المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
النقل البحري
2024-11-06
النظام الإقليمي العربي
2024-11-06
تربية الماشية في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية
2024-11-06
تقييم الموارد المائية في الوطن العربي
2024-11-06
تقسيم الامطار في الوطن العربي
2024-11-06
تربية الماشية في الهند
2024-11-06



التقارب والتشابه بين الامام الحسين (عليه السلام) والأنبياء  
  
2956   02:12 صباحاً   التاريخ: 2023-08-19
المؤلف : أ.د محمد السيد محمود زوين
الكتاب أو المصدر : اهل الكتاب في تراث أئمة اهل البيت دراسة موضوعية قرآنية
الجزء والصفحة : ص198-217
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / سيرة النبي والائمة / مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة /

ليس بدعاً من القول أن يكون سيد الشهداء (عليه السلام) وارث الأنبياء والرسالات، فهو آخر الخمسة من أصحاب الكساء الذين بشّرت بهم الكتب السماوية على لسان أنبيائها([1])، ولعل أجلى التشابه والتماثل لأبي عبدالله الحسين(عليه السلام) يظهر مع أنبياء الله الذين قدموا أرواحهم في سبيل رسالاتهم، ولاسيما نبي الله يحيى بن زكريا(عليه السلام) الذي تلمحُ له مع الإمام (عليه السلام) ملامح التماثل والتقارب، فقد بشر النبي بالحسين قبل ولادته، وكذا الامر ليحيى بشّر به زكريا قبل ولادته، لم يسم باسم الحسين أحد قبله، ويحيى لم يسم باسمه أحد قبله، يحيى قتل مظلوماً وبكت السماء والأرض عليه دما، وأُهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني اسرائيل ووضع رأسه بين يدي عدوّه، والحسين (عليه السلام) قتل مظلوماً، وبكت السموات والأرض عليه دما، وجِيء برأسه إلى الطاغية يزيد بن معاوية، ووضع أمامه، إلى غير ذلك من وجوه التشابه([2]) بين الحسين (عليه السلام) ويحيى (عليه السلام) فليس غريباً بعد ذلك أن تجد أن الحسين (عليه السلام) يكثر من ذكر يحيى في أحاديثه([3])، كما كان الحسين (عليه السلام) على لسان زكريا (عليه السلام) كما في حديث سعد بن عبدالله القمي مع الإمام العسكري (عليه السلام) والحجة صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وفيها سؤاله عن قوله تعالى: {كهيعص} (مريم: 1)، «قلت: فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل {كهيعص}قال هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع الله عليها عبده زكريا، ثم قصها على محمد(صلى الله عليه واله وسلم) وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين سري عنه همه، وانجلى كربه، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة، فقال ذات يوم: يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تعالى عن قصته، وقال: {كهيعص} "فالكاف" اسم كربلاء. و"الهاء" هلاك العترة. و"الياء" يزيد، وهو ظالم الحسين (عليه السلام). و"العين" عطشه. و"الصاد" صبره. فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته (إلهي أتفجع خير خلقك بولده إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه، إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما)؟! ثم كان يقول: «اللهم ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر، وأجعله وارثاً وصياً، واجعل محله منّي محلّ الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبه، ثمّ افجعني به كما تفجع محمداً حبيبك بولده) فرزقه الله يحيى وفجعه به. وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين (عليه السلام) كذلك»([4]).

وجرى ذكر الحسين (عليه السلام) في قلب ابراهيم ولسانه، وذلك من معاني ووجوه تفسير قوله جل ذكره: {وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (الصافات: 107)، «عن الفضل بن شاذان، قال: سمعت الرضا(عليه السلام) يقول: «لما أمر الله تعالى إبراهيم(عليه السلام) أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه، تمنى إبراهيم (عليه السلام) أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل (عليه السلام) بيده، وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه، ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح [أعز] ولده بيده، فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب.

فأوحى الله عز وجل إليه : يا إبراهيم، من أحب خلقي إليك؟ فقال : يا ربّ، ما خلقت خلقا أحب إلي من حبيبك محمد. فأوحى الله عز وجل إليه : يا إبراهيم، فهو أحب إليك، أو نفسك؟ فقال: بل هو أحب إلي من نفسي.

قال: فولده أحب إليك، أو ولدك؟ قال : بل ولده. قال : فذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك، أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال : يا رب، بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي. قال: يا إبراهيم، إن طائفة تزعم أنها من امة محمد، ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً، كما يذبح الكبش، فيستوجبون بذلك غضبي. فجزع إبراهيم (عليه السلام) لذلك، وتوجع قلبه، وأقبل يبكي، فأوحى الله عز وجل إليه : يا إبراهيم، قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب. فذلك قول الله عز وجل: {فَدَيْناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}»([5])، وقد يتوهم أن فداء الإمام الحسين(عليه السلام) لجده إسماعيل (عليه السلام) فيه من دلالة الأفضلية، وعلو الرتبة على الإمام (عليه السلام)، وهو بخلاف ما نعتقده بمقام أهل البيت (عليهم السلام)، ولاسيما أنهم خلاصة الأديان بأنبيائها ورسلها وكتبها، ومنتهى وحي السماء وملتقى الرسالات وجوهراها، وقد علّق الشيخ المجلسي (رحمة الله) على ذلك فقال «قد اورد على هذا الخبر إعضال وهو أنه إذا كان المراد بالذبح العظيم قتل الحسين (عليه السلام) لا يكون المفدى عنه أجل رتبة من المفدى به فان أئمتنا صلوات الله عليهم أشرف من اولي العزم (عليهم السلام) فكيف من غيرهم؟ مع أن الظاهر من استعمال لفظ الفداء، التعويض عن الشيء بما دونه في الخطر والشرف. واجيب بأن الحسين (عليه السلام) لما كان من أولاد إسماعيل فلو كان ذبح إسماعيل لم يوجد نبينا وكذا سائر الأئمة وسائر الأنبياء(عليهم السلام) من ولد إسماعيل(عليه السلام) فإذا عوض من ذبح إسماعيل بذبح واحد من أسباطه وأولاده وهو الحسين (عليه السلام) فكأنه عوض عن ذبح الكل وعدم وجودهم بالكلية بذبح واحد من الأجزاء بخصوصه ولا شك في أن مرتبة كل السلسة أعظم وأجل من مرتبة الجزء بخصوصه. وأقول: ليس في الخبر أنه فدى إسماعيل بالحسين، بل فيه أنه فدى جزع إبراهيم على إسماعيل، بجزعه على الحسين (عليه السلام)، وظاهر أن الفداء على هذا ليس على معناه بل المراد التعويض، ولما كان أسفه على ما فات منه من ثواب الجزع على ابنه، عوضه الله بما هو أجل وأشرف وأكثر ثوابا، وهو الجزع على الحسين (عليه السلام). والحاصل أن شهادة الحسين (عليه السلام) كان أمراً مقرراً ولم يكن لرفع قتل إسماعيل حتى يرد الاشكال، وعلى ما ذكرنا فالآية تحتمل وجهين: الأول أن يقدر مضاف، أي " فديناه بجزع مذبوح عظيم الشأن " والثاني أن يكون الباء سببية أي "فديناه بسبب مذبوح عظيم بأن جزع عليه" وعلى التقديرين لا بد من تقدير مضاف أو تجوز في إسناد في قوله "فديناه" والله يعلم»([6]).

ومن وجوه علاقة سيد الشهداء (عليه السلام) مع الأنبياء صلته بالسيد المسيح خصائص متعدّدة منها البشارة بالحسين (عليه السلام)، وذكره على لسانه ولاسيما ما يجري عليه في كربلاء، أما البشارة به فهي كلام السيد المسيح (عليه السلام) لتلاميذه بذهابه إلى ربّه تعالى الذي وعده بإرسال المؤيِّد له، جاء في إنجيل يوحنا: «إني ذاهب الآن إلى الذي أرسلني وما من أحد منكم يسألني إلى أين تذهب؟ غير أنني أقول لكم الحق: من الخير لكم أن أمضي فإن لم أمض لا يأتكم المؤيِّد، أما إذا مضيت فأرسله إليكم، ومتى جاء أخزى العالم على الخطيئة والبر والحكم»([7]).

ويذهب الدكتور المفكر انطون بارا إلى رأي يخالف به تفسير بعض اللاهوتيين للفظ (المؤيِّد) بأنه من معاني (الروح القدس)؛ لكونه جاء مغايراً لاستعمال توصيف (الروح القدس) في الانجيل، ودعّم ذلك بشواهد مختلفة من الانجيل([8])، واختار رأيا استدل عليه بحسب اعتقاده أن المقصود (المؤيِّد) الذي بشر به عيسى (عليه السلام) هو الإمام الحسين (عليه السلام) يقول انطون بارا بحسب ما يعتقد: «ولو نظرنا لرأينا... أن ليس ثمة من شهادة عظيمة اعقبت شهادة عيسى بعد مماته، سوى شهادة ريحانة الرسول الاعظم، وسليل النبوة وغذيّها، وهي شهادة جرت على لسان شهيد المسيحية عيسى (عليه السلام)؛ لما تمثلت له اهوال شهيد الإسلام الحسين (عليه السلام) فوق الأرض التي زارها والتي صارت مسرحاً لشهادته ... قد تأثر ولعن قاتليه، وأمر بني اسرائيل بلعنهم، وحث الذين سيدركون أيامه على القتال معه، فما هو الحجم المقياسي لشهادة الحسين في سفر المسلّمات الإلهية والمعادلات البشرية على ضوء ما قدمته من تضحيات عادت على العقيدة بما عادت؟ كشهادة قربت بعظمتها وخطر نتائجها وعظمها إلى حدود النبوة، وقربت شهيدها إلى حدود ما في النبوة من قدسية وخلود، فكانت ظلاً للنبوة، وكان الحسين (عليه السلام) شبيها بالرسل. ولا عجب في هذا المقتضي مادام لم يخرج عما اوصى به عيسى(عليه السلام) بني اسرائيل وما حثهم عليه من القتال مع الحسين، بوصف الشهادة معه «كالشهادة مع الأنبياء»، مادام لم يخرج عما اعلنه الرسول الكريم من قولته: «حسين مني وأنا من حسين» مبتدئاً إعلانه بالتركيز على كون الحسين منه، قبل أن يكون هو من الحسين»([9]).

أما ارتباط الحسين (عليه السلام) وذكره مع ذكر عيسى (عليه السلام) فيتجانسان في حدود المكان والموقف الرسالي، فقد نصت كثير من الروايات على أن المكان الذي ولد فيه عيسى (عليه السلام) عينه المكان الذي تقدّس بشهادة الامام الحسين (عليه السلام) (كربلاء البقعة المباركة)، فقد حددت الآيات القرآنية صفات مكان ولادة السيد المسيح(عليه السلام)  ولوازمه بقوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا} (مريم: 16). {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا} (مريم: 22). وقوله جلّ ذكره : {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا} (مريم: 25). وقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} (المؤمنون: 50).

وجميع هذه الآيات قد أوضحتها بيانات أهل البيت(عليهم السلام) التفسيرية لتحدد مكان ولادة السيد المسيح (عليه السلام)، وبالمقاربة بين دلالة الآيات الكريمة وألفاظها (مكانا شرقيا، مكانا قصيا، وهزي إليك بجذع النخلة، ربوة ذات قرار ومعين) التي تقتضي أن يكون جهة توجه مريم (عليها السلام) إلى الشرق، وإلى مكان بعيد عمّا هي فيه ـ بغضّ النظر عن طريقة الانتقال إليه بصورة خارقة معجزة كحال حملها من غير زواج، أو بصورة اعتيادية كما هو حال ولادتها ـ فضلاً عن المكان يحفل بالنخل، ووجود المرتفعات ـ التلال ـ والماء الظاهر الجاري على وجه الأرض، هذه مميزات مكان ولادة السيد المسيح(عليه السلام) فإذا قاربناها مع أحاديث أهل البيت التفسيرية، وقدسية المكان الذي قصد لرأينا أن ذلك لا ينطبق على جهة غير كربلاء البقعة المباركة المقدسة([10])، روي عن علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيّاً} (مريم:22)، قال: «خرجت من دمشق حتى أتت كربلاء فوضعته في موضع قبر الحسين (عليه السلام)، ثم رجعت من ليلتها»([11]).

أمّا بيان المكان الذي يحفل بالنخل والمعني بقوله تعالى Pوَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ...» فقد أوضحهُ الصادق من آل محمد (عليهم السلام) في حديث يحيى بن عبدالله قال: « قال: كنا بالحيرة. فركبت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فلما صرنا حيال قريه فوق الماصر(*) قال: هي هي حين قرب من الشط وصار على شفير الفرات، ثم نزل فصلى ركعتين، ثم قال: اتدرى اين ولد عيسى (عليه السلام)؟ قلت: لا، فقال: في هذا الموضع الذي انا جالس فيه، ثم قال: أتدري أين كانت النخلة؟ قلت: لا، فمدّ يده خلفه، فقال: في هذا المكان، ثم قال: أتدري ما القرار؟ وما الماء المعين؟ قلت: لا، قال: هذا هو الفرات. ثم قال: أتدري ما الربوة؟ قلت: لا، فأشار بيده عن يمينه، فقال: هذا هو الجبل إلى النجف...»([12])، ومما يستوقف الباحث هنا تحديد الإمام (عليه السلام) موضع ولادة عيسى وموضع النخلة التي ذكرت، فضلاً عن الاشارة إلى مكان الربوة والماء وهو الجبل الممتد إلى النجف، الفرات الذي يتصل بجريانه إلى النجف.

وتتوافر روايات أهل البيت في بيان موضع الربوة والماء الذي ولد عنده السيد المسيح (عليه السلام) ومنها ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) برواية أبي جعفر الباقر في تفسير الآية قال: «الربوة الكوفة، والقرار المسجد، والمعين الفرات»([13]) وعن الصادق (عليه السلام) قال: «الربوة: نجف الكوفة والمعين الفرات»([14])، وفي تفسير علي ابراهيم القمي قال: «الربوة: الحيرة، وذات قرار ومعين: الكوفة)([15])وعلق على الرواية صاحب البحار (رحمه الله) فقال: «لعل المعنى أن القرار هو الكوفة، والمعين ماؤها، اي الفرات، والحيرة اي كربلاء: لقربها منهما أضيفت إليهما»([16]) .

