أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-12-2020
1266
التاريخ: 2023-05-04
914
التاريخ: 2023-04-17
989
التاريخ: 2023-05-11
990
|
النار Fire هي الحرارة والضوء المُنْبَعِثان من المواد المشتعلة. 1 وعلى هذا تُعَدُّ النار أحد مصادر الحرارة الأرضية الذي يمكن الاعتماد عليه عندما تغيب حرارة الشمس في السماء. وقد كتب عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي شتراوس C. Levi-Strauss: «إنَّ تدجين النار جعل الإنسان يعتدي على الثقافة؛ فقد انفصل عن الطبيعة واندفع نحو عُزلة التاريخ.» وقد يكون هذا الوصف مناسبًا لتاريخ علاقة البشر بالنار؛ فالنار بحد ذاتها ليست اختراعًا ولا اكتشافًا، وإنما استخدمها البشر بوصفها أداة، 2 حيث إنه أساء استخدام هذه الأداة عندما شَنَّ الحروب وقتل بني جنسه.
وصول الإنسان لاستخدام النار تعلَّم منه ألا يتعرض للمخاطر وأن يضبط مخاوفه الخاصة، وهو ما جعله يزداد ثقةً بنفسه ويتسلط على غيره. لقد أيقظت النار الإنسان وأنقذته وساعدت في جعله اجتماعيًا أكثر. وفوق ذلك كله فقد حررته من موطنه الاستوائي الأصلي. 3 ويرى الباحث يوهان غودز بلوم J. Godzbloom في كتابه (النار والحضارة): «بشكل يتجاوز اللغة واستخدام الأدوات، فإنَّ القدرة على التعامل مع النار والاستفادة منها هو أمر يقتصر على البشر، هناك لغات بصورة بدائية وهناك قدرة على استخدام الأدوات لدى الرئيسيات من غير البشر، إلا أنَّ الإنسان وحده تعلم، كجزء من ثقافته، كيفية التعامل مع النار.»4
في عام 2012م ، قال باحثون إن لديهم أدلة جديدة على أن أجداد الانسان قد استخدموا النار في وقت أبكر عما هو معروف، وقبل نحو مليون سنة، وتتمثل الأدلة الجديدة في أجزاء من رماد وعظام وجدت في كهف ونديرويرك في جنوب أفريقيا. نشر البحث في مجلة (PNAS). ووصف الباحثون في بحثهم بقايا عشب وأغصان وأوراق وحتى عظام محترقة في رواسب الكهف على بعد نحو 30 مترًا عن مدخل الكهف. وأشاروا إلى أن هذا البعد يجعل آثار النيران تبدو بعيدة عن احتمال كونها مجرَّد نيران طبيعية نقلتها الرياح إلى داخل الكهف. كما أنَّ عُمق الرواسب يُشير إلى أن هذه النيران كانت تُشعل في البقعة ذاتها لمراتٍ عديدة. وإذا صح ذلك، فإنَّ اكتشاف ونديرويرك سيدفع أقدم تاريخ موثق لسيطرة الانسان على النار إلى نحو 300 ألف. عام أسبق من التاريخ المعتمد. مصدر الصورة والتعليق من موقع http://www.bbc.com/arabic/scienceandtech/2012/04/120403_fire_evidence.shtml
يمكننا القول إنَّ العلاقة بين البشرية والنار بدأت من خلال ملاحظة الإنسان لأفعال البرق والنشاط البركاني في إشعال الحرائق في الغابات ثم انتقلت هذه العلاقة لتكون أكثر قربا وأقل حجمًا حتى يُمكن الاستفادة منها، وبهذه الفكرة تحولت النار بوصفها أداة تغییر محتملة في أيدي أشباه البشر الأوائل، 5 وتأتي الأدلة على ذلك بالنسبة للفترات الأسبق من أنواع الطين المحروق، وقطع الفحم النباتي المتناثرة في المواقع المكشوفة، والمواد المتفحمة في الكهوف؛ حيث إن كتل الطين المحروقة المخروطية الشكل تُوجد مقترنةً ببقايا الإنسان المنتصب في تشيزووانجا بكينيا، والتي يرجع تاريخها إلى 1.5 مليون سنة مضت، وتُوجد أدلةٌ أخرى على المعرفة بالنار في كلٌّ من فرنسا في مغارة الإسكال، في سان-استيف-جانسون بالقرب من إيكس-آن- بروفانس ، وفي تيرا-أماتا (نيس، فرنسا)، ثم فيرستيسيوس (هنغاريا)، وشوجوكو - تيان (الصين) 6 وغرب إنكلترا، خلال الفترة الواقعة بين 300 و500 ألف سنة مضت، لقد أصبحت النار – برأي الباحثين كلارك وهاريس – تُضَاهِي في أهميتها أي عامل آخر من عوامل نشوء الأُسرة كوحدة من وحدات المجتمعات البشرية.7
