أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-28
885
التاريخ: 2024-04-20
744
التاريخ: 5-4-2018
2228
التاريخ: 22-9-2020
2334
|
لكل فعل يفعله المختار غاية ينشدها فتارة يقصد أمرا محللا، وآخر محرما، وليس حديثنا عن الأمر المحرم، لأنه معصية بل كلامنا عن الأمر المحلل. فتارة تفعل أمرا وتقصد به دخول جنة أو خروج من نار أو نجاة من عذاب، وتارة لا هذا ولا ذاك، بل الغاية من الفعل هو أمر أسمى منها جميعا وهو رضا المحبوب والقرب من الذات المقدسة، فبغض النظر عن الغايات الأخرى وما يحققه هذا الرضا. فأنت معرض عن كل شيء سواه سبحانه وتعالى فمتى قصدت بالفعل ذاته وله غافلا عمن سواه فأنت مخلص له في العمل، مطهر قلبك من الشرك الخفي، وبذلك تصفوا مملكة الباطن، وتخلو لصاحبها الحقيقي ويكون قلبك عرش الله. وهذا الذي أمر الله عباده أن يحققوه في سعيهم نحوه. قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
ولهذه المرتبة علامة يعرفها صاحبها، وأشار إليها سبحانه وتعالى على لسان الشيطان الرجيم {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 39، 40].
وهذا الاستثناء من الشيطان هو اعتراف منه بعدم القدرة على عباد الله المخلصين وذلك لأن كيد الشيطان ضعيف أمام قوة الله وجنده، فمتى تحول القلب إلى حصن لجنود الله، فهل يتأتى للشيطان من اختراق حصون الله، والتأثير عليها والوسوسة، ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
كيف يصل الإنسان إلى مرحلة المخلصين؟
يصل إلى هذه المرحلة بالمداومة على الأعمال الصالحة بنية خالصة لله وحده، ومراقبة النفس حتى لا تحيد عن ذلك، فإذا حافظ السالك إلى الله على هذا السلوك وواظب عليه، استخلصه الله وجعله خالصا له، عندها تبدأ آثار الاستخلاص تظهر على صاحبها، ومن أول تلك الآثار ضعف الشيطان وعدم قدرته على إغواء المخلصين.
ومن الأمور التي يجب أن يلتفت إليها إن عدم قبول العمل عند الله لا يعني عدم إعطاء الثواب من قبله سبحانه وتعالى، فهو كريم، فمتى عملت عملاً وكان لله فيه نصيب كافأك في الدنيا بالمجازات، فمثلاً لو تصدق إنسان ولم يكن مخلصاً في نيته، بل شابها إعجاب بنفسه وزهوا بأنه يتصدق على الفقراء ويحسن للضعفاء ويرحم المساكين، فان الله يدفع عنه البلاء، ويزيد في رزقه، ولكن هذا الجزاء لا يعني أن الله قبلها منه. أو قد يقبلها ولكن بمقدار الإخلاص الذي يكون يتضمنه العمل وبالتالي يكون الجزاء على حسب صفاء نيته وطهارتها من كل شائبة فيه غيره.
ميزان الأعمال يوم القيامة:
إن الطريقة التي توزن بها الأعمال يوم القيامة تختلف اختلافا كليا عن الطريقة التي توزن بها في عالمنا الدنيوي، ففي الدنيا يقاس قسمة العمل بمقدار ما يقدمه الشخص، إن كان كثيرا أو قليلا، وقد يلحظ معه الكيف وأحيانا لا يهم. أما في عالم الآخرة فليس للكم قيمة بل القيمة الحقيقية للكيف حتى لو كان قليلا جدا كحجم الذرة، ففي الدنيا هذا الحجم الصغير لا قيمة له، ولكن عند الله قد يكون له وزن عظيم جدا. قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7].
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40].
ومن هنا كانت ضربة علي صلوات الله عليه يوم الخندق تعادل عمل الثقلين جميعاً، لما فيها من الإخلاص في مراتبه العليا، ويستحيل أن يصل أحد من الناس إلى هذه المرتبة. فكانت ضربته تعادل كل عمل إلى قيام يوم الدين. ولذلك قال الشاعر الإيراني:
زعلي آموز إخلاص عمل شير حق رادان منزه از دغل
أي من علي صلوات الله عليه تعلم الإخلاص في العمل، وكيف توصل عملك إلى رضا الله، وذلك من خلال تجريد النية عن كل شيء إلا هو سبحانه وتعالى. ولذلك مدح الله سبحانه وتعالى عمل علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) في إطعامهم للفقير، والمسكين والأسير، فقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8، 9].
ولكي نضرب مثالا رائعا آخرا على أن ميزان الأعمال ليس كثرة العمل بل نية العامل فيها، ينقل أن أحدهم رأى الشيخ المجلسي في عالم الرؤيا وهو في نعيم وجنان، وخلد ورضوان، فلما سألوه عن السبب الذي أوصله إلى هذه المنزلة، هل هو بسبب كتابه «بحار الأنوار»؟
فأجابهم الشيخ: لا، وإن كان هذا عظيما جداً.
قالوا له: إذن كيف وصلت؟
قال: هذا جزاء تفاحة.
قالوا له باستغراب: تفاحة؟
قال: نعم فقد كنت يوما أسير في الطريق وفي يدي بعض التفاحات، فرأى طفل كان مع أمه التفاحات التي بيدي فرغب الطفل في الحصول على واحدة منها ... فبكى وألح على أمه لتشتري له تفاحة يأكلها، فردت عليه أمه: أنى لنا نحن بشراء التفاح يا ولدي؟
فلم سمعت كلامها تقدمت نحو الطفل وأعطيته تفاحة لكي يأكلها ولم أقصد حينها سوى وجه الله. وهذا هو جزاء التفاحة.
ينقل السيد المرعشي عن أحد زملائه العلماء أنه كان فقيرا جداً بحيث لا يملك مكانا يعيش فيه، وكانت حياته مثل حياة الدراويش فمكانه أين ما حل به المكان، وقد اتخذ هذا العالم مسلكا خاصاً في الحياة، فليلة ينام عند قبر المحقق القمي، وأخرى في مكان أخر وهكذا وفي ليلة من ليالي الشتاء القارص، حيث الثلج يتساقط التجأ إلى الغرفة التي كان ينام فيها في المقبرة، وعندها بدأ تساقط الثلج بكثافة غزيرة فلم يعرف كيف يخرج من الغرفة، وكانت خالية من كل شيء بحيث عجز حتى عن أداء صلاة الليل، حيث لا ماء فيها ولا تراب ليتيمم، وظل كذلك حتى دخل الفجر، وهو محتار لا يعرف كيف يصلي؟ فظل يذكر الله حتى كادت الشمس أن تطلع.
قال: لا!! الصلاة لا تترك بحال، فقام يصلي صلاته بدون وضوء وبدون تيمم، ولما وصل إلى القنوت، أخذ يناجي ربه، قال: إلهي أعطيتني الخبز مع الجبن فرضيت، فقبلت بكل شيء أعطيتنيه رضا لك يا ربي، ولم أسألك الزيادة في رزقي أو التوسعة علي، فها أنذا بين يديك يا ربي أقدم لك صلاتي هذه من دون وضوء وتيمم، لا حيلة لي، راجياً منك القبول.
فكان يناجي ربه بهذه الكلمات وعندما توفى هذا العالم فيما بعد رآه أحد العلماء في عالم الرؤيا وهو في مقام عظيم.
قال له: كيف وصلت إلى هذا المقام؟
قال: بتلك الصلاة التي كنت أناجي بها الله.
أقول له: يا إلهي أعطيتني فرضيت، والآن أقدم لك صلاتي هذه وأنا غير قادر على الوضوء أو التيمم بسبب ما أنزلته علينا من ثلوج أدت إلى غلق الباب فكيف أصلي؟
فقبلها الله مني ونلت هذه الدرجة الرفيعة.
ونحن من خلال هذه الأمثلة الرائعة نعرف أن الميزان الحقيقي عند الله هو كيفية أداء العمل والإخلاص فيه، ولذلك جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) في الحديث القدسي عن جبرائيل (عليه السلام) إن الله تبارك وتعالى يقول: (الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي)(1).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله)، يقول: (أخلص قلبك يكفيك القليل من العمل)(2).
وأيضا فيما كلم الله به موسى (عليه السلام): (يا موسى ما أريد به وجهي فكثير قليله، وما أريد به غيري فقليل كثيره)(3).
وهذا معنى واضح وجميل. أسال الله أن يرزقنا وإياكم درجة الإخلاص في العمل ويجعلنا من المخلصين له بحق محمد واله.
_______________________________
(1) الجواهر السنية: 167.
(2) بحار الأنوار 70: 175.
(3) تحف العقول: 493.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
أولياء أمور الطلبة يشيدون بمبادرة العتبة العباسية بتكريم الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|