وقد يتوهم بعضهم بتعارض هذه الروايات وأمثالها التي تنص على معنى الربوة النجف أو الكوفة أو الحيرة أو كربلاء، والمعنى عند التدقيق في نصوص أهل البيت (عليهم السلام) واحد، فكيف ذاك وأنى؟

أقول: المُطّلع على جغرافية اتصال النجف الأشرف بكربلاء المقدسة يلحظ من خلال الرسم والتصوير الجغرافي سلسلة جبلية تمتد من الحيرة اتصالاً بالنجف (ظهر الكوفة) تمتد باتجاه النجف غرباً وصولاً لكربلاء وهذه هي ما يشير إليها أبو عبدالله الصادق (عليه السلام) بقوله (الجبل الممتد إلى النجف)، ويتصل الفرات بها من جهات مختلفة لذا جاء التعبير عن الربوة مرة بالكوفة أو الحيرة أو كربلاء لتواصل هذه الحواضر بعضها مع بعض بسلسلة جبلية يظهرها ويستكشف معالمها الرسم الجغرافي وترى أن هذه المدن تقع عند حافة هذه السلاسل فالنجف تقع في اعلى منطقة لهذه السلسلة وتشكل الحيرة مكانا يشبه لساناً يمتد بينهما (بين النجف والكوفة) لتظهر كلها بصورة مثلث قاعدته من طرف الحيرة ومن الطرف الآخر الكوفة ورأسه هضبة النجف التي تعلوها ثلاثة تلال يتوسطها قبر الإمام علي(عليه السلام) وتتصل حافة هذه الهضبة مع امتداد الجبال المسماة بـ(طار النجف) وصولاً والتقاءً بجبال أو (طار كربلاء) ([17]).

إذاً فليس ثمة تباين واختلاف في اشارة أهل البيت (عليهم السلام) إلى أن موضع ولادة عيسى (عليه السلام) كان في كربلاء، التي يعبر عنها في كثير من الروايات بأنها البقعة المباركة ([18])، عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال: «شاطئ الوادي الايمن الذي ذكره الله تعالى في القرآن هو الفرات، والبقعة المباركة كربلاء»([19]).

وما من نبي إلّا وزار كربلاء ولعن قتلة أبي عبدالله الحسين بن علي (عليه السلام) فقد روي أن «أوَّل من لعن قاتل الحسين بن عليِّ (عليه السلام) إبراهيم خليل الرَّحمن، لعنه وأمر ولده بذلك وأخذ عليهم العهد والميثاق، ثمَّ لعنه موسى بن عِمرانَ، وأمر اُمّته بذلك، ثمَّ لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك، ثمَّ لعنه عيسى، وأكثر أن قال: يا بني إسرائيل العنوا قاتِله، وإن أدركتم أيّامه فلا تجلسوا عنه، فإنَّ الشَّهيد معه كالشَّهيد مع الأنبياء، مقبل غير مُدبر، وكأنّي أنظر إلى بُقعته، وما مِن نبيِّ إلاّ وقد زارَ كربلاء ووقف عليه وقال: إنّك لبقعة كثيرة الخير، فيك يدفن القَمَر الأزهر"»([20]).

ولعل من ينكر زيارة عيسى (عليه السلام) لأرض الطف، لا يخرج عن انكار احياء الميت وشفاء الأكمه والأبرص، هذا ما يراه المفكر النصراني انطون بارا ويضيف انه ليس من العسير أن المسيح (عليه السلام) يمر بكربلاء ويتنبأ بمن يُصرع على أرضها من الشهداء والمصطفين بعد قرون، أوليس الأنبياء اولاد علّات والشهداء والمصطفون إخوان في أسرة واحدة أعدها الله تعالى لتحقيق وعده للبشر، وهل من الإيمان أن يخوض بعضهم في انكار هذه التجليات الإلهية ويفسرها بمنطقهم البشري القاصر، ورؤاهم العاجزة؟ ([21]).

ومن يتأمل خصوصيات العلاقة بين سيدالشهداء(عليه السلام) والسيد المسيح(عليه السلام) ومن سار على نهجه من النصارى يلمس ذكراً للإمام (عليه السلام) وشهادته ما قبل عاشوراء وكربلاء، ومعها وبعدها، ولا عجب في ذلك ولا غرابة في تمثّل الحسين(عليه السلام) ومشابهته للسيد المسيح (عليه السلام) في الذبِّ عن حرمة الدين والتضحية دونه، واعلاء جوهر الدين والحفاظ على سرّ خلوده، فالموقف الحسيني مثّل للكتابيين بعداً رسالياً لم يكن بمعزل عن الأنبياء ورسالاتهم، بل هو عينها وفي عمق جوهرها ولبابها.

