اعتادت عليه فإن عودها الإنسان على كثرة الطعام ازدادت إفرازاتها وأصبحت تطلب المزيد ظناً منها أنَّ الجسم بحاجة إلى الطعام والعكس كذلك.

وصدق الشاعر عندما قال:

والنفس راغبةٌ إذا رغبّتها              وإن تُردُّ إلـى قــلــيــل تـقـنــع

3 ـ الابتعاد عن الأغذية الثقيلة على الهضم، كالدهون الحيوانية، ومرسبات مادة الكلسترول والمشروبات الكحولية والغازية ...

4ـ اختيار الأغذية السهلة الهضم والتي تحتوي على الفيتامينات والمواد المغذية والبروتينات ... ومن تلك الأغذية:

التمر، والرمان والتفاح والعدس والفول، والسفرجل، والإجاص، واللُّبان، وسيأتي ذكرها في الروايات.

2- جهاز الدورة الهضمية والدورة الدموية:

إنَّ صحة الإنسان ومرضه يتوقفان على سلامة الجهاز الهضمي والدورة الدموية وذلك لارتباطهما ببعضهما، فإذا كان الجهاز الهضمي سليماً فإنَّه يعمل على تزويد الدورة الدموية بالغذاء والطاقة، والدورة الدموية هي الأساس في صحة أي عضو ومرضه فإذا كانت الدورة الدموية في العضو بشكل طبيعي فهو سليم وإلا تعرّض للمرض.

ويُشبّه الجسم البشري بمصنع كبير مكوّن من أجزاء متعددة، كل جزء منها يعمل عملاً خاصاً ولكنَّه متمم لأعمال الأجزاء الباقية بحيث أنَّ أي خلل يطرأ على هذا الجزء لا يؤثر على عمله وانتاجه الخاص بل ينعكس على باقي أجزاء المصنع فتعمُّ الإصابة والخلل، ولا بُدَّ لكل مصنع من وقود يستمد منه طاقته للعمل فإذا انعدم الوقود توقفت الطاقة وبالتالي توقفت أجزاؤه الأخرى عن الاستمرار مِمَّا يؤدي إلى تعطيل المصنع بكامله.

وكذلك الجسم البشري فهو يشبه المصنع الكبير، ومثل هذا المصنع يستمد طاقته إلى العمل من الوقود الذي يُقدم له باستمرار، فإذا توقف هذا الإمداد انعدمت الطاقة في المصنع وتوقفت أجزاؤه عن الاستمرار في عملها المعتاد مِمَّا يؤدّي إلى تعطل المصنع في كافة أجزائه.

وكذلك فإنَّ الجسم البشري لا يستطيع أن يؤدي أعماله إلا إذا زوّد باستمرار بالمحروقات وهي الغذاء. غير أن محروقات الجسم البشري لا يتم حرقها كما في المصنع المكانيكي في موقد خاص وينتج عن إحراقها شعلة مضيئة ينتشر منها الدخان. والأمعاء التي تتلقى الوقود (الغذاء) لا يحدث الاحتراق فيها بل هي تفكك هذا الوقود فتعيده إلى عناصره الأولية (الهضم) بحيث تصبح قابلة للذوبان في الماء لتمتصها الأوعية اللمفاوية بعد ذوبانها وتوصلها إلى الدم، فتسير معه في الدورة الدموية وتصل إلى كل خلية من خلايا الجسم مِمَّا في ذلك خلايا الأمعاء طبعاً؛ وفي داخل هذه الخلايا تُحرق العناصر الغذائية بواسطة الأوكسجين (مولد الحموضة) وتستمده الخلايا من الهيموغلوبين (الصباغ الأحمر) الموجود في كريات الدم الحمراء، احتراقاً بطيئاً يولّد حرارة ويخلف (رماداً) رواسب يحملها الدم من الخلايا إلى الرئة والكلى لتُصفّى وتطرَدَ مع هواء الزفير ومع البول خارج الجسم. فالرئة تصفي الغازات وبخار الماء، والكلى تصفي المواد المحلولة في الماء، وأما الجزء الذي لا يقبل التفكك (الهضم) في الأمعاء أو الذي تعجز إلى أن يتم تفريغه مع البراز إلى خارج

الجسم. يتوقف استمرار هذه العملية في الجسم على استمرار إمداده بالغذاء (المحروقات). والغذاء هذا يجب أن يحتوي دائماً على العناصر الأساسية التي لا يستطيع الجسم الاستغناء عن أي منها، وبتعبير آخر لا يمكن لأحد عناصر الغذاء أن يحل محل عنصر آخر، والفقدان الطويل الأمد لأي عنصر من عناصر الغذاء لا بُدَّ من أن تعقبه نتائج وخيمة على صحة الجسم.

