أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-09-2015
1817
التاريخ: 2024-08-04
497
التاريخ: 11-10-2014
1464
التاريخ: 11-10-2014
1428
|
أمّا حديث ابني آدم إذ قَرّبا قُرباناً فتُقبّل من أحدهما ولم يُتقبّل من الآخر... فكان ذلك سبب قتل قابيل لهابيل... واحتارَ فيم يفعل بجّثة أخيه ، حتّى هَداه الغُراب ليُواريه في التُراب... (1)
فهذا حديث وَصَفه اللّه بأنّه نبأٌ حقّ : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} [المائدة : 27] ! فمِن الجُرأةِ على اللّه وعلى كتابه المجيد أنْ يُوصف بأنّه من الأساطير الشائعة في عقائد العديد من الشعوب القديمة والبدائيّة (2) .
نعم هذا الحادث في شَكله هذا الترتيب ، مِن عمل الفنّ التصويري في القرآن ، فهناك في بدء الخَليقة وقع تَشاحن بين بني آدم وهم في بداية مرحلة الحياة الاجتماعيّة ، والتي أَساسُها التعاون والتكافل في الحياة ، دون التباغض والتباعد ، لولا أنْ تتداركهم الهداية الربّانيّة الأمر الذي نبّه اللّه آدم وزوجه عليه حينما أَخَرجهما من الجنّة ليعيشا وذرّيّتهما على وجه الأرض ، {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 38].
قال سيد قطب ، هذه القصّة تُقدِّم نَموذجاً لطبيعة الشرّ والعدوان ، ونَموذجاً كذلك من الطيبة والوَداعة ، وتَقِفهما وجهاً لوجه ، كلّ منهما يتصرّف وِفق طبيعته...
واتلُ عليهم نبأَ هذَينِ النموذجَين مِن نماذج البشريّة ، اتلُه عليهم بالحقّ ، فهو حقّ وصِدق في روايته ، وهو يُنبئ عن حقّ في الفِطرة البَشريّة ، وهو يَحمل الحقّ في ضرورة الشريعة العادلة الرادعة .
إنّ ابني آدم هذَين ـ قبل كلّ شيء ـ هُما في موقفٍ لا يَثور فيه خاطرُ الاعتداء في نَفْسٍ طيّبةٍ ، فهما في موقف طاعة بين يدي اللّه ، موقف تقديم قُربان ، يتقرّبان به إلى اللّه : ( إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً ).. ( فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ ) ، والفعل مبنيٌّ للمجهول ؛ ليُشير بِناؤُه هكذا إلى أنّ أَمر القَبول أو عدمه مَوكول إلى قوّة غيبيّة وإلى كيفيّة غيبيّة... إيحاءً بأنّ الذي قُبِل قُربانه لا جريرةَ له تُوجب الحفيظة عليه وتبييت قَتلِه ، فالأَمر لم يكن له يدٌ فيه ، وإنّما توَلَّته قوّة غيبيّة بكيفيّة غيبيّته ، تعلو على إدراك كليهما وعلى مشيئته... فما هناك مُبرِّر ليَحنَق الأخ على أخيه ، وليَجيش خاطرُ القَتلِ في نفسه .
( قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ ) وهكذا يبدو هذا القول ـ بهذا التأكيد المُنبئ عن الإصرار ـ نابياً مُثيراً للاستنكار ؛ لأنّه يَنبعث من غير مُوجب ، أللهمّ إلاّ ذلك الشعور الخبيث المُنكَر ، شعور الحسد الأعمى ، الذي لا يَعمر نفساً طيّبة .
والسياق يَمضي ليزيد هذا الاعتداء نَكارَةً وبَشاعَةً بتصوير استجابة النَموذج الآخر ، وَوَداعَتِه وطِيبَة قلبه : ( قَالَ إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتّقِينَ ) ، هكذا في براءةٍ تَردُّ الأمرَ إلى وضعِه وأصلِه ، وفي إيمانٍ يُدرِك أسبابَ القَبول ، وفي توجيهٍ رفيق للمُعتدي أنْ يتّقي اللّه ، وهدايةٍ له إلى الطريق الذي يُؤدّي إلى القَبول ، وتَعريضٍ لطيفٍ به لا يُصرِّح بما يَخدِشُه أو يَستَثيرُه .
ثُمّ يَمضي الأخ المُؤمن التقيّ الوديع المُسالم ليَكسر مِن شَرَهِ الشرّ الهائج في نَفْس أَخيه الشرِّير : {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة : 28].
وهكذا يَرتسم نَموذَج مِن الوَداعَة والسلام والتقوى ، في أشدِّ المواقف استجاشةً للضمير الإنساني وحماسةً للمُعتَدى عليه ضدّ المُعتدي ، وإعجاباً بهُدُوئه واطمئنانه أمام نُذُرِ الاعتِداء ، وتقوى قلبه وخوفه مِن ربّ العالمين... (3)
... إلى آخر القصّة وهي حكاية عن تَقابُلِ نَموذَجَينِ مِن الطِّباع البشري مُنذ البِدء ولا يَزال ، هُما في تَناحر وتَنازع ، غير أنّ طابع الشرّ يَؤول لا مَحالة إلى الندمِ والخُسران في نهاية المَطاف .
ولا عَجَبَ إذ كان الطابعانِ قد تَمثّلا في ابني آدم يومذاك ، كما هو جارٍ في ذراريهما عِبر العُصور ، والعاقبة للمتّقين .
_________________
(1) المائدة : 5 : 27 ـ 31 .
(2) الفن القَصَصي في القرآن ، ص414 .
(3) مُلتَقَط من صفحات 704 ـ 707 في ظِلال القرآن ، المجلّد الثاني .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|