حَظِيت النار بشعبية كبيرة نتيجةً للمنافع الكبيرة التي حَقَّقَها إنسانُ ما قبل التاريخ من ورائها؛ فقد استخدمها للتسخين والإضاءة والحماية الليلية وشواء اللحم أو تجفيفه، ونزع السموم عن النباتات، وتصليد رءوس الرماح، وعِصِي الحفر، وغير ذلك من الفوائد. إضافة لاستخدامها في الجيوش كوسيلة للتواصل عن بعد. 8
خوفُ الإنسان من النار في البداية وجهله بطبيعتها وتلمسه لفوائدها دفعه لتقديسها، ثم ليعبدها ويقيم لها المعابد والنُّصُب والخدَم القائمين على إبقائها مُتَّقدة حية. وقد عثر علماء الآثار على آثار شعلة نار في كهف شوجوكو-تيان بالقرب من بكين، بقيت متقدة باستمرار في المكان نفسه 500 ألف سنة. 9 ويبدو أنَّ المصدر الأول الذي اعتمدوا عليه في ذلك هو البرق الذي كان يضرب الغابات فيُشعِلها. 10
في عام 2016م اكتشف علماء من جامعة ميريلاند نوعًا جديدًا من النار أُطلق عليه اسم (الدوامة الزرقاء)؛ حيث تُضيء شُعلتُها الزَّرقاء وهي تدور بسرعة حول شُعلة صفراء نتجت عنها. ويشير اللون الأزرق إلى حدوث احتراق كامل عالي الكفاءة؛ الأمر الذي يعني تلونا قليلًا جدًّا. (الصورة والتعليق عن موقع: http://abunawaf.com/)
وهكذا فإنَّ ظهور النار خلال عصر الإنسان المنتصب قد خَفَّف قليلًا من ضغوط الإيقاعات الخارجية الكبرى لعالم الطبيعة على حياة البشرية، فصارت الحياة الآن أقل روتينية وآلية مما كانت عليه، وباتت بعيدةً جدًّا عن حياة الحيوانات التي لا يحكم سلوكها سوى الغرائز والجينات. 11
تأخَّر البحث العلمي في حقيقة النَّار، والوصول إلى أنها نتيجة حدوث تفاعل كيميائي بين مادَّةٍ قابلة للاحتراق والأكسجين ويعود سبب هذا التأخر إلى ممارسة النارِ أثر الانبهار والقدسية على عقل وفكر الإنسان، ولم يكن له أن يتوصل إلى كشف حقيقتها حتى تم تنحيتُها بوصفها آلهةً عندها توجه للتحكُّم والسيطرة عليها، وهكذا غدت النار ليست أكثر من ظاهرة.
_______________________________________
هوامش
1- الموسوعة العربية العالمية مدخل «النار»، الرياض، 2004م.
2-Krebs, Robert E. & Krebs, Carolyn A., Groundbreaking, Scientific Experments, Inventions, and Discoveries of the Ancient World, Greenwood Press, Westport, Connecticut, London, .1ed, 2003, p. 245
3- ممفورد، لويس، أسطورة الآلة، ج 1، ترجمة: إحسان حصني وزارة الثقافة دمشق، 1980م، ص175.
4- النار مفيدة لكنها مدمرة ، مجلة آفاق علمية، العدد 44، صيف 2013م، ص11.
5- يقصد به الإنسان المنتصب Homo erectus، وكذلك جماعات العصر الحجري القديم مثل إنسان نیاندرتال العاقل Homo sapiens neaderthalensis، وربما الإنسان العاقل العاقل Homo sapiens sapiens
6- جيل، برتران تاريخ التكنولوجيا، ترجمة: هيثم اللمع، ط 1، المؤسسة الجمعية للدراسات والنشر، بيروت، 1996م، ص 141.
7- سيمونز إيان، البيئة والإنسان عبر العصور، ترجمة: السيد محمد عثمان، سلسلة عالم المعرفة 222، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، يونيو، 1997م، ص108-109.
8- .Rossi, Cesare & Russo, Flavio & Russo, Ferruccio, Ancient Engineers' Inventions, Springer, Italy, 2009, p. 192
9- كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ترجمة: محمد غياث الزيات، سلسلة عالم المعرفة 187، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، يوليو، 1994م، ص8.
10- شحاتة، مصطفى، تاريخ الكي في الطب العربي، بحث منشور ضمن أبحاث الندوة العالمية السادسة لتاريخ العلوم عند العرب، 9-16 كانون الأول، 1996م، إعداد: مصطفى موالدي، منشورات جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، حلب، 2003م، ص532.
11- روبرتس، ج. م، موجز تاريخ العالم، ترجمة: فارس قطان، دمشق، 2003م، ص21-22.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|