إنَّ ما يؤثر على عمل الجهاز الهضمي والدورة الدموية هو الطعام الزائد عن الحاجة، والطعام المليء بالملوثات والسموم، والطعام العسير الهضم وهذا ما يؤدّي إلى اضطرابهما ومرضهما.

ولإلقاء الضوء على عمل الدورة الدموية والجهاز الهضمي نذكر ما جاء في كلام الإمام الصادق (عليه السلام) لتلميذه المفضل بن عمر: ((فكّر يا مفضل في وصول الغذاء إلى البدن، وما فيه من التدبير، فإنَّ الطعام يصير إلى المعدة كالمصفّى للغذاء، لكيلا يصل إلى الكبد منه شيء فينكأها، وذلك أنَّ الكبد رقيقة لا تحتمل العنف، ثمَّ أنَّ الكبد تقبله فيستحيل فيها بلطف التدبير دماً، فينفذ في البدن كُله في مجار مهيأة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيأ للماء حَتَّى يطرد في الأرض كُلها، وينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول إلى مغايض أعدت لذلك، فما كان منه من جنس المرّة الصفراء جرى إلى المرارة وما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال وما كان من جنس البلَّة والرطوبة جرى إلى المثانة، فتأمل حكمة التدبير في تركيب البدن ووضع هذه الأعضاء منه مواضعها، وإعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول، لئلا تنتشر في البدن فتسقمه وتنهكه فتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير))(9).

3- الخلايا:

إنَّ جسم الإنسان قائم كالبناء كل لبنة تكمّل الأخرى، وهو يتكوّن من خلايا كل منها تكمّل الأخرى فالعظام والأسنان واللحم وغيرها، كلها تتكون من خلايا صغيرة كل منها تشد الأخرى حَتَّى يتم بناء الجسم.

ثمَّ إن كل خلية من هذه الخلايا لها كيانها في الجسم وتعمل بنفسها كوحدة في مجموع الجسم كما يعمل أفراد النحل كوحدة متكاملة لتأدية رسالة معينة، ومن الخلايا ما هو مستمر في العمل، ومنها ما يعمل في حال الضرورة - كخلايا احتياطية ـ كما يعمل في حالات الجروح والأمراض، ومنها ما يعمل عمل الشرطة فتخرج للعمل عندما يهاجم الجسم شيء غريب من الميكروبات فتخرج لمواجهته وقتاله والقضاء عليه وإن لم تتمكن فتعمل على خلق حالة بالجسم تساعدها على أداء واجبها كرفع درجة الحرارة أو الرشح أو غير ذلك مِمَّا نجده في أنفسنا ومنها ما يعمل في إمداد الجسم بالطاقة والحيوية.

إنَّ عمل الخلايا هو منح الحياة المستمرة وتجديدها يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، ولذلك فكُلَّما كانت الخلايا سليمة كان الجسد سليماً وقوياً، وإنَّ من أهم العوامل التي تساهم في سلامتها أو مرضها هو الغذاء الصحي والهواء النقي، فالغذاء الصحي لا يمول الدماغ والعضلات بالطاقة فحسب، بل عليه أيضاً أن يمد (ورشة البناء) بالعناصر اللازمة لتجديد الخلايا المستهلكة في جميع أجزاء الجسم.

تقول الدكتورة (آن وينغور): كي تعيش الخلايا وتنمو وتحافظ على صحة الجسم، يجب أن تزود بالوقود التي تنجم عن الطعام الذي نأكله، والذي يُحمل إلى الخلايا بواسطة الدم. والدم يجلب أيضاً إلى كل خلية مادة أخرى تحتاجها، هي الأوكسجين.

وعندما يدخل الهواء إلى الجسد يعبر من خلال جدران الرئتين الرقيقة إلى الدم، ويُحمل إلى جميع أجزاء الجسم. وتستعمل الخلايا الأوكسجين لإحراق الوقود التي مدّها بها الدم. وهذا الاحتراق يزوّد الجسم بالحرارة، ويجعل الطاقة تنطلق من حيث كانت مخزونة في الغذاء الحي. والخلايا تفرز فضلاتها في السائل الذي ليس له لون، والذي (يزيت) الأغشية، وهذا السائل اللمفاوي كما يسمونه يأخذ هذه الفضلات ويعود بها إلى الرئتين حيث تُنفث في الهواء الذي نتنفسه. وإذا لم تحصل الخلايا على الغذاء المناسب والأوكسجين الكافي، وإذا لم يصل إليها في الدم، فإنَّ هذه الخلايا تبدأ تتغير في طبيعتها، ويكون ذلك بداية المرض في الجسد.

وفي أيار 1937، عرض ماك كاريسون تجاربه في مؤتمر شعبي لندن، وقدَّم في محاضرته للمؤتمرين لوحة تمثل مجموعة كبيرة من الخلايا التي تتألف منها أعضاء الإنسان الحية: خلايا الدم، والعظام، والأسنان، والعضلات والغدد والأعصاب، والجلد.

وتعيش كل خلية كوحدة عاملة ناشطة في الجسم، وتقوم كلُّ منها بالدور المخصَّص لها وهي في موقعها وتحتاج كل خلية، من أجل بقائها بصورة منظمة إلى الأوكسجين والماء والتغذية. وتقوم كمية الماء التي تدور حول الخلايا بتزويدها بهذه المواد. وينقل الماء، في الوقت نفسه، النفايات التي تفرزها هذه الخلايا.

وهكذا، تعيش مليارات الخلايا التي يتألف منها جسدنا، حياة نشيطة، على غرار النحل في القفير فتتكاثر وتزيد في حجم جسدنا إلى حد ما، كما تحدّده العوامل الوراثية.

يقول ماك كاريسون: ((إنَّ هذه الخلايا تتحلى بحكمة رائعة، وتثير مراقبتها دهشةً غير مستغربة. ويمكننا أن نراقبها بواسطة المجهر، عندما تُزرع في وسط يساعدها على النمو)).

ويشير ماك كاريسون إلى أنَّه لن ينسى أبداً أولى مشاهداته عندما أخذ بمراقبة بعض الخلايا التي زرعها في غدة، إذ كان ينظر إليها طوال ساعات، بينما كانت تنمو وتتكاثر وتعمل. كان يبدو لي أنني أسمعها تتمتم في ما بينها قائلة:

((يجب أن نجتمع ونكوّن هذه الغدّة ... يجب ذلك علينا ... يتوجب علينا !)).

كان كاريل يقول لنا إنَّه، عندما كان يزرع خلايا الدم التي يقتصر عملها على تأمين الأوكسجين لجميع الخلايا الأخرى، كانت هذه الخلايا تتجمع على شكل شرايين دموية، فتبدو وكأنها تدرك أنَّها لن تستطيع إكمال رسالتها، إذا هي لم تقم بهذا العمل. فكّروا بالأعجوبة، وبالجمال والذكاء، وبتوافق كل هذه الأعمال مع الهدف... فكروا أيضاً بأنَّ ذلك كله مرتبط بالتركيب المناسب للبيئة السائلة، التي تعيش وتنشط فيها هذه الخلايا، ثمَّ تتحرر من النفايات الضارة التي تفرزها وهكذا يقتصر هدف الطعام

على ضرورة تأمين إمكانية العمل المنتظم لأعضاء الجسم.

ومن الواضح أنَّه لا بُدَّ من تأمين تغذية مناسبة للحصول على صحة قوية، علماً بأنَّ هناك عوامل ضرورية أخرى للمحافظة على الصحة، إلا أنَّ هذه العوامل ليست مهمة كعنصر التغذية.

ويعتبر علماء التغذية أنَّ التنفس الصحيح والغذاء الطبيعي غير المطهو هما من أهم العوامل التي تساعد على بناء الخلايا في الجسم.

