حادثة مقتل النضر بن الحارث
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص41-42.
2025-10-27
50
حادثة مقتل النضر بن الحارث
قال تعالى : {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال : 32، 33].
قال العلّامة الحلّي ( قدّس سره ) في كتاب ( الكشكول ) : قال المفضّل بن عمر الجعفي ، سألت مولاي جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } [الأنعام : 149].
فقال جعفر بن محمد عليه السّلام : « الحجّة البالغة التي تبلغ الجاهل من أهل الكتاب فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه ، لأن اللّه تعالى أكرم وأعدل من أن يعذّب أحدا إلّا بحجّة ».
ثمّ قال جعفر بن محمد عليه السّلام : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة : 115] ثمّ أنشأ جعفر بن محمد عليه السّلام محدّثا ، وذكر حديثا طويلا ، وقال عليه السّلام فيه : « أقبل النّضر بن الحارث فسلّم ، فردّ عليه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فقال : يا رسول اللّه ، إذا كنت سيّد ولد آدم وأخوك سيّد العرب ، وابنتك فاطمة سيّدة نساء العالمين ، وابناك الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، وعمّك حمزة سيّد الشهداء ، وابن عمّك ذا جناحين يطير بهما في الجنّة حيث يشاء ، وعمّك العبّاس جلدة بين عينيك وصنو أبيك ، وبنو شيبة لهم السّدانة ، فما لسائر قومك من قريش وسائر العرب ؟ فقد أعلمتنا في بدء الإسلام أنا إذا آمنّا بما تقول كان لنا مالك ، وعلينا ما عليك . فأطرق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم طويلا ، ثمّ رفع رأسه ، ثم قال : ما أنا واللّه فعلت بهم هذا ، بل اللّه فعل بهم ، فما ذنبي ؟ فولّى النّضر بن الحارث وهو يقول : اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فأنزل اللّه عليه مقالة النّضر بن الحارث ، وهو يقول :{ اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ } ونزلت هذه : { وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ إلى قوله تعالى : وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }.
فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى النّضر بن الحارث الفهريّ ، وتلا عليه الآية ، فقال : يا رسول اللّه ، إني قد أسررت ذلك جميعه ، أنا ومن لم تجعل له ما جعلته لك ولأهل بيتك من الشّرف والفضل في الدنيا والآخرة ، فقد أظهر اللّه ما أسررنا ، أمّا أنا فأسألك أن تأذن لي فأخرج من المدينة ، فإني لا أطيق المقام . فوعظه النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال : إنّ ربّك كريم ، فإن أنت صبرت وتصابرت لم يخلك من مواهبه ، فارض وسلّم ، فإن اللّه يمتحن خلقه بضروب من المكاره ، ويخفّف عمّن يشاء ، وله الأمر والخلق ، مواهبه عظيمة ، وإحسانه واسع . فأبى النّضر بن الحارث وسأله الإذن ، فأذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .
فأقبل إلى بيته ، وشدّ على راحلته راكبا متعصّبا ، وهو يقول : اللهمّ ، إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء ، أو ائتنا بعذاب أليم . فلمّا مرّ بظهر المدينة ، وإذا بطير في مخلبه حجر فجدله ، فأرسله إليه ، فوقع على هامته ، ثمّ دخل في دماغه ، وخرّت في بطنه [ حتى خرجت من دبره ، ووقعت على ظهر راحلته وخرّت حتى خرجت من بطنها ] فاضطربت الراحلة وسقطت وسقط النّضر بن الحارث من عليها ميّتين ، فأنزل اللّه تعالى :
{ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ } بعليّ وفاطمة والحسن والحسين وآل محمّد ( صلوات اللّه عليهم ) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ « 1 » فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عند ذلك إلى المنافقين الذين اجتمعوا ليلا مع النّضر بن الحارث ، فتلا عليهم الآية ، وقال : اخرجوا إلى صاحبكم الفهريّ ، حتى تنظروا إليه ، فلمّا رأوه انتحبوا وبكوا ، وقالوا : من أبغض عليّا وأظهر بغضه قتله بسيفه ، ومن خرج من المدينة بغضا لعليّ أنزل اللّه ما ترى » « 2 ».
_____________
( 1 ) المعارج 70 : 1 - 3 .
( 2 ) الكشكول فيما جرى على آل الرسول : ص 179 .
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة