المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17644 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

FERMENTATION
12-2-2016
تصنيع وتعبة عصائر الفاكهة والخضر Fruit and vegetable juices
2-1-2018
المرض الأميبي الذي يصيب النحل Amibia disease
2024-05-23
التوحيد
18-8-2016
متسلسلة مثلثية Trigonometric Series
1-12-2015
رقابة منظمات المجتمع المدني على تصويت ناخبي الخارج
2023-06-03


أهل البيت (عليهم السلام ) ورثة علم الأنبياء وكتبهم  
  
2266   07:40 مساءً   التاريخ: 2023-08-15
المؤلف :  أ.د محمد السيد محمود زوين
الكتاب أو المصدر :  المصدر : اهل الكتاب في تراث أئمة اهل البيت دراسة موضوعية قرآنية
الجزء والصفحة : ص136-154
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / سيرة النبي والائمة / مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة /

تتوالى الروايات، وتتواتر الاحاديث في خصوصية أهل البيت (عليهم السلام ) بالنسبة للأنبياء(عليهم السلام )المتقدمين من جهات مختلفة في وراثة علمهم، وصحفهم، واتصال الوصية بهم في التعاقب بالبشارة من آدم حتى آخرهم الامام المهدي(عليه السلام )اكمالاً لحجة الله تعالى على خلقه، وحتى لا تخلوا الأرض من حجة (نبي أو وصي نبي) من أول الخلق إلى قيام الساعة([1]).

 فعن «علي بن محمد بن علي برجاله إلى الأصبغ بن نباتة إلى علي (عليه السلام ) قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وعلى اله ) في بيت أم سلمة فدخل سلمان وأبو ذر والمقداد وابن عوف وجماعة فقال سلمان: يا رسول الله إن لكل نبي وصيا، وسبطين فمن وصيك وسبطاك؟ فأطرق. ثم قال: إن الله تعالى بعث أربعة آلاف نبي وكان لهم أربعة آلاف وصي وثمانية آلاف سبط، والذي نفسي بيده لأنا خير الأنبياء، ووصيي خير الأوصياء وسبطاي خير الأسباط. إن آدم أوصى إلى ابنه شيث، وشيث إلى سنان، وسنان إلى مجلث، ومجلث إلى محوق، إلى عثميشا، إلى اخنوخ، إلى ياخور، إلى نوح، إلى سام إلى عتامر، إلى برعيشاشا، إلى يافث، إلى بره، إلى حفيسة إلى عمران، إلى إبراهيم، إلى إسماعيل، إلى إسحاق، إلى يعقوب، إلى يوسف إلى ريثا، إلى شعيب إلى موسى، إلى يوشع، إلى داود، إلى سليمان، إلى آصف، إلى زكريا، إلى عيسى، إلى شمعون، إلى يحيى، إلى منذر، إلى سلمه، إلى برده، ودفعها برده إلي، وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفعها إلى الحسن والحسن إلى الحسين والحسين إلى ابنه علي، وعلي إلى ابنه محمد، ومحمد إلى ابنه جعفر، وجعفر إلى ابنه موسى، وموسى إلى ابنه علي، وعلي إلى ابنه محمد، ومحمد إلى ابنه علي، وعلي إلى ابنه الحسن، والحسن إلى ابنه القائم، ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله...

وأسند محمد بن علي القمي برجاله إلى الحسن (عليه السلام ) أن النبي (صلى الله عليه وعلى اله ) خطب قبل وفاته وقال بعدها: اللهم إني أعلم أن العلم يبيد، وأنك لا تخلي أرضك من حجة ظاهرة، ليس بالمطاع أو خائف مغمور. فلما نزل قلت: يا رسول الله! ألست الحجة على الخلق؟ قال (صلى الله عليه وعلى اله ): أنا الحجة المنذر، وعلي الهادي، فهو الإمام والحجة بعدي، وأنت الحجة بعده والحسين الحجة بعدك، والحجة بعده علي ابنه، والحجة بعده محمد ابنه، والحجة بعده جعفر ابنه، والحجة بعده موسى ابنه، والحجة بعده علي ابنه، والحجة بعده محمد ابنه، والحجة بعده علي ابنه والحجة بعده الحسن ابنه والحجة بعده القائم إمام زمانه ومنقذ أوليائه يغيب ثم يظهر، لا تخلو الأرض منكم، أعطاكم الله علمي وفهمي وأسند علي بن الحسين إلى الحسن بن علي قول النبي (صلى الله عليه وعلى اله ): لعلي: أنت وارث علمي، ومعدن حكمي، والإمام بعدي، فإذا استشهدت، فابنك الحسن فإذا استشهد فالحسين، فإذا استشهد فعلي ابنه: يتلوه تسعة أئمة أبرار قلت: فما أسماؤهم قال: علي، ومحمد، وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمد، وعلي، والحسن والمهدي»([2]).