4- الشفاء الذاتي:

يوجد في داخل الجسم الإنساني جهاز للمناعة، وللشفاء الذاتي من الأمراض فإذا كان هذا الجهاز قوياً فإنَّه يقاوم الأمراض ويفتك بالجراثيم والميكروبات وبالتالي يعمل على شفاء الإنسان بذاته من دون حاجة إلى الأدوية والعقاقير وأمَّا إذا كان ضعيفاً فإنَّه يتأثر بالأجسام الغريبة التي تصيب الجسم ما يُسبب حدوث الأمراض والأوجاع وكما أنَّ الجروح والكسور تلتئم بفعل نظام الشفاء الطبيعي في الجسد كذلك الحال في معظم الأمراض.

يقول الدكتور (أندرو ويل) في كتابه (الشفاء الذاتي) وهو من أكثر الكتب مبيعاً في العالم: (نظام الشفاء هو نظام تلقائي، وهو اتجاه طبيعي ينشأ عن الطبيعية الداخلية للحامض النووي... وهو يعمل على إزالة الأضرار الخطيرة وتجميد آثارها)(10).

ويقول: ((وينبغي على الكائنات الحية الدقيقة أن يكون لها نظام إصلاح ذاتي كضرورة للتطور بحيث تستطيع أن تواجه القوى التي تسبب الإصابات أو المرض... ويشير بقاء الأنواع على قيد الحياة في حد ذاته إلى وجود نظام للشفاء الذاتي))(11).

ونستطيع أن ندرك عمل جهاز الشفاء الذاتي من خلال القصص الكثيرة التي تتحدث عن أشخاص شفوا من الأمراض تلقائياً بالرغم من عجز الأطباء والأدوية عن مداواتهم(12).

ولتقريب الفكرة يقول أحد خبراء البيئة: ((إنَّ الأنهار مثل الكائنات الحية في أنَّ لها عدة آليات لتحتفظ بصحتها جيدة، حيث يمكن أن تلقى بالمخلفات في النهر، وعند حد معين يستطيع النهر أن يتخلّص من السموم ويظل في صحة جيدة، على سبيل المثال فإنَّ اضطراب حياة النهر يخلط المياه بالأوكسجين وهو عنصر مطهر قوي ويقضي على الجراثيم مثل الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشَّمس، كما أن العديد من النباتات التي تنمو في الأنهار مثل الطحالب والدرجات الأعلى منها يمكن أن تزيل الملوثات من المياه، لكنك إذا داومت على إلقاء المخلّفات في النهر فسوف تصل إلى الحد الحرج الذي تعجز عنده آليات التطهير الطبيعية مِمَّا يؤدي إلى موت النباتات والكائنات الدقيقة المفيدة ويصبح النهر مريضاً)) ويقول أيضاً: ((إنَّ النهر الذي يبدو أنه في حالة تلوث ميؤوس منها يمكن أن يشفى من ذلك أيضاً، فإذا توقفت عن إلقاء المخلّفات فيه سوف تنخفض نسبة الملوثات إلى الحد الذي تستطيع فيه آليات التطهير الذاتي أن تعمل ويزداد معدل ذوبان الأوكسجين في المياه، وتخترق أشعة الشمس مستويات أعمق من النهر، وتعود الأحياء الدقيقة المفيدة، ويقوم النهر بتطهير نفسه، فلماذا لا تفعل الشرايين والأوردة في الإنسان نفس الشيء))(13).

ومن أهم الأشياء التي تساعد على تقوية جهاز المناعة هي: النظام الغذائي المتوازن المعتمد على الإكثار من تناول الفاكهة والخضروات خصوصاً القمح.

فيقول خبراء التغذية: ((إنَّ وجبة من الطعام الغني بالكلوروفيل (الموجودة في الخضار الطازج غير المطهو) تتمتع بالقدرة على أسر الجذور الحرة المؤذية للأوعية الدموية وبذلك لا تقلل من إمكانات الإصابة بمرض قلبي وعائي فحسب بل إنها تقلل إلى حد كبير الإصابة بأنواع كثيرة من السرطان، وقد جرب ذلك على الحيوانات المخبرية فتبيّن أنَّ الحيوانات التي أطعمت مواد كهذه مع تعريضها عمداً لمواد مسرطنه كانت نسبة إصاباتها بسرطان المعدة والكبد والمعي الغليظ أقل من إصابات مثيلاتها من المخلوقات التي لم تُعرّض لهذه التجربة)).

وقد ذكر الدكتور (ويل) قائمة من الأطعمة التي تساعد على فاعلية نظام الشفاء في الجسم وأهمها الثوم والزنجبيل، والشاي الأخضر، ويقول الأطباء: إنَّ تناول جزرة واحدة يومياً قد يقي من السرطان.

وقد ذكرت النصوص الدينيَّة قائمة من الأطعمة عبرت عنها أنَّها (شفاء من كل داء) وسيأتي ذكرها لاحقاً.

إنَّ هذا النظام الغذائي المساعد لتقوية جهاز المناعة يعتمد على الطعام الخام لا على الطعام المطهو.

تقول الدكتورة ويغمور: إنَّ تناول الطعام المطهو يأذن للتورمات والزوائد بأن تبني ذاتها داخل الجسم، وعندما يُستعاض عنه بالطعام الطازج الحي تبدأ حالاً هذه الأورام والزوائد تتقلص لحاجتها إلى التغذية... أكثر الاختبارات إثارة والتي أتذكرها كانت رؤيتي لخلايا سرطانية أخذت من جسم إنسان مصاب ونمت بنشاط على الطعام المطهو ولكن هذه الخلايا السرطانية لم تستطع أن تبقى حية على الطعام ذاته عندما يكون الطعام غير مطهو.

إنَّ الدكتور (إيراب – ثوماس) الرجل الذي سأتكلم عنه، فيما بعد ـ اقتنع تماماً من خلال خبرته الطويلة بأن تناول الطعام المطهو يأذن للتورمات والزوائد بأن تبني ذاتها داخل الجسم. وعندما يستعاض بالطعام الطازج الحي تبدأ حالاً هذه الأورام والزوائد تتقلص لحاجتها إلى التغذية.

بالنسبة لجسم الإنسان، إنَّ الخضرة غير المطهوة، هي اللون الموافق للتغذية، بينما الخضار المطهوة هي طعام ميت وهو فعلاً غير ملائم كتغذية بالنسبة للمسارات الهضمية للحيوانات والكائنات البشرية على السواء.

ومع كل ذلك فمن الضروري وقاية الجسم من السموم الفتاكة التي تدخل إليه الطعام والماء والهواء، والأدوية، وغيرها فإنَّها مِمَّا تضعف عمل جهاز المناعة، يقول الدكتور (ويل»: ((وسواء كانت السموم ناشئة عن طاقة أو مادة فإنَّها تضرُّ الحامض النووي لنواة الخلية التي تحتوي عمل المعلومات التي يحتاجها الشفاء الذاتي وتمزق التحكم البيولوجي الذي يعتمد نظام الشفاء، ويضعف جهاز الدفاع في الجسم ويُساعد على نمو السرطان وأمراض أخرى))(14).

وكما أن نظام الشفاء الذاتي يعتمد في تقويته على نوعية الغذاء فإنه يعتمد على كميته أيضاً وفي هذا الصدد يقول البروفسور (الفرود): إنَّ هناك عمليات حيوية كثيرة تتأثر تأثراً إيجابياً بتخفيض الطعام وهي لا زالت قيد البحث والدراسة، وما تبيّن هو زيادة نشاط عمليات الجسم الدفاعية وقوَّة المناعة وذلك عن طريق:

1- تقوية الخلايا القاتلة وهي خلايا بيضاء توجد في الجسم متخصصة في مهاجمة الأورام السرطانية في حالة تولدها في الجسم.

2- إطالة عمر وزيادة فعالية الخلايا الدفاعية اللمفاوية وذلك بتأخير الشيخوخة الحاصلة في بعض الخلايا(15).

_____________________

(1) طب الأئمة: ص 133.

(2) نكون أو لا نكون ص 51.

(3) المصدر السابق: ص 90.

(4) طب الأئمة: ص 132.

(5) المصدر السابق: ص 135.

(6) المصدر السابق: ص381.

(7) المصدر السابق: ص 145.

(8) المصدر السابق.

(9) طب الإمام الصادق (عليه السلام): ص31.

(10) الشفاء الذاتي: ص 129.

(11) المصدر نفسه: ص 121.

(12) المصدر نفسه: ص 8.

(13) الشفاء الذاتي: ص 139.

(14) الشفاء الذاتي: ص 215.

(15) البُطنة تذهب الفطنة: ص 22. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.