أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-30
885
التاريخ: 2024-03-30
938
التاريخ: 5-05-2015
2623
التاريخ: 27-02-2015
5830
|
نماذج تطبيقيّة للاتّجاه الاجتماعيّ
أ- مفهوم "حرّيّة الإنسان" في قوله تعالى: {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ} [هود: 88]..
قال العلامة الطباطبائي قدس سره في تفسير الميزان في سياق تفسيره لهذه الآية: "الإنسان بحسب الخلقة موجود ذو شعور وإرادة له أن يختار لنفسه ما يشاء من الفعل، وبعبارة أخرى: له في كلّ فعل يقف عليه أن يختار جانب الفعل، وله أن يختار جانب الترك، فكلّ فعل من الأفعال الممكنة الإتيان، إذا عرض عليه، كان هو بحسب الطبع واقفاً بالنسبة إليه على نقطة يلتقي فيها طريقان: الفعل والترك، فهو مضطرّ في التلبّس والاتّصاف بأصل الاختيار، لكنّه مختار في الأفعال المنتسبة إليه الصادرة عنه باختياره، أي إنّه مطلق العنان بالنسبة إلى الفعل والترك، بحسب الفطرة غير مقيّد بشيء من الجانبين ولا مغلول، وهو المراد بحرّيّة الإنسان تكويناً.
ولازم هذه الحرّيّة التكوينيّة حرّيّة أخرى تشريعيّة يتقلّد بها في حياته الاجتماعيّة، وهو أنّ له أن يختار لنفسه ما شاء من طرق الحياة، ويعمل بما شاء من العمل، وليس لأحد من بنى نوعه أن يستعلي عليه، فيستعبده ويتملّك إرادته وعمله، فيحمل بهوى نفسه عليه ما يكرهه، فإنّ أفراد النوع أمثال، لكلّ منهم ما لغيره من الطبيعة الحرّة، قال تعالى: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } [آل عمران: 64] ، وقال: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} [آل عمران: 79] - إلى أن قال - {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 79]. هذا ما للإنسان بالقياس إلى أمثاله من بني نوعه، وأمّا بالقياس إلى العلل والأسباب الكونيّة التي أوجدت الطبيعة الإنسانيّة، فلا حرّيّة له قبالها، فإنّها تملكه وتحيط به من جميع الجهات، وتقلّبه ظهراً لبطن، وهي التي بإنشائها ونفوذ أمرها فعلت بالإنسان ما فعلت، فأظهرته على ما هو عليه من البنيان والخواصّ، من غيـر أن يكون له الخيرة من أمره، فيقبل ما يحبّه، ويردّ ما يكرهه، بل كان كما أريد، لا كما أراد، حتى أنّ أعمال الإنسان الاختياريّة، وهي ميدان الحرّيّة الإنسانيّة، إنّما تطيع الإنسان فيما أذنت فيه هذه العلل والأسباب، فليس كلّ ما أحبّه الإنسان وأراده بواقع، ولا هو في كلّ ما اختاره لنفسه بموفّق له، وهو ظاهر.
وهذه العلل والأسباب هي التي جهّزت الإنسان بجهازات تذكّره حوائجه ونواقص وجوده، وتبعثه إلى أعمال فيها سعادته وارتفاع نواقصه وحوائجه، كالغاذية -مثلاً- التي تذكّره الجوع والعطش وتهديه إلى الخبز والماء لتحصيل الشبع والري، وهكذا سائر الجهازات التي في وجوده.
ثمّ إنّ هذه العلل والأسباب أوجبت إيجاباً تشريعيّاً على الإنسان الفرد أموراً ذات مصالح واقعيّة لا يسعه إنكارها، ولا الاستنكاف بالاستغناء عنها، كالأكل، والشرب، والإيواء، والاتّقاء من الحرّ والبرد، والدفاع تجاه كلّ ما يضادّ منافع وجوده.
ثمّ أفطرته بالحياة الاجتماعيّة، فأذعن بوجوب تأسيس المجتمع المنزليّ والمدنيّ، والسير في مسير التعاون والتعامل، ويضطرّ ذلك إلى الحرمان عن موهبة الحرّيّة من جهتين: إحداهما: أنّ الاجتماع لا يتمّ من الفرد، إلا بإعطائه الأفراد المتعاونين له حقوقاً متقابلة محترمة عنده، ليعطوه بإزائها حقوقاً يحترمونها، وذلك بأنْ يعمل للناس، كما يعملون له، وينفعهم بمقدار ما ينتفع بهم، ويحرم عن الانطلاق والاسترسال في العمل على حسب ما يحرمهم، فليس له أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، بل هو حرّ فيما لا يزاحم حرّيّة الآخرين، وهذا حرمان عن بعض الحرّيّة للحصول على بعضها. وثانيتهما: أنّ المجتمع لا يقوم له صلب، دون أن يجري فيه سنن وقوانين يتسلّمها الأفراد المجتمعون أو أكثرهم، تضمن تلك السنن والقوانين منافعهم العامّة، بحسب ما للاجتماع من الحياة الراقية أو المنحطّة الرديّة، ويستحفظ بها مصالحهم العالية الاجتماعيّة.
ومن المعلوم أنّ احترام السنن والقوانين يسلب الحرّيّة عن المجتمعين في مواردها، فالذي يستنّ سنّة أو يقنّن قانوناً، سواء أكان هو عامّة المجتمعين أو المندوبين منهم أو السلطان أو كان هو الله ورسوله - على حسب اختلاف السنن والقوانين - يحرم الناس بعض حرّيّتهم، ليحفظ به البعض الآخر منها، قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68] ، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } [الأحزاب: 36]. فتلخّص أنّ الإنسان، إنّما هو حرّ بالقياس إلى أبناء نوعه، فيما يقترحونه لهوى من أنفسهم، وأمّا بالنسبة إلى ما تقتضيه مصالحه الملزمة، وخاصّة المصالح الاجتماعيّة العامّة، على ما تهديه إليها وإلى مقتضياتها العلل والأسباب، فلا حرّيّة له البتّة، ولا أنّ الدعوة إلى سنّة أو أيّ عمل يوافق المصالح الإنسانيّة، من ناحية القانون أو من بيده إجراؤه أو الناصح المتبرّع الذي يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، متمسّكاً بحجّة بيّنة، من التحكّم الباطل وسلب الحرّيّة المشروعة في شيء. ثمّ إنّ العلل والأسباب المذكورة وما تهدي إليه من المصالح مصاديق لإرادة الله سبحانه أو إذنه - على ما يهدي إليه ويبيّنه تعليم التوحيد في الإسلام - فهو سبحانه المالك على الإطلاق، وليس لغيره، إلا المملوكيّة من كلّ جهة، ولا للإنسان، إلا العبوديّة محضاً، فمالكيّته المطلقة تسلب أيّ حرّيّة متوهّمة للإنسان بالنسبة إلى ربّه، كما أنّها هي تعطيه الحرّيّة بالقياس إلى سائر بنى نوعه، كما قال تعالى: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 64]. فهو سبحانه الحاكم على الإطلاق، والمطاع من غير قيد وشرط، كما قال: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾، وقد أعطى حقّ الأمر والنهي والطاعة لرسله ولأولي الأمر وللمؤمنين من الأمّة الإسلاميّة، فلا حرّيّة لأحد قبال كلمة الحقّ الذي يأتون به ويدعون إليه، قال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ، وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] "(1).
ب- مفهوم "الأمن الاجتماعيّ" في قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } [الحجرات: 11، 12].
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل بصدد تفسيره لهذه الآيات: "إنّ الأوامر أو التعليمات الستة الواردة في الآيتين آنفتي الذكر (النهي عن السخرية، واللمز، والتنابز بالألقاب، وسوء الظن، والتجسس، والاغتياب) إذا نفّذت في المجتمع، فإنّ سمعة وكرامة الأفراد في ذلك المجتمع تكون مضمونة من جميع الجهات، فلا يستطيع أحد أن يسخر من الآخرين - على أنّه أفضل - ولا يمدّ لسانه باللمز، ولا يستطيع أن يهتك حرمتهم باستعمال الألقاب القبيحة، ولا يحقّ له حتّى أن يسيء الظنّ بهم، ولا يتجسّس على حياة الأفراد الخاصّة، ولا يكشف عيوبهم الخفية (باغتيابهم).
وبتعبير آخر: إنّ للإنسان رؤوس أموال أربعة ويجب أن تحفظ جميعاً في حصن هذا القانون، وهي: (النفس، والمال، والناموس، وماء الوجه).
والتعابير الواردة في الآيتين محلّ البحث والروايات الإسلاميّة تدلّ على أنّ ماء وجه الأفراد، كأنفسهم وأموالهم، بل هو أهمّ من بعض الجهات. الإسلام يريد أن يحكم المجتمع أمن مطلق، ولا يكتفي بأن يكفّ الناس عن ضرب بعضهم بعضاً فحسب، بل أسمى من ذلك، بأن يكونوا آمنين من ألسنتهم، بل وأرقى من ذلك، أن يكونوا آمنين من تفكيرهم وظنّهم أيضاً، وأن يحسّ كلّ منهم أنّ الآخر لا يرشقه بنبال الاتّهامات في منطقة أفكاره. وهذا الأمن في أعلى مستوى، ولا يمكن تحقّقه، إلا في مجتمع رساليّ مؤمن.
يقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الصدد: "إنّ الله حرّم من المسلم دمه وماله وعرضه، وأن يظنّ به السوء".
إنّ سوء الظنّ لا أنّه يؤثّر على الطرف المقابل ويسقط حيثيّته فحسب، بل هو بلاء عظيم على صاحبه، لأنّه يكون سبباً لإبعاده عن التعاون مع الناس، ويخلق له عالماً من الوحشة والغربة والانزواء، كما ورد في حديث عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: "من لم يحسن ظنّه استوحش من كلّ أحد".
وبتعبير آخر: إنّ ما يفصل حياة الإنسان عن الحيوان ويمنحها الحركة والرونق والتكامل هو روح التعاون الجماعيّ، ولا يتحقّق هذا الأمر، إلا في صورة أن يكون الاعتماد على الناس (وحسن الظنّ بهم) حاكماً. في حين أنّ سوء الظنّ يهدم قواعد هذا الاعتماد، وتنقطع به روابط التعاون، وتضعف به الروح الاجتماعية. وهكذا الحال في التجسّس والغيبة أيضاً. إنّ سيّئ النظرة والظنّ يخافون من كلّ شيء، ويستوحشون من كلّ أحد، وتستولي على أنفسهم نظرة الخوف، فلا يستطيعون أن يقفوا على ولي ومؤنس يطوي الهموم، ولا يجدون شريكاً للنشاطات الاجتماعية، ولا معيناً ونصيراً ليوم الشدّة!"(2).
_________________
1.الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج10، ص370-373.
2.الشيرازي، ناصر مكارم: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ط1، بيروت، دار الأميرة، 1426هـ.ق/ 2005م، ج16، ص353-354.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|