ولعل في حديث السيد المسيح (عليه السلام) والاشارة إلى ما يجري على الامام الحسين(عليه السلام) ([22]) امتداداً رسالياً كشف عنه أهل البيت ليكون مناط تعضيد لوحدة الرسالات وتماثل مواقفها وتشابه أهلها النجباء الذين اختارهم الله على علم على العالمين، وانتخبهم من خلقه أجمعين فعن ابن عباس قال: «كنت مع أميرالمؤمنين (عليه السلام) في خروجه إلى صفين، فلما نزل بنينوى وهو شط الفرات، قال بأعلى صوته: يا ابن عباس، أتعرف هذا الموضع؟ فقلت له: ما أعرفه، يا أمير المؤمنين. فقال علي (عليه السلام): لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي. قال: فبكى طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره، وبكينا معا، وهو يقول: أوه أوه، مالي ولآل أبي سفيان، مالي ولآل حرب، حزب الشيطان، وأولياء الكفر، صبرا ـ يا أبا عبد الله ـ فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوءه للصلاة وصلى ما شاء الله أن يصلي، ثم ذكر نحو كلامه الاول، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة، ثم انتبه فقال: يا ابن عباس. فقلت: ها أنا ذا. فقال: ألا أحدثك بما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت: نامت عيناك ورأيت خيرا، يا أمير المؤمنين. قال: رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض، قد تقلدوا سيوفهم، وهي بيض تلمع، وقد خطوا حول هذه الأرض خطة، ثم رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدم عبيط، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي قد غرق فيه، يستغيث فلا يغاث، وكأن الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون: صبرا آل الرسول، فإنكم تقتلون على أيدي شرار الناس، وهذه الجنة ـ يا أبا عبد الله ـ إليك مشتاقة. ثم يعزونني ويقولون: يا أبا الحسن، أبشر، فقد أقر الله به عينك يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، ثم انتبهت هكذا. والذي نفس علي بيده، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم (صلى الله عليه واله وسلم) أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا، وهذه أرض كرب وبلاء، يدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمة، وأنها لفي السماوات معروفة، تذكر أرض كرب وبلاء كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال: يا ابن عباس، اطلب لي حولها بعر الظباء، فوالله ما كذبت ولا كذبت، وهي مصفرة، لونها لون الزعفران. قال ابن عباس: فطلبتها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أمير المؤمنين، قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال علي (عليه السلام): صدق الله ورسوله. ثم قام (عليه السلام) يهرول إليها، فحملها وشمها، وقال: هي هي بعينها، أتعلم ـ يا بن عباس ـ ما هذه الابعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم (عليه السلام)، وذلك أنه مر بها ومعه الحواريون فرأى ها هنا الضباء مجتمعة وهي تبكي، فجلس عيسى (عليه السلام) وجلس الحواريون معه، فبكى وبكى الحواريون وهم لايدرون لِـمَ جلس ولِـمَ بكى. فقالوا: يا روح الله وكلمته، ما يبكيك؟ قال: أتعلمون أي أرض هذه؟ قالوا: لا. قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد، وفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة أمي، ويلحد فيها، طينة أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، فهذه الظباء تكلمني وتقول: إنها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض. ثم ضرب بيده إلى هذه الصيران([23]) فشمها، وقال: هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها، اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه فتكون له عزاء وسلوة، قال: فبقيت إلى يوم الناس هذا، وقد اصفرت لطول زمنها، وهذه أرض كرب وبلاء. ثم قال بأعلى صوته: يا رب عيسى بن مريم، لا تبارك في قتلته، والمعين عليه، والخاذل له، ثم بكى بكاءً طويلاً وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا، ثم أفاق، فأخذ البعر فصره في ردائه، وأمرني أن أصرها كذلك، ثم قال: يا بن عباس، إذا رأيتها تنفجر دماً عبيطاً ويسيل منها دم عبيط، فاعلم أنّ أبا عبدالله قد قُتل بها ودفن.

قال ابن عباس: فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لبعض ما افترض الله عزوجل علي، وأنا لا أحلها من طرف كمي، فبينما أنا نائم في البيت إذ انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا، وكان كمي قد امتلا دما عبيطا، فجلست وأنا باك، وقلت: قد قتل والله الحسين، والله ما كذبني علي قط في حديث حدثني، ولا أخبرني بشيء قط أنه يكون إلا كان كذلك، لأنّ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت، وذلك عند الفجر، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين، ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط، فجلست وأنا باك، فقلت: قد قتل والله الحسين، وسمعت صوتا من ناحية البيت، وهو يقول:

اصبروا  آل الرسول      قتل الفـرخ  النحول

نـزل  الروح   الامين      ببــكــــاء وعـويـل

ثم بكى بأعلى صوته وبكيت، فأثبت عندي، تلك الساعة، وكان شهر المحرم يوم عاشوراء لعشر مضين منه، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك، فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه، فقالوا: والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة، ولا ندري ما هو، فكنا نرى أنه الخضر (عليه السلام)»([24]) وتجسد الموقف الرسالي في يوم عاشوراء المماثل والمشابه لموقف السيد المسيح ـ وهو اعتقاد باحث نصراني([25]) قارن بين كلام الامام ونبي الله عيسى (عليه السلام) في لبّ صراعهما مع الباطل وفداء الرسالة ـ في الدفاع عن الحق والذبِّ عن حقيقة الاسلام والقرآن؛ لذا كان الامام في خطابه العاشورائي يقول: «ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه» وهو صدى قول الله تعالى في عيسى(عليه السلام) وقومه: {ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} (مريم: 34)، فالقضية المحورية في فداء عيسى، وشهادة الحسين هي إقامة الحق الذي نبذه اعداء الرسالات طلباً للفساد والظلم، وإبطالاً للصلاح والعدل يقول الامام الحسين (عليه السلام) في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية: «وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي (صلى الله عليه واله وسلم) أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب(عليه السلام) فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين»([26]) وفي المقابل ترى السيد المسيح (عليه السلام) يرد على سؤال اليهود عندما قال لهم: « الحق يحرركم، كيف تقول انت انكم تصيرون احراراً، ولم نستعبد لأحد قطّ؟ فأجابهم: الحق الحق اقول لكم... إن كل من يعمل الخطيئة هو عبد الخطيئة»، وفي الآية (40) من الاصحاح الثامن كذلك يقول السيد المسيح(عليه السلام): «ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني... وانا الانسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله هذا لم يعمله إبراهيم... أنتم تعملون أعمال أبيكم... انتم من أبٍ هو ابليس ذاك كان قاتّلا للناس من البدء... ولم يثبت في الحق ... لأنه ليس فيه الحق، وأما أنا فلأني أقول الحق لستم تؤمنون بي ... الذي من الله، يسمع كلام الله ... لذا أنتم لستم تسمعون ... لأنكم لستم من الله» وقال ايضاً مخاطباً اليهود والذين جاؤوا ليعتقلوه: «أعلى لص خرجتم تحملون السيوف والعصي؟، كنت كل يوم بينكم في الهيكل، فلم تبسطوا أيديكم إلى، ولكن تلك ساعتكم وهذا سلطان الظلام»([27]) وقال: «ألم يعطكم موسى الشريعة، وما من أحد منكم يعمل بأحكام الشريعة، لماذا تريدون قتلي»([28]).

ولعل في مضامين هذا الكلام بحسب ما اعتقد شبهاً وتقارباً من قول الإمام الحسين (عليه السلام) كذلك في وصف اعداء الرسالة واعوان الظلم « وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله»([29]).

ولذا يخلص الدكتور استانبوليان من خلال المقارنة بين كلام الإمام الحسين(عليه السلام) والسيد المسيح (عليه السلام) إلى انطباق دلالة الآية القرآنية ورمزيتها بحقّ نبي الله عيسى (عليه السلام) على الإمام الحسين (عليه السلام) في قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً} (النساء: 157), ليصل إلى عالمية وعظمة الإمام الحسين (عليه السلام) وصلة نهضة وعلاقتها بالكتب السماوية السابقة ويختم كلامه بقوله «لوددنا... لوكان لدينا عدة أرواح لنفديك بها جميعاً»([30]).

هذا ملمح من عرصات عاشوراء الذي يتوحد معها الفداء المسيحي, وهوركن أساسي في الرسالة العيسوية وقد تجسدت في شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) الطريق «الذي لا يقدم عليه إلاّ المبشرون بالأديان السماوية، أو المتصدّون لانحرافها، وكان الحسين (عليه السلام) واحداً منهم»([31]) ؛من هنا لنا أن نقيس هذا الفداء والتضحية ليس بمقدار ما قدمت من الأرواح الطاهرة، والنفوس الكريمة المختارة التي هي من نفس روح اكرم الأنبياء فحسب، بل لابد من مقياس آخر هو خلودها بما قدمته وما تزال من عطاء ومواهب تجدد في كل يوم، فإذا كانت تضحيات الأنبياء والرسل السابقين بعيدة المنال عنا، فمشهد الفداء الحسيني بكل ابعاده حاضر يجسد مواقف الأنبياء والرسل كلهم بوصفه الإمام (عليه السلام) الوارث للرسالات والأنبياء وهو حي مشخص فيما بيننا نستلهم منه كلّ يوم بشارة السماء([32]).