ويتوكد هذا المعنى على تمامه في حديث الاصبغ بن نباتة «قال: لما قدم علي (عليه السلام ) الكوفة صلى بالناس أربعين صباحا يقرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} فعابه بعض فقال: إني لأعرف ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهة وما حرف نزل إلا وأنا أعرف فيمن أنزل، وفى أي يوم وأيّ موضع أنزل، أما تقرؤون {إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الأُولى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسَى} والله هي عندي ورثتها من حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وعلى اله ) من إبراهيم وموسى، والله أنا الذي أنزل الله فيّ {وَتَعِيْها أُذُنٌ وَاعِيةٌ} فانا كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وعلى اله ) فيخبرنا بالوحى فأعيه ويفوتهم، فإذا خرجنا قالوا: {مَاذَا قَالَ آنِفَاً}» ([3]).

وتتأصل صورة وراثة الأنبياء وعلمهم وكتبهم بجلائها عند أهل البيت (عليهم السلام ) بمصاديق كثيرة منها روايتهم عما ورد في كتب الأديان السابقة من نصوص التوراة والزبور والانجيل والتي تشكل ظاهرة في سنة النبي(صلى الله عليه وعلى اله ) وأهل بيته (عليهم السلام ) وقد تبدو من أحد معالمها العالية أنها انعكاس لتواصل الرسالات الإلهية وتكاملها، فرواية النبي صحف ابراهيم أو لصحف موسى (التوراة) ورواية أهل البيت (عليهم السلام ) إنما يؤكد علمهم بها، ووراثتهم المتجانسة لها من الأنبياء السابقين بحيثية مرجعية الرسالات الواحدة، والمقاصد والغايات الرسالية المتعاضدة في الاتجاه نفسه فعن النبي (صلى الله عليه وعلى اله ) قال «... مكتوب في التوراة: أنا الله قاتل القاتلين، ومفقر الزانين، أيها الناس لاتزنوا فتزني نساؤكم، كما تدين تدان»([4]).

وفي رواية طويلة ينص النبي (صلى الله عليه وعلى اله ) على ما كان من عدد أنبياء الله تعالى ورسله، وخصوصيات بعض الأنبياء، والصحف المنزلة عليهم، وشيئا مما في صحف ابراهيم وموسى عن أبي ذر (رضوان الله عليه) أنه سأل النبي (صلى الله عليه وعلى اله ) : «قال: قلت يا رسول الله، فما كانت صحف إبراهيم (عليه السلام )؟ قال: كانت أمثالاً كلها وكان فيها: أيها الملك المسلط المبتلى، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها وإن كانت من كافر أو فاجر فجوره على نفسه.

وكان فيها أمثال: وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات. ساعة يناجي فيها ربة، وساعة يتفكر في صنع الله تعالى، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال في المطعم والمشرب، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، فإن من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه. قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى (عليه السلام )؟ قال: كانت عبرا كلها، وفيها: عجب لمن أيقن بالنار ثم ضحك، عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجب لمن أبصر الدنيا وتقلبها بأهلها حالاً بعد حال ثم هو يطمئن إليها، عجب لمن أيقن بالحساب ثم لم يعمل ! قلت: يا رسول الله، فهل في الدنيا شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى (عليه السلام) مما أنزل الله عليك؟ قال: اقرأ يا أبا ذر {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى * إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الأُولى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى}» ([5]).

وفي روايات كثيرة تراه (صلى الله عليه وعلى اله ) يخبر عما هو موجود في التوراة، في خطابه علي بن أبي طالب (عليه السلام ) ووصيتهُ له «يا علي في التوراة أربع إلى جنبهن أربع: من أصبح على الدنيا حريصا أصبح وهو على الله ساخط. ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربّه. ومن أتى غنياً فتضعضع له ذهب ثلثا دينه. ومن دخل النار من هذه الامة فهو ممن اتخذ آيات الله هزوا ولعبا. أربع إلى جنبهن أربع: من ملك استأثر. ومن لم يستشر يندم. كما تدين تدان. والفقر الموت الاكبر، فقيل له: الفقر من الدينار والدرهم؟ فقال: الفقر من الدين»([6]).

 أمّا رواية بعض نصوص الكتب المقدسة عند أهل البيت (عليهم السلام ) فإنها تجلّي ظاهرة امتداد وراثة علم الأنبياء وكتابهم الإلهي وتجسد مزاياها وما فيها من قواعد سماوية للذين آمنوا بالرسالات ومنها على طريق المثال لا الحصر: عن ‌أبي جعفر الباقر (عليه السلام ) مكتوب في التوراة : «يا موسى: إني خلقتك، واصطفيتك وقويتك، وأمرتك بطاعتي ونهتيك عن معصيتي، فإن اطعتني اعنتك على طاعتي، وإن عصيتني لم اعنك على معصيتي، يا موسى ولي المنة عليك في طاعتك لي، ولي الحجة عليك في معصيتك لي»([7]).

وقد لا يغيب عنك ما في هذه العبارات من المعاني التوحيدية فضلاً عن الدعوة إلى الطاعة الخالصة المنزهة عن الشوائب والدرن، فالطاعة بعين الله تعالى وهو الغني عنها، المعين عليها، والمعصية أبعد ما تكون عن الله تعالى، ولعل اطلاقها هناك دلالة أن المعين عليها، والمحبب لها النفس والشيطان، ومدار هذه الكلمات القدسية الترغيب والترهيب، الترغيب بعون الله تعالى وعزّ طاعته، الترهيب من هجر طاعته وذل معصيته مع قيام الحجة على العاصي، وحلول المنة الإلهية على الطائع مهما بلغ في طاعته حداً فلن يصل لمقام الحمد أو شكر نعمة التوفيق لها، ومالها من عظيم الاجر، ومقام القرب.

وعن أبي عبدالله جعفر الصادق (عليه السلام ) «قال: مكتوب في التوراة: ابن آدم كن كيف شئت، كما تدين تدان، من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه القليل العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤنته، وزكت مكسبته وخرج من حدِّ الفجور»([8]).

يبدو ـ والله تعالى العالم ـ بأنّ هذه النصوص والمواعظ التي في التوراة تأتي لتعالج صفات سلبية يتصف بها بنو اسرائيل من جهة خصوصية الخطاب لهم في هذا الشأن كما أن في دلالتها العامة تأكيد لمواطن الاخلاق العالية التي تدعو لها السماء في كل الديانات والرسالات والكتب من ذلك مثلاً قول الصادق(عليه السلام ) في شكر المنعم نقلاً عمّا في التوراة قال (عليه السلام ) «مكتوب في التوراة: أشكر من انعم عليك، وأنعم على من شكرك، فإنه لا زوال للنعماء إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت، الشكر زيادة في النعم، وامان من الغير»([9]).

ولعل من أوثق مظاهر التلاقي والتلاحم بين الكتب السماوية أنك تجد هذا المعنى ظاهراً في آيات القرآن الكريم من دلالة قوله تبارك شأنه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7).

وأخالك تجد المعنى ذاته بين التوراة وبين القرآن الكريم عندما تقرأ قول أبي جعفر الباقر(عليه السلام ) وإشارته إلى ما هو مكتوب في التوراة التي لم تغيّر «أن موسى (عليه السلام ) سأل ربّه فقال: يا ربِّ، أقريب انت مني فأناجيك، أم بعيد فأناديك، فأوحي الله عز وجـل إليه: يا موسى، أنا جـليس مـن ذكرني، فقال موسى (عليه السلام ) : فمن في سترك يـوم لا ستر إلا سترك؟ قال: الذين يذكرونني فأذكرهم، ويتحابون فيَّ فأحبهم، فأُولئك الذين إن أردت أن أُصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم»([10]).

واعتقد أن النص يقارب في دلالته قول الله تبارك شأنه في محكم التنزيل: {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186).

إنّ هذا التقابل الدلالي والتقارب المعنوي بين نصوص الكتب الإلهية لدليل على مرجعيتها الواحدة، ومصدرها السماوي وفيضها من عين واحدة، واشراقها من سراج نور الوحدانية.

وأعود إلى رواية النبي (صلى الله عليه وعلى اله ) عن التوراة والزبور وما فيها من دعوة للتوجه إلى الله تبارك شأنه في الدعاء، طلباً للإجابة واظهاراً للفاقة، واعظاماً لمقام الربوبية، واعزازاً لمقام العبودية قال (صلى الله عليه وعلى اله ): في التوراة أن الله يقول: «يا موسى، من رجاني ألح في مسألتي، وفي زبور داود يقول الله عز وجل: يا بن آدم، تسألني وأمنعك لعلمي بما ينفعك، ثم تلح عليّ بالمسألة فأُعطيك ما سألت»([11]).

ولعلّ في إشارته (عليه الصلاة والسلام وعلى آله الطيبين الطاهرين) إلى كليم الله موسى وإلى نبيه داود ما يقدم صورة لمقام الدعاء في العبادة وتوحيد الله تعالى وتنزيه وهوما تؤكده أدعية الأنبياء في القرآن الكريم من جهة مقام الدعاء في العبادة ([12]).

ويؤكد الإمام علي بن الحسين مفهوم التقاء العلم بالعمل ووجوب تلازمهما وتطابقهما من خلال نقله عما مكتوب في الإنجيل حيث «جاء رجل إلى علي بن الحسين (عليه السلام ) فسأله عن مسائل فأجاب ثم عاد ليسأل عن مثلها فقال علي بن الحسين (عليه السلام ): مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعملوا بما علمتم، فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفرا ولم يزدد من الله إلا بعدا»([13]).

فاحتجاج الإمام بنص إنجيلي إنما يريد بذلك توجيه الانظار ـ والله تعالى العالم ـ إلى قضايا عديده منها أنهم أهل وراثة الأنبياء وكتبهم، وقداسة فكرة ارتباط العلم بالعمل وأنها مما ورد في كتب السماء لأهل الأرض. وأن مقامهم (عليهم السلام ) في العلم بما في الانجيل أو التوراة أو الزبور يعني أنهم خلاصة الرسالات عندهم، وملتقى الوحي السماوي لديهم وهم أمناؤه وأهله، ومن هذه الحيثية يستغرب بعض أهل الكتاب واحبارهم وعلماؤهم من مقام علم أهل البيت(عليهم السلام ) بكتبهم ودياناتهم فيسألون ويستفهمون باندهاش واعجاب؟ وهو حال بريهة النصراني الجاثليق الذي ناظر هشام بن الحكم ثم قدما على أبي عبدالله الصادق (عليه السلام ) «... فلقيا موسى بن جعفر (عليه السلام)، فحكى له هشام الحكاية، فلما فرغ قال موسى بن جعفر (عليه السلام): يابريهة كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم، قال: كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه، قال: فابتدأ موسى بن جعفر (عليه السلام)، بقراءة الانجيل، قال بريهة: والمسيح لقد كان يقرأ هكذا وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح، ثم قال بريهة: إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك، قال: فآمن وحسن إيمانه وآمنت المرأة وحسن إيمانها. قال: فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد الله (عليه السلام )، وحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى (عليه السلام ) وبريهة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام ): {ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعضٍ وَاللهُ سمِيعٌ عَليمٌ}، فقال بريهة: جعلت فداك أنى لكم التوراة والانجيل وكتب الأنبياء؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوها، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول: لا أدري فلزم بريهة أبا عبدالله (عليه السلام ) حتى مات أبو عبد الله (عليه السلام )، ثم لزم موسى بن جعفر(عليه السلام)، حتى مات في زمانه فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده، وقال: هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه، قال: فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله»([14]).

 

 
   

 

  قال هشام: فقبل النزول هذه الروح كلها واحدة واسمها اثنان، قال بريهة: هي كلها واحدة روح واحدة، قال: قد رضيت أن تجعل بعضها ابنا وبعضها أبا، قال بريهة: لا لان اسم الاب واسم الابن واحد، قال هشام: فالابن أبو الأب، والاب أبو الابن، والابن واحد، قالت الاساقفة بلسانها لبريهة: ما مر بك مثل ذا قط تقوم، فتحير بريهة وذهب ليقوم فتعلق به هشام، قال: ما يمنعك من الاسلام؟ أفي قلبك حزازة؟ فقلها وإلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلك هذا فتصبح وليس لك همة غيري، قالت الاساقفة: لاترد هذه المسألة لعلها تشككك قال بريهة: قلها يا أبا الحكم. قال هشام: أفرأيتك الابن يعلم ما عند الاب؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك الاب يعلم كل ما عند الابن؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك تخبر عن الابن أيقدر على حمل كل ما يقدر عليه الاب؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك تخبر عن الاب أيقدر على كل ما يقدر عليه الابن؟ قال: نعم، قال هشام: فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه وهما متساويان وكيف يظلم كل واحد منهما صاحبه؟ قال بريهة: ليس منهما ظلم، قال هشام: من الحق بينهما أن يكون الابن أب الاب والاب ابن الابن، بت عليها يا بريهة، وافترق النصارى وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما ولا أصحابه. قال: فرجع بريهه مغتما مهتما حتى صار إلى منزله فقالت امرأته التي تخدمه: مالي أراك مهتما مغتما. فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام، فقالت لبريهة: ويحك أتريد أن تكون على حق أو على باطل؟ ! فقال بريهة: بل على الحق، فقالت له: أينما وجدت الحق فمل إليه، وإياك واللجاجة فان اللجاجة شك والشك شؤم وأهله في النار، قال: فصوب قولها وعزم على الغدو على هشام. قال: فغدا عليه وليس معه أحد من أصحابه، فقال: يا هشام ألك من تصدر عن رأيه وترجع إلى قوله وتدين بطاعته؟ قال هشام: نعم يا بريهة، قال: وما صفته؟ قال هشام: في نسبه أو في دينه؟ قال: فيهما جميعا صفة نسبه وصفة دينه، قال هشام: أما النسب خير الانساب : رأس العرب وصفوة قريش وفاضل بني هاشم كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه لان قريشا أفضل العرب وبني هاشم أفضل قريش، وأفضل بني هاشم خاصهم ودينهم وسيدهم، وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره وهذا من ولد السيد، قال: فصف دينه، قال هشام: شرائعه أو صفة بدنه وطهارته؟ قال: صفة بدنه وطهارته، قال هشام: معصوم فلا يعصي، وسخي فلا يبخل، شجاع فلا يجبن، وما           =

ولك[15]أن تتأمل في سؤاله تعجباً يحيط بكل جوانبه «جعلت فداك أنى لكم التوراة والانجيل وكتب الأنبياء ؟!» والامر عينه في التفكّر بجواب أبي عبدالله(عليه السلام ) إنها وراثة الأنبياء وعلمهم وكتبهم؛ لأنهم امتداد الرسالات، وخلاصة النبوات والأوصياء المستودعين المستحفظين لودائع الأديان وعلومها، ولعل الامر لا يقف عند رجل واحد من أهل الكتاب وإنما تبدو في تراث علاقة أهل البيت بالآخر الديني ظاهرة، لها ابعادها وحوادثها ولعل في محاورة الرضا من آل محمد (عليهم السلام ) مع أهل الملل والنحل دليل آخر على اعتراف أهل الكتاب بمعرفة أهل البيت (عليهم السلام ) بكتب الرسالات السابقة ونصهم على تفاصيل دقيقة من معانيها ودلالالتها، فقد كلم الامام (عليه السلام ) اصحاب الديانات والملل كلُّ واحد منهم بكتابه، فاحتج على أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الانجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم، وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى اصحاب المقالات الاخرى بلغاتهم.

فقد التفت الإمام بعد مناقشة للجاثليق واقراره للإمام بعدم وجود مثيل له في المسلمين ـ إلى رأس الجالوت لمحاورته فاشترط رأس الجالوت على الامام (عليه السلام ) ألا يقبل منه حجة إلا من التوراة أومن الانجيل اومن زبور داود أوبما في صحف ابراهيم وموسى، فقبل الإمام منه ذلك، واحتج عليه بما قال حتى اقرَّ له الجميع بالعلم والحجة والبرهان بما في كتبهم وبحسب اعتقادهم([16]).

ولم يكن الإمام الرضا (عليه السلام ) في منهجه العلمي الحواري مع أهل الأديان والملل بدعاً عن منظومة أهل البيت (عليهم السلام ) في توارث العلم والمعرفة بالكتب السماوية السابقة، ومن الانصاف الإشارة إلى أن حواره هذا وغيره يتطابق تماماً مع فيض قول جدّه علي (عليه السلام ) وحواراته مع أهل الأديان فهو القائل في اكثر من مناسبة وأكثر من مكان، بسند متصل عن إبي عبدالله عن آبائه «قال: سمعت علياً (صلوات الله عليه) يقول لرأس اليهود: على كم افترقتم؟ فقال: على كذا وكذا فرقة. فقال علي (عليه السلام ). كذبت يا أخا اليهود: ثم أقبل على الناس فقال: والله لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الانجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل القرآن بقرآنهم. أيها الناس، افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار، وواحدة ناجية في الجنة، وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى (عليه السلام ) ! وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، إحدى وسبعين في النار، وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت شمعون وصي عيسى (عليه السلام )، وستفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار، وفرقة في الجنة، وهي التي اتبعت وصي محمد (صلى الله عليه وعلى اله )، وضرب بيده على صدره، ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين كلها تنتحل مودتي وحبي، واحدة منها في الجنة وهم النمط الاوسط، واثنتا عشرة في النار»([17]).

وكلام علي (عليه السلام ) هذا لم يقله أحد قبله، ولم يتجرأ على قوله أحد بعده، وهو كناية عن العلم الحقيقي والامتداد الرسالي بين الأديان، ولاسيما أنّ أهل الكتاب يجزمون بعدالة علي (عليه السلام ) وإنسانيته وقوله (لقضيت...) يُنبئ بالعلم والعدل بحسب لوازم كل قضاء على الرغم من تعدد موارده، وتنوع مصادره.

ولا أظنك تغفل عن قوله (عليه السلام ) باختلاف أهل الأديان وافتراقهم في دينهم الواحد([18])، وما فيه من مزية العلم بما كان أو سيكون، ولعل معلم أو ظاهرة ذكر العلم بالتوراة والزبور والانجيل عند أهل البيت (عليهم السلام )، ولاسيما علي (عليه السلام ) تردف بالعلم في القرآن وهو ما يفهم منه تمثلهم ووراثتهم واستيعابهم خلاصة كتب السماء.

فقد تجلى ـ علي وأهل بيته(عليهم السلام ) ـ بمصداقهم العملي الواقعي عن مفهوم اجتماع الأديان، واختزال علمها، وايجاز سعتها المعرفية بهم وفيهم (عليهم السلام ) ولك أن تنظر فيما نقل عنهم، أو رُوي فيهم من أخبار تدرك مقام علمهم، ومندوحة معارفهم بالآخر على وجه التفصيل الدقيق بما يعجز عنه أهل الأديان انفسهم حتى كان ذلك عنواناً عاماً في محاوراتهم مع أهل البيت(عليهم السلام ). ولك أن تقرأ قول علي (عليه السلام ) وهو يجمع ذكر الكتب السماوية على لسانه ويفحم من يدّعي العلم بها، أو يزعم الجمع بينها في مستوى المعرفة يقول(عليه السلام ): «... سلوني قبل أن تفقدوني([19])، هو الذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إني لأعلم بالتوراة من أهل التوراة، وإني لأعلم بالإنجيل من أهل الإنجيل، وإني لأعلم بالقرآن من أهل القرآن...»([20]).

ولعلك تلمس عظم مقام هذا العلم ودائرته المفتوحة من قَسم الإمام(عليه السلام ) (فو الذي) ودلالته المقدسة في الجمع بين القسم بالله تبارك شأنه على المعرفة بكتبه ورسالاته السماوية.

هذا ملمح من مظاهر العلم بالكتاب وأهله عند أئمة آل محمد (صلى الله عليه وعلى اله )، وملمح آخر لا يكاد يقل اثراً، أو يفتر سمواً ـ عن الأول ـ من منزلة العمل ووراثة الكتاب وهو إنباؤهم (عليهم السلام ) البشارة بالنبي وآله (عليهم السلام )، وأسمائهم في الكتب السماوية السابقة بنصوص متواترة، وعبارات واضحة اقرَّ بها علماء الأديان وكبارهم وسيأتي ان شاء تعالى الحديث عنها مستقلاً بفصل منفرد يكرّس الحديث فيه باتجاهين من البشارة بما في كتبنا الحديثية من جهة وبما في الكتب المقدسة للأديان من جهة ثانية.     

ومن المفترض هاهنا الإشارة الى ظاهرة كبيرة ومهمة في تراث أئمة أهل البيت (عليهم السلام ) تزخر بذكر أنبياء أهل الكتاب (عليهم السلام )، وهي الأدعية والزيارات، حيث حفلت النصوص الدعائية عند الأمامية، ولاسيما في زيارات المعصومين بذكر الأنبياء والرسل كثيراً، ونادراً ما تجد دعاءً أو زيارة تخلو من ذلك، وهذا من مواطن تربية أهل البيت (عليهم السلام ) لشيعتهم وتعليمهم كيفية مخاطبتهم، فضلاً عن توكيد صلة شيعتهم بأنبياء الله تعالى ورسله، وتوكيد ايمانهم بالغيب الذي يشكل الأنبياء وكتبهم جزءاً مهماً في الايمان به والاعتقاد فيه، ولعله لا يخلو من إشارة جميلة حول إشعار الآخر (المغاير) بروح التعايش والسلام الديني والتقارب في الاعتقادات التي منبعها السماء، وأمناؤها الأنبياء والاوصياء.

وعلى كل حال فإنك تجد في نصوص النبي وأهل بيته (عليهم السلام ) أو الخطابات الموجهة لهم بالدعاء والزيارة ذكر الأنبياء والمرسلين منها على سبيل المثال: الصلاة على النبي وكيفياته التي جاءت على لسان الرسول الاعظم عن: «كعب بن عجزة: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وعلى اله ) فقلنا: يا رسول الله كيف السلام عليك كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد»([21]).

وكذا الامر في زيارة الإمام علي (عليه السلام ) والتي ينص فيها على وراثته لعلم النبيين من الاولين والآخرين: «السلام عليك يا وارث علم النبيين، ومستودع علم الاولين والآخرين»([22]). وترى ذلك مكرراً ومقرراً الأدعية والزيارات التي يخاطب بها أئمة أهل البيت (عليهم السلام )، ومن أكمل مصاديق ذلك خطاب الوراثة للأنبياء بالعلم والكتب الإلهية وما تعلق بهما من مشابهة الأنبياء والمرسلين في المواقف الرسالية، والتضحية والفداء من أجل ترسيخ دين الله تعالى، وعقائده ومن أمثل مصاديق ذلك الخطاب تلحظه في زيارة سيد الشهداء الإمام أبي عبدالله الحسين (عليه السلام ) والتي تسـمى بـ (زيـارة وارث) أي وارث الأنبيـاء والمعصومين وفيها : «السـلام عليك يا وارث آدم صفوة الله! السلام عليك يا وارث نوح نبي الله! السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله! السلام عليك يا وارث موسى كليم الله! السلام عليك يا وارث عيسى روح الله! السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله! السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين (عليه السلام ) ولي الله» ([23]).

وهذا الخطاب بالسلام والنداء بالوراثة إنما هو كناية عن تماثل وتشابه مقام الإمام (عليه السلام ) لمقام الأنبياء (عليهم السلام )، وتأكيد خاتمية النبوات والرسالات إنما انتهت إليهم، فكانوا هم (عليهم السلام ) ورثة الأنبياء والرسالات والكتب السماوية.

ولا يقتصر خطاب الوراثة على أحد من المعصومين دون الآخر، وإنما تجد ذلك الخطاب موجهاً إليهم (عليهم السلام ) في اغلب زياراتهم، فضلاً عن أدعيتهم التي روتها الإمامية عنهم (عليهم السلام ) .

 


([1]) ظ: علي سبيل المثال: كتاب الحجة وباب ان الأرض لا تخلو من حجة، الكافي/ 128، 136، وباب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجمع الأنبياء، والأوصياء الذين من قبلهم، الكافي: 1/174، وظ: كذلك باب اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام) وأنّ الأرض لا تخلو من حجه لله تعالى على خلقه إلى يوم القيامة، كمال الدين وتمام النعمة: 1/203.

([2]) الصراط المستقيم/ 2/ 153.

([3]) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 1/362، ظ: في هذا المجال: باب علم الكتاب عند علي(عليه السلام)، بحار الانوار: 35/429. ولك أن تنظر في هذا السبيل بعض/ المصادر الآتية: بصائر الدرجات/155، 489، الكافي: 1/225، 231، 293 شرح أصول الكافي: 6/130، وسائل الشيعة: 20/297، الغيبة للنعماني/325، ينابيع المعاجز/39 ، بحار الانوار: 13/225، 17/137، 143، 26/185، 40/ 218، 47/260، 298، 57/241.

([4]) الكافي: 1/554، ظ كذلك: المهذب البارع: 5/11، الوسائل: 20 /357.

([5]) الأمالي للطوسي/ 540، معاني الأخبار / 334، عوالي اللئائي: 1/92، الجواهر السينة / 25، المحتضر /160.

([6]) تحف العقول / 8.

([7]) التوحيد للصدوق / 406.

([8]) وسائل الشيعة:  21/ 531.

([9]) وسائل الشيعة: 15 / 315.

([10]) وسائل الشيعة:  7 /149.

([11]) وسائل الشيعة: 7/60.

([12]) ظ: الدعاء في القرآن الكريم / دعاء الأنبياء.

([13]) الكافي: 1/44، ظ: كذلك الرواية: إرشاد الأذهان: 1/16، تحف العقول/ 393، عدة الداعي / 65، منية المريد / 146، الجواهر السنية / 110، بحار الانوار:  2/ 28.

