رقابة القضاء الاعتيادي على مشروعية القرارات الإدارية الضريبية في مصر |
972
01:14 صباحاً
التاريخ: 2024-02-18
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2015
2921
التاريخ: 22-10-2015
1951
التاريخ: 21-10-2015
3608
التاريخ: 14-3-2022
3038
|
اتجهت بعض التشريعات الضريبية في مصر، إلى إسناد الاختصاص بنظر المنازعات الضريبية إلى القضاء الاعتيادي، إذ نظم المُشرع الضريبي المصري الطعون الضريبية الخاصة بالقرارات الإدارية الضريبية، والذي جعله يمر بثلاث مراحل: (الابتدائي، الاستئناف، النقض)، كما هو الحال في قانون ضريبة الدخل، رقم (91) لعام 2005، في المادة (123)، الذي أجاز لكل من الإدارة الضريبية، والمكلف بالطعن في قرار لجنة الطعن أمام المحكمة الابتدائية والتي تكون منعقدة بهيئة تجارية وذلك خلال مدة (30) يوماً من تاريخ الإعلان عن قرار اللجنة(1)، وطالما أن القاضي الاعتيادي مختص في الفصل بالطعون الضريبية، فهذا يدل على أن القاضي يقع على عاتقه مسؤولية تطبيق التشريع السليم على المنازعة المعروضة أمامه، فإذا تبين له عدم دستورية التشريع، أو الأنظمة، أو التعليمات فإنه في هذه الحالة يقع على عاتقه مسؤولية التأكد من عدم مخالفته لأحكام نصوص الدستور، فإذا ثبت له عدم دستوريته امتنع عن تطبيقه، فقد ذهب جانب من الفقه إلى القول أن القاضي الاعتيادي مقيد في حكمه بالقوانين الاعتيادية والدستور الذي يكون أعلى مرتبة من القوانين الاعتيادية، وإن اختصاص المحكمة في فحص الدستورية يكون متفرعاً من الدعوى الأصلية المعروضة عليها، مما يعني لضمان جدية هذا الدفع هو النظر في دستورية العمل الضريبي(2) ، ولا يمكن تحريك هذا النوع من الرقابة بدعوى أصلية ترفع أمام المحكمة بل ترفع هذه الدعوة بناءً على دفع فرعي بمناسبة رفع دعوى أمام المحكمة، فيقدم المكلف طلباً بعدم دستورية القانون أو القرارات الإدارية الضريبية، فوظيفة القاضي هنا التأكد من جدية الدفع، فإذا ثبت له مخالفة التشريع الأدنى للتشريع الأعلى، أوقف الفصل في الدعوى ومنح الطاعن مهلة لرفعها أمام المحكمة الدستورية (3) ، وإذا كان الفقه أكد على اختصاص القضاء الاعتيادي في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة والتعليمات، فإن القضاء في مصر أكد على اختصاصه هذا في احكامه وهو ما يتبين لنا من حكم محكمة النقض والتي ذهبت إلى إصدار حكم قالت فيه: ... وحيث أن التشريع يتدرج درجات ثلاث هي الدستور ثم التشريع الاعتيادي ثم التشريع الفرعي أو اللائحي، وهذا التدرج في القوة ينبغي أن يسلم منطقياً إلى خضوع التشريع الأدنى للتشريع الأعلى، ولا خلاف على حق المحاكم في الرقابة الشكلية للتأكد من توافر الشكل الصحيح للتشريع الأدنى كما يحدده التشريع الأعلى، أي التأكد من تمام سنة بواسطة السلطة المختصة وإتمام إصداره ونشره، وفوات الميعاد الذي يبدأ من نفاذه، فان لم يتوافر هذا الشكل يتعين على المحاكم الامتناع عن تطبيقه، أما من حيث رقابة صحة التشريع الأدنى من حيث الموضوع، فقد جاء اللبس حول سلطة المحاكم في الامتناع عن تطبيق تشريع أدنى مخالف لتشريع أعلى إزاء ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة من (175) الدستور القائم بقولها: تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص التشريعية، وذلك كله على الوجه المبين في القانون)، ولا جدال أنه على ضوء النص الدستوري سالف البيان فإن اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالحكم بعدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه، أو إلى دستورية لا يشاركها فيه سواها، وحجية الحكم في هذه الحالة مطلقة تسري في مواجهة الكافة على أنه في ذات الوقت للقضاء العادي التأكد من شرعية أو قانونية التشريع الأدنى بالتثبت من عدم مخالفته للتشريع الأعلى، فإن ثبت له هذه المخالفة اقتصر دوره على مجرد الامتناع من تطبيق التشريع الأدنى المخالف للتشريع الأعلى دون أن يملك إلغائه...)(4). ومن الحكم أعلاه نجد أن محكمة النقض المصرية، أقرت بشكل صريح بحق القضاء الاعتيادي في ممارسة الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة والتعليمات، من ضمنها الضريبة، فإذا تيقنت من مخالفة التشريع الأدنى لأحكام الدستور امتنع عن تطبيقه، إلا إن ما يهمنا هو بيان جهود المحاكم الاعتيادية في حماية المبادئ الضريبية من مخالفات السلطة التنفيذية لها وهذا ما سنبينه من خلال تقسيم هذا الفرع إلى أولاً رقابة القضاء الاعتيادي على مخالفة السلطة التنفيذية لمبدأ قانونية الضريبة، وثانياً رقابة القضاء الاعتيادي على مخالفة السلطة التنفيذية لمبدأ عدم رجعية تطبيق القانون الضريبي.
أولاً: رقابة القضاء الاعتيادي على مخالفة السلطة التنفيذية لمبدأ قانونية الضريبة :
لقد صدر عن القضاء الاعتيادي العديد من التطبيقات العملية التي تبين دوره في تناول معظم عناصر قانونية الضريبة ويمكن بيان ذلك على النحو الآتي:
1- رقابة القضاء الاعتيادي على مشروعية قرارات فرض الضريبة:
إن من شروط الأخذ بمبدأ قانونية فرض الضريبة، أن تختص السلطة التشريعية وحدها بسن قوانين تتضمن إنشاء ضرائب جديدة، إلا أن التطبيق العملي يثبت في بعض الأحيان تدخل السلطة التنفيذية في خلق ضرائب جديدة، وذلك إما عن طريق تحديد الواقعة المنشئة للضريبة، تحديد ، وعائها، أو تحديد سعرها، وهنا يأتي دور محكمة النقض المصرية، في كبح جماح تلك السلطة في مباشرتها لاختصاص السلطة التشريعية في فرض ضرائب جديدة، وعلى النحو الآتي:
أ- رفض محكمة النقض المصرية قيام وزير المالية بتحديد الواقعة المنشئة للضريبة:
وفي قضية تتلخص وقائعها قيام وزير المالية، بكونه ممثلاً للسلطة التنفيذية بإصدار قرار رقم (161) لعام 1991 ، والذي صدرت استناداً له اللائحة التنفيذية لقانون ضريبة المبيعات رقم (11) لعام 1991 ،المعدل تضمن فرض ضريبة مبيعات على واقعة بيع السلع المستوردة في السوق المحلي دون إحداث تغيير في مواصفات السلعة من حيث أن المشرع في قانون ضريبة المبيعات قد فرض ضريبة على واقعة بيع السلع المستوردة في السوق المحلي عند إحداث تغيير في حالتها أو مواصفاتها، وعند عرض المسألة على محكمة النقض ذهبت إلى عدم الاعتداد بالقرار الإداري كونه تضمن فرض ضريبة بالمخالفة لأحكام القانون، وهو بذلك يكون خالف مبدأ قانونية الضريبة، وذهبت المحكمة إلى القول: (... ويكون للقضاء العادي ان لا يعتد به القرار الإداري في مقام تطبيق القانون الذي صدر تنفيذاً له... ومن ثم فلا محل للاعتداد بما جاء باللائحة التنفيذية لقانون الضريبة العامة على المبيعات من استحقاق الضريبة على السلع المستوردة حال بيعها بحالتها دون تغيير في السوق المحلي) (5) ومن حيثيات الحكم أعلاه نجد أن محكمة النقض المصرية ترى عدم إمكانية قيام السلطة التنفيذية ممثلة بوزير المالية فرض ضريبة عامة على واقعة بيع السلع المستوردة في السوق المحلي بدون إحداث تغيير في مواصفات السلعة، بناءً على قرار صادر من الوزير كونه يعد عملاً غير مشروع ومخالف لأحكام قانون ضريبة المبيعات والمبادئ التي أقرها الدستور والذي جعل تحديد الواقعة المنشئة للضريبة من اختصاص المشرع وحده.
ب- رفض محكمة النقض قيام الإدارة الضريبية بتحديد وعاء الضريبة:
لقد صدرت عن محكمة النقض المصرية العديد من الاحكام التي تظهر دورها في رفض قيام السلطة التنفيذية ممثلة بالإدارة الضريبية بتحديد وعاء الضريبة وهو ما سنبينه على النحو الاتي:
الحكم الأول : وفي قضية تتلخص وقائعها بقيام مصلحة الضرائب بتحديد وعاء فرض الضريبة عن طريق فرض ضريبة على العلاوات الخاصة الشهرية التي يحصل عليها العاملين في الدولة مخالفة بذلك أحكام قانون ضريبة الدخل رقم (29) لعام 1992، وما تبعه من قوانين ضريبية، ومنها القانون رقم (187) لعام 1993 ، إذا قامت مصلحة الضرائب فرض ضريبة على مرتبات العاملين في الدولة، عن واقعة حصول العاملين على العلاوات الخاصة الشهرية بالرغم من أن المادة (1) و (4) من القانون رقم (29) لعام 1992، قررت إعفاؤها من الضريبة على المرتبات في حال تقريرها، وعللت المصلحة موقفها بأن الضريبة العامة على المرتبات تصيب كافة ما يستولي عليه صاحب الشأن من كسب نتيجة عمله ويتم وصفه بأنه دخل للعامل، وهو ما قضت به محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها والذي أيدت فيه حكم محكمة الاستئناف بقولها: (... وحيث أن الطعن أقيم على سببين تنعي به الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، إذ أيد الحكم الابتدائي في ـ قضائه بعدم خضوع الزيادة في الأجر والحوافز المترتبة على ضم العلاوات الاجتماعية للأجر الأساسي طبقاً الأحكام القانون رقم 29 لسنة 1992 وما تلاه من قوانين أخرى بالمخالفة لأحكام القانون رقم (187) لسنة 1993 بما يعيب الحكم ويوجب نقضه، وحيث إن هذا النعي غير سديد، حيث أن المادة 119 من الدستور تنص على أن إنشاء الضرائب العامة وتعديلها أو إلغاؤها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها، إلا في الأحوال المبينة بالقانون والنص من المادتين: (55، (58) من القانون رقم (157) لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم (187) لسنة 1993، في شأن الضريبة على الدخل من أن الضريبة العامة على المرتبات تصيب كافة ما يستولي عليه صاحب الشأن من كسب نتيجة عمله، ويوصف دخلاً له إلا ما أستثني بنص خاص، ولما كانت المادة الأولى من القانون رقم (29) لسنة 1992 بتقرير علاوة خاصة للعاملين بالدولة وضم العلاوات الاجتماعية إلى الأجور الأساسية، تنص على منح جميع العاملين بالدولة علاوة خاصة شهرية بنسبة %20% من الأجر الأساسي للعامل ولا تخضع لأية ضرائب أو رسوم وفي المادة الرابعة منه على أن تضم إلى الأجور الأساسية للخاضعين لأحكام هذا القانون العلاوات الخاصة المقررة بالقوانين التالية من التاريخ المحدد قرين كل منها ... ولا يخضع ما يضم من العلاوات الخاصة إلى الأجور الأساسية لأية ضرائب أو رسوم...) (6) . ومن حيثيات الحكم أعلاه نجد أن محكمة النقض المصرية استندت في حكمها إلى المادة (119) من الدستور، ونصوص القانون، وذهبت إلى عدم جواز فرض ضريبة على نشاط لم يخضعه المشرع أصلاً للضريبة، وإن تحديد وعاء الضريبة من اختصاص المشرع وحده، وهي بذلك تقف بوجه جماح السلطة التنفيذية عند مباشرتها اختصاص السلطة التشريعية المحدد دستورياً.
الحكم الثاني وفي حكم آخر ينطوي على ذات الموضوع أعلاه، قضت فيه محكمة النقض بعدم مشروعية الكتاب الدوري، رقم (2) لعام 1997 الصادر عن مصلحة الضرائب، وذلك إلى عدم الاعتداد به کونه تضمن فرض ضريبة على العلاوة الشهرية، والتي أضيفت إلى الأجر الأساسي للعامل، وقالت بأن مصلحة الضرائب تعسفت في تفسيرها لنصوص القانون، وتذهب إلى القول أن السلطة التنفيذية يجب أن تتقيد في حدود المشروعية الدستورية والقانونية (7) .
الحكم الثالث رفض محكمة النقض المصرية قيام مصلحة الضرائب بفرض ضريبة الدمغة النوعية على نشاط الجمعيات تعاونية الاستهلاكية.
وفي قضية تدور وقائعها حول قيام مصلحة الضرائب، بفرض ضريبة دمغة نوعية على نشاط العقود، والمحررات والأوراق والمطبوعات والسجلات والفواتير والدفاتر التابع للجمعيات التعاونية الاستهلاكية، بخلاف أحكام المادة (4/91) من القانون رقم (109) لعام 1975 بشأن التعاون الاستهلاكي، والتي تضمن القواعد الخاصة بالجمعيات التعاونية الاستهلاكية، ومنها أن المُشرع نص في المادة السالف ذكرها على إعفاء نشاط تلك الجمعيات من العقود والمحافظات والأوراق والفواتير والسجلات من ضريبة الدخل. وكذلك خالفت مصلحة الضرائب المادة (28) من القانون رقم (111) لعام 1980، والتي نصت على عدم تحميل تلك الجمعيات عبئ ضريبة الدمغة النوعية، وسواء كان ذلك عن نشاطها من المخالصات أم الإيصالات التي تصدرها جميعها.
ولدى عرض القضية على محكمة النقض، ذهبت فيه إلى تأييد الحكم الابتدائي الصادر بصدد هذه المسألة، والذي انتهى إلى إلغاء ضريبة الدمغة المفروضة على الجمعيات التعاونية، وقالت بأن قصور هذا الحكم في أسبابه القانونية لا يبطله، ولذلك عمدت المحكمة إلى أن تستكمل الحكم دون نقضه، وكذلك رفضت المحكمة التبرير الذي قدمته مصلحة الضرائب في فرض هذه الضريبة وإنها استندت إلى أحكام نص المادة (54) ، و (55) من القانون رقم (111) لعام 1980، وعدَّت نعي المصلحة في غير محله، وإن فرضها لهذه الضريبة غير مشروع. لكونه لم يستند على سند صحيح من القانون، لذلك قضت بعدم الاعتداد بها (8).
2 - رقابة القضاء الاعتيادي على عنصر الإعفاء من الضريبة:
لم يقتصر دور القضاء الاعتيادي بالرقابة على مخالفات السلطة التنفيذية، لعنصر فرض الضريبة فحسب، بل يمتد إلى عنصر الإعفاء منها، فبالرغم من أن المشرع الدستوري المصري أجاز التفويض في عنصر الإعفاء ضمن حدود وشروط يحددها القانون، إلا أن السلطة التنفيذية خرجت عن تلك الحدود في بعض الأحيان، وهذا ما تجلى لنا في بعض الأحكام القضائية، التي صدرت عن محكمة النقض المصرية في الطعون المقامة أمامها، التي برز من خلالها دور القضاء الاعتيادي في حماية هذا العنصر.
أ- رفض محكمة النقض المصرية قيام رئيس مجلس الوزراء بمنح الإعفاء بالمخالفة لأحكام القانون قضت محكمة النقض المصرية بعدم مشروعية القرار الصادر عن رئيس مجلس الوزراء الذي يتضمن إعفاء جميع ما تستورده الطاعنة من الآلات والمعدات والمستلزمات، والخامات من كل الضرائب والرسوم، إذ أن المحكمة بنت حكمها على ما هو مقرر في قضائها بأن لا تفرض الضرائب العامة ولا تعدل ولا تلغى ولا يعفى أحد من أدائها إلا بقانون، وطالما أن الإعفاء المذكور لم يتم تقريره بموجب قانون صادر من السلطة التشريعية وإنما بموجب قرار صادر من رئيس مجلس الوزراء فإن النعي بعدم دستوريته سديد كونه منح الإعفاء بالمخالفة لشروط وحالات الإعفاء المحددة قانوناً (9).
ب- وفي موقف آخر يحسب لمحكمة النقض المصرية، والذي يتجلى في القضية المطروحة أمامها، والتي تتلخص وقائعها بأن مصلحة الضرائب أخطأت في تطبيق الإعفاء المقرر قانوناً على المشروعات المقامة في المنطقة الحرة، وذلك بفرض ضريبة الأرباح التجارية والصناعية على تلك المشروعات عن الأعوام من 1983 ، وحتى عام 1987 بالمخالفة لأحكام نص المادة (46) من القانون رقم (43) لعام 1974 المعدل بالقانون ذي الرقم (32)، لعام 1977، والتي نصت على أن مع عدم الإخلال بما هو منصوص عليه في هذا القانون تعفى المشروعات التي تقام بالمنطقة الحرة والأرباح التي توزعها من أحكام القوانين الضرائب والرسوم في جمهورية مصر العربية، كما تعفى الأموال العربية والأجنبية المستثمرة بالمنطقة الحرة من ضريبة التركات ورسم الأيلولة. ومع ذلك تخضع هذه المشروعات للرسوم التي تستحق مقابل خدمات لرسم سنوي لا يجاوز 1%... وبالرغم من أن المشرع الضريبي، ينص على إعفائها من الضريبة، في حال تحقق شروط الإعفاء التي حددها، إلا أن مصلحة الضرائب أعادت إلى إخضاعها للضريبة بإلغاء الإعفاء المقرر لها.
ولدى عرض القضية على محكمة النقض، قضت بعدم مشروعية قرار الإدارة الضريبية بإخضاع المشروعات المقامة بالمنطقة الحرة للضريبة وبنت حكمها على ما هو مقرر بنص المادة (119) من دستور 1971 ، الذي كان نافذاً حينها بأنه: "إنشاء الضرائب العامة وتعديلها أو إلغائها لا يكون إلا بقانون ولا يعفى أحد من أدائها إلا في الأحوال المبنية بالقانون". بما أن إلغاء الإعفاء المقرر لتلك المشروعات صادر بموجب قرار من مصلحة الضرائب وليس بناءً على قانون، وإخضاعها للضريبة خلافاً لما نَصَّ عليه المشرع الضريبي، فإن ما قضت به محكمة النقض من تأييد الحكم الابتدائي بإلغاء هذه الضريبة، ورفض الطعن المقدم من مصلحة الضرائب يتسم بالصواب، كونها سندت في حكمها إلى ما هو مقرر قانوناً (10) . وهذا ما أكدته في حكم آخر، صادر عنها والذي قضت فيه: (لا يجوز لغير المشرع أن يحدد سعراً لضريبة أو يقرر الإعفاء منها أو يفرضها بسعر صفر)(11).
يتبين لنا من الأحكام السابقة أن محكمة النقض المصرية لم تأل جهداً في حماية عنصر الإعفاء من الضريبة، ووقفت في وجه الاجتراح الذي قامت به السلطة تنفيذية لهذا العنصر مؤكدة على السلطة التنفيذية ضرورة الالتزام بما هو مقرر في الدستور والقانون.
ثانياً: رقابة القضاء الاعتيادي على مخالفة السلطة التنفيذية لمبدأ عدم رجعية تطبيق القانون الضريبي:
القاعدة العامة أن القوانين تسري بأثر مباشر، أي أنّها تطبق على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع بين تاريخ العمل بالقانون وإلغائه (12).
وبالرغم من أن المشرع الدستوري في ظل دستور 1971 ،الملغى، قد أجاز للمشرع الضريبي النص على الرجعية في غير المواد الجنائية بشرط أن تكون هناك مصلحة اجتماعية عليا، إلا أنه في ذات الوقت حظر الرجعية على القرارات الإدارية ما لم ينص المُشرع على خلاف ذلك، إلا أننا نجد أن محكمة النقض المصرية قد أسهمت في العديد من الأحكام إلى تأصيل هذا المبدأ والتأكيد عليه وبينت أن تشريعات الضرائب قواعد امرة لا يجوز مخالفتها تطبق على الوقائع والتصرفات التي تنشأ بعد نفاذها، فلا يجوز لمصلحة الضرائب سحب القانون الضريبي على مراكز قانونية نشأت واكتملت في ظل القانون القديم إذ قالت: (... التشريعات الخاصة بالضرائب على ما جرى عليه قضاء محكمة النقض، تُعد من القواعد القانونية الامرة المتعلقة بالنظام العام فتسري بأثر فوري على كل مركز قانوني لم يكن قد تم أو اكتمل حتى تاريخ العمل بها، أما المراكز القانونية التي نشأت واكتملت قبل نفاذها، فتظل خاضعة للقانون القديم الذي حصلت في ظله) (13).
1- وفي قضية أخرى تدور وقائعها حول قيام مصلحة الضرائب بتطبيق القانون رقم 187 لعام 1993، والخاص بإعفاء مشروعات الإنتاج الداجني من أداء الضرائب، لمدة عشرة أعوام من تاريخ مزاولة النشاط بأثر رجعي، بالرغم من أن المُشرع حدد أول يناير 1994، تاریخ سريان أحكامه، وعند عرض القضية على المحكمة، ذهبت إلى القول: (إذا كان النص في المادة (36 ثالثاً من الباب الثاني المتعلق بإيرادات النشاط التجاري والصناعي من القانون رقم 157 لسنة 1981 بشأن الضرائب على الدخل المعدل بالقانون 187 لسنة 1993 على أن (يعفى من الضريبة... ثالثاً: أرباح مشروعات الإنتاج الداجني وحظائر المواشي وتسمينها... تعفى لمدة عشر سنوات ابتداء من تاريخ مزاولة النشاط)، وفي المادة (2/8) من مواد إصدار القانون الأخير على إنّه .... وبالنسبة لإيرادات النشاط التجاري والصناعي... فتسري أحكام هذا القانون اعتباراً من السنة الضريبية 1994 أو السنة المالية المنتهية خلالها متى كان تاريخ انتهائها لاحقاً لتاريخ العمل بهذا القانون يدل على أن الإعفاء من أداء الضريبة على مشروعات الإنتاج الداجني لمدة عشر سنوات الذي يتعين تطبيقه ابتداء من تاريخ مزاولة النشاط لا يسري حكمه إلا على المشروعات التي تقام اعتباراً من أول يناير 1994 أو تلك التي كانت قائمة من قبل ولم تستكمل فترة الإعفاء الواردة في مادة 33 ثالثاً من القانون 157 لسنة 1981 قبل تعديله بالقانون انف البيان فيستمر تمتعها به حتى تستكمل مدة العشر سنوات) (14) .
2- وفي حكم آخر تدور وقائعه حول قيام وزير المالية بإصدار قرار رقم 531 لعام 2005 تضمن تحديد وعاء الضريبة بإضافة مهن غير تجارية إلى المهنة التي حددها المشرع الضريبي لتكون خاضعة للضريبة، علماً أن هذا القرار صادر بناءً على تفويض غير دستوري، كونه لا يتفق مع قواعد الدستور وذلك إن الخاضعين للضريبة يجب أن يتسم تحديدهم بقانون، وأنّ هذا القرار فرض ضريبة على المهن التي أضافها من تاريخ مزاولة المهنة، أي أنه تم تطبيقه بأثر رجعي ولم يطبق من تاريخ صدوره، ولدى عرض القضية على محكمة النقض، وجدت أن هذا القرار يخل بمبدأ العدالة الضريبية، وينتهك حماية حق الملكية للأشخاص، كونه يحاسب المكلفين على حقوق المكلفين، وذلك لكونهم لا يعلمون مسبقاً بأن هذه المهنة خاضعة للضريبة. لذلك رفضت المحكمة الاعتداد بهذا القرار، والامتناع عن تطبيقه، فضلاً عن ذلك، فإنّها امتنعت عن تطبيق المادة (72) من القانون ذي الرقم (146) لعام 1950، والتي صدر بناءً عليها قرار وزير المالية السالف ذكره (15)، وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف المصرية في أحد أحكامها، والذي صدر في عام 1949 بأن جميع القرارات التي صدرت بناءً على التفويض المذكور أعلاه، انطوت على أثر رجعي، ولم تكن قرارات تفسيرية، وإنها قرارات غير مشروعة إذ قالت فيه: إن القرارات الوزارية التي أضافت مهناً جديدة ليست من قبيل القرارات التفسيرية، التي يسري أثرها على الماضي، وإنما خلق وإنشاء أضاف به الوزير إلى هذا القانون ما ليس فيه بتفويض خاص في القانون في تشريع للمستقبل لا يعمل به إلا من تاريخ نشره في الجريدة (16).
3- وفي موقف آخر لمحكمة النقض المصرية، ذهبت فيه إلى التأكيد على الأثر الفوري للقانون وعدم جواز تطبيقه بأثر رجعي، وقالت بأنّه يسري على جميع الوقائع التي تعرض فور نفاذها، حتى وإن كانت نشأت عن مركز قانوني موجوداً قبل هذا التاريخ، وقالت بأن إجازة المشرع للسلطة التنفيذية بإصدار قرارات لتنظيم إجراءات فرض ضريبة الأرباح التجارية والصناعية على المشاريع المرخص لها تخزين البضائع والسلع الأجنبية في المنطقة الحرة والإعفاء منها، يجب أن تكون في حدود القانون، وأن لا تتجاوزه وإِلَّا عُدَّت غير صحيحة كونها استندت إلى سند غير صحيح، وعدم تطبيق هذه الإجراءات بأثر رجعي، وذهبت إلى القول: (... يدل النص في المواد ،34 35 37 46 من قانون استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1974 المعدل بالقانون رقم 32 لسنة 1977 على إن المُشرع أجاز الترخيص بإقامة المشروعات في المناطق الحرة بعرض تخزين البضائع الأجنبية والبضائع العابرة وذلك لإعادة تصديرها إلى الخارج كما أجاز الإفراج عن البضائع الواردة إلى المنطقة الحرة للاستهلاك المحلي إذا ما دخلها بتحويل أو تعديل أو إضافة بالمنطقة الحرة، وفقاً لما حدده القانون، كما كان ذلك وكان المُشرع قد ناط في المادة 32 من القانون سالف الذكر بمجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار العربي والأجنبي والمناطق الحرة وضع القواعد التي تسري على المشروعات التي تعمل في المنطقة الحرة واتخاذ القرارات التنفيذية اللازمة لتحقيق الغرض الذي أنشأت من أجله في حدود القانون، فيجب عدم خروج هذه القرارات عن نطاق القانون وإلا فلا يعتد بها ...)(17).
يتجلى لنا من خلال بحثنا واطلاعنا على أحكام محكمة النقض المصرية، أنها في العديد من الأحكام التي صدرت عنها ذهبت فيها إلى التأكيد على مبدأ عدم رجعية تطبيق القانون الضريبي وتأصيله لما له من آثار خطيرة منها إخلاله لمبدأ العدالة الضريبية، وقاعدة اليقين الضريبي، مما يؤدي إلى انتهاك حقوق المكلفين وإرباك مراكزهم القانونية، وبيئت أهمية الأثر الفوري للقانون، إلّا أنّ معظم الأحكام التي وجدناها كانت تشير أيضاً إلى مخالفات السلطة التشريعية لهذا المبدأ بامتناعها عن تطبيق نصوص قوانين تضمنت أحكام تنص على سريانه بأثر رجعي. ومن ذلك ما قضت به بشأن القانون رقم (146) لعام 1950، والذي صدر بصدد تعديل بعض أحكام القانون رقم (4) لعام 1939 ، والذي رفضت تطبيق أحكامه بقولها: أن هذا القانون تضمن أحكاماً تقضي بسريانه بأثر رجعي على الماضي مخالفاً المبادئ الدستورية، وما استقرت عليه قضاء هذه المحكمة .(18). لذلك فإن محكمة النقض المصرية امتنعت عن تطبيق تلك القرارات لمخالفتها لمبدأ عدم الرجعية وعدتها قرارات غير مشروعة، ونعتقد أنه متى ما عرض على محكمة النقض مثل تلك القرارات قضت كذلك بعدم مشروعيتها.
____________
1- نيكار فاضل محمد ، الرقابة القضائية على قرارات فرض الضرائب (دراسة مقارنة)، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية القانون والعلوم السياسية في جامعة صلاح الدين، 1425ه، ص126.
2- أسامة أحمد، حق القضاء العادي في الرقابة على دستورية القوانين بحث منشور في مجلة دراسات الشريعة والقانون العدد 40، 2013، ص 67 أشار إليه أحمد شاكر جميل ،ساجت خصوصية الرقابة القضائية على دستورية الأعمال الضريبية، بحث منشور في مجلة كلية الحقوق جامعة النهرين بغداد العدد 6، 2017 ، ص223
3- د. زكريا بيومي، الموسوعة الشاملة في المنازعات الضريبية، ط1 ، منشأة المعارف، الإسكندرية، بلا سنة نشر، ص189.
4- حكم محكمة النقض المصرية رقم 30342 لسنة 70 قضائية بجلسة 2004/4/28 نقلا عن رضا كامل شاهين الاحول، مبدأ المشروعية في المجال الضريبي اطروحة دكتوراه، كليه الحقوق، جامعة المنوفية، 2008 ، ص 52-53
5- حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 292 لعام 1972 في جلسة 2006/12/28 غير منشورة نقلا عن رضا كامل شاهين الاحول، مبدأ المشروعية في المجال الضريبي اطروحة دكتوراه، كليه الحقوق، جامعة المنوفية، 2008 ، ص218
6- حكم محكمة النقض المصرية في الطعن 1332 لسنة 74 قضائية في جلسة 12 مايو 2008، أحكام النقض، المكتب الفني، مدني، سنة 59 ص 521. نقلا عن الموقع الالكتروني laweregypt.net،http// تاریخ الزيارة 2023/8/7، 2،45 م.
7- حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 1377 لسنة 54 قضائية في جلسة 1985/3/18 نقلا عن أيمن شرف الدسوقي السعدني، مبدأ مشروعية الضريبة (دراسة مقارنة) أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة طنطا، قسم التشريعات المالية والاقتصادية ، ص 186.
8- حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 8049 لسنة 64 القضائية في جلسة 6 من أغسطس 2001، أحكام النقض، المكتب الفني مدني، ج 2، لسنة 52 ، ص 1030 نقلا عن الموقع الإلكتروني،
http://laweregypt.net 7-8-2023 12.30a.m.
(.... وفقاً لأحكام المادة (4/91) من القانون رقم 109 لسنة 1975 بشأن التعاون الاستهلاكي والذي ينطوي على قواعد خاصة بالجمعيات التعاونية الاستهلاكية لا يجوز إهدارها، فقد أعفى المُشرع تلك الجمعيات فيها الضريبة الدمغة فيما يتعلق بنشاطها من العقود والمحررات والأوراق والمطبوعات والدفاتر والسجلات.... وغيرها وهو ما تأكد بالمادة (28) من القانون رقم 111 لسنة 1980 المار ذكره، بما مراده عدم تحميل الجمعيات المذكورة على ضريبة الدمغة النوعية سواء على المخالصات أو الإيصالات التي تصدرها كافة. لما كان ذلك، وكان جباية الضريبة الدمغة على الفاتورة يقع على مستلمها وفقا للبند الثالث من المادة (55) المذكورة قبلا، إلا أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع لم يلزم الجهة مصدر الفاتورة بتحصيل قيمة هذه الضريبة من الملتزم بأدائها ولم يكلفه بتوريدها لمصلحة الضرائب، وبالتالي لا تلتزم تلك الجهة بتحصيل الضريبة المستحقة أو سدادها، وإذ جاء الحكم المطعون فيه الذي أيد الحكم الابتدائي متفقاً مع النظر القانوني الصحيح ولم يلزم الجمعية المطعون ضدها بتحصيل قيمة من أعضائها والمتعاملين معها، فلا يبطله قصوره في أسبابه القانونية، إذ لمحكمة النقض أن تستكمل الحكم في بيان دون أن تنقضه...).
9- حكم محكمة النقض المصرية في الطعام رقم 2267 لسنة 74 قضائية في جلسة 12 فبراير 2010 نقلا عن شاكر جميل ،ساجت الرقابة القضائية على دستورية الأعمال الضريبية دراسة مقارنة)، ط1، مكتبة القانون المقارن، بلا سنة طبع، ص237.
10- حكم محكمة النقض المصرية في الطعام رقم 8986 لسنة 66 قضائية في جلسة 22 من يناير 2004، أحكام النقض، المكتب الفني مدني، السنة 55، ص 104.
11- حكم محكمة النقض، نقض مدني 11 مارس 1976، المجموعة، السنة 27 ، ص 614، قاعدة 121 نقلا عن أيمن شرف الدسوقي السعدني، مبدأ مشروعية الضريبة (دراسة مقارنة) أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة طنطا، قسم التشريعات المالية والاقتصادية ، ص228.
12- د. رمضان صديق نظرية الأثر الممتد واللاحق للقانون الجديد ومدى تطبيقها ضريبياً على تاريخ العمل بالقانون 91 لسنة 2005 ،وتعديلاته، بحث مقدم إلى المؤتمر الضريبي الثاني عشر المنعقد.
13- حكم محكمة النقض المصرية رقم 851 لسنة 76 قضائية، الدوائر التجارية بجلسة 2014/12/3 نقلا عن الموقع الإلكتروني،
https://laweregypt.net 7/8/2023 5.30 p.m .
14- حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 2014 لعام 74 قضائية، الدوائر التجارية في جلسة 12/3/2014 . نقلا عن الموقع الالكتروني laweregypt.net،http تاريخ الزيارة 4/ 6 / 2023، 2،34
15- حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 174 لسنة 19 ،قضائية، نقلا عن زكريا بيومي، الطعون القضائية في ربط الضرائب على الدخل، مطبوعات جامعة القاهرة، الخرطوم، 1974، ص 129-130.
16- أشار إليه، د. رمضان صديق محمد الضرائب بين الفكر المالي والقضاء الدستوري (دراسة تحليلية لأهم الأحكام بعد الدستورية وآثارها بلا مكان نشر، 1997، ص 61.
17- حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 3129 لسنة 59 قضائية في جلسة 1996/12/16، مكتب فني 47، ج 2، قاعدة 283، ص 553، نقلا عن 2023/6/4 الساعة 6 م.https://laweregypt.net
18- حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 127 لسنة 24 قضائية في جلسة 1958/5/1، نقلا عن أحمد محمود حسني قضاء النقض المبادئ التي قررتها محكمة النقض في خمسة وخمسين عاما 1931-1989)، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1993، ص390 -391
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|