أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-21
1244
التاريخ: 12-10-2014
2324
التاريخ: 2023-09-26
1008
التاريخ: 2023-06-12
989
|
جرى الحديث في الآية الثانية عن تمرد الظالمين؛ فالظالمون لم يمتثلوا للأمر الأخير الذي يحتاج الامتثال له إلى الخضوع والعبودية والاستغفار، بل بدلوا به كلمة تنم عن استهزاء. ولهذا السبب فقد أنزلنا على الذين ظلموا عذاباً من السماء: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59]
اعتبر بعض المفسرين أن المراد من التبديل في قوله: فبدل هو المخالفة العملية (1)؛ نظير قوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15]: أي إن {فبدل} تعني أنهم لم يستغفروا ولم يظهروا التواضع عملاً، لا أنّه بدلوا باللفظ المأمورين بقوله لفظاً آخر، لكن ظاهر كلمة التبديل هو ذهب جمهور المفسرين إليه وهو ما تؤيده الروايات أيضاً؛ أي إنّهم جعلوا لكلمة "حطة بدلاً ونطقوا باللفظ البديل دون الأصيل. ولهذا السبب أراد البعض أن يخلص من هذه الآية إلى نتيجة مفادها ضرورة المحافظة على الألفاظ المأثورة وعدم جواز تغييرها لفظيا (2). هذا على الرغم من إمكان الردّ على ذلك بالقول: إن ظاهر السياق هو تبديل القول المأمور به عن عناد ومخالفة إلى قول آخر له معنى مضاد ومثل هذا التبديل لا يشمل النقل بالمعنى؛ وذلك لأن اللفظ هو مرآة المعنى؛ فإن كان المعنى الذي هو المراد الأساسي محفوظاً فلن يضر تبديل اللفظ الظاهري.
وقد رويت تعابير مختلفة عن ماهية القول الآخر الذي أتوا به عوضاً عن "حطة". فقد كتب المرحوم البلاغي بالإفادة من التوراة الجديدة:
ولعل من مصداق ذلك أنهم حذفوا الأمر بالعبادة والاستغفار ودوام السجود في بيت المقدس وبدلوه بأن الله أمرهم في التوراة بأنهم إذا لم يقدروا أن يحملوا زكواتهم أن يبيعوها بفضة وينفقوها في بلد بيت المقدس بما تشتهي نفوسهم في البقر والغنم والخمر والمسكر.
ثم يقول في الهامش:
ذكروا ذلك بنحو لا يقبل التأويل ففي الأصل العبراني [الفصل الرابع، سفر التثنية] "وبيايين" وهو اسم الخمر الصريح "وبسكار" وهو اسم صريح في المسكر (3)!
وينقل تفسير الصافي عن التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري:
وكان خلافهم أنّهم لما بلغوا الباب رأوا باباً مرتفعاً، قالوا: ما بالنا نحتاج أن نركع عند الدخول هاهنا! ظننا أنه باب متطامن لابد من الركوع فيه وهذا باب مرتفع، وإلى متى يسخر بنا هؤلاء (يعنون موسى ثم يوشع بن نون) ويسجدوننا في الأباطيل. وجعلوا أستاههم [سفهاً وعناداً] نحو الباب بدلا من دخولها مقبلين وقالوا بدل قولهم "حطة" ما معناه "حنطة حمراء" فذلك تبديلهم (4).
كما وجاء في الحديث المروي في صحيح مسلم عن رسول الله : ... فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا: حبة في شعرة" (وهي حبة الحنطة في قشرها الذهبي وتسمّى الحنطة الحمراء) (5). وعلى فرض صحة التاريخ والحديث المذكورين فإن الاختلاف قد يعود إلى تعدد القائلين والمبدلين فقد يكون كل واحد منهم قد بدل على نحو خاص. وعلة تبديل كلمة "حطة" هو أنه، على الرغم من أن التفوه بها سهل على اللسان، لكنه لما كان دليلاً على التعبد، فإنّه يثقل على أرواح الذين لم يروضوا مردة بواطنهم ولم ينتصروا في ميدان الجهاد الأكبر؛ كما هو حال الصلاة التي تبدو ثقيلة جداً على الذي ليس بإمكانه سحق كبريائه والخضوع أمام الباري عز وجل على الرغم من خلوها من الظاهري والبدني؛ {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]
ونظير قول: "لا إله إلا الله فهذه العبارة وإن كانت: "خفيفة على اللسان" (6) لكنها كانت ثقيلة على المشركين في صدر الإسلام؛ لأن مؤداها كان ترك عبادة الأوثان والقبول بالألوهية والربوبية الحقة للذات الإلهية المقدسة ولم يكن هذا التبديل للعقيدة أمراً يسيراً.
تبديل قول الحق عن ظلم
القيد {ظلموا} في جملة {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [البقرة: 59] هو دليل على أن الذين بدلوا ما أمروا به من القول وخالفوه لم يكونوا جميع بني إسرائيل كما وإن تكراره في جملة: فأنزلنا على الذين ظلموا قد يكون من ناحية لأجل إخراج غير الظالمين من استحقاق جزاء الرجز السماوي؛ أي: إننا أنزلنا العذاب فقط على أولئك الذين بدلوا كلام الله، كما وقد يكون من ناحية أخرى إشارة إلى سبب نزول نزول العذاب؛ أي إن سبب نزول الرجز هو ظلمهم. وفي الوقت ذاته فهو يثبت ويؤكد على قبح ظلمهم ويشير أيضاً إلى أن حكم الله جار على جميع الظلمة بالسواء، سواء كانوا من آل فرعون أو من بني إسرائيل، وأنه إذا كان قد أنزل على آل فرعون العذاب فليس من حيث كونهم آل فرعون بل لأنهم لم يكفوا عن وأقاموا على ظلمهم حتى بعد مشاهدة الآيات الإلهية. فبنو إسرائيل اللجوجون العنودون لا يختلفون عن آل فرعون من هذا الجانب.
تنويه: لعلّ الملاحظة في التعبير بالقول: غير الذي قيل لهم وعدم التعبير بمثل: "فبدل الذين ظلموا القول بغيره، خصوصاً مع الالتفات إلى أن التبديل أساساً لا يحصل من دون مغايرة لعلها تكمن في أن التعبير المذكور هو دليل على مخالفتهم الشديدة للأمر الإلهي وهو إشارة إلى أن مغايرة اللفظ البديل مع ذلك الأصيل كانت مغايرة شاملة ومن جميع الجوانب بحيث إنّها لم تكن قابلة للتبرير بتاتاً. وكأنهم كانوا مأمورين منذ البداية بأن ينطقوا باللفظ المبدل إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. التفسير الكبير، مج 2، ج 3، ص 97.
2. التفسير الكبير، مج 2، ج 3، ص 98.
3. آلاء الرحمن، ص193.
4. تفسير الصافي، ج 1، ص 121.
5. الجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 1، ص 385.
6. إقبال الأعمال . 734؛ وبحار الأنوار، ج 88 ، ص 48.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|