أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-11
527
التاريخ: 2024-10-09
300
التاريخ: 2024-06-15
773
التاريخ: 2024-04-25
874
|
يدل ما لدينا من وثائق على أن اختفاء «رعمسيس الثاني» من مسرح الحياة لم يحدث لها أي أثر ظاهر في حالة البلاد، بل سارت الأمور في مصر على ما كانت عليه في عهد والده، ومنذ ذلك العهد استولى «مرنبتاح» على كل السلطات التي كانت في يده عندما كان وليًّا للعهد، ولما حضرت والده الوفاة لم يكن فتيًّا بعد، إذ يُحتمل أنه كان قد وُلد حين كان أبوه في السادسة والعشرين من عمره، وهي السنة الثامنة من سني حكمه على وجه التقريب، ولم يتولَّ «مرنبتاح» عرش الملك إلا وهو في نحو الستين من عمره، وليس لدينا ما يدل على أنه كان مشتركًا مع والده في الملك كما اشترك «رعمسيس الثاني» مع والده «سيتي الأوَّل«.
وآخر أثر لدينا من عهد مؤرخ بالسنة الثامنة من سني حكمه. بيد أن «مانيتون»، على حسب ما نقله عنه «يوسفس»، يقدِّر سني حكمه بتسعة عشر عامًا وستة أشهر؛ أو بعشرين عامًا على حسب قول «أفريكانوس»، ولا بد لنا من أن نقبل هذا التقدير مؤقتًا بشيء من التحفظ حتى تنكشف الحقيقة عن مدة حكمه بما تجود به الآثار الدفينة في تربة مصر، ومن ثم نرى أن ملكًا طاعنًا في السنِّ قد خلفه آخر بلغ أرذل العمر، والبلاد في هذه الفترة بالذات في حاجة شديدة إلى فرعون فتيٍّ ينهض بها، ويدافع عن حدودها المعرضة للخطر، والخطر في هذه المرة بخاصة لم يكن من ناحية آسيا كما اعتاد القوم، بل كان من ناحيتي بلاد «لوبيا» وأقوام البحر؛ لأن العلاقات التي كانت بين الفرعون وممتلكاته وقتئذ في «سوريا» كانت على غاية من الود والصفاء كما يبدو، ولا أدل على ذلك من أن الفرعون قد أرسل الغلال لحليفته «خيتا» في أثناء القحط الذي اجتاح «سوريا«(1).
وقد قابل المصريون تولية «مرنبتاح» بالفرح والسرور كما جاء في قصيدة أنشأها لهذه المناسبة وهي:
افرحي أيتها الأرض قاطبة، قد جاء زمن الخير؛ فقد أُقيم سيد على كل الممالك وأتى الشهود إلى مكانه، وهو الذي يحكم ملايين السنين، عظيمًا في ملكه مثل «حور نبن رع» محبوب «آمون» الذي يفيض على مصر بالأعياد، ابن «رع» «مرنبتاح» منشرح بالصدق. إيه! يا أيها الأتقياء، تعالوا وشاهدوا! قد قضى الصدق على الكذب وخرَّ المذنبون على وجوههم، وولى الطامعون أدبارهم، والماء ثابت لا ينقص، والنيل يحمل فيضانًا عظيمًا، والأيام أصبحت طويلة، والليالي لها ساعات معدودات، والشهور تأتي في مواقيتها، والآلهة منشرحون سعداء القلوب، والحياة تمر في ضحك وعجب (2).
وتدل شواهد الأحوال على أن الأمور في مصر نفسها بعد تولية «مرنبتاح» الملك كانت هادئة كما يقول «إدوردمير« (3): إن «مرنبتاح» في سني حكمه الأولى قد وجه اهتمامه إلى توطيد النظام في ممتلكاته الآسيوية؛ إذ كانت الأحوال قد اضطربت بعض الشيء على أثر التغيير الذي حدث في عرش الملك، وكما يحدث عادة في مثل هذه المناسبات بقيام الأمراء المحليين ببعض الثورات. وقد استند في زعمه هذا على ما جاء في الجزء الأخير من قصيدة النصر التي أُلفت بمناسبة انتصاره على اللوبيين ويقول: إن هذه القصيدة قد أُرخت بتاريخ يوم الانتصار على اللوبيين وهو اليوم الثالث من الشهر الحادي عشر من السنة الخامسة، ولكنها أُلفت بطبيعة الحال فيما بعد، ويظهر أن الحوادث التي ذُكرت في هذه القصيدة قد حدثت في زمن قبل زمن تاريخ اللوحة، وإذا كانت قد وقعت واقعة بعد انتصاره على اللوبيين لفصل لنا القول فيها كما هي العادة. أما قول «برستد» على حسب ما جاء في يوميات موظف حدود مؤرخة بالسنة الثالثة من حكم هذا الفرعون (4): إن الفرعون كان في ذلك الوقت في «فلسطين «.
فكلام من الصعب تصديقه، والواقع أن مكان الملك الملك والذي كانت ترسل إليه فيه الرسائل هو مدينة «رعمسيس» بالدلتا وهي «برعمسيس» (قنتير الحالية)، وفضلًا عن ذلك قد وصل إلينا مصادفة عدد عظيم من أوراق البردي من السنين الأولى من حكم «مرنبتاح» تصف لنا هذا المقر كما ذكرنا ذلك من قبل (راجع مصر القديمة ج6).
وعلى الرغم من وجاهة ما قاله الأستاذ «إدوردمير» في هذا الصدد ظن بعض المؤرخين أن ما جاء من وصف عن حالة البلاد المقهورة في آخر قصيدة النصر لا يخرج عن كونه مجرد تفاخر اعتاده الفراعنة منذ أوَّل عهود تاريخهم وأصبح أمرًا موروثًا.
وصاحب هذه الفكرة وقائدها هو الأستاذ «إدورد نافيل»، إذ نجده بعد أن استعرض التراجم المختلفة للجزء الأخير من قصيدة النصر الذي أحرزه «مرنبتاح» على اللوبيين (5) يقول: «إنه لا يوجد بين هذه التراجم ما يؤدِّي المعنى الحقيقي للجمل الأخيرة من هذه القصيدة.» وقد تناول ترجمتها الأستاذ «برستد» وغيره وقالوا عنها إنها تعني أن «مرنبتاح» كان مثله كمثل والده، قد قام بحملة مظفرة في «سوريا» و«فلسطين»! وهذا الزعم لا تحققه صيغة المتن ومحتوياته، بل إن هذا النقش لا يخرج عن كونه مديحًا خاصًّا بالانتصار العظيم الذي أحرزه «مرنبتاح» على اللوبيين وهزيمة رئيسهم «مريي»، وهذا المديح كان قد كُتب بعد الفوز بزمن قليل. ففي السنة الخامسة في الشهر الثاني من الفصل الثالث جاء رسول إلى الفرعون يخبره بهجوم اللوبيين. ويقال إن النقشين العظيمين في مديح الفرعون كانا قد نُقشا في الشهر التالي، وأحدهما في الدلتا والآخر في «طيبة»، وقد وجدت كذلك صورة على لوحة في معبد الكرنك ومما يُؤسف له أننا لم نعثر إلا على جزء منها. وهذه القصيدة تشبه قصائد الأعياد التي كانت — في العادة — تُنشد بعد إحراز انتصار عظيم، أو إشارة إلى الخلاص من كارثة؛ والأمثلة على ذلك كثيرة في التوراة. والظاهر أنه من البعيد جدًّا غزو «مرنبتاح» «سوريا» قبل محاربة اللوبيين؛ إذ لو كان الأمر كذلك لوجدنا إشادة بأعماله العظيمة التي قام بها هناك غير هذه الكلمات القليلة التي جاءت في نهاية متن هذه اللوحة.
ولقد كان من الضروري أن يتحدث المؤلف عن المذبحة العظيمة التي قام بها الفرعون وعن قطع رءوس الأمراء هناك، وكان لا بد له أن يدون لنا الوصف المفخم العادي عن انتصارات «مرنبتاح»، هذا فضلًا عما قاله «مكس مولر» بحق: «إن «مرنبتاح» الذي عاش في سلم مع «خيتا»، والذي كان مهددًا في ملكه «بلوبيا» لا يمكن أن يكون قد قام بفتوح في «سوريا» في السنين الأولى والثانية من حكمه.» وقد أخذ بعد ذلك «نافيل» يفند ما استنبطه «برستد» من يوميات موظف حدود من وقوع حملة في السنة الثالثة قام بها «مرنبتاح» على «سوريا»، ففند ما جاء في هذه الخطابات بطريقة غير التي استنبطها «إدوردمير» كما أسلفنا.
وقد ختم «نافيل» مقاله بالكلمات التالية:
وهكذا نرى أن الأسطر الأخيرة من لوحة النصر تدل على أن سلامة البلاد كانت تامة، ففي الجانب الأفريقي كان نصره مبينًا حاسمًا، ومن جانب «خيتا» كانت هذه البلاد معه في سلام منذ حكم والده، أما الممالك الأخرى التي يصح أن تصبح أعداء له فقد صارت لا حول لها ولا قوة.
وليس هناك أية إشارة تدل على أن هذه الحالة كانت نتيجة لانتصار الملك؛ إذ لم يذكر هناك بوصفه فاتحًا، ولم يَقُلْ إنه شخصيًّا قد فعل أي شيء في تخريب «عسقلان» أو «إنواما Inuamma« ولا نزاع في أنه من غير المعتاد في المتون المصرية كما نعرفها أن يتغاضى كاتبها عن الأعمال الطبيعية التي قام بها مليك البلاد؛ إذ إن كل نصر وكل نضال كان يُعزى إلى الفرعون نفسه. وفي مصر نجد الأساليب التاريخية لا تزال تحمل الصبغة التي نجدها في أصل التاريخ، فقد بدأ المصري كتابة التاريخ بالتراجم والنقوش التاريخية في مصر — وكذلك سرد الحوادث في التوراة — لا نجد فيها إلا تراجم للملوك أو حوادث متعلقة بأشخاصهم، وفي يوميات الموظف التي أشرنا إليها لا نجد فيها سرد فتح للفرعون «مرنبتاح» في «فلسطين»، بل إن الحملة المظفرة المنسوبة إليه في «فلسطين» لا تخرج عن مجرد نظرية تستند على متنين لا يمدنا واحد منهما بأية إشارة عن هذه الحروب، كما أنهما خاليان من أي برهان إيجابي، ومن أجل ذلك يجب أن تُمحى هذه الفكرة جملة من تاريخ «مرنبتاح«.
والواقع أن ما أدلى به الأستاذ «نافيل» قد يكون في ظاهره أقرب إلى الصواب، وبخاصة عندما نعلم أن لوحة نصر «مرنبتاح» كانت مكررة في المعابد المصرية كما سنرى بعد؛ فهي تصف ما كانت عليه البلاد في الداخل والخارج بعد حرب لوبيا وقبلها كما نرى ذلك في بعض القصائد، اللهم إلا إذا عُثر على متن جديد يؤيد ما فرضه «إدوردمير» وما ادعاه «برستد» في أمر غزوة «فلسطين «.
.............................................
1- راجع: Mariette, Karnak Pl. 53.
2- راجع كتاب الأدب المصري القديم ج2 .
3- راجع: Ed. Meyer Gesch II, 1 pp. 557.
4- راجع: Br. A. R. III § 630 ff.
5- راجع: J. E. A. vol. 2 pp. 195 ff.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|