المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



انتظار فرج الإمام المهدي ( عجّل الله فرجه )  
  
2055   02:20 صباحاً   التاريخ: 2023-06-22
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 14، ص186-196
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن الحسن المهدي / الغيبة الكبرى / تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى /

أهمية الانتظار

تؤكد الأحاديث الشريفة وباهتمام بالغ على عظمة آثار انتظار الفرج ؛ بعنوانه العام الذي ينطبق على الظهور المهدوي كأحد مصاديقه البارزة ؛ وكذلك على انتظار ظهور الإمام بالخصوص . فبعضها تصفه بأنه أفضل عبادة المؤمن كما هو المروي عن الإمام علي ( عليه السّلام ) : « أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج اللّه »[1] ، وعبادة المؤمن أفضل بلا شك من عبادة مطلق المسلم ، فيكون الانتظار أفضل العبادات الفضلى إذا كان القيام به بنية التعبد للّه وليس رغبة في شيء من الدنيا ؛ ويكون بذلك من أفضل وسائل التقرب إلى اللّه تبارك وتعالى كما يشير إلى ذلك الإمام الصادق ( عليه السّلام ) في خصوص انتظار الفرج المهدوي حيث يقول :

« طوبى لشيعة قائمنا ، المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره ، أولئك أولياء اللّه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون »[2]. ولذلك فإن انتظار الفرج هو « أعظم الفرج »[3] كما يقول الإمام السجاد ( عليه السّلام ) ، فهو يدخل المنتظر في زمرة أولياء اللّه .

وتعتبر الأحاديث الشريفة أنّ صدق انتظار المؤمن لظهور إمام زمانه الغائب يعزز إخلاصه ونقاء إيمانه من الشك ، يقول الإمام الجواد ( عليه السّلام ) : « . . . له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون . . »[4] وحيث إن الانتظار يعزز الإيمان والإخلاص للّه عز وجل والثقة بحكمته ورعايته لعباده ، فهو علامة حسن الظن باللّه ، لذا فلا غرابة أن تصفه الأحاديث الشريفة بأنه : « أحب الأعمال إلى اللّه »[5] ، وبالتالي فهو « أفضل أعمال أمتي »[6] كما يقول رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) .

الانتظار يرسخ تعلق الإنسان وارتباطه بربه الكريم وإيمانه العملي بأن اللّه عز وجل غالب على أمره وبأنه القادر على كل شيء والمدبر لأمر خلائقه بحكمته الرحيم بهم ، وهذا من الثمار المهمة التي يكمن فيها صلاح الإنسان وطيّه لمعارج الكمال ، وهو الهدف من معظم أحكام الشريعة وجميع عباداتها وهو أيضا شرط قبولها فلا قيمة لها إذا لم تستند إلى هذا الايمان التوحيدي الخالص الذي يرسخه الانتظار ، وهذا أثر مهم من آثاره الذي تذكره الأحاديث الشريفة نظير قول الإمام الصادق ( عليه السّلام ) : « ألا أخبركم بما لا يقبل اللّه عز وجل من العبادة عملا إلّا به . . . شهادة أن لا اله إلّا اللّه وأن محمدا عبده ورسوله والاقرار بما أمر اللّه والولاية لنا والبراءة من أعدائنا - يعني الأئمة خاصة - والتسليم لهم ، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم ( عليه السّلام ) . . . »[7].

وتصريح الأحاديث الشريفة بأن التحلي بالانتظار الحقيقي يؤهل المنتظر - وبالآثار المترتبة عليه المشار إليها آنفا - للفوز بمقام صحبة الإمام المهدي كما يشير إلى ذلك الإمام الصادق في تتمة الحديث المتقدم حيث يقول : « من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر » ، وكذلك يجعله يفوز بأجر هذه الصحبة الجهادية وهذا ما يصرح به الصادق ( عليه السّلام ) حيث يقول : « من مات منكم على هذا الأمر منتظرا له كان كمن كان في فسطاط القائم ( عليه السّلام ) . . . »[8] ، ويفوز أيضا بأجر الشهيد كما يقول الإمام علي ( عليه السّلام ) : « الآخذ بأمرنا معنا غدا في حظيرة القدس والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه »[9] ، بل ويفوز بأعلى مراتب الشهداء المجاهدين ، يقول الصادق ( عليه السّلام ) : « من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن كان مع القائم في فسطاطه ؛ قال الراوي : ثم مكث هنيئة ، ثم قال : لا بل كمن قارع معه بسيفه ، ثم قال : لا واللّه إلّا كمن استشهد مع رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) »[10].

والأحاديث المتحدثة عن آثار الانتظار كثيرة ويفهم منها أن تباين هذه الآثار في مراتبها يكشف عن تباين عمل المؤمنين بمقتضيات الانتظار الحقيقي ، فكلما سمت مرتبة الانتظار تزايدت آثارها المباركة وبالطبع فإن الأمر يرتبط بتجسيد حقيقة ومقتضيات الانتظار ، ولذلك يجب معرفة معناه الحقيقي ، وهذا ما نتناوله في الفقرة اللاحقة .

حقيقة الانتظار

الانتظار عبارة عن : « كيفية نفسانية ينبعث منها التهيؤ لما تنتظره ؛ وضده اليأس ؛ فكلما كان الانتظار أشد كان التهيؤ آكد ؛ ألا ترى أنّه إذا كان لك مسافر تتوقع قدومه ازداد تهيؤك لقدومه كلما قرب حينه ، بل ربما تبدل رقادك بالسهاد لشدة الانتظار . وكما تتفاوت مراتب الانتظار من هذه الجهة ، كذلك تتفاوت مراتبه من حيث حبك لمن تنتظره ، فكلما اشتد الحب ازداد التهيؤ للحبيب وأوجع فراقه بحيث يغفل المنتظر عن جميع ما يتعلق بحفظ نفسه ولا يشعر بما يصيبه من الالآم الموجعة والشدائد المفظعة .

فالمؤمن المنتظر مولاه كلما اشتد انتظاره ازداد جهده في التهيؤ لذلك بالورع والاجتهاد وتهذيب نفسه وتجنّب الأخلاق الرذيلة والتحلّي بالأخلاق الحميدة حتى يفوز بزيارة مولاه ومشاهدة جماله في زمان غيبته كما اتفق ذلك لجمع كثير من الصالحين ، ولذلك أمر الأئمة الطاهرون ( عليهم السّلام ) فيما سمعت من الروايات وغيرها بتهذيب الصفات وملازمة الطاعات . بل رواية أبي بصير مشعرة أو دالة على توقف الفوز بذلك الأجر حيث قال [ الإمام الصادق ] ( عليه السّلام ) :

« من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل من أدركه . . . ولا ريب أنه كلما اشتد الانتظار ازداد صاحبه مقاما وثوابا عند اللّه عز وجل . . . »[11].

والانتظار يعني : « ترقب ظهور وقيام الدولة القاهرة والسلطنة الظاهرة لمهدي آل محمد ( عليهم السّلام ) . وإمتلائها قسطا وعدلا وانتصار الدين القويم على جميع الأديان كما أخبر به اللّه تعالى نبيه الأكرم ووعده بذلك ، بل بشّر به جميع الأنبياء والأمم ؛ أنه يأتي مثل هذا اليوم الذي لا يعبد فيه غير اللّه تعالى ولا يبقى من الدين شيء مخفي وراء ستر وحجاب مخافة أحد . . . »[12].

اذن الانتظار يتضمن حالة قلبية توجدها الأصول العقائدية الثابتة بشأن حتمية ظهور المهدي الموعود وتحقق أهداف الأنبياء ورسالاتهم وآمال البشرية وطموحاتها على يديه ( عليه السّلام ) ؛ وهذه الحالة القلبية تؤدي إلى انبعاث حركة عملية تتمحور حول التهيؤ والاستعداد للظهور المنتظر ، ولذلك أكدت الأحاديث الشريفة على لزوم ترسيخ المعرفة الصحيحة المستندة للأدلة العقائدية بالإمام المهدي وغيبته وحتمية ظهوره كما أشرنا في الواجب الأول .

وعليه يتضح أن الانتظار لا يكون صادقا إلّا إذا توفرت فيه : « عناصر ثلاثة مقترنة : عقائدية ونفسية وسلوكية ولولاها لا يبقى للانتظار أي معنى إيماني صحيح سوى التعسف المبني على المنطق القائل : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ . . .[13] المنتج لتمني الخير للبشرية من دون أي عمل إيجابي في سبيل ذلك »[14].

ولذلك نلاحظ في الأحاديث الشريفة المتحدثة عن قضية الانتظار تأكيدها على معرفة الإمام المهدي ودوره وترسيخ الارتباط المستمر به ( عليه السّلام ) في غيبته كمظهر للانتظار والالتزام العملي بموالاته والتمسك بالشريعة الكاملة كما أشرنا لذلك في التكاليف السابقة وإعداد المؤمن نفسه كنصير للإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - يتحلى بجميع الصفات الجهادية والعقائدية والأخلاقية اللازمة للمساهمة في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى ، وإلّا لن يكون انتظارا حقيقيا .

« إن انتظار الفرج نوعان : انتظار بنّاء باعث للتحرك والالتزام الرسالي ، فهو عبادة وأفضل العبادات ، وانتظار مخرّب يشل الإنسان عن العمل البنّاء فهو يعتبر نمطا من أنماط « الإباحية » . . . إن نوعي الانتظار هذين هما نتيجة لنوعين من الفهم لماهية الظهور التأريخي العظيم للمهدي الموعود ( عليه السّلام ) . . . والبعض يفسّر القضية المهدوية وثورتها الموعودة بأنها ذات صبغة انفجارية لا غير ؛ وأنها نتيجة لانتشار الظلم والتمييز والقمع وغصب الحقوق والفساد . . . فعندها يقع الانفجار وتظهر يد الغيب لإنقاذ الحق . . . وعليه فإن أفضل عون يمكن أن يقدمه الإنسان لتعجيل الظهور المهدوي وأفضل أشكال الانتظار هو [ السماح ب ] ترويج الفساد . . .

لكن المستفاد من الآيات أن ظهور المهدي الموعود حلقة من حلقات مجاهدة أنصار الحق لأشياع الباطل التي تكون عاقبتها الانتصار الكامل لأنصار الحق ومشاركة الإنسان في الحصول على هذه السعادة مرهون بأن يدخل عمليا في صفوف أنصار الحق . . .

ويستفاد من الروايات الإسلامية أن ظهور المهدي ( عليه السّلام ) يقترن ببلوغ جبهتي السعداء والأشقياء ذروة عملهم كل حسب أهدافه لا أن ينعدم السعداء ويبلغ الأشقياء ذروة إجرامهم وظلمهم ، وتتحدث الأحاديث الشريفة عن صفوة من أنصار الحق تلتحق بالإمام فور ظهوره . . . فحتى لو فرضنا أنهم قلة من الناحية الكمية إلّا أنهم من الناحية الكيفية خيرة أهل الإيمان وبمستوى أنصار سيد الشهداء ( عليه السّلام ) ؛ كما تتحدث عن التمهيد لثورة الإمام المهدي بسلسلة من الانتفاضات التي يقوم بها أنصار الحق . . . كما تتحدث بعضها عن حكومة يقيمها أنصار الحق وتستمر حتى تفجر ثورة الإمام المهدي »[15].

إذن يتضح مما تقدم أن للانتظار الشرعي المطلوب جملة من الشروط لا يتحقق بدونها العمل به كأهم تكاليف المؤمنين في عصر الغيبة وقد تحدثت عنها الأحاديث الشريفة وجمعها الإمام السجاد ( عليه السّلام ) حيث قال ضمن حديث له عن القضية المهدوية : « إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان ، لأن اللّه تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة العيان وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) بالسيف ، أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين اللّه عز وجل سرا وجهرا »[16].

شروط الانتظار

على ضوء هذا النص والتوضيحات الذي تقدمته يمكن إجمال شروط الانتظار في النقاط التالية التي تتضمن أيضا توضيح السبيل العملي الذي ينبغي للمؤمن انتهاجه لكي يكون منتظرا حقيقيا :

1 - ترسيخ معرفة الإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - والإيمان بإمامته والقيام بمهامها في غيبته ومعرفة طبيعة دوره التأريخي وأبعاده والواجبات التي يتضمنها ودور المؤمنين تجاهه ، وترسيخ الارتباط به ( عليه السّلام ) وبدوره التأريخي . وكذلك الإيمان بأن ظهوره محتمل في أي وقت ، الأمر الذي يوجب أن يكون المؤمن مستعدا له في كل وقت . بما يؤهله للمشاركة في ثورته .

ولتحقق هذا الاستعداد اللازم لكي يكون الانتظار صادقا يجب التحلي بالصفات الأخرى التي يذكرها الإمام السجاد ( عليه السّلام ) والتي تمثل في واقعها الشروط الأخرى لتحقق مفهوم الانتظار على الصعيد العملي ، كما نلاحظ في الفقرات اللاحقة .

2 - ترسيخ الاخلاص في القيام بمختلف مقتضيات الانتظار وتنقيته من جميع الشوائب والأغراض المادية والنفسية ، وجعله خالصا للّه تبارك وتعالى وبنيّة التعبد له والسعي لرضاه ، وبذلك يكون الانتظار « أفضل العبادة » ، وقد صرّح آية اللّه السيد محمد تقي الإصفهاني بأنّ توفر هذه النيّة الخالصة شرط في القيام بواجب الانتظار . وعلى أي حال فإنّ توفر هذا الشرط يرتبط بصورة مباشرة بالإعداد النفسي لنصرة الإمام عند ظهوره ؛ لأنّ فقدانه يسلب المنتظر الأهلية اللازمة لتحمل صعاب نصرة الإمام - عجل اللّه فرجه - في مهمته الإصلاحية الجهادية الكبرى .

3 - تربية النفس وإعدادها بصورة كاملة لنصرة الإمام من خلال صدق التمسك بالثقلين والتخلق بأخلاقهما ليكون المؤمن بذلك من أتباع الإمام المهدي ( عليه السّلام ) حقا : « وشيعتنا صدقا » وتتوفر فيه شروط الشخصية الإلهية والجهادية القادرة على نصرة الإمام في طريق تحقيق أهدافه الإلهية ، وفي ذلك تمهيد لظهوره ( عليه السّلام ) على الصعيد الشخصي .

4 - التحرك للتمهيد للظهور المهدوي على الصعيد الاجتماعي بدعوة الناس إلى دين اللّه الحق وتربية أنصار الإمام والتبشير بثورته الكبرى ، ونلاحظ في حديث الإمام السجاد ( عليه السّلام ) وصفه للمنتظرين بأنهم « الدعاة إلى دين اللّه عز وجل سرّا وجهرا » ، وفي ذلك إشارة بليغة إلى ضرورة استمرار تحرك المنتظرين في التمهيد للظهور ورغم كل الصعاب ، فإذا كانت الأوضاع موائمة دعوا لدين اللّه جهرا وإلّا كان تحركهم سريا دون أن يسوّغوا لأنفسهم التقاعس عن هذا الواجب التمهيدي تذرّعا بصعوبة الظروف .

وعلى ضوء ما تقدم يتضح أن الانتظار الحقيقي يتضمن حركة بناء مستمرة واستعداد لظهور المنقذ المنتظر على الصعيدين الفردي والاجتماعي مهما كانت الصعاب والتضحيات ، يقول الإمام الخميني ( قدّس سرّه ) في آخر بيان أصدره بمناسبة النصف من شعبان قبل وفاته : « سلام عليه ( المهدي الموعود ) وسلام على منتظريه الحقيقيين ، سلام على غيبته وظهوره ، وسلام على الذين يدركون ظهوره على نحو الحقيقة ويرتوون من كأس هدايته ومعرفته سلام على الشعب الإيراني العظيم الذي يمهد لظهوره بالتضحيات والفداء والشهادة . . . »[17].

الانتظار وتوقّع الظهور الفوري

إضافة إلى تصريحهم بوجوب انتظار الإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - في غيبته استنادا إلى كثرة النصوص الشرعية الآمرة بذلك على نحو الفرج الإلهي العام أو الفرج المهدوي على نحو الخصوص ، فقد صرحوا بوجوب توقع ظهور الإمام في كل حين استنادا إلى النصوص الشرعية أيضا ، يقول السيد الشهيد محمد الصدر ( رحمه اللّه ) : « من الأخبار الدالة على التكليف في عصر الغيبة ما دل على وجوب الانتظار الفوري وتوقع الظهور الفوري في كل وقت بالمعنى الذي سبق أن حققناه »[18]، ويقول السيد محمد تقي الإصفهاني بعد نقله لمجموعة من الأحاديث الدالة على وجوب الانتظار الفوري : « المقصود من توقع الفرج صباحا ومساء هو الانتظار للفرج الموعود في كل وقت يمكن وقوع هذا الأمر المسعود ولا ريب في إمكان وقوع ذلك في جميع الشهور والأعوام بمقتضى أمر المدبّر العلام ، فيجب الانتظار له على الخاص والعام »[19].

وشمولية وجوب الانتظار لجميع المسلمين التي يصرّح بها السيد الاصفهاني في ذيل ما نقلناه عنه آنفا يؤكدها السيد الشهيد محمد الصدر ( رحمه اللّه ) استنادا إلى الاتفاق بين المسلمين على حتمية ظهور المهدي ( عليه السّلام ) بعد تواتر أحاديثه : « بنحو يحصل اليقين بمدلولها وينقطع العذر عن إنكاره أمام اللّه عز وجل ؛ وبعد العلم بإناطة تنفيذ ذلك الغرض بإرادة اللّه تعالى وحده من دون أن يكون لغيره رأي في ذلك ، إذن فمن المحتمل في كل يوم أن يقوم المهدي ( عليه السّلام ) بحركته الكبرى لتطبيق ذلك الغرض لوضوح احتمال تعلق إرادة اللّه تعالى به في أي وقت . ولا ينبغي أن تختلف في ذلك الأطروحة الإمامية لفهم المهدي ( عليه السّلام ) عن غيرها ؛ إذ على تلك الأطروحة يأذن اللّه تعالى بالظهور بعد الاختفاء ، وأما على الأطروحة القائلة بأن المهدي ( عليه السّلام ) يولد في مستقبل الدهر ويقوم بالسيف ، فمن المحتمل أيضا أن يكون الآن مولودا ويوشك أن يأمره اللّه تعالى بالظهور ، وهذا الاحتمال قائم في كل وقت »[20] ، ويستند إلى الطريقة نفسها في تتمة حديثه للقول بوجوب الانتظار الفوري على كل من يؤمن بالمنقذ الموعود من أتباع الديانات الأخرى .

تبقى قضية علائم الظهور التي ذكرت الأحاديث الشريفة أنها تسبق الظهور المهدوي ، وتعارضها مع القول بوجوب الانتظار الفوري ، وهو تعارض مرفوع بأن انتظار الحتمي منها هو انتظار للظهور في الواقع لأنها جزء كما أنّ زمن وقوع العلائم الحتمية للظهور قريب من موعد الظهور وأما شرائط الظهور وتوفير الأوضاع اللازمة له فإنّ من المحتمل اكتمالها في كل حال . يقول السيد الشهيد محمد الصدر ( رحمه اللّه ) : « إن العلامات يحتمل وقوعها في أي وقت ويحتمل أن يتبعها ظهور المهدي ( عليه السّلام ) بوقت قصير ، وأما شرائط الظهور فيحتمل

اكتمالها وانجازها في أي وقت أيضا ، وقلنا بأن وجود هذا الاحتمال في نفس الفرد كاف في إيجاد الجو النفسي للانتظار الفوري »[21].

وهذا الجو النفسي المطلوب في الانتظار الفوري هو الذي يشكل الدوافع المحرضة للمؤمن لكي يسارع في توفير الشروط اللازمة لنصرة إمامه المهدي - عجل اللّه فرجه - من خلال إعداد نفسه وغيره بالتهذيب والتربية اللازمة للتحلي بخصال أنصار المهدي .

ومن الضروري استكمالا للبحث في موضوع وجوب الانتظار كأحد أهم واجبات المسلمين في عصر الغيبة ، الإشارة إلى حرمة اليأس من الظهور وهو الأصل الذي يستند إلى أدلة قرآنية عامة تشكل أحد أدلة وجوب الانتظار ، وقد بحث آية اللّه السيد محمد تقي الإصفهاني ( رحمه اللّه ) هذا الموضوع مفصّلا واستعرض النصوص الشرعية وبيّن دلالاتها والأحكام المستنبطة منها بشأن أقسام اليأس المتصورة بالنسبة إلى ظهور المهدي الموعود ، وخلص في بحثه إلى إثبات حرمة اليأس من ظهوره أصلا ؛ لاتفاق المسلمين على حتمية تحقق ذلك ، وكذلك حرمة اليأس من وقوع الظهور في مدة معيّنة ، وكذلك اليأس من قرب ظهوره[22].

 


[1] المحاسن للبرقي وعنه في بحار الأنوار : 52 / 131 .

[2] كمال الدين : 357 .

[3] كمال الدين : 320 .

[4] كفاية الأثر : 279 ، كمال الدين : 378 .

[5] الخصال للشيخ الصدوق : 2 / 610 ، كمال الدين : 645 ، تحف العقول : 106 .

[6] كمال الدين : 644 .

[7] غيبة النعماني : 200 ، إثبات الهداة : 3 / 536 .

[8] كمال الدين : 645 .

[9] في الخصال : 625 وعنه في بحار الأنوار : 52 / 123 .

[10] المحاسن للبرقي : 1 / 278 ، 279 ح 153 وعنه في بحار الأنوار : 52 / 126 ح 18 .

[11] مكيال المكارم : 2 / 152 - 153 .

[12] النجم الثاقب : 2 / 443 من الترجمة العربية .

[13] المائدة ( 5 ) : 24 .

[14] تاريخ الغيبة الكبرى : 342 .

[15] النهضة والثورة المهدوية للشهيد المطهري ( رحمه اللّه ) : 61 - 81 من الطبعة الفارسية ( بتلخيص ) .

[16] كمال الدين : 319 .

[17] صحيفة نور : 21 .

[18] تأريخ الغيبة الكبرى : 427 .

[19] مكيال المكارم : 2 / 158 - 159 .

[20] تأريخ الغيبة الكبرى : 341 - 342 .

[21] تاريخ الغيبة الكبرى : 362 - 363 .

[22] مكيال المكارم : 2 / 157 - 162 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.