وإذا كانت كلمات السيد المسيح(عليه السلام) وكلماته وبكاؤه على سيد الشهداء(عليه السلام) معلماً من معالم تلاقي الرسالات، فإن من اهل الكتاب من سار على نهج السيد المسيح (عليه السلام) عندما وعى مظهراً من مقام الإمام (عليه السلام)، وإذا كان حق للكتابيين أن يفخروا بشيء تجاه أهل البيت (عليهم السلام) فلهم أن يُفاخروا بمواقف وهب بن عبدالله الكلبي([33]) الذي نصر الإمام الحسين بلسانه ويده وتجانست دماؤه مع دماء اصحاب الحسين (عليه السلام) الميامين في طف عاشوراء، وللكتابيين كذلك أن يفخروا بالراهب الذي احتضن رأس أبي عبدالله (عليه السلام) عندما نزلت سبايا آل محمد (صلى الله عليه واله وسلم) في دير من أديرة الشام([34]) وكذا الامر لمن وقف من الكتابيين بمحضر الطاغية يزيد فأخبره بعظم جرمه بقتله سيد الشهداء وأهل الكتاب يقدسون حافر حمار عيسى في جزيرة من جزر الأرض إلى وقته ([35]).

ومن الجدير بالذكر أنّ للإمام الحسين (عليه السلام) سنة رسالية إلهية أخرى جرت على غرار سنة الله تعالى في النبوة والإمامـة من بعد موسى وهارون (عليه السلام)، ولعلك لا تعدم أن تجد التشابه بين المصطَفين للرسالة (موسى وهارون)، والمجتَبين للإمامة (الحسن والحسين) فهم موضع العناية والاختيار الإلهي، روي عن هشام بن سالم قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (عليه السلام): الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال: الحسن أفضل من الحسين. [قال:] قلت: فكيف صارت الامامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى أحب أن يجعل سنة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين (عليه السلام)، ألا ترى أنهما كانا شريكين في النبوة كما كان الحسن والحسين شريكين في الامامة وإن الله عزوجل جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى وإن كان موسى أفضل من هارون (عليه السلام)، قلت: فهل يكون إمامان في وقت واحد؟ قال: لا، إلا أن يكون أحدهما صامتاً مأموماً لصاحبه، والآخر ناطقاً إماماً لصاحبه، فأما أن يكونا إمامين ناطقين في وقت واحد فلا. قلت: فهل تكون الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليه السلام)؟ قال: لا إنما هي جارية في عقب الحسين (عليه السلام) كما قال الله عزوجل: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً في عَقِبِهِ} ثم هي جارية في الاعقاب وأعقاب الاعقاب إلى يوم القيامة»([36])، ولا أحسب تمثيلاً ومقاربةً رساليةً تنبئُك دلالة المشابهة بين أهل البيت (عليهم السلام)، وأنبياء أهل الكتاب مثل جريان السنة الربانية الواحدة في السابقين اللاحقين من عباده المخلَصَين ليُعلم مقام الأنبياء والأوصياء من السماء، فعلى الرغم من اختلاف الزمان والمكان والعقائد والتشريعات إلا أنها تصدر من عين صافية واحدة.

 


([1]) ظ: الثاقب في المناقب/190، ظ كذلك: الفضائل/119، دلائل الإمامة/180، أهل البيت في الكتاب المقدس/117، بحار الأنوار: 44.

([2]) ظ: شجرة طوبى: 2/404، معجم أحاديث الامام المهدي (عليه السلام): 4/260، موسوعة أحاديث اهل البيت (عليهم السلام) : 7/59. وكل ذلك لايعني أن قصة شهادة نبي الله يحيي (عليه السلام) تطابق قصة شهادة الحسين (عليه السلام) فذلك مما لا سبيل إليه، بشهادة الامام الحسن (عليه السلام) وقوله للحسين (عليه السلام): «لا يوم كيومك أبا عبدالله» أمالي الصدوق/17، فلم تسبى ليحيى نساء ولم تقتل ذريته واصحابه كالحسين (عليه السلام).

([3]) ظ: الارشاد: 2/132، مثير الاحزان/29، عوالي اللآلي: 4/81، بحار الانوار: 45/90، وجاء فيه: «عن علي بن الحسين  قال: خرجنا مع الحسين فما نزل منزلا وما ارتحل منه إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله، وقال يوما: ومن هوان الدنيا على الله عزوجل أن رأس يحيى بن زكريا اهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل».  

([4]) كمال الدين وتمام النعمة/461، دلائل الإمامة/514، الاحتجاج: 2/273، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: 3/237 مدينة المعاجز: 8/57، بحار الانوار: 14/178، تفسير نورالثقلين: 3/320 وغيرها كثير.

([5]) البرهان في تفسير القرآن: 1/4/619، ظ: تفسير نور الثقلين: 4/430، تفسير كنز الدقائق: 11/171، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة/498، الخصال/59، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/187.

([6]) بحار الانوار: 44/227.

([7]) يوحنا: 16/ 5، 6، 7، 8.

([8]) ظ: مسيحيون وشيعة، عيسي زار أرض الطف/414. الحسين في الفكر المسيحي المعاصر/ 291 وما بعدها.