([14]) التوحيد / الصدوق / 275، وأصل المناظرة التي جرت بينهما رويت عن«يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له: بريهة، قد مكث جاثليق النصرانية سبعين سنة، وكان يطلب الاسلام ويطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته، قال: وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس حتى افتخرت به النصارى وقالت: لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لاجزأنا، وكان طالباً للحق والاسلام مع ذلك، وكانت معه امرأة تخدمه، طال مكثها معه، وكان يسر إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها، قال: فعرفت ذلك منه، فضرب بريهة الامر ظهرا لبطن وأقبل يسأل فرق المسلمين والمختلفين في الاسلام من أعلمكم؟ وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم، وأهل الحجى منهم، وكان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا، وقال: لو كانت أئمتكم أئمة على الحق لكان عندكم بعض الحق، فوصفت له الشيعة، ووصف له هشام بن الحكم. فقال يونس بن عبد الرحمن: فقال لي هشام: بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس وعندي قوم يقرؤون علي القرآن فإذا أنا بفوج النصاري معه مابين القسيسين إلى غيرهم نحو من   استودع من العلم فلا يجهل، حافظ للدين قائم بما فرض عليه، من عترة الأنبياء، وجامع علم الأنبياء، يحلم عند الغضب، وينصف عند الظلم، ويعين عند الرضا، وينصف من الولي والعدو، ولا يسأل شططا في عدوه، ولا يمنع إفادة وليه، يعمل بالكتاب ويحدث بالاعجوبات، من أهل الطهارات، يحكي قول الائمة الاصفياء، لم تنقض له حجة، ولم يجهل مسألة، يفتي في كل سنة، ويجلو كل مدلهمة. قال بريهة: وصفت المسيح في صفاته وأثبته بحججه وآياته، إلا إنّ الشخص بائن عن شخصه والوصف قائم بوصفه، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص، قال هشام: إن تؤمن ترشد وإن تتبع الحق لا تؤنب. ثم قال هشام: يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أقامها على وسط خلقه وآخر خلقه فلا تبطل الحجج، ولا تذهب الملل، ولا تذهب السنن. قال بريهة: ما أشبه هذا بالحق وأقربه من الصدق، وهذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة، قال هشام: نعم، فارتحلا حتى أتيا المدينة والمراة معهما وهما يريدان أبا عبد الله (عليه السلام) فلقيا موسى بن جعفر (عليه السلام)، فحكى له هشام...» ، وانظر كذلك: الكافي: 1 /277، مدينة المعاجز : 6/380، بحار الانوار: 48 / 14 وغيرها كثير.مائة رجل عليهم السواد والبرانس، والجاثليق الاكبر فيهم بريهة حتى نزلوا حول دكاني، وجُعل لبريهة كرسي يجلس عليه فقامت الاساقفة والرهابنة على عصيهم، وعلى رؤوسهم برانسهم، فقال بريهة: ما بقي من المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم شيء وقد جئت اناظرك في الاسلام، قال: فضحك هشام فقال: يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا ادانيه، ذاك روح طيبة خميصة مرتفعة، آياته ظاهرة، وعلاماته قائمة، قال بريهة: فأعجبني الكلام والوصف. قال هشام: إن أردت الحجاج فههنا، قال بريهة: نعم فإني أسألك ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الابدان؟ قال هشام: ابن عم جده (لأمّه) لأنّه من ولد إسحاق ومحمد من ولد إسماعيل، قال بريهة، وكيف تنسبه إلى أبيه؟ قال هشام: إن أردت نسبه عندكم أخبرتك، وإن أردت نسبه عندنا أخبرتك، قال بريهة: اريد نسبه عندنا، وظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه، قلت: فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها، قال هشام: نعم، تقولون: إنه قديم من قديم، فأيهما الاب وأيهما الابن قال بريهة: الذي نزل إلى الأرض الابن، قال هشام: الذي نزل إلى الأرض الاب قال بريهة: الابن رسول الاب، قال هشام: إن الاب أحكم من الابن لان الخلق خلق الاب، قال بريهة: إن الخلق خلق الاب وخلق الابن، قال هشام: ما منعهما أن ينزلا جميعا كما خلقا إذا اشتركا؟ ! قال بريهة: كيف يشتركان وهما شيء واحد إنما يفترقان بالاسم، قال هشام: إنما يجتمعان بالاسم، قال بريهة: جهل هذا الكلام، قال هشام: عرف هذا الكلام، قال بريهة: إن الابن متصل بالاب، قال هشام: إن الابن منفصل من الاب، قال بريهة: هذا خلاف ما يعقله الناس، قال هشام: إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعلينا فقد غلبتك لان الاب كان ولم يكن الابن فتقول: هكذا يا بريهة؟ قال: ما أقول: هكذا، قال: فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك، قال بريهة: إن الاب اسم والابن اسم يقدر به القديم قال هشام: الاسمان قديمان كقدم الاب والابن؟ قال بريهة: لا ولكن الاسماء محدثة قال: فقد جعلت الاب ابنا والابن أبا، إن كان الابن أحدث هذه الاسماء دون الاب فهو الاب، وإن كان الاب أحدث هذه الاسماء دون الابن فهو الاب والابن أب وليس ههنا ابن، قال بريهة: إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الأرض، قال هشام: فحين لم تنزل إلى الأرض فاسمها ماهو؟ قال بريهة: فاسمها ابن نزلت أو لم تنزل:  مائة رجل عليهم السواد والبرانس، والجاثليق الاكبر فيهم بريهة حتى نزلوا حول دكاني، وجُعل لبريهة كرسي يجلس عليه فقامت الاساقفة والرهابنة على عصيهم، وعلى رؤوسهم برانسهم، فقال بريهة: ما بقي من المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم شيء وقد جئت اناظرك في الاسلام، قال: فضحك هشام فقال: يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا ادانيه، ذاك روح طيبة خميصة مرتفعة، آياته ظاهرة، وعلاماته قائمة، قال بريهة: فأعجبني الكلام والوصف. قال هشام: إن أردت الحجاج فههنا، قال بريهة: نعم فإني أسألك ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الابدان؟ قال هشام: ابن عم جده (لأمّه) لأنّه من ولد إسحاق ومحمد من ولد إسماعيل، قال بريهة، وكيف تنسبه إلى أبيه؟ قال هشام: إن أردت نسبه عندكم أخبرتك، وإن أردت نسبه عندنا أخبرتك، قال بريهة: اريد نسبه عندنا، وظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه، قلت: فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها، قال هشام: نعم، تقولون: إنه قديم من قديم، فأيهما الاب وأيهما الابن قال بريهة: الذي نزل إلى الأرض الابن، قال هشام: الذي نزل إلى الأرض الاب قال بريهة: الابن رسول الاب، قال هشام: إن الاب أحكم من الابن لان الخلق خلق الاب، قال بريهة: إن الخلق خلق الاب وخلق الابن، قال هشام: ما منعهما أن ينزلا جميعا كما خلقا إذا اشتركا؟ ! قال بريهة: كيف يشتركان وهما شيء واحد إنما يفترقان بالاسم، قال هشام: إنما يجتمعان بالاسم، قال بريهة: جهل هذا الكلام، قال هشام: عرف هذا الكلام، قال بريهة: إن الابن متصل بالاب، قال هشام: إن الابن منفصل من الاب، قال بريهة: هذا خلاف ما يعقله الناس، قال هشام: إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعلينا فقد غلبتك لان الاب كان ولم يكن الابن فتقول: هكذا يا بريهة؟ قال: ما أقول: هكذا، قال: فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك، قال بريهة: إن الاب اسم والابن اسم يقدر به القديم قال هشام: الاسمان قديمان كقدم الاب والابن؟ قال بريهة: لا ولكن الاسماء محدثة قال: فقد جعلت الاب ابنا والابن أبا، إن كان الابن أحدث هذه الاسماء دون الاب فهو الاب، وإن كان الاب أحدث هذه الاسماء دون الابن فهو الاب والابن أب وليس ههنا ابن، قال بريهة: إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الأرض، قال هشام: فحين لم تنزل إلى الأرض فاسمها ماهو؟ قال بريهة: فاسمها ابن نزلت أو لم تنزل:  

([16]) ظ: عيون أخبار الرضا: 2 /138، الاحتجاج: 2 /201، الصراط المستقيم، الجواهر السنية / 53، التوحيد / 427، التوحيد 9 وغيرها كثير.

([17]) الأمالي، الطوسي: 524، كذلك الرواية بصيغ وألفاظ ومناسبات متعددة يتأكد أنه (عليه السلام) احتج بها اكثر من مرة على اهل زمانه. بياناً لعلمه وصلة ووراثة لعلم الأنبياء ورسالاتهم وكتبهم، ظ: الأمالي للصدوق/ 422، التوحيد / 305، خصائص الائمة / 55، روضة الواعظين / 118، كتاب سليم، 332، نوادر المعجزات / 48، شرح الاخبار: 2/ 311، الفصول المختارة/ 77، 222، المسائل العكبرية/ 123، عيون المعجزات/31، الاحتجاج: 1/ 391، مناقب آل أبي طاب: 1/317، العمدة/209. الطرائف /517، الصراط المستقيم: 1/ 217، مدينة المعاجز: 1/477 وغيرها.

([18]) ظ: في هذا الشأن وإخبار علي (عليه السلام) بافتراق الاديان وحيثياتها: الفضائل / 140، الصراط المستقيم:  2/37 وغيرها كثير.

([19]) هذه العبارة المشهورة عن أمير المومنين (عليه السلام) جاءت احتجاجاً على أهل زمانه ـ وقد ضيعوا مقامه واحتلوا مكانه ـ بمقامه الإلهي الرسالي، ويبدو أنها جاءت في اكثر من احتجاج واعيدت على الناس بلسانه اكثر من مرة في اكثر من زمان ومكان، ولك أن تنظر في: نهج البلاغة/ 130، بصائر الدرجات / 32، الكافي: 1/399، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/73، الأمالي للصدوق/ 96، 422، التوحيد/ 92، خصائص الأئمة/ 62، روضة الواعظين / 32، وسائل الشيعة : 15/128، 20/486، 27/69 وغيرها كثير.

([20]) كتاب سليم بن قيس، 462.

([21]) روضة الواعظين / 323 .

([22]) بحار الأنوار:  97 / 375 .

([23]) مصباح المتهجد/720 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .