أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-05
827
التاريخ: 2-03-2015
2012
التاريخ: 2023-12-20
1026
التاريخ: 2024-01-02
1498
|
الاتّجاه الكلاميّ في تفسير القرآن
تأثير ذوق المفسّر وخلفيّاته العقدية والكلاميّة في عمليّة تفسيره للقرآن وفهم معانيه وبيان مقاصده.
نشأة الاتّجاه الكلاميّ وتاريخه
لم يكن هناك اختلاف ملحوظ في المسائل العقديّة والكلاميّة في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّما حدث ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، وخصوصاً في مسألة الإمامة. وقد اتّسعت دائرة هذه الخلافات تدريجيّاً إلى مسائل صفات الله تعالى والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ نشأ علم الكلام في أواخر القرن الأوّل الهجريّ وبداية القرن الثاني، فظهرت المدرسة الاعتزاليّة في الكلام بواسطة واصل بن عطاء (80-131هـ.ق)، وتبلورت مدرسة الأشاعرة عن طريق أبي الحسن الأشعريّ (ت: 330هـ.ق تقريباً)، ثمّ ظهرت بعد ذلك الفرقة الماتريدية. فيما نشأت المدرسة الكلامية للشيعة عن طريق أهل البيت عليهم السلام مع بداية ظهور الإسلام ولها عقائد مستوحاة من القرآن الكريم وأحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في مسألة الإمامة والعصمة، ثمّ أصبحت أكثر ترتيباً وتنظيماً على يد بعض العلماء، أمثال: الشيخ المفيد (336-413هـ.ق). وقد مارست هذه المدارس الكلامية التفسير -أيضاً-، فكانت تأخذ من الآيات ما يوافق آراءها، وتؤوّل الآيات المخالفة، أو تقوم بتوجيهها بحقٍّ أو بغير حقٍّ. وبناءً على ما تقدّم، فقد ظهرت الاتّجاهات الكلامية في التفسير بأنواع مختلفة، واستمرّت حتى عصرنا الحاليّ(1).
اهتمامات الاتّجاه الكلاميّ
أكثر ما يهتمّ به المفسِّر في الاتّجاه الكلاميّ هو الآتي(2):
أ- تفسير آيات العقائد (التوحيد/ العدل/ النبوّة/ الإمامة/ المعاد/...).
ب- الآيات المتشابهة في القرآن.
ج- إثبات عقائده ونفي عقائد الآخرين عن طريق تفسير الآيات.
د- الدفاع عن عقائد المسلمين أو الدفاع عن المدرسة الكلامية الّتي يتبنّاها.
هـ- الاستفادة من المنهج الاجتهاديّ والعقليّ في التفسير، واتّباع الطريقة الاستدلالية، إضافة إلى استخدام الروايات والآيات أيضاً، ولهذا فقد تشتمل التفاسير الكلامية على مناهج واتّجاهات متعدّدة.
أشهر المدارس الكلاميّة في التفسير
اشتهرت في البيئة المعرفيّة الإسلاميّة مدارس كلاميّة عدّة اهتمّت بتفسير القرآن الكريم من منطلق خلفيّاتها وتوجّهاتها الكلاميّة(3)، أبرزها الآتية:
أ- المدرسة الاعتزاليّة:
المعتزلة هم أتباع واصل بن عطاء (80-131هـ.ق). ومن أهمّ الشخصيات البارزة في هذه المدرسة: عمرو بن عبيد (ت: 143هـ.ق)، وأبو الهذيل العلّاف (ت: 235هـ.ق)، وإبراهيم النظّام (ت: 231هـ.ق)، والجاحظ (ت: 255هـ.ق)، والقاضي عبد الجبّار المعتزلي (ت: 415هـ.ق) والزمخشري (ت: 538هـ.ق)، وغيرهم(4). ومن أبرز التفاسير الكلاميّة عند المعتزلة، الآتي:
- متشابه القرآن: القاضي عبد الجبّار الهمداني (ت: 415هـ.ق)، وهو شافعيّ في المذهب الفقهيّ، ومعتزليّ في الكلام.
- تنزيه القرآن عن المطاعن: عبد الجبّار المعتزليّ.
- الكشّاف: أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشريّ (ت: 538هـ.ق) وقد تعرّض فيه إلى المسائل الأدبية واللغوية أيضاً.
- أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): القاضي ناصر الدِّين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمّد بن عليّ البيضاوي الشافعي (ت: 685هـ.ق)، وقد كتب هذا التفسير بالاعتماد على تفسير الكشّاف للزمخشريّ، والمشهور أنّ البيضاوي أشعريُّ المذهب، ولكن بعض المحقّقين يعتقدون أنّه معتزليّ، لأنّه أعطى أهميّة كبيرة للعقل والعدل في تفسيره.
- جامع التأويل لمحكم التنزيل: أبو مسلم الأصفهاني (ت: 322هـ.ق)، ولا يوجد أصل هذا التفسير، ولكن الفخر الرازي نقل عنه في تفسيره، وكذلك الطبرسي في مجمع البيان، وقد طُبعت آراء أبي مسلم الأصفهاني التفسيريّة في مصر وإيران بصورة مستقلّة، ويتميّز أبو مسلم بمنهجه العقليّ في التفسير.
وغيرها من التفاسير الأُخرى للمعتزلة التي ليست في متناول اليد الآن، مثل: تفسير أبي بكر عبد الرحمن بن كيان الأصم (ت: 240هـ.ق)، ومحمّد بن عبد الوهّاب بن سلام (أبو علي الجبائي) (ت: 303هـ.ق)، وهناك تفسير كبير لعبد السلام بن محمّد بن يوسف (ت: 483هـ.ق) شيخ المعتزلة.
ب- المدرسة الأشعريّة:
الأشاعرة هم أتباع أبي الحسن الأشعريّ (ت: 330هـ.ق تقريباً). ومن أهمّ الشخصيات البارزة في هذه المدرسة: القاضي أبو بكر الباقلاني (ت: 403هـ.ق)، وأبو إسحاق الإسفراييني (ت: 418هـ.ق)، وأبو المعالي الجويني (419-478هـ.ق)، ومحمّد الغزالي (ت: 505هـ)، والفخر الرازي (ت: 543هـ.ق)، وغيرهم(5). ومن أبرز التفاسير الكلاميّة عند الأشاعرة، الآتي:
- تأويلات القرآن: أبو منصور محمود الماتريدي (ت: 333هـ.ق)، وهو في الفقه من أتباع مذهب أبي حنيفة، ويميل إلى المدرسة الكلامية الأشعرية.
- مدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النسفي): عبد الله بن أحمد بن محمود بن محمّد النسفي (ت: 710هـ.ق) وقد دوّن هذا الكتاب من أجل نقد آراء الزمخشري في الكشّاف، والنسفيّ من أئمّة المذهب الحنفيّ في زمانه.
- بيان المعاني: عبد القادر الملّا حويش آل غاري (ت: 1398هـ.ق)، حنفيّ المذهب، ومن أتباع المذهب الأشعريّ في الكلام.
- مفاتيح الغيب (التفسير الكبير): الفخر الرازي (ت: 602 أو 606هـ.ق) ويطلق عليه إمام المشكّكين، وقد أسرف في ذكر المباحث الكلامية حتّى قيل في تفسيره: فيه كلّ شيء إلّا التفسير. وبالرغم من كونه أشعريّاً في الكلام، ولكنّه قد يتكلّم خلاف العقيدة الأشعرية في بعض الأحيان.
ج- المدرسة الإماميّة:
وهم الشيعة أتباع الأئمّة الاثني عشر - من الإمام عليّ عليه السلام إلى الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف -، وقد استفاد الشيعة من أئمّة أهل البيت عليهم السلام في القرون الأولى، وأخذوا عنهم أهمّ المسائل الكلامية. وقد شاع المذهب الكلاميّ للشيعة بعد انتهاء الغيبة الصغرى لإمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف سنة 329هـ.ق، بواسطة علماء الشيعة الكبار، أمثال: الشيخ المفيد (336-413هـ.ق)،
والسيّد المرتضى (355-436هـ.ق)، والشيخ الطوسي (385-460هـ.ق)، والخواجة نصير الدِّين الطوسي (597-672هـ.ق)، وغيرهم(6). ومن أبرز التفاسير الكلاميّة عند الشيعة، الآتي:
- غرر الفوائد ودرر القلائد (أمالي السيّد المرتضى): الشريف المرتضى (ت: 436هـ.ق)، والّذي جمع بين الظاهر والباطن.
- تفسير التبيان: الشيخ أبو جعفر الطوسي (ت: 460هـ.ق).
- تفسير مجمع البيان: الشيخ أبو علي الطبرسي (ت: 548هـ.ق).
- متشابه القرآن ومختلفه: ابن شهر آشوب المازندراني (ت: 588هـ.ق)، وقد دوّن هذا التفسير بصورة موضوعية.
- آلاء الرحمن: محمّد جواد البلاغي النجفي (282-1352هـ.ق)، وآخر هذا التفسير هو الآية (57) من سورة النساء، وكثيراً ما يتعرّض إلى المسائل الكلامية بين الأديان.
- الميزان في تفسير القرآن: العلامة السيد محمّد حسين الطباطبائي (1321-1402هـ.ق)، وهو يتعرّض كثيراً إلى المباحث الاعتقادية، وخصوصاً في المجلّدات الأولى من تفسيره، ورغم أنّ منهجه هو تفسير القرآن بالقرآن، ولكنّه يهتمّ كثيراً بالمباحث الكلامية والفلسفية.
- مواهب الرحمن: السيّد عبد الأعلى السبزواري (1328-1414هـ.ق).
- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (معاصر).
نماذج تطبيقيّة للاتّجاه الكلاميّ
أ. تفسير كلمة "ناظرة" في قوله تعالى:
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22، 23].
- المدرسة الأشعريّة: النظر الحسّيّ:
قال الرازي في التفسير الكبير في تفسير هذه الآية: "اعلم أنّ جمهور أهل السنّة يتمسّكون بهذه الآية في إثبات أنّ المؤمنين يرون الله تعالى يوم القيامة. أمّا المعتزلة فلهم ههنا مقامان، أحدهما: بيان أنّ ظاهره لا يدلّ على رؤية الله تعالى. والثاني: بيان التأويل. أمّا المقام الأوّل: فقالوا: النظر المقرون بحرف إلى ليس اسماً للرؤية، بل لمقدّمة الرؤية، وهي تقليب الحدقة نحو المرئيّ التماساً لرؤيته، ونظر العين بالنسبة إلى الرؤية، كنظر القلب بالنسبة إلى المعرفة، وكالإصغاء بالنسبة إلى السماع. فكما أنّ نظر القلب مقدّمة للمعرفة، والإصغاء مقدّمة للسماع، فكذا نظر العين مقدّمة للرؤية... المقام الثاني: في بيان التأويل المفصّل، وهو من وجهين الأوّل: أن يكون الناظر بمعنى المنتظر، أي أولئك الأقوام ينتظرون ثواب الله... التأويل الثاني: أن يضمر المضاف، والمعنى إلى ثواب ربها ناظرة... قوله: ليس النظر عبارة عن الرؤية، قلنا: ههنا مقامان: الأوّل: أن تقيم الدلالة على أنّ النظر هو الرؤية من وجهين: الأوّل: ما حكى الله تعالى عن موسى عليه السلام وهو قوله: {أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] ، فلو كان النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جانب المرئيّ، لاقتضت الآية أنّ موسى عليه السلام أثبت لله تعالى وجهة ومكاناً، وذلك محال. الثاني: أنّه جعل النظر أمراً مرتّباً على الإرادة، فيكون النظر متأخّراً عن الإرادة، وتقليب الحدقة غير متأخّر عن الإرادة، فوجب أن يكون النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جانب المرئيّ. المقام الثاني: وهو الأقرب إلى الصواب، سلّمنا أنّ النظر عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئيّ التماساً لرؤيته، لكنّا نقول: لمّا تعذّر حمله على حقيقته، وجب حمله على مسبّبه وهو الرؤية، إطلاقاً لاسم السبب على المسبّب، وحمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار، لأنّ تقليب الحدقة، كالسبب للرؤية ولا تعلّق بينه وبين الانتظار، فكان حمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار. أمّا قوله: النظر جاء بمعنى الانتظار، قلنا: لنا في الجواب مقامان: الأوّل: أنّ النظر الوارد بمعنى الانتظار كثير في القرآن، ولكنه لم يقرن البتّة بحرف إلى، كقوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] ، وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ } [الأعراف: 53] ، {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 210]. والذي ندّعيه أنّ النظر المقرون بحرف إلى المعدّى إلى الوجوه ليس إلا بمعنى الرؤية أو بالمعنى الذي يستعقب الرؤية ظاهر، فوجب أن لا يَرِد بمعنى الانتظار، دفعاً للاشتراك"(7).
- المدرسة المعتزليّة: انتظار الثواب:
قال الزمخشريّ في تفسير الكشاف: "﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ تنظر إلى ربها خاصّة، لا تنظر إلى غيره، وهذا معنى تقديم المفعول، ألا ترى إلى قوله: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة: 12] ، {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة: 30] ، {إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ} [الشورى: 53] ، {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28] ، {تُرْجَعُونَ} [البقرة: 28] ، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] ، كيف دلّ فيها التقديم على معنى الاختصاص، ومعلوم أنّهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر، ولا تدخل تحت العدد، في محشر يجتمع فيه الخلائق كلّهم، فإنّ المؤمنين نظارة ذلك اليوم، لأنّهم الآمنون الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظوراً إليه محال، فوجب حمله على معنى
يصحّ معه الاختصاص، والذي يصحّ معه أن يكون من قول الناس أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي، تريد معنى التوقّع والرجاء"(8).
- المدرسة الشيعيّة: النظر القلبيّ بحقيقة الإيمان:
قال العلامة الطباطبائي قدس سره في تفسير الميزان: "قوله: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ خبر بعد خبر لوجوه، و ﴿إِلَى رَبِّهَا﴾ متعلّق بناظرة قُدِّم عليها، لإفادة الحصر أو الأهمّيّة. والمراد بالنظر إليه تعالى ليس هو النظر الحسّيّ المتعلّق بالعين الجسمانية المادية التي قامت البراهين القاطعة على استحالته في حقّه تعالى، بل المراد النظر القلبيّ ورؤية القلب بحقيقة الإيمان على ما يسوق إليه البرهان، ويدل عليه الاخبار المأثورة عن أهل العصمة عليهم السلام"(9).
ب- حقيقة "الإضلال والهداية" في قوله سبحانه:
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93]..
قال العلامة الطباطبائي قدس سره في تفسير الميزان بصدد تفسيره لهذه الآية، وبيان صواب معتقد الشيعة الإماميّة في المسألة، وتفنيد آراء المدارس الكلاميّة الأخرى (الأشاعرة والمعتزلة): "لما انجرّ الكلام إلى ذِكْر اختلافهم عقَّب ذلك ببيان أنّ اختلافهم ليس بناقض للغرض الإلهيّ في خلقهم، ولا أنّهم معجزون له سبحانه، ولو شاء لجعلهم أمّة واحدة لا اختلاف بينهم، ولكنّ الله سبحانه جعلهم مختلفين بالهداية والإضلال، فهدى قوماً وأضلّ آخرين، وذلك أنّه تعالى وضع سعادة الإنسان وشقاءه على أساس الاختيار، وعرّفهم الطاعة المفضية إلى غاية السعادة، والمعصية المؤدّية إلى غاية الشقاء، فمن سلك مسلك المعصية واجتاز للضلال جازاه الله ذلك، ومن ركب سبيل الطاعة واختار الهدى جازاه الله ذلك، وسيسألهم جميعاً عمّا عملوا واختاروا. وبما تقدَّم يظهر أنّ المراد بجعلهم أمّة واحدة رفع الاختلاف من بينهم، وحملهم على الهدى والسعادة، وبالإضلال والهداية ما هو على سبيل المجازاة،
لا الضلال والهدى الابتدائيّان (وفق ما ذهب إليه الأشاعرة)، فإنّ الجميع على هدى فطريّ، فالذي يشاء الله ضلاله فيضلّه هو من اختار المعصية على الطاعة من غير رجوع ولا ندم، والذي شاء الله هداه فهداه هو من بقي على هداه الفطريّ وجرى على الطاعة أو تاب ورجع عن المعصية صراطاً مستقيماً وسنّة إلهيّة، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً، ولن تجد لسنّة الله تحويلاً. وإنّ قوله: ﴿وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، لدفع ما يسبق إلى الوهم أنّ استناد الضلال والهدى إليه سبحانه يبطل تأثير اختيارهم في ذلك، وتبطل بذلك الرسالة وتلغو الدعوة (وفق ما ذهب إليه المعتزلة). فأجيب: بأنّ السؤال باقٍ على حاله، لما أنّ اختياركم لا يبطل بذلك، بل الله سبحانه يمدّ لكم من الضلال والهدى ما أنتم تختارونه، بالركون إلى معصيته، أو بالإقبال إلى طاعته (وفق ما ذهب إليه الشيعة الإماميّة)(10).
المفاهيم الرئيسة
1- الاتّجاه الكلاميّ هو تأثير ذوق المفسّر وخلفيّاته العقدية والكلاميّة في عمليّة تفسيره للقرآن وفهم معانيه وبيان مقاصده.
2- نشأ هذا الاتّجاه بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بفعل الاختلاف في المسائل الكلاميّة بين المسلمين، وخصوصاً في مسألة الإمامة. وقد اتّسعت دائرة هذه الخلافات تدريجيّاً إلى مسائل صفات الله تعالى والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
3- أكثر ما يهتمّ به المفسِّر في الاتّجاه الكلاميّ هو الآتي: آيات العقائد، الآيات المتشابهة، إثبات عقائده ونفي عقائد الآخرين، الدفاع عن عقائد المسلمين أو الدفاع عن المدرسة الكلامية الّتي يتبنّاها، ...
4. من أشهر المدارس الكلاميّة في التفسير: المدرسة الاعتزاليّة، المدرسة الأشعريّة، المدرسة الإماميّة، ...
_______________
1..نظر: الرضائي، مناهج التفسير واتّجاهاته، م.س، ص365-366، السبحاني، المناهج التفسيريّة، م.س، ص92-103.
2.انظر: الرضائي، مناهج التفسير واتّجاهاته، م.س، ص366، السبحاني، المناهج التفسيريّة، م.س، ص92-103.
3.انظر: الرضائي، مناهج التفسير واتّجاهاته، م.س، ص367-373، السبحاني، المناهج التفسيريّة، م.س، ص92-103.
4.يعتقد المعتزلة أنّ الإنسان حرٌّ ومختار، وأنّ القرآن يمكن تفسيره عن طريق العقل، وأنّه يمكن إدراك كثير من الحقائق بواسطة العقل من دون هداية الشرع-، وفي حالة تعارض الحديث مع العقل، فإنّهم يقدّمون العقل، وكذلك يعتقدون أنّ الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر المنزلة بين المنزلتين-، وأنّه لا يمكن للإنسان الحصول على المغفرة من دون توبة. وكذلك يعتقدون بالتوحيد الصفاتي، وينكرون التوحيد الأفعالي فهم من العدلية، حيث يعتقدون بعدالة الله، وأنّ أفعاله لها غاية وهدف، وكلامه مخلوق، ويحصرون القِدَم بالله سبحانه وتعالى. وقد استمرّت عقائد المعتزلة في الازدهار إلى زمن المتوكِّل العبّاسي، حيث نُكِّل بهم في زمانه بشدّة، ثمّ انتشر المذهب الأشعري منذ ذلك الزمان.
5. يعتقد الأشاعرة بعدم حرّية الإنسان واختياره، ويقولون بأنّ أعماله مخلوقة من قبل الله سبحانه وتعالى، ولا يذهبون إلى أنّ الإنسان خالق لأفعاله، بل يقولون بالكسب، ولا يعتقدون بالحسن والقبح الذّاتي للأفعال، بل إنّ الحسن والقبح عندهم هو ما حسّنه أو قبّحه الشارع، وكذلك يعتقدون بأنّ العدل شرعي وليس عقلياً ولهذا السبب عُدّوا من منكري العدل-، وهم يذهبون إلى أنّ الإنسان الفاسق يعدّ مؤمناً، وأنّه يمكن أن تشمل المغفرة العصاة من دون توبة، ويعتقدون بالشفاعة ويرفضون التوحيد الصفاتي، ويؤكّدون على التوحيد الأفعالي، وأنّ القضاء والقدر الإلهي وإرادة الله عامّة في جميع الحوادث، وأنّ الشرّ والخير من الله سبحانه وتعالى، وكلام الله قديم الكلام النفسي وليس الكلام اللفظي-، وأنّ أفعال الله ليست معلّلة وليس لها غاية، وأنّ الله سوف يُرى يوم القيامة بالعين المادّية، وأنّ العالَم حادث زماني، وأنّه يجوز التكليف بما لا يطاق.
6.تعتقد الشيعة بالتوحيد الصفاتي، والعدل الإلهي، وقد أعطوا أهمّيّة لكلّ من العقل والنقل، وذهبوا إلى أنّ الإنسان مختار في أفعاله ليس بصورة مطلقة، ولكن أمر بين أمرين-، وهم ينكرون التكليف بما لا يطاق، ويعتقدون بأنّ الله لا يُرى بالعين المادّية لا في الدنيا ولا في الآخرة. ومن أهمّ المسائل الكلامية للشيعة الاعتقاد بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام، والأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، وكذلك الاعتقاد بعصمة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام. وأمّا الاتجاه التفسيري للشيعة فهو الالتفات إلى كلّ من الظاهر والباطن في القرآن.
7.انظر: الرازي، فخر الدين: التفسير الكبير مفاتيح الغيب-، لا.ط جديدة مصحّحة وملوّنة-، تحقيق ونشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1415هـ.ق/ 1995م، مجلّد 10 ج30-، ص730-732.
8.نظر: الزمخشري، الكشّاف، م.س، ج4، ص192.
9.انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص112.
10..الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج12، ص9336-337.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|