المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 18498 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



من قصة النبي موسى وفرعون  
  
113   09:16 صباحاً   التاريخ: 2025-03-03
المؤلف : الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
الكتاب أو المصدر : التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة : ج 5 ص203-210.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي موسى وهارون وقومهم /

من قصة النبي موسى وفرعون

قال تعالى : {وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 10 ) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَ لا يَتَّقُونَ ( 11 ) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ( 12 ) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ ( 13 ) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ( 14 )قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ ( 15 ) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ ( 16 ) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ ( 17 ) قالَ أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ( 18 ) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ ( 19 )قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ( 20 ) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 21 ) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ ( 22 ) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ( 23 ) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ( 24 )قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ ( 25 ) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ( 26 ) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ( 27 ) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ( 28 ) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ( 29 )

قالَ أَ وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ( 30 ) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 31 ) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ( 32 ) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ ( 33 ) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ ( 34 ) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ ( 35 ) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ( 36 ) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ( 37 ) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ( 38 ) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ( 39 ) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ ( 40 ) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ ( 41 ) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( 42 ) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ ( 43 ) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ ( 44 ) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ ( 45 ) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ ( 46 ) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ( 47 ) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ( 48 ) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ( 49 )

قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ ( 50 ) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ( 51 ) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ( 52 ) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ( 53 ) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ( 54 ) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ ( 55 ) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ ( 56 ) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( 57 ) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ ( 58 ) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ ( 59 ) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ( 60 ) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ( 61 ) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ ( 62 ) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }[ سورة الشعراء : 10 - 63 ] ؟ !

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « لما بعث اللّه موسى عليه السّلام إلى فرعون أتى بابه ، فاستأذن عليه ، فلم يأذن له ، فضرب بعصاه الباب ، فاصطكّت الأبواب ففتحت ، ثم دخل على فرعون ، فأخبره أنه رسول اللّه ، وسأله أن يرسل معه بني إسرائيل . فقال له فرعون ، كما حكى اللّه : أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ أي قتلت الرجل وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ يعني كفرت نعمتي . قال موسى ، كما حكى اللّه :{فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ }.

- قال علي بن محمد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون ، وذكر الحديث في عصمة الأنبياء ، من سؤال المأمون للرضا عليه السّلام ، فكان فيما سأله : فما معنى قول موسى لفرعون : فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ؟ .

قال الرضا عليه السّلام : « إنّ فرعون قال لموسى عليه السّلام لمّا أتاه : وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ بي قال موسى : فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ عن الطريق ، بوقوعي إلى مدينة من مدائنك فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وقد قال اللّه تعالى لنبيّه محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى : 6] .

يقول ألم يجدك وحيدا فأوى إليك الناس ؟ {وَوَجَدَكَ ضَالًّا } [الضحى : 7] يعني عند قومك فَهَدى {فَهَدَى} [الضحى: 7] أي هداهم إلى معرفتك . {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] يقول : أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا » .

فقال المأمون : بارك اللّه فيك ، يا بن رسول اللّه « 1 » .

فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ إلى قوله تعالى : أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ فقالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ؟ وإنّما سأله عن كيفيّة اللّه ، فقال موسى : رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ، فقال فرعون - متعجّبا - لأصحابه : أَلا تَسْتَمِعُونَ أسأله عن الكيفيّة ، فيجيبني عن الصّفات ؟ !

فقال موسى : رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قال فرعون لأصحابه : اسمعوا ، قال : ربّكم وربّ آبائكم الأولين !

ثم قال لموسى : لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ

قال موسى : أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ .

قال فرعون : فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ فلم يبق أحد من جلساء فرعون إلا هرب ، ودخل فرعون من الرّعب ما لم يملك به نفسه ، فقال فرعون : نشدتك باللّه ، وبالرّضاع ، إلا ما كففتها عنّي ، فكفّها ، ثم نَزَعَ يَدَهُ ، فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ ، فلمّا أخذ موسى العصا رجعت إلى فرعون نفسه ، وهمّ بتصديقه ، فقام إليه هامان ، فقال له : بينما أنت إله تعبد ، إذ صرت تابعا لعبد !

ثم قال فرعون للملأ الذين حوله : إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ إلى قوله : لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ . وكان فرعون وهامان قد تعلّما السّحر ، وإنما غلبا الناس بالسحر ، وادّعى فرعون الربوبيّة بالسّحر ، فلما أصبح بعث فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ، مدائن مصر كلّها ، وجمعوا ألف ساحر ، واختاروا من الألف مائة ، ومن المائة ثمانين ، فقال السحرة لفرعون : قد علمت أنّه ليس في الدنيا أسحر منا ، فإن غلبنا موسى فما يكون لنا عندك ؟ قال : إِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عندي ، أشارككم في ملكي . قالوا : فإن غلبنا موسى ، وأبطل سحرنا ، علمنا أن ما جاء به ليس من قبل السحر ، ولا من قبل الحيلة ، وآمنّا به ، وصدّقناه . فقال فرعون : إن غلبكم موسى ، صدّقته أنا أيضا معكم ، ولكن أجمعوا كيدكم ، أي حيلتكم » .

قال : « وكان موعدهم يوم عيد لهم ، فلمّا ارتفع النهار من ذلك اليوم ، جمع فرعون الخلق ، والسحرة ، وكانت له قبة طولها في السّماء ثمانون ذراعا ، وقد كانت كسيت بالحديد والفولاذ المصقول ، فكانت إذا وقعت الشمس عليها ، لم يقدر أحد أن ينظر إليها ، من لمع الحديد ، ووهج الشمس ، وجاء فرعون وهامان ، وقعدا عليها ينظران ، وأقبل موسى ينظر إلى السّماء ، فقالت السحرة لفرعون : إنا نرى رجلا ينظر إلى السماء ، ولن يبلغ سحرنا إلى السماء ، وضمنت السحرة من في الأرض .

فقالوا لموسى : {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} [الأعراف : 115] قال لهم موسى : أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ فأقبلت تضطرب ، وصالت « 2 » مثل الحيّات ، وهاجت ، فقالوا : بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ . فهال الناس ذلك ، فأوجس في نفسه خيفة موسى ، فنودي : {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 68، 69] .

فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ ، فذابت في الأرض مثل الرّصاص ، ثم طلع رأسها ، وفتحت فاها ، ووضعت شدقها الأعلى على رأس قبّة فرعون ، ثم دارت ، وأرخت شفتها السّفلى ، والتقمت عصيّ السحرة ، وحبالهم ، وغلب كلّهم ، وانهزم الناس حين رأوها ، وعظمها ، وهولها ، مما لم تر العين ، ولا وصف الواصفون مثله قبل ، فقتل في الهزيمة ، من وطء الناس بعضهم بعضا ، عشرة آلاف رجل وامرأة وصبيّ ، ودارت على قبّة فرعون - قال - فأحدث فرعون وهامان في ثيابهما ، وشاب رأسهما ، وغشي عليهما من الفزع .

ومرّ موسى في الهزيمة مع الناس ، فناداه اللّه : {خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [طه: 21] ، فرجع موسى ، ولفّ على يده عباءة كانت عليه ، ثمّ أدخل يده في فيها ، فإذا هي عصا كما كانت ، فكان كما قال اللّه : فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ لمّا رأوا ذلك ، و قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ، فغضب فرعون عند ذلك غضبا شديدا ، وقال : آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ يعني موسى الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ فقالوا ، كما حكى اللّه : لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ .

فحبس فرعون من آمن بموسى في السجن ، حتى أنزل اللّه عليهم الطوفان ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، فأطلق فرعون عنهم فأوحى اللّه إلى موسى : أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ، فخرج موسى ببني إسرائيل ، ليقطع بهم البحر ، وجمع فرعون أصحابه ، وبعث في المدائن حاشرين ، وحشر الناس ، وقدم مقدّمته في ست مائة ألف ، وركب هو في ألف ألف ، وخرج كما حكى اللّه عزّ وجلّ : فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ .

قال أبو جعفر عليه السّلام ، في قوله : لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ يقول : عصبة قليلة وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ يقول : مؤدّون في الأداة ، وهو الشاكي في السّلاح وأمّا قوله : وَمَقامٍ كَرِيمٍ يقول : مساكن حسنة . وأمّا قوله : فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ يعني عند طلوع الشمس . وأمّا قوله : إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ يقول : سيكفين » « 3 » .

فلمّا قرب موسى من البحر ، وقرب فرعون من موسى ، قال أصحاب موسى : إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قال موسى : كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ أي سينجيني : فدنا موسى عليه السّلام من البحر ، فقال له : انفلق ، فقال البحر له :

استكبرت - يا موسى - أن تقول لي أنفلق « 4 » لك ، ولم أعص اللّه طرفة عين ، وقد كان فيكم المعاصي ؟ فقال له موسى : فاحذر أن تعصي اللّه وقد علمت أن آدم أخرج من الجنّة بمعصيته ، وإنّما إبليس لعن بمعصيته ، فقال البحر : ربّي عظيم ، مطاع أمره ، ولا ينبغي لشيء أن يعصيه .

فقام يوشع بن نون ، فقال لموسى : يا رسول اللّه ، ما أمرك ربّك ؟ قال :

بعبور البحر . فاقتحم يوشع فرسه في الماء ، فأوحى اللّه إلى موسى : أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ ، فضربه فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ، أي كالجبل العظيم ، فضرب له في البحر اثني عشر طريقا ، فأخذ كل سبط منهم في طريق ،فكان الماء قد ارتفع ، وبقيت الأرض يابسة ، طلعت فيها الشمس ، فيبست ، كما حكى اللّه : {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } [طه: 77] .

ودخل موسى وأصحابه البحر ، وكان أصحابه اثني عشر سبطا ، فضرب اللّه لهم في البحر اثني عشر طريقا ، فأخذ كلّ سبط في طريق ، وكان الماء قد ارتفع على رؤوسهم مثل الجبال ، فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى عليه السّلام في طريقه ، فقالوا : يا موسى أين إخواننا ؟ فقال لهم : معكم في البحر . فلم يصدّقوه ، فأمر اللّه البحر ، فصارت طاقات ، حتى كان ينظر بعضهم إلى بعض ، ويتحدّثون .

وأقبل فرعون وجنوده ، فلمّا انتهى إلى البحر ، قال لأصحابه : ألا تعلمون أنّي ربّكم الأعلى ؟ قد فرج لي البحر . فلم يجسر أحد أن يدخل البحر ، وامتنعت الخيل منه لهول الماء ، فتقدّم فرعون ، حتى جاء إلى ساحل البحر ، فقال له منجّمه : لا تدخل البحر . وعارضه فلم يقبل منه ، وأقبل على فرس حصان ، فامتنع الحصان أن يدخل الماء ، فعطف عليه جبرئيل ، وهو على ماديانة « 5» ، فتقدّمه ودخل ، فنظر الفرس إلى الرمكة « 6 » فطلبها ، ودخل البحر ، واقتحم أصحابه خلفه . فلمّا دخلوا كلّهم ، حتى كان آخر من دخل من أصحابه ، وآخر من خرج من أصحاب موسى ، أمر اللّه الرياح ، فضربت البحر بعضه ببعض ، فأقبل الماء يقع عليهم مثل الجبال ، فقال فرعون عند ذلك :

{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس : 90] فأخذ جبرئيل كفّا من حمأ ، فدسّها في فيه ، ثم قال : {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91]« 7».

_______________

( 1 ) عيون أخبار الرضا عليه السّلام : ج 1 ، ص 199 ، ح 1 .

( 2) صال عليه : إذا استطال ووثب . « الصحاح - صول - ج 5 ، ص 1746 » .
( 3) تفسير القمي : ج 2 ، ص 122 .

( 4 ) في « ط » : أنفرق انفرق ، وفي « ي » افترق افترق .

( 5 ) الماديانة : المراد بها الرمكة ، كما في ظاهر الحديث .

( 6 ) الرّمكة : الفرس التي تتّخذ للنسل . « لسان العرب - رمك - ج 10 ، ص 434 » .

( 7 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 118 .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .