المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6235 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

العيوب السطحية (المستوية)
18-6-2019
مقاماته (عليه السلام ) في غزوة الأحزاب
21-01-2015
تفاعل الآكسدة Oxidation Reaction
30-3-2018
مداخل الإمام الخميني للتدليل على الحاجة إلى التفسير
23-09-2015
الإتكال على الله
4-11-2017
الأسرة
2-9-2016


أحوال عدد من رجال الأسانيد / المفضل بن عمر.  
  
1834   01:39 صباحاً   التاريخ: 2023-04-20
المؤلف : أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
الكتاب أو المصدر : قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة : ج1، ص 548 ـ 567.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-9-2017 1741
التاريخ: 29-7-2017 2085
التاريخ: 13-10-2017 1875
التاريخ: 7-9-2016 1756

المفضل بن عمر (1):

وهو من الشخصيات الجدليّة من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام)، إذ قد وقع اختلاف شديد بشأنه، وينبغي التعرض أولاً لما ورد في حقه من الذم، ثم ما ورد في حقه من المدح، ثم البحث عمّا يمكن أن يرجح به أحدهما على الآخر، فهنا مقامات ثلاثة:

المقام الأول: فيما ورد فيه من الذم:

أولاً: قول الكشي (2) بعد إيراد بعض الروايات الدالة على مدحه: (لعل هذا الخبر إنما روي في حال استقامة المفضل قبل أن يصير خطابيّاً).

وثانياً: قول النجاشي (3): (فاسد المذهب مضطرب الرواية لا يُعبأ به، وقيل: إنّه كان خطابيّاً، وقد ذكرت له مصنّفات لا يعوّل عليها).

وثالثاً: قول ابن الغضائري (4): (ضعيف متهافت مرتفع القول خطابي، وقد زيد عليه شيء كثير، وحمل الغلاة في حديثه حملاً عظيماً (5)، ولا يجوز أن يكتب حديثه).

ورابعاً: عدد من الروايات، ولعل المعتبر منها روايتان أو ثلاث:

الأولى: صحيحة إسماعيل بن جابر (6) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ((إيت المفضل وقل له: يا كافر يا مشرك ما تريد إلى ابني؟ تريد أن تقتله)). والمراد بابنه (عليه السلام) هو إسماعيل الذي ورد فيما رواه الكشي بإسناده عن حماد بن عثمان (7) أنّ المفضل (كان منقطعاً إليه، يقول فيه مع الخطابيّة، ثم رجع بعد).

وورد في رواية أخرى لحمّاد بن عثمان (8) عن إسماعيل بن عامر قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فوصفت له الأئمة حتى انتهيت إليه، قلت: وإسماعيل من بعدك. فقال: ((أما ذا فلا)). قال حماد: فقلت لإسماعيل: وما دعاك إلى أن تقول: وإسماعيل من بعدك؟ قال: أمرني المفضل بن عمر.

فيظهر من هاتين الروايتين أنّ المفضل بن عمر كان من دعاة إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام) مع الخطابيّة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الكليني (9) روى عن المفضل بن عمر أنّه قال: ذكر أبو عبد الله (عليه السلام) أبا الحسن (عليه السلام) ــ وهو يومئذٍ غلام ــ فقال: ((هذا المولود الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه)) ثم قال لي: ((لا تجفوا إسماعيل)).

ولعل هذا الكلام إنّما ذكره المفضّل تبريراً لعلاقته الخاصة بإسماعيل حتى بعد أن نبّهه الإمام (عليه السلام) على أنّ الخلف من بعده هو موسى (عليه السلام)، وكأنّه أراد أن يقول: إنّه إنّما يستمر في العلاقة بإسماعيل امتثالاً لأمر الإمام (عليه السلام) بعدم جفائه، مع أنّها لم تكن مجرّد علاقة في مقابل الجفاء بل كانت تتخطّاه إلى الدعوة إليه.

الرواية الثانية: معتبرة علي بن الحكم عن المفضل بن عمر أنّه (كان يبشّر أبا الخطاب وفلاناً أنّكما لمن المرسلين).

هكذا أورده الشيخ المامقاني (قدس سره) (10) عن كتاب الكشي، ومثله المحقق التستري (رحمه الله) (11). ولكن في المطبوع من رجال الكشي (12) هكذا: (كان يشير أنكما لمن المرسلين). وليس فيه ذكر لأبي الخطاب وفلان، واستظهر بعضهم (13) سقوطهما عن النسخ الخالية منهما.

وقال العلامة المجلسي (رحمه الله) (14): (في بعض النسخ (بشر) من البشارة، وفي بعضها (يسر) من الإسرار، أي كان يقول ذلك سراً، وفي بعضها (كان يشير) من الإشارة. والظاهر أنّه كان (إنّه) مكان (إنّكما)، أي كان يدّعي نبوة نفسه من قبل الصادق (عليه السلام)، وعلى النسخة ــ أي نسخة (إنّكما) ــ لعلّ الخطاب إلى الكاظم (عليه السلام) فإنّ علي بن الحكم من أصحابه، أي يدّعي أنّك وأباك من المرسلين).

ولكن ما ذكره (رحمه الله) بعيد جداً، والأقرب في لفظ الرواية هو ما حكاه الشيخ المامقاني، ولو كان باللفظ الآخر ففيه تصحيف أو سقط، ولكنّه على كل حال يدل على غلو المفضل وأنّه كان يقول بثبوت الرسالة لشخص أو شخصين في عصره!!

ويؤيد ذلك ما رواه الكشي (15) عن بعض كتب الغلاة عن المفضل من أنّه قتل مع أبي الخطّاب سبعون نبيّاً.

والمذكور في المصادر أنّ أبا الخطاب قُتل في الكوفة سنة مائة وثمانية وثلاثين مع أصحابه.

الرواية الثالثة: رواية عبد الله بن مسكان (16) قال: دخل حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة الأزدي على أبي عبد الله (عليه السلام) فقالا له: جعلنا فداك، إنّ المفضل بن عمر يقول: إنّكم تقدّرون أرزاق العباد. فقال: ((والله ما يقدّر أرزاقنا إلا الله، ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري وأبلغت إلى الفكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم، فعندها طابت نفسي، لعنه الله وبرئ منه)). قالا: أفتلعنه وتتبرأ منه؟ قال: ((نعم، فالعناه وأبرأ منه، برئ الله ورسوله منه)).

وليس في السند من لم يوثّق إلا الحسين بن الحسن بن بندار القمي شيخ الكشي الذي روى عنه مكرراً عن سعد بن عبد الله.

وهذا المقدار وإن لم يكن وافياً بقبول رواياته ولكن هذه الرواية بالخصوص يمكن الاطمئنان بها من جهة ما ورد في روايات متعدّدة من أنّ حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة كانا يقدحان في المفضل وأنّ الإمام (عليه السلام) طلب منهما الكفّ عن ذلك، ومن تلك الروايات ما رواه بشير الدهان أو النبال ويونس بن ظبيان وعبد الله بن الوليد (17)، ورواة هذه الروايات هم من المعتقدين بالمفضل، فيمكن الاطمئنان بأصل ما نقلوه من قدح حجر وعامر في المفضل، وأمّا ردع الإمام (عليه السلام) إياهما عن ذلك فلم يثبت.

وحجر بن زائدة من الأجلاء، قال النجاشي (18): (ثقة صحيح المذهب صالح من هذه الطائفة)، وأمّا عامر بن جذاعة فلم يرد فيه توثيق، نعم عدّ في بعض الروايات من حواري الباقر والصادق (عليهما السلام)، ولكنّها ضعيفة السند (19).

ومهما يكن فإن رواية عبد الله بن مسكان المتقدمة مما لا يبعد الاطمئنان بصدورها عن المعصوم (عليه السلام).

المقام الثاني: فيما ورد في المفضل من المدح:

أولاً: عدّه المفيد (20) من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين، ممن روى النص بالإمامة من أبي عبد الله (عليه السلام) على ابنه أبي الحسن (عليه السلام).

وثانياً: إنّ الشيخ (21) ذكره في عداد من كان يختص بالأئمة (عليهم السلام) ويتولى لهم الأمر ممن كان ممدوحاً حسن الطريقة. وأورد في تأييد مدعاه بعض الروايات.

وأيضاً أورد (22) رواية عن محمد بن سنان عن المفضل وقال: (إن أول ما في هذا الخبر أنه لم يروه غير محمد بن سنان عن المفضل بن عمر، ومحمد بن سنان مطعون عليه ضعيف جداً وما يستبد بروايته ولا يشركه فيه غيره لا يعمل عليه).

قال السيد الأستاذ (قدس سره) (23): إنّ كلام الشيخ هذا كالصريح في اعتماده على المفضل بن عمر وأنّه غير مطعون عليه. ولو كان الطعن في المفضل أيضاً لما قال: إنّ الطعن في الرواية من جهة محمد بن سنان هو الذي استبد بالرواية عن المفضل.

وثالثاً: إنّ الرجل من رواة كامل الزيارات، وكذلك من رواة تفسير القمي ولكن من رواة القسم المضاف على التفسير لأنه وقع في سند رواية ابتدأ فيها باسم من ليس من مشايخ علي بن إبراهيم (24). وأيضاً هو ممن روى عنه ابن أبي عمير (25) والبزنطي (26). فهو موثّق وفق مبنى من يقول بوثاقة رجال الكامل أو التفسير أو مشايخ الثلاثة.

ورابعاً: عدد من الروايات، وما يمكن أن يعتمد عليه سنداً أربع روايات:

الأولى: معتبرة يونس بن يعقوب (27) قال: أمرني أبو عبد الله (عليه السلام) أن آتي المفضل وأعزيه بإسماعيل، وقال: ((اقرأ المفضل السلام، وقل له: إنّا قد أصبنا بإسماعيل فصبرنا، فاصبر كما صبرنا، إنّا أردنا أمراً وأراد الله عزّ وجل أمراً فسلّمنا لأمر الله عزّ وجلّ)).

قال السيد الأستاذ (قدس سره) (28): الرواية تدل على شدة علاقة الإمام (عليه السلام) بالمفضّل.

الثانية: رواية عبد الله بن الفضل الهاشمي (29) قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) إذ دخل المفضل بن عمر فلما بصر به ضحك إليه ثم قال: ((إلي يا مفضل، فوربي إني لأحبك وأحب من يحبك، يا مفضل لو عرف جميع أصحابي ما تعرف ما اختلف اثنان)).

وهذه الرواية عدّها السيد الأستاذ (قدس سره) في المعجم صحيحة حيث قال: (روى المفيد بسنده الصحيح عن عبد الله بن الفضل الهاشمي).

ولكن في صحة انتساب كتاب الاختصاص إلى المفيد كلام قد مرّ في بحث سابق، فلا يمكن عدّ هذه الرواية صحيحة.

الثالثة: رواية خالد بن نجيح الجوان (30) قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): ((ما يقولون في المفضل بن عمر؟)) قلت: يقولون فيه: هبه يهودياً أو نصرانياً، وهو يقوم بأمر صاحبكم. قال: ((ويلهم ما أخبث ما أنزلوه، ما عندي كذلك وما لي فيهم مثله)).

واعتبار هذه الرواية مبني على وثاقة الراوي خالد بن نجيح الجوان من حيث كونه من مشايخ ابن أبي عمير وصفوان (31).

 ولكن يظهر من الكشي في تعليقه على بعض الروايات أنّه كان من أهل الارتفاع أي أنه كان غالياً، فيشكل الاعتماد على روايته ولا سيما فيما يرويه مدحاً لمفضل.

الرابعة: ما رواه الكشي (32) عن محمد بن مسعود عن عبد الله بن محمد بن خلف قال: حدثنا علي بن حسّان الواسطي قال: حدثني موسى بن بكر قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول لما أتاه موت المفضل بن عمر قال: ((رحمه الله كان الوالد بعد الوالد، أمّا أنه قد استراح)).

ومبنى اعتبار هذه الرواية:

أولاً: وثاقة موسى بن بكر كما هو المختار، من جهة رواية صفوان بن يحيى عنه.

وثانياً: كون لفظة (خلف) مصحفه عن لفظة (خالد)، للتشابه بينهما في رسم الخط بحسب ما كان هو المتعارف سابقاً من كتابة (خالد) بحذف الألف فربما يشتبه بـ(خلف)، وعلى هذا يكون المراد بالرجل هو عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي الثقة فإنه هو الذي يروي عنه محمد بن مسعود العياشي كما ورد في ترجمته في النجاشي وفي موارد شتى من رجال الكشي. وأيضاً هو الذي يروي عن علي بن حسّان (33)، وأما عبد الله بن محمد بن خلف فلا ذكر له في غير هذا المورد.

نعم ذكر في بعض المواضع (34) رواية محمد بن جعفر الرزاز عنه عن الحسن بن علي الوشاء، ولكن الظاهر أنه مصحف أيضاً، فإن محمد بن جعفر الرزاز ممن يروي عن عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي (35) وهو يروي أيضاً عن الحسن بن علي الوشاء.

وبالجملة: لا يبعد وقوع التصحيف في سند رواية الكشي، وعلى ذلك فهي معتبرة أيضاً كالرواية الأولى.

ومهما يكن فهذه عدة روايات مما ورد في مدح المفضل ويمكن أن يقال باعتبارها بعضاً أو كلاً.

المقام الثالث: في كيفية التعامل مع ما ورد في ذمه وما ورد في مدحه:

والذي يبدو في بادئ النظر أنّه لما كان في القادحين له مثل الكشي والنجاشي وابن الغضائري وفي المادحين مثل المفيد والشيخ مضافاً إلى كونه من مشايخ ابن أبي عمير والبزنطي مع تعارض الروايات القادحة والمادحة بشأنه، فمقتضى القاعدة الالتزام بتساقط الأدلة من الجانبين والبناء على أن الرجل مجهول الحال، ونتيجة ذلك هي عدم الاعتماد على رواياته.

ولكن الملاحظ أنّ جمعاً من الأعلام (قدّس الله أسرارهم) كالسيد الأستاذ والمحقّق التستري (قُدِّس سرُّهما) ومن قبلهما المحدّث النوري والشيخ عبد الله المامقاني (رحمهما الله) ذهبوا إلى ترجيح ما دل على مدح الرجل.

ويمكن تلخيص ما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) في عدة نقاط:

1 ــ إنّ نسبة الخطابية والتفويض إلى المفضل لم تثبت، فإنّ النجاشي ذكرها بقوله وقيل: (إنه كان خطابياً)، حيث يشعر بعدم ارتضائه لها.

وكتاب ابن الغضائري لم تثبت نسبته إليه.

وقول الكشي لا شاهد عليه.

2 ــ إنّ الروايات الذامّة لا عبرة بالضعيف منها، والمعتبرة منها لا تقاوم الروايات الكثيرة المتضافرة التي لا يبعد دعوى العلم بصدورها عن المعصومين (عليهم السلام) إجمالاً. على أنّ فيها ما هو الصحيح سنداً. فتحمل الذامّة على ما يحمل عليه ما ورد في ذم محمد بن مسلم وزرارة وبريد بن معاوية وأضرابهم.

3 ــ إنّه يكفي في جلالة المفضل أنّ الإمام (عليه السلام) خصّه بكتابه المعروف بتوحيد المفضّل، فإنّ فيه دلالة واضحة على أنّ المفضل كان من خواص أصحابه ومورد عنايته.

4 ــ إنّ الشيخ المفيد (قدس سره) وثّقه صريحاً، وعدّه الشيخ من الممدوحين، ويظهر منه في التهذيب الاعتماد على روايته كما سبق.

ولا يوجد في مقابل ذلك إلا كلام النجاشي، ولكن قوله: (فاسد المذهب) يعارضه ما تقدّم من المفيد من أنّه من الفقهاء الصالحين ومن خاصة أبي عبد الله (عليه السلام) وبطانته. ولا يسعنا إلا ترجيح كلام المفيد.

وأما قوله: (مضطرب الرواية) فهو إن صح فلا يكشف عن عدم الوثاقة كما مرّ نحوه في المعلى بن محمد.

وأما قوله: (وقد ذكرت له مصنّفات لا يعول عليها) فهو مبني على ما ذكره من أنّه (فاسد المذهب مضطرب الرواية) وقد عرفت الحال فيه.

والنتيجة: أنّ المفضل بن عمر جليل ثقة.

أقول: أما ما ذكره (قدس سره) في النقطة الأولى من براءة المفضل من اتهام الانتساب إلى الخطابية والقول بالتفويض فيلاحظ عليه بأنّ قول النجاشي: (وقيل كان خطابياً) ليس فيه دلالة على التشكيك في انتساب المفضل إلى هذا المسلك الفاسد، أقصى الأمر أنّه يشير بذلك إلى أنّه لم يثبت عنده ذلك، فإنّ النجاشي قد يستعمل لفظة (قيل) في مقابل ما يتبنّاه كأن يقول: (فلان ثقة، وقيل فيه تخليط)، وفي مثل ذلك لا عبرة بما ينسبه إلى قائل مجهول بل يؤخذ بما يتبناه. وقد يستعملها ثم يعقبها بالردّ أو التشكيك كما قال في لوط بن يحيى: (قيل إنه روى عن أبي جعفر (عليه السلام) ولم يصح) وقال في عبد الله بن مسكان: (قيل روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وليس بثبت). وقد يستعملها في أمر ويعقبها ببيان عدم علمه بثبوت ذلك الأمر كما قال في علي بن سويد: (قيل إنه روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وليس أعلم)، وهذا لا ينافي ثبوته من طريق آخر، بخلاف الحال فيما إذا قال: (وليس بثبت) فإنه ينافي قول غيره بثبوته.

والظاهر أن قوله في المفضل: (وقيل كان خطابياً) لما كان مسبوقاً بالطعن فيه بفساد المذهب لا يدل على أزيد من عدم تأكده من انتساب المفضل إلى الخطابية لا التشكيك في هذا الأمر، فلا ينافي ذلك ثبوت كونه خطابياً بنص الكشي على ذلك.

وأما قول السيد الأستاذ (قدس سره): بأنه (لا شاهد عليه) فهو غريب، فإنه متى بحث (قدس سره) عن شاهد على ما يرد في كلمات الكشي من قدح أو مدح، حتى يقول هنا ذلك؟!

مع أنه يمكن أن يقال: إنّ هناك العديد من الشواهد على صحة كلام الكشي:

منها: ما تقدم في رواية حماد بن عثمان من أن المفضل كان يقول في إسماعيل بن الإمام (عليه السلام) مع الخطابية.

ومنها: ما حكاه الكشي عن بعض كتب الغلاة عن المفضل من أنه قال: (قتل مع أبي الخطاب سبعون نبياً).

ومنها: ما قد نسب إليه من الغلو في العقيدة وترك الفرائض مما هو من مذهب الخطابية، ففي رواية ابن مسكان المتقدمة أن المفضل يقول: إنكم ــ أي الأئمة ــ تقدّرون أرزاق العباد. وفي رواية خالد الجوان (36): كنت أنا والمفضل بن عمر وناس من أصحابنا بالمدينة وقد تكلمنا في الربوبية. قال: فقلنا: مروا إلى باب أبي عبد الله (عليه السلام) حتى نسأله. قال: فقمنا بالباب، فخرج إلينا وهو يقول: "{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}". ويظهر من كلام الإمام (عليه السلام) أنّهم كانوا يتحدّثون في ثبوت بعض صفات الرب تعالى لغيره.

وحكى الكشي (37) عن العياشي أن إسحاق بن محمد البصري كان غالياً، وصرت إليه إلى بغداد لأكتب عنه، وسألته كتاباً أنسخه، فأخرج إليّ من أحاديث المفضل بن عمر في التفويض، فلم أرغب فيه.

وروى الكشي (38) أيضاً عن كتاب يحيى بن عبد الحميد الحماني عن شريك القاضي أن المفضل بن عمر وآخرين كانوا يحدثون عن الصادق (عليه السلام) أنّ معرفة الإمام تكفي من الصوم والصلاة وأداء الفرائض وأنّ إله الأرض الإمام، فسمع الناس ذلك منهم، فضعفوا الصادق (عليه السلام)، مع أنّه لم يقل ذلك قط، وكان أتقى لله وأورع من ذلك.

وفي رواية معاوية بن وهب وإسحاق بن عمار (39) في خبر زيارتهما للحسين (عليه السلام) مع جمع من الأصحاب منهم المفضل بن عمر أنه طلع الفجر عليهم على بعد أربعة فراسخ من الكوفة، قالا: فنزلنا فصلينا والمفضل واقف لم ينزل يصلي. فقلنا: يا أبا عبد الله ألا تصلي؟ فقال: قد صلّيت قبل أن أخرج من منزلي.

ولكن حكى المحدّث النوري (40) عن السيد صدر الدين العاملي أنّه أوّل هذه الرواية وقال: إنّ من لا يستحي من التصريح بترك الصلاة أي شيء يصنع بزيارة الحسين (عليه السلام).

ويبدو أنّه لم يكن في زمانه بعض من نجدهم في زماننا هذا من أنّهم يتركون الصلاة الواجبة ويهتمون ببعض المستحبات كالزيارة في مواسمها.

وحكى الكشي (41) أنّ زرارة ومحمد بن مسلم وأبا بصير وابن بكير وآخرين كانوا يحثّون المفضل على طرد من حوله من المتهّمين بترك الفرائض كالصلاة وفعل المنكرات كشرب النبيذ فقال لهم في حديث طويل: (تظنّون أنّ الله تعالى يحتاج إلى صلاتكم وصومكم). ممّا يشير إلى استهانته بأمر الصلاة والصيام.

هذه جملة من الشواهد التي يمكن ذكرها تأييداً لما ذكره الكشي من أنّ الرجل كان خطابيّاً، وهو ما أكّد عليه ابن الغضائري أيضاً.

ولكن في مقابل ذلك ربّما يذكر أمران للدلالة على براءة المفضل من تهمة كونه من دعاة إسماعيل ابن الإمام (عليه السلام) ومن تهمة كونه من القائلين بأنّ معرفة الإمام (عليه السلام) تكفي عن أداء الفرائض ــ وقد أشار إلى هذين الأمرين المحدّث النوري ...(42).

الأمر الأول: جملة من الروايات الدالة على أنّه كان من القائلين بإمامة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بعد وفاة أبيه، وفي بعضها أنه سمع التنصيص عليه من أبيه الصادق (عليه السلام)، وفي بعضها أنه دخل على الكاظم (عليه السلام) بعد وفاة أبيه فسمع كلامه وسأله ثم قطع بإمامته.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ هذه الروايات لا تنفي كونه من دعاة إسماعيل أيام حياته، فقد ورد في بعض النصوص المتقدمة أنه رجع عنه بعد موته، والخطابية ودعاة اسماعيل افترقوا فرقاً بعده فبعضهم أنكر موته وبعضهم قال: إن الإمامة انتقلت إلى ولده محمد وبعضهم قال غير ذلك.

الأمر الثاني: أنّ هناك عدة روايات رواها المفضل في الرد على الخطابية ومن كانوا يدعون أن معرفة الإمام (عليه السلام) تكفي عن الإتيان بالفرائض من الصلاة والصيام واجتناب المنكرات:

1 ــ فقد ورد في الدعائم (43) عن المفضل عن الصادق (عليه السلام) أنه قال له: ((اخرج إلى هؤلاء ــ أي أصحاب أبي الخطاب ــ فقل لهم: إنا مخلوقون وعباد مربوبون..)) رداً على من كان يدعي أنّ للأئمة (عليهم السلام) بعض صفات الله سبحانه وتعالى.

2 ــ وروى الصدوق (44) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) روي عن المغيرة أنه قال: إذا عرف الرجل ربه ليس عليه وراء ذلك شيء، ثم نقل أنّ الإمام (عليه السلام) لعن المغيرة وردّ على مقالته بكلام مفصل.

3 ــ وروى الصفّار (45) بإسناده عن المفضل أنهّ كتب إلى الإمام (عليه السلام) يشتكي من بعض الذين يزعمون أن الدين إنما هو معرفة الرجال وإذا عرفت ذلك فاعمل ما شئت وأنّهم يقولون إنّ الصلاة رجل والزكاة رجل والصيام رجل.. وأنّ الفواحش من الخمر والربا والميتة وغيرها رجل، فكتب إليه الإمام (عليه السلام) كتاباً مفّصلاً من عدّة صفحات يرد على هؤلاء، وحاصل كلامه (عليه السلام) أنّ هؤلاء سمعواً قولاً لم يعقلوا معناه، وأنّ قولهم إنّ الصلاة والزكاة والفرائض الأخرى رجل كلام صحيح ولكن الوجه فيه أنّ كل فريضة إنّما كانت من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي جاء بها من عند ربه وأنّ ذلك كله إنّما يعرف بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولولا معرفة ذلك النبي والإيمان به والتسليم له ما عرف ذلك.. إلى آخر ما ورد في الرواية المشار إليها في الردّ على عقائد الغلاة.

قال المحدّث النوري (46) بعد إيرادها بتمامها: إنّ (الخبر في غاية الاعتبار، وكفى بمتنه شاهداً، ويظهر منه ــ مضافاً إلى براءة ساحة المفضّل عن الخطابية ــ.. سبب توهم من توهم فيه ذلك، فإنّ الظاهر أنّه كان خالطهم وعاشرهم ليعرف مذاهبهم وطريقتهم.. فينهي أخبارهم إلى إمامه (عليه السلام) على بصيرة وروية، فظنّ الجاهل الغبي أو الحاسد الغويّ أنّه صبا إليهم وتدثّر بمذهبهم).

ولكن الملاحظ أن ما ذكر في هذه الرواية من تأويل القول المذكور مما يصعب تصديقه، وقد روى الصدوق (قدس سره) (47) مقطعاً من كتاب الصادق (عليه السلام) إلى المفضل وليس فيه ما ذكر.

4 ــ وأورد ابن شعبة (48) وصية المفضل لجماعة الشيعة، وهي تتضمن معاني لا تنسجم مع كون الشخص من الخطابية والقائلين بأن معرفة الإمام تكفي عن العمل ونحو ذلك من العقائد الفاسدة، كما أشار إلى ذلك المحقق التستري (قدس سره) (49).

أقول: الروايات المذكورة كلّها ضعيفة السند وبعضها كرواية الصفّار مروية بطريق الغلاة كالقاسم بن الربيع الوراق ومحمد بن سنان وميّاح المدائني، فلا يمكن بمثل هذه الروايات إثبات براءة المفضل مما اتهم به من الغلو.

بالإضافة إلى أنّه قلما يوجد غالٍ إلا وهو راوٍ لمثل هذه الروايات، فهذا يونس بن ظبيان الذي هو من كبار الغلاة ــ وقد ورد في الرواية الصحيحة عن الإمام الرضا (عليه السلام) لعنه والبراءة منه وأنّه مع أبي الخطاب مقرونان في أشد العذاب ــ روي عنه العديد من الروايات (50) في أهمية الصلاة والصيام واجتناب المنكرات وأنّ الشيعي يختبر بأمرين: تقيّده بالصلاة في مواقيتها والبرّ بإخوانه ونحو ذلك.

فرواية الغلاة لهذه الروايات ونظائرها ربّما تكون لإبعاد الشبهة عن أنفسهم لأنّه لم يكن بوسعهم المجاهرة أمام الجميع بعقائدهم بل كانوا يتظاهرون أمام الآخرين غير جماعتهم بأنهم من الصلحاء ويتقيدون بأداء الفرائض واجتناب الكبائر ويروون الأحاديث الدالة على لزوم ذلك.

وبالجملة: العبرة في حال المتهمين بالغلو إنّما هي بأعمالهم دون رواياتهم، ولذلك يلاحظ أنّ محمد بن أورمة الذي اتّهم بالغلو لم يشفع له في دفع هذا الاتهام عنه كون رواياته صحيحة خالية من معاني الغلو والتخليط، ولكن لمّا بعث إليه من يفتك به ووجده يصلّي من أول الليل إلى آخره توقف عن قتله حيث تبين له أنه ليس غالياً لأن الغالي لا يصلي كما مرّ.

والحاصل: أنّ ما استشهد به على عدم غلو المفضل لا يقاوم تنصيص الكشي وابن الغضائري على خلاف ذلك.

هذا فيما يتعلق بالنقطة الأولى مما ورد في كلام السيد الأستاذ (قدس سره).

وأمّا النقطة الثانية من أن الروايات المادحة لمفضل كثيرة ومتضافرة ويحصل العلم بصدور بعضها عن المعصوم (عليه السلام) فيلاحظ عليه أن هذه الروايات على اقسام:

1 ــ فقسم هو من مرويات المفضل نفسه كقوله: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ((إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي)). ونظيره ما روي عن أبي حنيفة سابق الحاج عن المفضل، وما روي عنه أيضاً من أن الفيض بن المختار قال للصادق (عليه السلام): إني لأجلس بين الشيعة في الكوفة فأكاد أن أشك في اختلافهم في حديثهم حتى أرجع إلى المفضل بن عمر فيوقفني من ذلك على ما تستريح إليه نفسي ويطمئن إليه قلبي. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ((أجل هو كما ذكرت يا فيض)). وفي رواية أخرى أن الإمام (عليه السلام) قال له: ((اكتب، وبثّ علمك في إخوانك)).

2 ــ وقسم هو من مرويات الغلاة من الذين كانوا يجلّون المفضل ويعتقدون به حتى إنّ الكشي عندما أورد جملة من هذه الروايات أشار إلى هذا المعنى حيث قال: (حدثني ابو القاسم نصر بن الصباح ــ وكان غالياً ــ قال: حدثني أبو يعقوب إسحاق بن محمد البصري ــ وهو غالٍ وكان من أركانهم أيضاً ــ قال: حدثني محمد بن الحسن بن شمون ــ وهو أيضاً منهم ــ قال: حدثني محمد بن سنان ــ وهو كذلك ــ عن بشير النبال..)، ويلاحظ أنّه وصف بالغلو كل واحد من رواة الرواية في إشارة إلى أنها لا تصلح للاعتماد عليها.

وأورد أيضاً رواية أخرى في مدح المفضل في سندها أسد بن أبي العلاء ثم قال: (أسد بن أبي العلاء يروي المناكير). وروى رواية في أن الصادق (عليه السلام) أقام المفضل على الشيعة وأمرهم بالاستماع اليه وراويها هو نصر بن الصباح الذي تقدم أنه من الغلاة. وأورد رواية عن خالد بن نجيح الجوان في مدح المفضل، وقد صرح بأن خالداً من أهل الارتفاع.

 وأورد رواية عن عيسى بن سليمان عن أبي ابراهيم في مدح المفضل وفي سندها نصر بن الصباح وإسحاق بن محمد البصري اللذان تقدم ذكرهما آنفاً. وذكر رواية أخرى يشير إلى القدح في حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة وفي سندها يونس بن ظبيان وقد رواها الكليني كذلك، ويونس بن ظبيان من الغلاة.

3 ــ وقسم آخر لا دلالة فيه على مدح المفضل من الجهة المبحوث عنها، كرواية صفوان قال: بلغ من شفقة المفضل أنه كان يشتري لأبي الحسن (عليه السلام) الحيتان ويأخذ رؤوسها ويبيعها ويشتري بها حيتاناً شفقة عليه.

ويمكن أن يعدّ من هذا القسم ما ورد من أن الإمام (عليه السلام) بعث اليه من يعزّيه بوفاة إسماعيل فإن أقصى ما يدل عليه هو العلاقة الخاصة التي كانت بين إسماعيل وبين المفضل وأن الإمام (عليه السلام) وجد المصلحة في أن يعزيه بوفاته كما أنه رأى المصلحة في أن يقول: (أردنا شيئاً وأراد الله غيره).

ولعلّ من هذا القسم أيضاً ما ورد عنه (عليه السلام) من أنّه قال بعد موت المفضل (أما أنّه قد استراح) فإنّه يحتمل أن يكون المراد به هو أنّه استراح ممّا كان يواجهه من مخالفة وشدة من كثير من الشيعة الذين كانوا يتّهمونه بالغلو وغير ذلك، فإنّ من يكون خصمه في الكوفة أعاظم الأصحاب وأجلاءهم يستريح من ذلك بالموت!

وأمّا قوله (عليه السلام): ((كان الوالد بعد الوالد)) فإنّما يدل على شفقته على الإمام (عليه السلام)، أي كما أنّ الوالد يشفق على ولده ويهتم به كذلك كان هو بالنسبة إلى الإمام الكاظم (عليه السلام)، وقد تقدّم أنّه كان من شفقته يأخذ رؤوس الحيتان فيبيعها ويشتري مكان ذلك حيتاناً أخرى للإمام (عليه السلام)، ومثله ما ورد في بعض الروايات عن موسى بن بكر أنّه كان مدة في خدمة الإمام (عليه السلام) فلم يكن يصل إليه شيء إلا من ناحية المفضل، وهذا كله لا يقتضي براءته من بعض التهم التي نسبت اليه.

وبالجملة: دعوى أنّ الروايات متضافرة في مدحه ونقطع بصدور بعضها من المعصوم (عليه السلام) غير تامة ولا يمكن التعويل عليها.

وأما النقطة الثالثة وهي أنّ كتاب التوحيد يكفي دليلاً على جلالة المفضل ــ ومثله ما ذكره المحقق التستري (51) من أنّه أقوى شاهد عملي على استقامته، وما حكاه المحدث النوري (52) عن السيد صدر الدين العاملي من كلام مفصّل في الاستشهاد بالكتاب على جلالة الرجل واعتناء الإمام (عليه السلام) به ــ فهي أيضاً محل خدش، فإنّ في نسبة هذا الكتاب إلى المفضل كلاماً طويل الذيل، وقد زعم الدكتور مصطفى جواد أنّه للجاحظ وطُبع منسوباً إليه قبل ثمانين سنة أو أزيد، ولا يتيسر الدخول في هذا البحث هنا، ولكن الذي ينبغي ذكره هو أنّ بعض ما ورد في هذا الكتاب مما يصعب التصديق بصدوره من المعصوم (عليه السلام):

منها: قوله (53): (ويجري إليه ــ أي إلى الجنين ــ من دم الحيض ما يغذوه الماء والنبات، فلا يزال ذلك غذاؤه). ومثل هذا ورد في بعض الروايات الأخرى المنسوبة إلى الأئمة (عليهم السلام)، وكان موجوداً في ثقافة ذلك العصر، حيث كانوا يعتقدون أنّ انقطاع دم الحيض مقارناً مع الحمل دليل على أن هذا الدم يكون غذاءً للجنين.

ولكنّه اعتقاد باطل كما كشف عنه الطب الحديث، فإنّ توقف دم الحيض ناشئ عن ارتفاع هرمون البروجسترون الذي تفرزه البويضة من حين التخصيب ولا علاقة له بغذاء الجنين.

ومنها: قوله (54): (إنّ في أدمغة الأطفال رطوبة، إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثاً جليلة وعللاً عظيمة من ذهاب البصر وغيره، والبكاء يسيل تلك الرطوبة من رؤوسهم فيعقبهم ذلك الصحة في أبدانهم والسلامة في أبصارهم.. فأمّا ما يسيل من أفواه الأطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة التي لو بقيت في أبدانهم لأحدثت عليهم الأمور العظيمة، كمن تراه قد غلبت عليه الرطوبة فأخرجته إلى حد البله والجنون والتخليط إلى غير ذلك من الأمراض المتلفة كالفالج واللقوة وما يشبههما، فجعل الله تلك الرطوبة تسيل من أفواههم في صغرهم، لما لهم في ذلك من الصحة في كبرهم).

ومنها: قوله (55): (إنّ آلام البدن وأدواءه تخرج بخروج الشعر من مسامه وبخروج الأظفار من أناملها، ولذلك أُمر الإنسان بالنورة وحلق الرأس وقص الأظفار في كل أسبوع ليسرع الشعر والأظفار في النبات فتخرج الآلام والأدواء بخروجهما، وإذا طالا تحيرا أو قل خروجهما حبست الآلام والأدواء في البدن فأحدثت عللاً وأوجاعاً).

ومنها: قوله (56): (اعتبر لم لا يتشابه الناس واحد بالآخر كما تتشابه الوحوش والطير وغير ذلك، فإنّك ترى السرب من الظباء والقطا تتشابه حتّى لا يفرق بين واحد منها وبين الأخرى، وترى الناس مختلفة صورهم وخلقهم حتّى لا يكاد اثنان منهم يجتمعان في صفة واحدة، والعلة في ذلك أنّ الناس محتاجون إلى أن يتعارفوا بأعيانهم وحلاهم لما يجري بينهم من المعاملات، وليس يجري بين البهائم مثل ذلك فيحتاج إلى معرفة كلّ واحد منها بعينه وحليته).

ومنها: قوله (57): (فكِّر يا مفضّل في النجوم واختلاف مسيرها، فبعضها لا تفارق مراكزها في الفلك ولا تسير إلا مجتمعة، وبعضها مطلقة تنتقل في البروج وتفترق في مسيرها فكل واحد منها يسير سيرين مختلفين أحدهما عام نحو المغرب، والآخر خاص لنفسه نحو المشرق).

ومنها: قوله (58): (إنّ من تدبير الحكيم جل وعلا في خلقه الأرض أن مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب، فلِمَ جعل الله عز وجل كذلك إلا لتنحدر المياه على وجه الأرض فتسقيها وترويها ثم تفيض آخر ذلك إلى البحر، فكما يُرفع أحد جانبي السطح ويخفض الآخر لينحدر الماء عنه ولا يقوم عليه، كذلك جعل مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب لهذه العلة بعينها، ولولا ذلك لبقي الماء متحيراً على وجه الأرض).

فيلاحظ أن هذه المقاطع تشتمل على أمور يستبعد تماماً صدورها من المعصوم (عليه السلام) ممّا يورث الشك في كون الكتاب المذكور من إملاء الصادق (عليه السلام) على المفضل، وخصوصاً مقدمته والمجلس الرابع منه، فإنّه يشبه إلى حدّ بعيد عقائد الإسماعيليّة كما اعترف به محقّق الكتاب.

وعلى ذلك فلا محلّ للقول بأن هذا الكتاب يكفي دليلاً على جلالة المفضل واعتناء الإمام (عليه السلام) به.

وأمّا النقطة الرابعة ــ وهي أنّ توثيق المفيد (قدس سره) وعدّه إيّاه من الفقهاء الصالحين ومن خاصة أبي عبد الله (عليه السلام) مقدّم على قول النجاشي إنّه (فاسد المذهب) ــ فيلاحظ عليها بأن في مدى اعتبار توثيقات المفيد (قدس سره) في الإرشاد كلاماً للمحقق الشيخ محمد حفيد شيخنا الشهيد الثاني وقد مرّ التعرّض له وتأييده في بحث سابق، ومختصره أنّ المفيد (رحمه الله) وصف جمعاً من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) ــ عند استعراض ما ورد من النص على الكاظم والرضا (عليهما السلام) ــ بأوصاف عالية لا تتوفّر في العديد منهم بحسب الشواهد والقرائن القطعيّة، والمظنون قوياً أنّه كان ذلك منه مبنيّاً على ضرب من التغليب أو رعاية لبعض الأغراض الصحيحة، فليراجع.

وعلى ذلك فلا سبيل إلى ترجيح ما ذكره بشأن المفضل على ما نصّ عليه النجاشي من كونه فاسد المذهب.

وأما ما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) من أن قول النجاشي: (مضطرب الرواية) لا ينافي الوثاقة في النقل فهو أيضاً غير تام كما مرّ بيانه عند التعرض لحال المعلى بن محمد، فليلاحظ.

وبالجملة: ما ورد من كلمات الرجاليّين في القدح في المفضل لعله مقدّم على ما ورد منها في مدحه.

نعم رواية ابن أبي عمير والبزنطي عنه دليل قوي على وثاقته ولكن يمكن أن يشكّك في ثبوتها، فإنّ الملاحظ أنّ البزنطي لم يروِ عنه مباشرة إلا في مورد واحد وأمّا في الموارد الأخرى فروايته عنه مع الواسطة، ولذلك يظن بسقوطها بينهما في المورد المشار إليه.

وأما رواية ابن أبي عمير عنه فهي وإن كانت متعددة ولكن الملاحظ أنها لم ترد في شيء من الكتب الأربعة، بل وردت في بعض كتب الصدوق ونحوها، وهو مثير للتأمل.

ثم إنّه لو فرض ثبوت رواية ابن أبي عمير عنه فهي إنما تدل على اعتقاده بوثاقته ولكنه معارض بشهادة ابن الغضائري بضعفه وتأكيد النجاشي على أنه لا يعبأ به.

وأما الروايات الدالة على مدحه فهي مضافاً إلى معارضتها بما دل على القدح فيه مما لا يمكن الاعتماد عليها دليلاً على حسن حاله، لما مرّ في ترجمة محمد بن سنان من أنه لا سبيل إلى استكشاف حال الشخصيات الجدلية ومنهم المفضل بن عمر استناداً إلى النصوص الواردة في مدحهم أو ذمهم، فإنّ الأئمة (عليهم السلام) كانوا يضطرون إلى التكلم عنهم بأنحاء مختلفة مراعاة لبعض المصالح الوقتية، فليراجع.

ومهما يكن فقد تحصل ممّا تقدم أنّ أقل ما يمكن أن يقال بشأن المفضل بن عمر الجعفي هو أن حاله ملتبس ولا يمكن الاطمئنان بوثاقته فضلاً عن جلالته، والله تعالى هو العالم بحقائق الأمور.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. بحوث في شرح مناسك الحج ج:14 (مخطوط).
  2. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:614.
  3. رجال النجاشي ص:416.
  4. رجال ابن الغضائري ص:87.
  5.  لعل من نماذج ذلك كتاب الهفت الشريف ــ وهو كتاب الأظلة والأشباح ــ المنسوب إلى المفضل الذي طبع في دار الأندلس في بيروت بتحقيق الدكتور مصطفى غالب، وكتاب الصراط المنسوب إلى المفضل أيضاً الذي طبع في دار المدار الإسلامي في بيروت بتحقيق المنصف بن عبد الجليل.
  6.  اختيار معرفة الرجال ص:323. تحقيق: حسن المصطفوي.
  7. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:612.
  8. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:618.
  9. الكافي ج:1 ص:309.
  10. تنقيح المقال في علم الرجال ج:3 ص:241 ط: حجري.
  11. قاموس الرجال ج:10 ص:211.
  12. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:615.
  13. مجمع الرجال ج:6 ص:126 (التعليقة).
  14. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ج:25 ص:301.
  15. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:615.
  16.  اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:615.
  17.  لاحظ اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:612، 708، والكافي ج:2 ص:373.
  18. رجال النجاشي ص:148.
  19. لاحظ معجم رجال الحديث ج:9 ص:204.
  20. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج:2 ص:216.
  21. الغيبة للطوسي ص:346.
  22. تهذيب الأحكام ج:7 ص:361.
  23. معجم رجال الحديث ج:18 ص:336.
  24.  تفسير القمي ج:2 ص:253.
  25. لاحظ التوحيد ص:80، وعيون أخبار الرضا ج:1 ص:61، وكمال الدين وتمام النعمة ج:1 ص:252، ومعاني الأخبار ص:285.
  26. أمالي الطوسي ص:437.
  27.  الكافي ج:2 ص:92.
  28. معجم رجال الحديث ج:18 ص:346.
  29. الاختصاص ص:216.
  30. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:620.
  31.  لاحظ من لا يحضره الفقيه ج:4 ص:51، والكافي ج:5 ص:78.
  32. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:612.
  33. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:589.
  34. علل الشرائع ج:2 ص:519.
  35.  لاحظ رجال النجاشي ص:159، 182، 239.
  36.  اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:618ــ619.
  37. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:813.
  38.  اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:616ــ617.
  39. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:617.
  40. مستدرك الوسائل (الخاتمة) ج:4 ص:128ــ129.
  41. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:619.
  42. مستدرك الوسائل (الخاتمة) ج:4 ص:109.
  43.  دعائم الإسلام ج:1 ص:50.
  44.  ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص:246.
  45.  بصائر الدرجات ج:1 ص:526.
  46. مستدرك الوسائل (الخاتمة) ج:4 ص:127.
  47. علل الشرائع ج:1 ص:250.
  48. تحف العقول ص:513.
  49.  قاموس الرجال ج:10 ص:217.
  50. لاحظ الكافي ج:2 ص:672، ج:4 ص:65، ج:6 ص:399.
  51.  قاموس الرجال ج:10 ص:215.
  52. مستدرك الوسائل (الخاتمة) ج:4 ص:131.
  53.  التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي ص:48.
  54. التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي ص:53.
  55. التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي ص:71.
  56.  التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي ص:87.
  57. التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي ص:132.
  58. التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي ص:144.

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)