([9]) مسيحيون وشيعة / عيسى زار ارض الطف/417 ـ 416.الحسين في الفكر المسيحي المعاصر/295، أقول: هذا اجتهاد جميل في تحليل النص الانجيلي للمفكر النصراني بارا، علماً بأنً كثيراً من المسلمين يعتقدون بأنّ هذا النص يشير لإكرام النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم )؛ لأن لفظ (المؤيِّد) في الاصل اليوناني للإنجيل جاء بلفظ (باركلتس) أي المعزّي والمؤيد، ظ/المثال نفسه/417. وحيث لايمكن الفصل بين محمدية الحسين ورساليته التي احيا بها رسالة جدّه فهو امتداد كذلك لرسالة عيسى (عليه السلام)، ظ: مسيحيون وشيعة/ 425 .

([10]) ظ: كربلاء القدس الشريف/428.

([11]) تهذيب الاحكام: 6/73، وسائل الشيعة: 14/517، تفسير أبي حمزة الثمالي/242، وغيرها.

(*) معنى المآصر: الحاجز، فاعل من (المصر) وأصل (أصر)، والإصارُ: الطنب، وجمعه (أُصُر) علي فُعُل، والآصرة الحبل الصغير الذي يُشدّ به أسفل الخباء، وأصرني الشيء ياصرني اي حبسني، ويبدو انه حبل يمدُّ علي طريق أو نهر يؤصَرُ به السُّفُن والسابلة: اي يحبس، ليؤخذ منهم العشور/ظ/لسان العرب/سادة (أصر)، تاج العروس (أصر).

([12]) قصص الأنبياء للراوندي/264، بحار الانوار: 14/216.

([13]) معاني الاخبار/373.

([14]) تهذيب الاحكام: 6/38، وسائل الشيعة: 14/405، المزار للشيخ المفيد/16و غيرها.

([15]) بحار الانوار: 14/239.

([16]) بحار الانوار: 14/239.

([17]) لزيادة التوضيح بالصورة الجغرافية والتواصل الحضاري بين هذه الحواضر القديمة، ظ: مجلة تراث النجف/ 29، ولعل آثار ذلك ماتزال في الحرم الحسيني الي الآن، ظ:أضواء علي ذاكرة المكان (نخلة مريم)/319.

([18]) ظ: مختصر بصائر الدراجات/186، الهداية الكبري/121، 97، كامل الزيارات/110. يقول القرطبي : «و قالوا: لو كان شيء من الأرض خيراً من المشرق لوضعت مريم(عليها السلام) عيسى(عليه السلام) فيه». الجامع لأحكام القرآن: 11/90.

([19]) تهذيب الاحكام: 6/38. ظ كذلك: وسائل الشيعة: 14/405.

([20]) كامل الزيارات/143، بحار الانوار:44/301.

([21]) الحسين في الفكر المسيحي المعاصر/ 289.

([22]) لايخفى على اللبيب أن التذكير بما يجري على الامام الحسين إنما جاء على ألسنة الأنبياء بما يشكل في ذلك مقاماً رسالياً اشترك في توكيده الأنبياء، ودليل على أنهم ينبعون من فيض واحد. وكان خاتمهم اكثرهم اخباراً وتوجعاً وحزنا لشأنه لقربه الرسالي منه فضلاً عن كونه ابن النبيّ الأعظم من الصدّيقة الطاهرة.

([23]) الصيران: جمع صوار ـ كغراب وكتاب ـ ومن معانيها وعاء المسك، كأنه أراد تشبيه البعر بنافجة المسك لطيبها، ويحتمل أن تكون جمع صور ـ بالفتح ـ وأراد به الحشيش الملتف النابت في تلك الأرض.

([24]) الأمالي للصدوق/696، ظ: كمال الدين وتمام النعمة/533، مدينة المعاجز: 2/167، مسند الامام علي: 8/392، الفتوح: 2/552، موسوعة عبدالله بن عباس: 5/234.

([25]) هو الدكتور أوأديس استانبوليان المسيحي الأرمني.

([26]) بحار الانوار: 44/329، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: 3/41، موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): 345، الفتوح /5/21، وغيرها كثير.

([27]) يوحنا: 7/19.

([28]) يوحنا: 7/20.

([29]) بحار الأنوار: 44/ 382 .

([30]) ظ: القرآن والمسيح في وجدان الإمام الحسين (عليه السلام): 696، ظ كذلك/ الإمام علي مسيح الإسلام/64.

([31]) الإمام علي (عليه السلام) مسيح الإسلام: 63.

([32]) ظ: المصدر نفسه/69.

([33]) ظ: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: 3/250، انصار الحسين لمحمد مهدي شمس الدين/110.

([34]) ظ: مدينة المعاجز: 4/103.

([35]) ظ: ينابيع المودة: 3/29، فضائل الخمسة من الصحاح الستة: 3/298، الصواعق المحرقة/ 199.

([36]) كمال الدين / 416 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .