أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-5-2017
2841
التاريخ: 5-7-2017
2962
التاريخ: 5-11-2015
3773
التاريخ: 1-6-2017
2852
|
1 - أحكمت قريش خطتها لقتله فنصره الله
أ - اتفقت المصادر على أن آية الهجرة : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ . . ففي تفسير القمي : 1 / 275 : « ونزل جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخبره أن قريشاً قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك ، وأنزل عليه في ذلك : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ » .
وفي تفسير العياشي : 2 / 53 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « ثم تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يقتلوه ، ويُخرجوا من كل بطن منهم بشاهر فيضربونه بأسيافهم جميعاً عند الكعبة . ثم قرأ : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ . . الآية » .
وفي أمالي الطوسي / 445 ، عن ابن عباس قال : « فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهم جلوس على الباب عددهم خمسة وعشرون رجلاً ، فأخذ حفنة من البطحاء ثم جعل يذرها على رؤوسهم وهو يقرأ : يس والقرآن الحكيم ، حتى بلغ : فأغْشَيْنَاهم فَهُمْ لايُبصرون . . فقال لهم قائل : ما تنظرون قد والله خبتم وخسرتم ، والله لقد مر بكم وما منكم رجل إلا وقد جعل على رأسه تراباً ! فقالوا : والله ما أبصرناه » !
وفي الدر المنثور : 3 / 179 : « فأطلع الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) على ذلك ، فبات عليٌّ ( عليه السلام ) على فراش النبي » . وسيرة ابن هشام : 2 / 334 وعامة المصادر .
قال المفيد في مسارِّ الشيعة / 48 : « شهر ربيع الأول : أول ليلة منه هاجر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من مكة إلى المدينة سنة ثلاث عشرة من مبعثه ، وكانت ليلة الخميس . وهي ليلة فيها عظيم الفخر لمولى المؤمنين بما يوجب مسرة أوليائه المخلصين .
وفي صبيحة هذه الليلة صار المشركون إلى باب الغار عند ارتفاع النهار لطلب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فستره الله تعالى عنهم ، وقلق أبو بكر بن أبي قحافة وكان معه في الغار بمصيرهم إلى بابه ، وظن أنهم سيدركونه فحزن لذلك وجزع ، فسكَّنه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورفق به وقوَّى نفسه بما وعده من النجاة منهم ، وتمام الهجرة له .
وهذا اليوم يتجدد فيه سرور الشيعة بنجاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من أعدائه ، وما أظهره الله تعالى من آياته ، وما أيده به من نصره . وفي الليلة الرابعة منه كان خروج النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الغار متوجهاً إلى المدينة ، فأقام بالغار وهو في جبل عظيم خارج مكة غير بعيد منها ، اسمه ثَوْر ، ثلاثة أيام وثلاث ليال ، وسار منه فوصل المدينة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ، عند زوال الشمس » .
أقول : وقعت الهجرة في أول السنة الرابعة عشرة من بعثته ( صلى الله عليه وآله ) ، لأن بيعة العقبة كانت في موسم الثالثة عشرة ، وهجرته ( صلى الله عليه وآله ) بعد انتهاء الموسم ودخول الرابعة عشرة . وقد تسامحوا في ذلك ، كما تسامحوا في عد السنة الأولى من بعثته ( صلى الله عليه وآله ) كاملة ، وقد بعث في وسطها في شهر رجب .
2 - استنفرت قريش في طلب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )
أ . قال اليعقوبي : 2 / 39 : « فطلبوا الأثر فلم يقعوا عليه ، وأعمى الله عليهم المواضع ، فوقفوا على باب الغار وقد عششت عليه حمامة ، فقالوا : ما في هذا الغار أحد وانصرفوا . وخرج رسول الله متوجهاً إلى المدينة ، ومرَّ بأم معبد الخزاعية فنزل عندها ، ثم نفذ لوجهه حتى قدم المدينة . وكان جميع مقامه بمكة حتى خرج منها إلى المدينة ثلاث عشرة سنة من مبعثه » .
وفي إعلام الورى : 1 / 148 : « وأقبل راع لبعض قريش يقال له : ابن أريقط فدعاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال له : يا ابن أريقط أأتمنك على دمي ؟ قال : إذن والله أحرسك وأحفظك ولا أدل عليك ، فأين تريد يا محمد ؟ قال : يثرب . قال : والله لأسلكن بك مسلكاً لا يهتدي فيه أحد ! قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إئت علياً وبشره بأن الله قد أذن لي في الهجرة فيهيئ لي زاداً وراحلة . . وأخذ به ابن أريقط على طريق نخلة بين الجبال ، فلم يرجعوا إلى الطريق إلا بقديد ، فنزلوا على أم معبد هناك » .
وسيأتي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي أحضر ابن أريقط .
ب . يسأل البعض : ما دام الله تعالى أظهر معجزة تعشيش الحمامة ونسج العنكبوت فلماذا لم ينقل نبيه إلى المدينة بمعجزة كما أسرى به إلى القدس في دقائق ، وعرج به إلى السماوات في دقائق أو بلمح البصر ؟ !
والجواب : أنه تعالى على كل شئ قدير ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) عنده الاسم الأعظم ، لكنه يعمل بالأسباب الطبيعية ولا يطلب من ربه المعجزة إلا أن يأمره .
قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : « هكذا قالت قريش للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء « عليهم السلام » من مكة ويرجع إليها في ليلة واحدة ، من لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوماً ؟ ! وذلك حين هاجر منها . ثم قال ( عليه السلام ) : جهلوا والله أمرالله وأمر أوليائه معه ! إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه ، وترك الاقتراح عليه والرضا بما يدبرهم به . إن أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبراً لمَّا يساوهم فيه غيرهم ، فجازاهم الله عز وجل عن ذلك بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم ، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم » ! أمالي الصدوق / 539 .
3 - رفقاء النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الهجرة
أ . المشهور أن رفقاءه ( صلى الله عليه وآله ) في هجرته : أبو بكر ، وعبد الله بن أريقط ، وعامر بن فهيرة ، وهناك رأي بأن أبا بكر لم يكن مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الغار ، وقد حاول الباحث الشيخ نجاح الطائي أن يثبت ذلك ، فتحامل عليه أتباع أبي بكر ، وأثاروا ضده ضجة لأنه خالف المتفق عليه عند المذاهب السنية ، والمسكوت عنه في مذهبنا ، ولا يتسع المجال لهذا البحث .
وفي شرح الأخبار : 1 / 259 : « مضى نحو الغار وقد واعد أبا بكر وعامر بن فهيرة وعبد الله بن أريقط ، ليمضوا معه إلى المدينة وما يحتاج إليه ويدلوه على الطريق » .
وفي المناقب : 1 / 142 : « أبو بكر وعامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي » .
ب . قالوا إن عبد الله بن أريقط استأجره أبو بكر دليلاً وإنه لم يكن مسلماً ، والصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) استأجره وكان يعرفه ويثق به قبل الهجرة ، فقد أرسله عندما رجع من الطائف إلى زعماء قريش . النهاية : 3 / 168 وسبل السلام : 2 / 440 .
وفي الخرائج : 1 / 145 ، في حديث عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن ابن الأريقط أسلم يومها أو ازداد إيماناً ، قال : « وافى ابن الأريقط بأغنام يرعاها إلى باب الغار وقت الليل يريد مكة بالغنم ، فدعاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : أفيك مساعدة لنا ؟ قال : إي والله ، فوالله ما جعل الله هذه القبجة على باب الغار حاضنة لبيضها ، ولا نسج العنكبوت عليه إلا وأنت صادق ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : الحمد لله على هدايتك ، فصرالآن إلى علي فعرفه موضعنا ، ومُرَّ بالغنم إلى أهلها إذا نام الناس ، ومُرَّ إلى عبد أبي بكر . فصار ابن الأريقط إلى مكة وفعل ما أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأتى علياً وعبد أبي بكر فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أعدَّ لنا يا أبا الحسن راحلة وزاداً وابعثها إلينا ، وأصلح ما تحتاج إليه لحمل والدتك وفاطمة والحقنا بهما إلى يثرب . وقال أبو بكر لعبده مثله ، ففعلا ذلك ، فأردف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ابن الأريقط ، وأبو بكر عبده » .
وذكر بعضهم أن ابن أريقط عدوي حليف العاص بن وائل السهمي « المحبر / 190 » والصحيح أنه من جهينة محل ثقة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان عيناً له على المشركين في بدر ، قال الثعلبي في « تفسيره : 4 / 330 » ، في خبر بدر : « وبعث رسول الله أيضاً عيناً له من جهينة حليفاً للأنصار يدعى ابن الأريقط ، فأتاه بخبر القوم » . والطبري : 9 / 247 ، البغوي : 2 / 232 . وسماه في الدرر / 80 ، ابن أرقط وفي أحكام القرآن : 2 / 512 .
ج . وأما عامر بن فهيرة فقالوا إنه غلام أسود سبق إلى الإسلام ، فاشتراه أبو بكر وأعتقه إشفاقاً عليه من التعذيب . والصحيح أن الحارث بن سخبرة الأزدي قدم مكة وزوجته أم رومان الكنانية ، وتحالف مع أبي بكر ، وزوَّج عبده فهيرة من سوداء ، فولدت عامر بن فهيرة . وأسلم عامر ومولاه الحارث قبل أبي بكر ، ثم مات الحارث فورثه ابنه الطفيل وهو صغير ، وتزوج أبو بكر أمه أم رومان ، فولدت له عبد الرحمن وعائشة ، فهما أخوا الطفيل من أمه . بخاري : 5 / 43 ، الطبقات : 8 / 278 وطبقات خليفة / 48 .
وقالوا كان عامر بن فهيرة يُعَذَّب ، ولم يذكروا من عذبه ، فمولاه الحارث مسلم وقد مات ، وابنه الطفيل صغير ! تهذيب التهذيب : 5 / 69 .
وقال في الصحيح من السيرة : 3 / 90 إن ابن إسحاق والواقدي قالا إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) اشتراه مع بلال وأعتقهما وليس أبا بكر . ومعناه أن علاقته بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) كانت قوية .
وقد استشهد ابن فهيرة في بئر معونة في السنة الرابعة « الإستيعاب : 2 / 797 » فروى رواة السلطة حوله أساطير لتعظيم أبي بكر وقالوا إنهم رأوه رفع إلى السماء ! « راجع : صحيح بخاري : 5 / 44 » . أما بلال وهو أفضل منه فلا يمدحونه لأنه كتب مع عدد من الصحابة من الشام إلى عمر معترضين على معاوية ، فماتوا !
« دعا عليهم « عمر » على المنبر فقال : اللهم اكفني بلالاً وأصحابه ! فما حال الحول وفيهم عين تطرف أي ماتوا جميعاً » ! « مبسوط السرخسي : 10 / 16 والبيهقي : 9 / 138 » . وأشاعوا أنهم ماتوا بالطاعون ، لكن يظهر أنهم ماتوا بسم معاوية !
د - رووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومن معه كانوا أربعة أشخاص ، على بعيرين ، وأنهم ترادفوا أو تعاقبوا . والتعاقب أن يركب الشخص مرحلة ثم ينزل فيركب صاحبه ، والترادف أن يركبا معاً . ففي الدرر / 80 : « فركبا الراحلتين ، وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة » . « ونحوه الحاكم 3 / 8 » . وهو يشير إلى أن ابن أريقط كان يتعاقب مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا يركب خلفه احتراماً له . وفي الخرائج : 1 / 145 : « فأردف رسول الله ابن الأريقط » . ولعله تعبير عن تعاقبه .
لكن الصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هاجر على ناقته القصواء ، واشترى بعيراً من أبي بكر
لدليله ابن أريقط ، فمات البعير فاستأجر له بعيراً آخر . وهاجر أبو بكر على بعيره ، وكان يتعاقب عليه مع ابن فهيرة . فتكون الرواحل ثلاثاً .
ففي الكافي : 8 / 339 ، عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قال : « ثم إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما قدم عليه علي ( عليه السلام ) تحول من قبا إلى بني سالم بن عوف وعلي ( عليه السلام ) معه ، يوم الجمعة مع طلوع الشمس فخط لهم مسجداً ، ونصب قبلته فصلى بهم فيه الجمعة ركعتين وخطب خطبتين ، ثم راح يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها » .
قال ابن هشام : 2 / 336 : « فلما قرَّب أبو بكر الراحلتين إلى رسول الله قدم له أفضلهما ثم قال : إركب فداك أبي وأمي ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إني لا أركب بعيراً ليس لي ، قال : فهي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي . قال : لا ، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به ؟ قال : كذا وكذا ، قال : قد أخذتها به . قال : هي لك يا رسول الله ، فركبا وانطلقا وأردف أبوبكر الصديق عامر بن فهيرة مولاه خلفه ليخدمهما في الطريق » .
وفي صحيح بخاري : 7 / 39 : « فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتيَّ هاتين . قال : النبي : بالثمن » . وفي مقدمة فتح الباري / 300 : « وفي سيرة عبد الغني وغيره أن الثمن كان أربع مائة درهم ، وعند الواقدي أنه ثمان مائة » .
ونلاحظ أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر علياً ( عليه السلام ) أن يفديه بنفسه ، ثم لم يقبل من أبي بكر بعيراً إلا بثمنه ، فكيف يزعمون أنه كان ينفق عليه ! وفي فتح الباري : 7 / 183 : « سئل عن امتناعه من أخذ الراحلة مع أن أبا بكر أنفق عليه ماله ؟ فقال : أحب أن لا تكون هجرته إلا من مال نفسه » !
لكن البعير الذي اشتراه النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أبي بكر مات في الطريق : « وقف عليهم بعض ظهرهم ، وفي بعضها : أعيا » . جوامع السير / 93 وأسد الغابة : 1 / 147 و 3 / 10 .
قال ابن هشام : 2 / 340 : « فحمل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رجل من أسلم يقال له أوس بن حجر على جمل له إلى المدينة وبعث معه غلاماً له يقال له مسعود بن هنيدة « ليرد الجمل كما صرح في الدرر » ثم خرج بهما دليلهما من العرج ، فسلك بهما ثنية الغائر عن يمين رَكوبة . حتى هبط بهما بطن رئم ثم قدم بهما قباء على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل » . الصحيح : 4 / 216 ، مناقب ابن سليمان : 1 / 364 والدرر / 37 .
4 - سراقة بن جشعم يحاول قتل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أو أسره
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) « الكافي 8 / 263 » : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما خرج من الغار متوجهاً إلى المدينة وقد كانت قريش جعلت لمن أخذه مائة من الإبل ، فخرج سراقة بن مالك بن جعشم فيمن يطلب ، فلحق برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم اكفني شر سراقة بما شئت ، فساخت قوائم فرسه ! فثنى رجله ثم اشتدَّ « جاء ماشياً راكضاً » فقال : يا محمد إني علمت أن الذي أصاب قوائم فرسي إنما هو من قبلك ، فادع الله أن يطلق لي فرسي ، فلعمري إن لم يصبكم مني خير لم يصبكم مني شر ، فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأطلق الله عز وجل فرسه ، فعاد في طلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى فعل ذلك ثلاث مرات ! كل ذلك يدعو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتأخذ الأرض قوائم فرسه ! فلما أطلقه في الثالثة قال : يا محمد هذه إبلي بين يديك فيها غلامي ، فإن احتجت إلى ظهر أو لبن فخذ منه ، وهذا سهم من كنانتي علامة ، وأنا أرجع فأرد عنك الطلب ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا حاجة لنا فيما عندك » .
ونحوه الثاقب / 145 ، عن ابن عباس ، وفيه : « كان سراقة بن جعشم المدلجي قريباً من قريش في ناحية مكة فأتاه رجل فقال : يا سراقة لقد رأيت ركباناً ثلاثة قد مروا فقال سراقة : ينبغي أن يكون هذا محمد ، لأتخذن عند قريش يداً ! فركب فرسه وأخذ رمحه ، وكانت قريش قد بعثت الرجال في كل طريق » . والمناقب : 1 / 64 ، عن ابن إسحاق ، وفيه : « وأتبعه دخان حتى استغاثه ، فانطلق الفرس » .
فعذله أبو جهل « أي لم يصدقه » وقال سراقة :
أبا حكمٍ واللات لو كنت شاهداً * لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمُهْ
عجبت ولم تشكك بأن محمداً * نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه
عليك فكف الناس عنه فإنني * أرى أمره يوماً سيبدو معالمه »
وروى اليعقوبي : 2 / 40 ، البيتين الأولين منها . وابن هشام : 2 / 338 ، برواية مطولة والدرر لابن عبد البر / 81 وروى في قرب الإسناد / 379 ، بسند صحيح أن قريشاً أرسلت سراقة في طلب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
وفي الخرائج : 1 / 145 ، والثاقب في المناقب / 109 وغيرهما : « فلما قرب قال ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم خذه ، فارتطم فرسه في الأرض فصاح : يا محمد خلص فرسي ، لا سعيت لك في مكروه بعدها ، وعلم أن ذلك بدعاء محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! فقال : اللهم إن كان صادقاً فخلصه فوثب الفرس . فقال : يا أبا القاسم ستمر برعاتي وعبيدي فخذ سوطي ، فكل من تمرُّ به خذ ما شئت فقد حكمتك في مالي . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا حاجة لي في مالك . قال : فسلني حاجة . قال ( صلى الله عليه وآله ) : رد عنا من يطلبنا من قريش . فانصرف سراقة فاستقبله جماعة من قريش في الطلب فقال لهم : انصرفوا عن هذا الطريق فلم يمر فيه أحد ، وأنا أكفيكم هذا الطريق ، فعليكم بطريق اليمن والطائف » . وكان سراقة من زعماء بني مدلج من كنانة . الطبري : 2 / 138 .
وبنو مدلج مزارعون في بطن ينبع . المناقب : 1 / 161 والمحبر / 110 .
وكان سراقة كبقية زعماء كنانة حليفاً لقريش ، وقد تصور الشيطان بصورته في بدر ! المناقب : 1 / 163 ومغازي الواقدي / 38 .
ولم يُسلم سراقة مع أنه رأى هذه المعجزة ، ونجَّاه الله بدعاء رسوله ( صلى الله عليه وآله ) من الخسف ! وزعم أنه أسلم بعد ثمان سنين ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان كتب له كتاباً ! قال : « حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفرغ من حنين والطائف ، خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته بالجعرانة ، قال : فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار . قال : فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون : إليك إليك ما تريد ؟ قال : فدنوت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو على ناقته والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة « لب النخل من جمالها » قال : فرفعت يدي بالكتاب ثم قلت : يا رسول الله هذا كتابك لي أنا سراقة بن جعشم . قال : فقال رسول الله : يوم وفاء وبر ، أدنه ، قال : فدنوت منه فأسلمت » . سيرة ابن هشام : 2 / 338 .
وكان عمر يحب سراقة ، وأعطاه من غنائم فارس سوارين من كنز كسرى وبرروا فعل عمر بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نظر إلى ذراعي سراقة وقال : « كأني بك وقد لبست سواري كسرى » ! « أم الشافعي : 4 / 165 » . وكل هذا لأن سراقة حليف للطلقاء !
5 - لماذا أخذ النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أبا بكر معه
1 . قال في الصحيح من السيرة : 4 / 212 : « لعل الصحيح هو الرواية التي تقول : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد لقي أبا بكر في الطريق ، وكان أبو بكر قد خرج ليتنسم الأخبار ، وربما يكون استصحبه معه لكيلا يسأله سائل إن كان قد رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيقر لهم بأنه رآه ثم يدلهم على الطريق التي سلكها ، خوفاً من أن يتعرض لأذاهم » .
وفي شواهد التنزيل : 1 / 127 ، عن ابن عباس : « أنام رسول الله علياً على فراشه ليلة انطلق إلى الغار ، فجاء أبو بكر يطلب رسول الله فأخبره علي أنه قد انطلق فاتبعه » .
وفي الخرائج : 1 / 144 : « قال علي ( عليه السلام ) : فدعاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إن قريشاً دبرت كيت وكيت في قتلي ، فنم على فراشي حتى أخرج أنا من مكة فقد أمرني الله تعالى بذلك . فقلت له : السمع والطاعة ، فنمت على فراشه وفتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الباب وخرج عليهم وهم جميعاً جلوس ينتظرون الفجر وهو يقول : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ . « يس 9 » . ومضى وهم لا يرونه ، فرأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسس عن خبره ، وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم ، فأخرجه معه إلى الغار » .
بكى أبو بكر لما جاء سُراقة !
في صحيح بخاري : 4 / 190 ومسند أحمد : 1 / 3 ، من حديث عن أبي بكر قال : « فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم ، على فرس له ، فقلت : يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا ، فقال : لا تحزن إن الله معنا حتى إذا دنا منا ، فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة قال قلت : يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت ! قال : لم تبكي ؟ قال : قلت أما والله ما على نفسي أبكي ولكن أبكي عليك ! قال : فدعا عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : اللهم اكفناه بما شئت ، فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض صلد ! ووثب عنها وقال : يا محمد قد علمت أن هذا عملك ، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب . » . والطبقات : 4 / 366 ، أبو يعلى : 1 / 107 ، ابن شيبة : 8 / 457 وعامة مصادرهم .
وقال السيد الأمين في أعيان الشيعة : 1 / 338 : « فلما لحقهم سراقة بن مالك وهو رجل واحد بكى الصاحب خوفاً ! أترى لو كان معهم علي ( عليه السلام ) هل كان يبكي ويهتم لرجل واحد ليس معه أحد ، وهو لم يهتم لثمانية فوارس » !
6 . ليس في آية الغار مدحٌ لأبي بكر
قال تعالى في سورة التوبة التي نزلت في السنة التاسعة ، بعد غزوة تبوك : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرض أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ . إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَئْ قَدِيرٌ . إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاتَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .
ومعنى الآية : أن الله تكفل بنصر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) وإن لم تنصروه ، وقد نصره عندما كان وحيداً فاراً من قومه ليس معه إلا شخص واحد غير مقاتل ، فأنزل عليه السكينة والطمأنينة وجنوداً من ملائكته لم يرها رفقاءه . فليس في الآية إلا إشارة إلى شخص كان معه ، بقطع النظر عن نوع ذلك الشخص ، ومن هُوَ . فالآية متركزة على الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وغير ناظرة إلى غيره .
بل يشير إفراد الضمائر فيها إلى أن أبا بكر لا يشترك معه إلا في مجرد التواجد ، فهو لا يشترك معه في الإجبار على الهجرة لأنه قال : إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، ولم يقل إذ أخرجهما . ولا في تأييد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالسكينة فقد قال : فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا . ولم يقل عليهما ، مع أنه قال في الحديبية وفي حنين : فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ . فدل بإفراد الضمير هنا على أن صاحبه لم يكن أهلاً لنزول السكينة عليه .
وفي شرح الأخبار : 2 / 246 : « الصحبة قد تكون للبر والفاجر وقد وصف الله تعالى في كتابه صحبة مؤمن لكافر فقال : قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ » .
لكن مع ذلك ، اعتبروا الآية فضيلة لأبي بكر يستحق بها الخلافة !
قال ابن حجر في فتح الباري : 13 / 180 : « قال ابن التين : ما انفرد به أبو بكر وهو كونه ثاني اثنين ، وهي أعظم فضائله التي استحق بها أن يكون الخليفة من بعد النبي ، لذلك قال « عمر » : وإنه أولى الناس بأموركم . . فقوموا فبايعوه » .
وقال في الإصابة : 4 / 148 : « من أعظم مناقبه قول الله تعالى : ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ . فإن المراد بصاحبه أبو بكر بلا نزاع . وثبت في الصحيحين من حديث أنس أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لأبي بكر وهما في الغار : ما ظنك باثنين الله ثالثهما » .
وفي تحفة الأحوذي : 10 / 106 : « وقد قالوا من أنكر صحبة أبي بكر كَفَرَ ، لأنه أنكر النص الجلي ! بخلاف صحبة غيره » . وهكذا رفعوا آية الغار سيفاً في وجه أهل البيت « عليهم السلام » وشيعتهم فردوها عليهم ، ففي الإحتجاج : 2 / 143 عن الأعمش « رحمه الله » قال : « اجتمعت الشيعة والمحكِّمة « الخوارج » عند أبي نعيم النخعي بالكوفة ، وأبو جعفر محمد بن النعمان مؤمن الطاق حاضر ، فقال ابن أبي حذرة : أنا أقرر معكم أيتها الشيعة أن أبا بكر أفضل من علي ومن جميع أصحاب النبي بأربع خصال ، لا يقدر على دفعها أحد من الناس ، هو ثان مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بيته مدفون ، وهو ثاني اثنين معه في الغار ، وهو ثاني اثنين صلى بالناس آخر صلاة قبض بعدها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو ثاني اثنين الصديق من هذه الأمة . فقال أبو جعفر مؤمن الطاق « رحمه الله » : يا بن أبي حذرة وأنا أقرر معك أن علياً أفضل من أبي بكر وجميع أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بهذه الخصال التي وصفتها وأنها مثلبة لصاحبك ! وألزمك طاعة علي من ثلاث جهات : من القرآن وصفاً ، ومن خبر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) نصاً ، ومن حجة العقل اعتباراً .
ووقع الاتفاق على إبراهيم النخعي ، وعلى أبي إسحاق السبيعي ، وعلى سليمان بن مهران الأعمش ، فقال : أبو جعفر مؤمن الطاق : أخبرني يا ابن أبي حذرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كيف ترك بيوته التي أضافها الله إليه ، ونهى الناس عن دخولها إلا بإذنه ميراثاً لأهله وولده ؟ أو تركها صدقة على جميع المسلمين ؟ قل ما شئت . فانقطع ابن أبي حذرة ، لما أورد عليه ذلك وعرف خطأ ما هو فيه !
فقال أبو جعفر مؤمن الطاق : إن تركها ميراثاً لولده وأزواجه ، فإنه قبض عن تسع نسوة ، وإنما لعايشة بنت أبي بكر تسع ثمن هذا البيت الذي دفن فيه صاحبك ، ولا يصيبها من البيت ذراع في ذراع ! وإن كان صدقة فالبلية أطمُّ وأعظم ، فإنه لم يصب من البيت إلا ما لأدنى رجل من المسلمين ، فدخول بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) بغير إذنه في حياته وبعد وفاته ، معصية ! إلا لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وولده ، فإن الله أحل لهم ما أحل للنبي ( صلى الله عليه وآله ) !
ثم قال لهم : إنكم تعلمون أن النبي أمر بسد أبواب جميع الناس التي كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب علي ( عليه السلام ) فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول الله فأبى عليه ، وغضب عمه العباس من ذلك فخطب النبي ( صلى الله عليه وآله ) خطبة وقال : إن الله تبارك وتعالى أمر لموسى وهارون : أَنْ تَبَوَآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء إلا موسى وهارون وذريتهما ، وأن علياً هو بمنزلة هارون من موسى وذريته كذرية هارون ، ولا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجد رسول الله ولا يبيت فيه جنباً إلا علي وذريته . فقالوا بأجمعهم : كذلك كان . قال أبو جعفر : ذهب ربع دينك يا ابن أبي حذرة ، وهذه منقبة لصاحبي ليس لأحد مثلها ، ومثلبة لصاحبك !
وأما قولك : ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ، أخبرني هل أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين في غير الغار ؟ قال ابن أبي حذرة : نعم . قال أبو جعفر : فقد أخرج صاحبك في الغار من السكينة وخصه بالحزن ! وكان علي ( عليه السلام ) في هذه الليلة على فراش النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبذل مهجته دونه ، وهو أفضل من مكان صاحبك في الغار . فقال الناس : صدقت . فقال أبو جعفر : يا ابن أبي حذرة ، ذهب نصف دينك !
وأما قولك ثاني اثنين : الصديق من الأمة ، فقد أوجب الله على صاحبك الاستغفار لعلي بن أبي طالب في قوله عز وجل : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلآخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان . إلى آخر الآية . والذي ادعيت إنما هو شئ سماه الناس ، ومن سماه القرآن وشهد له بالصدق والتصديق أولى به ممن سماه الناس ، وقد قال علي ( عليه السلام ) على منبر البصرة : أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل أن آمن أبو بكر وصدقت قبله . قال الناس : صدقت .
قال أبو جعفر مؤمن الطاق : يا بن أبي حذرة ، ذهب ثلاثة أرباع دينك !
وأما قولك في الصلاة بالناس ، كنت ادعيت لصاحبك فضيلة لم تتم له ، وأنها إلى التهمة أقرب منها إلى الفضيلة ، فلو كان ذلك بأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما عزله عن تلك الصلاة بعينها ، أما علمت أنه لما تقدم أبو بكر ليصلي بالناس خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتقدم وصلى بالناس وعزله عنها ، ولا تخلو هذه الصلاة من أحد وجهين : إما أن تكون حيلة وقعت منه فلما أحس النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك خرج مبادراً مع علته فنحاه عنها لكيلا يحتج بها بعده على أمته ، فيكونوا في ذلك معذورين !
وإما أن تكون هو الذي أمره بذلك وكان ذلك مفوضاً إليه كما في قصة تبليغ براءة ، فنزل جبرئيل وقال : لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك ، فبعث علياً في طلبه وأخذها منه وعزله عنها وعن تبليغها ! فكذلك كانت قصة الصلاة ! وفي الحالتين هو مذموم ، لأنه كشف عنه ما كان مستوراً عليه ، وفي ذلك دليل واضح أنه لا يصلح للاستخلاف بعده ، ولا هو مأمون على شئ من أمر الدين .
فقال الناس : صدقت . قال أبو جعفر مؤمن الطاق : يا بن أبي حذرة ذهب دينك كله ، وفضحتَ حيث مدحتَ !
فقال الناس لأبي جعفر : هات حجتك فيما ادعيت من طاعة علي ( عليه السلام ) .
فقال أبو جعفر مؤمن الطاق : أما من القرآن وصفاً فقوله عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ . فوجدنا علياً ( عليه السلام ) بهذه الصفة في القرآن في قوله عز وجل : وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَاسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَاسِ - يعني في الحرب والشعب - أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ . فوقع الإجماع من الأمة بأن علياً أولى بهذا الأمر من غيره ، لأنه لم يفر من زحف قط كما فر غيره في غير موضع ! فقال الناس : صدقت . قال : وأما الخبر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نصاً ، فقال : إني تارك فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي : كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض . وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، ومن تقدمها مرق ومن لزمها لحق . فالمتمسك بأهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هاد مهتد بشهادة من الرسول ، والمتمسك بغيرها ضال مضل . قال الناس : صدقت يا أبا جعفر .
قال : وأما من حجة العقل فإن الناس كلهم يستعبدون بطاعة العالم ، ووجدنا الإجماع قد وقع على علي ( عليه السلام ) بأنه كان أعلم أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكان الناس يسألونه ويحتاجون إليه ، وكان علي مستغنياً عنهم ، هذا من الشاهد والدليل عليه من القرآن قوله عز وجل : أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لا يَهِدّيِ إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ . فما اتفق يوم أحسن منه ودخل في هذا الأمر عالمٌ كثير » .
راجع : عيون أخبار الرضا ( ( ع ) ) : 1 / 201 ، مناقشة المأمون لفقهاء عصره في آية الغار ، كتاب سُلَيم / 348 ، الإفصاح للمفيد / 185 ، الصوارم المهرقة / 307 ، الغدير : 7 / 10 والصحيح من السيرة : 4 / 233 .
7 . كذبة ذات النطاقينَ
قالوا إن أسماء كانت تحمل لهم الطعام إلى الغار ، وأنها شقت حزامها قطعتين لتربط الزاد فسماها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذات النطاقين ، مع أنها كانت هاجرت قبلهم إلى المدينة مع زوجها الزبير وكانت حاملاً في شهرها بعبد الله بن الزبير ، وقد نص المؤرخ خليفة بن خياط / 207 ، وغيره ، على أنها وضعت عبد الله بن الزبير هناك ، وهذا ينفي زعم من زعم أنها وضعته في قباء أيام وصول النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وكذلك جعلت عائشة لنفسها مناقب في الهجرة !
8 . النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في ضيافة أم معبد
« خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الغار وأخذ به ابن أريقط على طريق نخلة بين الجبال فلم يرجعوا إلى الطريق إلا بقُدَيْد ، فنزلوا على أم معبد هناك » . إعلام الورى / 41 .
« أُثال وادٍ بصدر وادي ستارة ، وهو المعروف بقُدَيْد ، يسيل في وادي الخيمتين . . خيمتا أم معبد . ويقال بئر أم معبد بين مكة والمدينة ، نزله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في هجرته » . معجم البلدان : 2 / 414 والجبال والأمكنة للزمخشري / 2 .
وفي الخرائج : 1 / 146 : « سار حتى نزل خيمة أم معبد ، فطلبوا عندها قِرىً فقالت : ما يحضرني شئ ، فنظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى شاة في ناحية الخيمة قد تخلفت من الغنم لضرها فقال : تأذنين في حلبها ؟ قالت : نعم ولا خير فيها ، فمسح يده على ظهرها فصارت أسمن ما يكون من الغنم ، ثم مسح يده على ضرعها فأرخت ضرعاً عجيباً ، ودرت لبناً كثيراً فقال : يا أم معبد هاتي العس ، فشربوا جميعاً حتى رووا ! فلما رأت أم معبد ذلك قالت : يا حسن الوجه إن لي ولداً له سبع سنين وهو كقطعة لحم لا يتكلم ولا يقوم ، فأتته به فأخذ تمرة قد بقيت في الوعاء ومضغها وجعلها في فيه ، فنهض في الحال ومشى وتكلم !
وجعل نواها في الأرض فصارت في الحال نخلة ، وقد تهدل الرطب منها وكانت كذلك صيفاً وشتاءً ! ولما توفي ( صلى الله عليه وآله ) لم تُرْطِبْ تلك النخلة وكانت خضراء ! فلما قتل علي ( عليه السلام ) لم تخضرّ ، وكانت باقية فلما قتل الحسين ( عليه السلام ) سال منها الدم ويبست !
فلما انصرف أبو معبد ورأى ذلك وسأل عن سببه قالت : مرَّ بي رجل قرشي من حاله وقصته كذا وكذا ! قال : يا أم معبد إن هذا الرجل هو صاحب أهل المدينة الذي هم ينتظرونه ، ووالله ما أشك الآن أنه صادق في قوله إنه رسول الله ، فليس هذا إلا من فعل الله . ثم قصد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فآمن هو وأهله » . ونحوه الثاقب
في المناقب / 111 ، عن هند بنت الجون .
وفي مستدرك الحاكم : 3 / 9 : « قال : صفيه لي يا أم معبد . قالت : رأيت رجلاً ظاهرَ الوَضاءة ، أبلجَ الوجه ، حسنَ الخلق لم تَعِبْهُ ثَجْلَةٌ « بِطنة » ولم تُزْرِ به صَعْلَة « صغر الرأس » وسيمٌ قسيم « جميل حسن الملامح » في عينيه دَعَجٌ « سواد » وفي أشفاره وَطَف « أجفانه طويلة » وفي صوته صَحَل « ليس صوته حاداً بل فيه حركة محببة كالبحة » وفي عنقه سَطَع « طول » وفي لحيته كثَاثة « كثافة الشعر » أزجُّ أقْرَن « حاجباه مقوسان متصلان » إن صمتَ فعليه الوقار ، وإن تكلم سَمَاهُ وعلاه البهاء ، أجملُ الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأجمله من قريب ، حلوُ المنطق ، فصلاً لا نزرٌ ولا هَذْر ، كأن منطقه خرزات نظمٍ يتحدرن ، ربعةٌ لا تشنؤهُ من طول ، ولا تقتحمه عين من قِصَر » .
وفي المناقب : 1 / 105 : « وقال خطيب منبج :
ومَنْ حَلَب الضئيلة َوهي نِضْوٌ * فأسبلَ درُّها للحالبينا
وكانت حائلاً فغدت وراحت * بيمن المصطفى الهادي لبونا »
9 . وصول النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى المدينة
وصف الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حديث صحيح في الكافي : 8 / 338 : « عن سعيد بن المسيب قال : سألت علي بن الحسين ( عليه السلام ) : ابن كم كان علي بن أبي طالب يوم أسلم ؟ فقال : أوَكان كافراً قط ، إنما كان لعلي ( عليه السلام ) حيث بعث الله عز وجل رسوله ( صلى الله عليه وآله ) عشر سنين ، ولم يكن يومئذ كافراً ، ولقد آمن بالله تبارك وتعالى وبرسوله ( صلى الله عليه وآله ) وسبق الناس كلهم إلى الإيمان بالله وبرسوله ( صلى الله عليه وآله ) وإلى الصلاة بثلاث سنين ، وكانت أول صلاة صلاها مع رسول الله الظهر ركعتين ، وكذلك فرضها الله تبارك وتعالى على من أسلم بمكة ركعتين ركعتين . وكان رسول الله يصليها بمكة ركعتين ويصليها علي ( عليه السلام ) معه بمكة ركعتين مدة عشر سنين ، حتى هاجر رسول الله إلى المدينة ، وخلف علياً في أمور لم يكن يقوم بها أحد غيره ، وكان خروج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من مكة في أول يوم من ربيع الأول ، وذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث ، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول مع زوال الشمس ، فنزل بقبا ، فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين ، ثم لم يزل مقيماً ينتظر علياً ( عليه السلام ) يصلي الخمس صلوات ركعتين ركعتين ، وكان نازلاً على عمرو بن عوف ، فأقام عندهم بضعة عشر يوماً يقولون له : أتقيم عندنا فنتخذ لك منزلاً ومسجداً ؟ فيقول : لا إني أنتظر علي بن أبي طالب وقد أمرته أن يلحقني ، ولست مستوطناً منزلاً حتى يقدم علي وما أسرعه إن شاء الله ، فقدم علي ( عليه السلام ) والنبي ( صلى الله عليه وآله ) في بيت عمرو بن عوف فنزل معه .
ثم إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما قدم عليه علي ( عليه السلام ) تحول من قبا إلى بني سالم بن عوف وعلي ( عليه السلام ) معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس ، فخط لهم مسجداً ونصب قبلته فصلى بهم فيه الجمعة ركعتين وخطب خطبتين ، ثم راح يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها ، وعلي ( عليه السلام ) معه لا يفارقه يمشي بمشيه ، وليس يمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ببطن من بطون الأنصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم فيقول لهم : خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة ، فانطلقت به ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واضع لها زمامها حتى انتهت إلى الموضع الذي ترى ، وأشار بيده إلى باب مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي يصلي عنده بالجنائز ، فوقفت عنده وبركت ووضعت جرانها على الأرض ، فنزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأقبل أبو أيوب مبادراً حتى احتمل رحله فأدخله منزله . ونزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) معه حتى بنيَ له مسجده ، بنيت له مساكنه ومنزل علي ( عليه السلام ) ، فتحولا إلى منازلهما .
فقال سعيد بن المسيب لعلي بن الحسين : جعلت فداك كان أبو بكر مع رسول الله حين أقبل إلى المدينة فأين فارقه ؟ فقال : إن أبا بكر لما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى قبا فنزل بهم ينتظر قدوم علي ( عليه السلام ) فقال له أبو بكر : إنهض بنا إلى المدينة فإن القوم قد فرحوا بقدومك وهم يستريثون إقبالك إليهم ، فانطلق بنا ولا تقم هاهنا تنتظر علياً ، فما أظنه يقدم عليك إلى شهر ! فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كلا ما أسرعه ولست أريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عز وجل ، وأحب أهل بيتي إليَّ ، فقد وقاني بنفسه من المشركين . قال : فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأز ، وداخله من ذلك حسد لعلي ( عليه السلام ) ، وكان ذلك أول عداوة بدت منه لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في علي ( عليه السلام ) ، وأول خلاف على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فانطلق حتى دخل المدينة ، وتخلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقبا ينتظر علياً ( عليه السلام ) .
قال : فقلت لعلي بن الحسين : فمتى زوج رسول الله فاطمة من علي « عليهما السلام » ؟ فقال : بالمدينة بعد الهجرة بسنة ، وكان لها يومئذ تسع سنين .
قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : ولم يولد لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من خديجة « عليها السلام » على فطرة الإسلام إلا فاطمة « عليها السلام » ، وقد كانت خديجة ماتت قبل الهجرة [ بسنة ] ومات أبو طالب بعد موت خديجة [ بسنة ] فلما فقدهما رسول الله سئم المقام بمكة ودخله حزن شديد ، وأشفق على نفسه من كفار قريش ، فشكا إلى جبرئيل ذلك ، فأوحى الله عز وجل إليه : أخرج من القرية الظالم أهلها وهاجر إلى المدينة ، فليس لك اليوم بمكة ناصر ، وانصب للمشركين حرباً .
فعند ذلك توجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة .
فقلت له : فمتى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم ؟ فقال : بالمدينة حين ظهرت الدعوة وقوي الإسلام ، وكتب الله عز وجل على المسلمين الجهاد ، وزاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الصلاة سبع ركعات : في الظهر ركعتين وفي العصر ركعتين وفي المغرب ركعة وفي العشاء الآخرة ركعتين ، وأقر الفجر على ما فرضت ، لتعجيل نزول ملائكة النهار من السماء ، ولتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء ، وكان ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صلاة الفجر ، فلذلك قال الله عز وجل : وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً . يشهده المسلمون ويشهده ملائكة النهار وملائكة الليل » .
ملاحظات
تضمن هذا الحديث الشريف حقائق مهمة عن البعثة والهجرة ، وعن عمر أمير المؤمنين وفاطمة « عليهما السلام » وزواجهما ، وقد جعلناه محوراً فيما كتبناه ، إلا قوله إن أبا طالب توفي بعد خديجة « عليهما السلام » بسنة ، وإنهما توفيا قبل الهجرة بسنة ، والظاهر أن فيه تصحيفاً ، وقد يكون تصحيف ستة ، وسقط ما بعده .
10 . نزل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في قباء وهي ضاحية المدينة
في إعلام الورى / 41 ، عن الزهري : « كان بين ليلة العقبة وبين مهاجرة رسول الله ثلاثة أشهر ، وكانت بيعة الأنصار لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليلة العقبة في ذي الحجة ، وقدوم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة في شهر ربيع الأول لاثنتي عشرة ليلة خلت منه يوم الاثنين . وكانت الأنصار خرجوا يتوكفون أخباره ، فلما أيسوا ورجعوا إلى منازلهم أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوافى ذا الحليفة سأل عن طريق بني عمرو بن عوف فدلوه ، فرفعه الآل « تلة في الطريق » فنظر رجل من اليهود وهو على أطم له إلى ركبان ثلاثة يمرون على طريق بني عمرو بن عوف فصاح : يا معشر المسلمة هذا صاحبكم قد وافى ! فوقعت الصيحة بالمدينة فخرج الرجال والنساء والصبيان ، مستبشرين لقدومه يتعادَوْن ، فوافى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقصد مسجد قبا ونزل ، واجتمع إليه بنو عمرو بن عوف ، وسُرُّوا به واستبشروا واجتمعوا حوله ( صلى الله عليه وآله ) . ونزل على كلثوم بن الهَدْم شيخ من بني عمرو صالح مكفوف البصر ، واجتمعت بطون الأوس ، وكان بين الأوس والخزرج عداوة ، فلم يجسروا أن يأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما كان بينهم من الحروب ، فأقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتصفح الوجوه فلا يرى أحداً من الخزرج ، وقد كان قدم على عمرو بن عوف قبل قدوم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ناس من المهاجرين فنزلوا فيهم » .
وفي المناقب : 1 / 151 : « هاجر إلى المدينة وأمر أصحابه بالهجرة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، وكانت هجرته يوم الاثنين ، وصار ثلاثة أيام في الغار ليُخَيِّب من قصد إليه وروي ستة أيام ، ودخل المدينة يوم الاثنين الثاني عشرمن ربيع الأول وقيل الحادي عشر ، وهي السنة الأولى من الهجرة ، فرد التاريخ إلى المحرم .
وكان نزل بقبا في دار كلثوم بن الهدم ، ثم بدار خيثمة الأوسي ثلاثة أيام ويقال اثني عشر يوماً ، إلى بلوغ علي وأهل البيت « عليهم السلام » .
وكان أهل المدينة يستقبلون كل يوم إلى قبا وينصرفون ، فأسس بقبا مسجدهم وخرج يوم الجمعة ونزل المدينة ، وصلى في المسجد الذي ببطن الوادي » .
وفي قصص الأنبياء / 335 وإعلام الورى : 1 / 152 : « فلما أمسى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فارقه أبو بكر ودخل المدينة ونزل على بعض الأنصار ، وبقي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقبا نازلاً على كلثوم بن الهدم ، فلما صلى المغرب والعشاء الآخرة جاءه أسعد بن زرارة مقنَّعاً فسلم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفرح بقدومه ، ثم قال : يا رسول الله ما ظننت أن أسمع بك في مكان فأقعد عنك ، إلا أن بيننا وبين إخواننا من الأوس ما تعلم ، فكرهت أن آتيهم ، فلما أن كان هذا الوقت لم أحتمل أن أقعد عنك .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للأوس : من يجيره منكم ؟ فقالوا : يا رسول الله ، جوارنا في جوارك فأجره . قال : لا ، بل يجيره بعضكم . فقال عويم بن ساعدة وسعد بن خيثمة : نحن نجيره يا رسول الله فأجاروه ، وكان يختلف إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيتحدث عنده ويصلي خلفه . فبقي خمسة عشر يوماً فوافى علي ( عليه السلام ) بعياله ، فلما وافى كان سعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة يكسران أصنام الخزرج ، وكان كل رجل شريف في بيته صنم يمسحه ويطيبه ، ولكل بطن من الأوس والخزرج صنم في بيت لجماعة يكرمونه ويجعلون عليه منديلاً ويذبحون له ، فلما قدم الإثنا عشر من الأنصار أخرجوها من بيوتهم وبيوت من أطاعهم ، فلما قدم السبعون كثر الإسلام وفشا ، وجعلوا يكسرون الأصنام » .
وقال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 40 : « قدم رسول الله المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأول ، وقيل يوم الخميس لاثني عشرة ليلة خلت منه فنزل على كلثوم بن الهدم ، فلم يلبث إلا أياماً حتى مات كلثوم ، وانتقل فنزل على سعد بن خيثمة في بني عمرو بن عوف ، فمكث أياماً . ثم كان سفهاء بني عمرو ومنافقوهم يرجمونه في الليل ، فلما رأى ذلك قال : ما هذا الجوار ؟ فارتحل عنهم وركب راحلته وقال : خلوا زمامها » .
وفي سيرة ابن هشام : 2 / 340 : « كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال ، فإذا لم نجد ظلاً دخلنا ، وذلك في أيام حارة . فكان أول من رآه رجل من اليهود وقد رأى ما كنا نصنع وأنا ننتظر قدوم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علينا فصرخ بأعلى صوته : يا بني قَيْلة هذا جدُّكم قد جاء . كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا خرج من منزل كلثوم بن هندم جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة . ونزل أبو بكر الصديق على خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج بالسُّنح . « الجهة الأخرى للمدينة » . ثم قال ابن هشام : « أقام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الودائع التي كانت عنده للناس ، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله فنزل معه على كلثوم بن هدم . قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس ، وأسس مسجده . فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة » .
11 . نشيد أهل المدينة : طَلَعَ البدرُ علينا
في المبسوط للطوسي : 8 / 224 : « وأما الحداء وهو الشعر الذي تحث به العرب الإبل على الإسراع في السير ، فهو مباح وهو ممدود لأنه من الأصوات كالدعاء والنداء والثغاء والرغاء . . وروي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان في سفر فأدرك ركباً من تميم معهم حاد فأمرهم بأن يحدو وقال : إن حادينا نام آخر الليل .
فأما الكلام في الشعر فهو مباح أيضاً ما لم يكن فيه هجو ولا فحش ولا تشبيب بامرأة لا يعرفها . روى عمرو بن الشريد ، عن أبيه قال : أردفني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شئ ؟ قال قلت : نعم ، قال : هيه ، قال فأنشدته بيتاً فقال : هيه ، فأنشدته حتى بلغت مائة بيت . فإذا ثبت أنه مباح فقد روي كثير مما سمعه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم ينكره ، فمن ذلك ما روي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما هاجر إلى المدينة استقبله فتيان المدينة ، وأنشدوا :
طلع البدر علينا * من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع
[ أنت يا مرسل حقاً * جئت بالأمر المطاع
جئتنا تسعى رويداً * مرحبا يا خير ساع
جئت شرفت المدينة * مرحباً يا خير داع
يا نبياً من ضياه * أشرقت كل البقاع
قد لبسنا ثوب عز * بعد تمزيق الرقاع
ربنا صل على من * حل في خير البقاع ]
ومر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أزقة المدينة فسمع جواري لبني النجار ينشدن :
نحن جوارٍ من النجارْ * يا حبذا محمدٌ من جار
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أتحبوني ؟ فقالوا : إي والله يا رسول الله . قال : أنا والله أحبكم . ثلاث مرات » . وإعلام الورى : 1 / 151 ، الصراط المستقيم : 1 / 158 ، البحار : 19 / 105 ، مستدرك سفينة البحار : 5 / 446 ، فتح الباري : 8 / 98 وعمدة القاري : 17 / 60 .
وأشكل في الصحيح من السيرة : 4 / 109 ، على رواية هذا النشيد ، بأن ثنيات الوداع ليست من جهة مكة بل من جهة الشام ، لكن لو صح ذلك جغرافياً فلا يضر بالرواية ، لأن ثنيات الوداع تعني التلال التي يودع منها أهل البلد مسافريهم ويستقبلونهم ، فيكون النشيد شائعاً عند أهل المدينة فأنشدوه للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وأكملوه بما يناسب . وقد ورد أن إماء مكة استقبلن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في فتح مكة بنفس النشيد . تاج العروس : 11 / 500 .
12 . ترك أبو بكر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بقباء وذهب غاضباً !
تقدم من إعلام الورى : 1 / 152 ، وقصص الأنبياء / 335 ، أن أبا بكر أراد من النبي أن يدخل المدينة فقال ( صلى الله عليه وآله ) : « لا أريم من هذا المكان حتى يوافيني أخي علي بن أبي طالب . . فقال أبو بكر : ما أحسب علياً يوافي ! قال : بلى ما أسرعه إن شاء الله . فلما أمسى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فارقه أبو بكر ودخل المدينة ونزل على بعض الأنصار » .
وتقدم ذلك من الكافي : 8 / 338 . وقد غطى رواة السلطة ترك أبي بكر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في قباء فلم يصرحوا به ! قال ابن هشام : 2 / 342 : « نزل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في قباء ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج ، بالسنح » .
وفي الطبقات : 3 / 174 : « ولم يزل في بيت الحارث بن الخزرج بالسنح ، حتى توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » . وفي أسد الغابة : 3 / 219 : « وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير ، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى المدينة » .
وأخطأ ابن أبي الحديد أو كذب ليغطي على أبي بكر ! فقال في شرح النهج : 13 / 305 : « وأما حال علي فلما أدى الودائع ، خرج بعد ثلاث من هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فجاء إلى المدينة راجلاً قد تورمت قدماه فصادف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نازلاً بقباء على كلثوم بن الهدم فنزل معه في منزله . وكان أبو بكر نازلاً بقباء أيضاً في منزل خبيب بن يساف ثم خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما معه من قباء » .
ومنزل ابن يساف في السنح وليس بقباء ! والسنح يقع في العالية خارج المدينة باتجاه نجد : « قال عياض : هذا حد أدناها وأبعدها ثمانية أميال ، وبه جزم ابن عبد البر ، وصاحب النهاية » . الصحيح من السيرة : 11 / 63 .
13 . إسلام سلمان الفارسي في قباء
1 . جاءت مجموعات من اليهود بعد نبي الله عيسى ( عليه السلام ) ، وسكنت الجزيرة بانتظار النبي الموعود ، وكان أشخاص غير اليهود ينتظرون ظهوره ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً مثل سلمان الفارسي الذي أعجبته المسيحية فترك المجوسية وهاجر إلى الشام ، ثم إلى العراق وتركيا وعاش مع علمائهم ، ثم جاء إلى أرض العرب ينتظر النبي الموعود .
ففي كمال الدين / 161 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « كان بين عيسى وبين محمد ( صلى الله عليه وآله ) خمس مائة عام ، منها مائتان وخمسون عاماً ليس فيها نبي ولا عالم ظاهر . قلت : فما كانوا ؟ قال : كانوا متمسكين بدين عيسى ( عليه السلام ) . قلت : فما كانوا ؟ قال : كانوا مؤمنين . ثم قال ( عليه السلام ) : ولا يكون الأرض إلا وفيها عالم .
وكان ممن ضرب في الأرض لطلب الحجة سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فلم يزل ينتقل من عالم إلى عالم ومن فقيه إلى فقيه ، ويبحث عن الأسرار ويستدل بالأخبار ، منتظراً لقيام القائم سيد الأولين والآخرين محمد ( صلى الله عليه وآله ) أربع مائة سنة ، حتى بشر بولادته ، فلما أيقن بالفرج خرج يريد تهامة فسبي » .
وقد وجد سلمان في المدينة امرأة فارسية ، جاءت قبله تنتظر النبي الموعود ( صلى الله عليه وآله ) ! « قال سلمان : لما قدمت المدينة رأيت امرأة إصبهانية كانت قد أسلمت قبلي ، فسألتها عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فهي التي دلتني على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » . طبقات المحدثين بأصبهان لابن حبان : 1 / 123 ، الإصابة لابن حجر : 8 / 29 وأخبار إصبهان : 1 / 44 .
« كان سلمان الفارسي عبداً لبعض اليهود ، وقد كان خرج من بلاده من فارس يطلب الدين الحنيف الذي كان أهل الكتب يخبرونه به ، فوقع إلى راهب من رهبان النصارى بالشام فسأله عن ذلك وصحبه فقال : أطلبه بمكة مخرجه ، واطلبه بيثرب فثَمَّ مهاجره . فقصد يثرب فأخذه بعض الأعراب فسَبَوْهُ ، واشتراه رجل من اليهود فكان يعمل في نخله ، وكان ذلك اليوم على النخلة يصرمها ، فدخل على صاحبه رجل من اليهود فقال : يا أبا فلان أشعرت أن هؤلاء المسلمة قد قدم عليهم نبيهم ؟ فقال سلمان : جعلت فداك ما الذي تقول ؟ فقال له صاحبه : ما لك وللسؤال عن هذا ، أقبل على عملك ! قال فنزل وأخذ طبقاً وصيَّر عليه من ذلك الرطب وحمله إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال له رسول الله : ما هذا ؟ قال : صدقة تمورنا ، بلغنا أنكم قوم غرباء قدمتم هذه البلاد فأحببت أن تأكلوا من صدقتنا . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : سَمُّوا وكلوا . فقال سلمان في نفسه وعقد بإصبعه : هذه واحدة يقولها بالفارسية ، ثم أتاه بطبق آخر فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما هذا ؟ فقال له سلمان رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية أهديتها إليك . فقال : سموا وكلوا ، وأكل ، فعقد سلمان بيده : اثنين ، وقال : هذه اثنان يقولها بالفارسية ، ثم دار خلفه فألقى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن كتفه الإزار فنظر سلمان إلى خاتم النبوة والشامة فأقبل يقبلها ! قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أنت ؟ قال : أنا رجل من أهل فارس قد خرجت من بلادي منذ كذا وكذا ، وحدثه بحديثه وبه طول ، فأسلم وبشره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال له : أبشر واصبر ، فإن الله سيجعل لك فرجاً من هذا اليهودي » . إعلام الورى : 1 / 42 .
وفي إعلام الورى : 1 / 60 : « وكان آخر من أتى « عاش معه سلمان علماء النصارى » آبي ، فمكث عنده ما شاء الله ، فلما ظهر النبي قال آبي : يا سلمان إن صاحبك الذي تطلبه بمكة قد ظهر ، فتوجه إليه سلمان » . كمال الدين / 665 .
وحدَّث سلمان « رحمه الله » عن حاله بعد الراهب آبي : « فلما واريناه أقمت على خير ، حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب ، فقلت لهم : تحملوني معكم حتى تقدموني أرض العرب وأعطيكم غنمتي هذه وبقراتي ، قالوا نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني عبداً من رجل من يهود بوادي القرى » . ثم باعه مالكوه إلى أقاربهم من قريظة في المدينة ، فكان عبداً لهم نحو سنتين حتى هاجر النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « ذهبت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو بقبا فقلت : إنه بلغني أنك رجل صالح وأن معك أصحاباً لك غرباء ، وقد كان عندي شئ للصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد به ، فها هو هذا فكل منه ، فأمسك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يده وقال لأصحابه : كلوا ولم يأكل فقلت في نفسي هذه خلة مما وصف لي صاحبي . فاستدرت لأنظر إلى الخاتم في ظهره فلما رآني رسول الله أستدير عرف أني استثبت من شئ قد وصف لي فوضع رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي ، فأكببت عليه أقبله وأبكي ! فقال : تحول يا سلمان هاكني ، فتحولت فجلست بين يديه وأحب أن يسمع أصحابه حديثي فحدثته » . ابن إسحاق : 2 / 68 وأحمد : 5 / 443 .
وحدَّث سلمان عن عمله عند ذلك اليهودي فقال : « فكنت أسقي كما يسقي البعير حتى دَبَر ظهري وصدري « جُرح » من ذلك ، ولا أجد أحداً يفقه كلامي حتى جاءت عجوز فارسية تستقي فكلمتها ففهمت كلامي ، فقلت لها : أين هذا الرجل الذي خرج دليني عليه ؟ قالت : سيمر بك بكرة إذا صلى الصبح » . أخبار أصبهان : 1 / 76 .
14 . من مناقب سلمان الفارسي ( ( رحمه الله ) )
1 - روت مصادر السنة وصححته أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) اشتراه بأواقي ذهب وثلاث مئة نخلة حتى تطعم ، ففي الحاكم : 2 / 16 ، أحمد : 5 / 354 و 443 والبيهقي : 10 / 321 ، عن بريدة قال :
« وكان لليهود فاشتراه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بكذا وكذا درهماً وعلى أن يغرس نخلاً فيعمل سلمان فيها حتى تطعم ، قال فغرس رسول الله « وأصحابه » النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر فحملت النخل من عامها ولم تحمل النخلة ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من غرسها ؟ قالوا : عمر ، فنزعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم غرسها فحملت من عامها » .
2 . وكان سلمان في أعلى درجات الإيمان وهي الدرجة العاشرة ، ففي الخصال / 447 عن عبد العزيز القراطيسي قال : « قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : يا عبد العزيز إن الإيمان عشر درجات ، بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة ، فلا يقولن صاحب الواحد لصاحب الاثنين لست على شئ ، حتى تنتهي إلى العاشرة ، ولا تسقط من هو دونك فيسقطك الذي هو فوقك ، فإذا رأيت من هو أسفل منك فارفعه إليك برفق ، ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره ، فإنه من كسر مؤمناً فعليه جبره . وكان المقداد في الثامنة ، وأبو ذر في التاسعة ، وسلمان في العاشرة » .
3 - آخى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بينه وبين أبي ذر واشترط عليه طاعة سلمان . الكافي : 8 / 162 .
4 - وكان سلمان مُحَدَّثاً ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « كان سلمان محدثاً . قال قلت : فما آية المحدث ؟ قال : يأتيه ملك فينكت في قلبه كيت وكيت » . « بصائر الدرجات / 342 » . وقال ( عليه السلام ) : « إن سلمان علم الاسم الأعظم » . الإختصاص / 11 ورجال الطوسي : 1 / 65 .
5 - ولذلك اتخذه النبي ( صلى الله عليه وآله ) خليلاً ، قال سلمان : « أوصاني خليلي بسبعة خصال لا أدعهن على كل حال : أوصاني أن أنظر إلى من هو دوني ، ولا أنظر إلى من هو فوقى ، وأن أحب الفقراء وأدنو منهم ، وأن أقول الحق وإن كان مُرّاً ، وأن أصل رحمي وإن كانت مدبرة ، ولا أسأل الناس شيئاً ، وأوصاني أن أكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فإنها كنز من كنوز الجنة » . المحاسن : 1 / 11 .
6 . وتوفي سلمان وهو أمير المدائن ، وأمر زوجته : « أن تديف « تُذَوِّب » مسكاً أصابه من الفئ وخبأه لأجل وفاته ، وقال لها : ميثيه في الماء ، ورشي بالماء حولي ، فإني اليوم يحضرني من ملائكة ربي من لم أرهم قط ! ففعلت ذلك ، وتوفي في ذلك اليوم » . « إكمال الكمال : 7 / 362 » . وحضر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من المدينة بكرامة وغسل سلمان وصلى عليه وودعه . « الفضائل لشاذان بن جبرئيل / 90 ، في حديث طويل » . وقال له : « إذا لقيت رسول الله فقل له ما مرَّعلى أخيك من قومك » .
مستدرك السفينة : 6 / 34 .
وفي مدينة المعاجز : 2 / 14 ، عن الراوندي : « أن علياً ( عليه السلام ) دخل المسجد بالمدنية غداة يوم وقال : رأيت في النوم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) البارحة فقال لي : إن سلمان توفي ، ووصاني بغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ، وها أنا خارج إلى المدائن لذلك . فقال عمر : خذ الكفن من بيت المال . فقال علي ( عليه السلام ) : ذاك مكفي مفروغ منه ، فخرج والناس معه إلى ظاهر المدينة ، ثم خرج وانصرف الناس ، فلما كان قبل الظهيرة رجع وقال : دفنته ، وأكثر الناس لم يصدقوه حتى كان بعد مدة ووصل من المدائن مكتوب : إن سلمان توفي يوم كذا ، ودخل علينا أعرابي فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه ، ثم انصرف . فتعجب الناس كلهم » !
6 - . تزوج سلمان « رحمه الله » امرأة من قبيلة كندة ، وأنجب أولاداً وعرف منهم محمد وعبد الله . رجال الطوسي : 1 / 68 ، طرائف المقال : 2 / 601 ، الإستيعاب : 2 / 638 ، تاريخ دمشق : 21 / 428 ، سنن البيهقي : 7 / 273 ، تهذيب الكمال : 11 / 249 ، لسان الميزان : 3 / 421 ، ومصنف عبد الرزاق : 6 / 153 و 192 .
وذكروا له أولاداً : يحيى بن سلمان « تاريخ دمشق 5 / 227 » وعامر بن سلمان « المنفردات لمسلم بن الحجاج / 104 » ولعله هو عمر بن سلمان « كشف الظنون 2 / 1488 » . وزاذان بن سلمان « الدر النظيم / 321 » وهو اسم فارسي ، وهو يروي عن أبيه عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وذكروا لهم ذرية ، ففي فهرست منتجب الدين / 52 : « الشيخ بدر الدين الحسن بن علي بن سلمان بن أبي جعفر بن أبي الفضل بن الحسن بن أبي بكر بن سلمان بن عباد بن عمار بن أحمد بن أبي بكر بن علي بن سلمان بن منبه بن محمد بن عمارة بن إبراهيم بن سلمان بن محمد بن سلمان الفارسي رضي الله عنه صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، نزيل أشناباد السد من الري ، واعظ ، فصيح ، صالح » .
7 . وكان سلمان « رحمه الله » من المعمرين ، روي أنه عاش أكثر من ثلاث مئة سنة . وكان من كبار صحابة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأفاضلهم ، وقد اشتهر بين المسلمين قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : سلمان منا أهل البيت ، وشارك في حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وفي فتح إيران وآذربيجان وغيرها ، وصار هذا الفارسي المشرد حاكماً للمدائن مكان كسرى !
وكان من حواريي علي « عليهم السلام » ، وأحد الاثني عشر الذين خطبوا في المسجد بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وواجهوا أبا بكر وهو على المنبر ، وأدانوا بيعة السقيفة .
وقد أفاضت المصادر في ذكره فلا يكاد يخلو مصدر حديثي من أحاديثه ومناقبه . وألفت فيه كتب مستقلة ، لكنها لا تفي بالغرض . ولعل قومه الفرس أول المقصرين في حقه ! فلا ترى في إيران عملاً مهماً باسمه ، أو ذكراً مناسباً له !
وقد كتبت له ترجمة في كتاب : قراءة جديدة في الفتوحات .
|
|
دور النظارات المطلية في حماية العين
|
|
|
|
|
العلماء يفسرون أخيرا السبب وراء ارتفاع جبل إيفرست القياسي
|
|
|
|
|
اختتام المراسم التأبينية التي أهدي ثوابها إلى أرواح شهداء المق*ا*و*مة
|
|
|