أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-9-2016
710
التاريخ: 2023-04-05
934
التاريخ: 12-2-2017
1809
التاريخ: 2023-04-05
1315
|
(جون ميشيل)
كان العصر الجورجي، في إنجلترا، يتّسم بسلام نسبي. كانت الحرب الأهلية الإنجليزية قد وضعت أوزارها منذ زمن بعيد، وأصبحت إنجلترا أرضًا يسودها هدوء محلي نسبي (كان صعود فرنسا النابليونية ما يزال غيبًا في المستقبل البعيد آنذاك). تلقى القس المبجل جون ميشيل (شكل 1-1 مثل والده من قبله، تعليمًا جامعيًا والتحق بكنيسة إنجلترا. وبينما كان يشغل منصب مسؤول أبرشية في كنيسة ثورنهيل غرب يوركشاير، استطاع مواصلة أبحاثه العلمية، ومتابعة اهتماماته في الجيولوجيا والمغناطيسية والجاذبية والضوء وعلم الفلك. وعلى غرار العلماء الآخرين العاملين في إنجلترا آنذاك، مثل عالم الفلك ويليام هيرشل والفيزيائي هنري كافنديش (الذي كان صديقًا شخصيًّا له)، استطاع ميشيل أن يستفيد من زخم الفكر النيوتني الجديد. فقد كان السير إسحاق نيوتن قد أحدث ثورةً في الكيفية التي كان يُنظر بها إلى الكون، وصاغ قانون الجاذبية الخاص به الذي فسر وجود مدارات الكواكب في المجموعة الشمسية على أنها ناتجة من القوة نفسها التي تسببت في سقوط تفاحته الشهيرة من الشجرة.
أتاحت أفكار نيوتن دراسة الكون باستخدام الرياضيات واستطاع هذا الجيل الجديد من العلماء نشر هذه النظرة الجديدة إلى العالم في مجالات مختلفة. كان ميشيل مهتمًا على وجه الخصوص باستخدام التفكير النيوتني لتقدير المسافة إلى النجوم القريبة باستخدام قياسات الضوء الذي ينبعث منها. وتَفتَّق ذهنه عن مُخطَّطات مختلفة لفعل ذلك، بربط سطوع النجم بلونه؛ وكذلك دَرَس النجوم الثنائية (أزواج من النجوم مرتبطة ببعضها بفعل قوة الجاذبية) وكيف يمكن أن تُقدِّم حركاتها المدارية معلومات مفيدة متجددة باستمرار. وعكف ميشيل أيضًا على دراسة كيفية ميل النجوم إلى التجمع مكونةً عناقيد في مناطق معينة من السماء، واختبر ذلك مقابل توزيع عشوائي واستنتج تكون العناقيد بفعل الجاذبية.
شكل 1-1: جون ميشيل، الشخصية الموسوعية.
لم تكن أي فكرة من هذه الأفكار عملية آنذاك؛ فالنجوم الثنائية المعروفة كانت قليلة (مع أنَّ هيرشل كان يؤلّف بعض القوائم الباهرة التي تضم كثيرًا من النجوم المزدوجة والأجسام الجديدة)، واتضح أنَّ العلاقة بين سطوع النجم ولونه لم تكن كما حسبها ميشيل تمامًا. غير أنَّ ميشيل كان يبذل قصارى جهده لكي يُقدِّم للكون الأوسع ما قدمه نيوتن للمجموعة الشمسية؛ وهو أن يُتيح تحليل الأرصاد تحليلا علميًّا وعقلانيا ومتجددًا باستمرار لتقديم معلوماتٍ جديدة عن خصائص الأجرام السماوية وكتلها ومسافاتها. ومن بين الرؤى الكاشفة التي تَفتَّق عنها ذهن ميشيل، انبثقت الفكرة القائلة بأنَّ جسيمات الضوء، على حد تعبير ميشيل، تُجذب بالكيفية نفسها التي تجذب بها كل الأجسام الأخرى التي نعرفها؛ أي بواسطة قوى متناسبة طرديا مع عزم قصورها الذاتي [يقصد كتلتها]، ويستحيل أن يُوجَد أي شكٍّ عقلاني في ذلك، لأنَّ الجاذبية، على حد علمنا، أو على حد ما لدينا من أي أسباب تجعلنا نُصدّق ذلك، قانون كوني من قوانين الطبيعة. وعلل ذلك بقوله إنَّ مثل هذه الجسيمات المنبعثة من نجم كبير ستتباطأ بفعل قوى الجاذبية لدى النجم. وهكذا سيكون ضوء النجم الذي يصل إلى كوكب الأرض أبطأ. ويُذكر أنَّ نيوتن أوضح أن الضوء يتباطأ في الزجاج، وقد فسَّر هذا مبدأ الانكسار. وإذا كان ضوء النجوم يبطؤ بالطريقة نفسها بالفعل، أكد ميشيل أنه قد يكون من الممكن اكتشاف هذا التباطؤ بتفحص ضوء النجوم من خلال منشور زجاجي. لم تُجرَ هذه التجربة على يد ميشيل، وإنما أُجريت على يد الفلكي الملكي المبجل الدكتور نيفيل ماسكلين، الذي بحث عن وجود تضاؤل في قابلية ضوء النجوم للانكسار. أرسل كافنديش خطابًا إلى ميشيل ليُخبره بأنَّ الأمر لم ينجح وأنَّ احتمالية العثور على أي نجوم يتضاءل ضوءها تضاؤلاً ملحوظًا ضعيفة جدًّا. صُدِم ميشيل وتضايق، لكن مثل هذه التكهنات الفلكية تطلبت قدرًا كبيرًا من تخمين أشياء يستحيل تقديرها فهل تأثر الضوء النجمي بجاذبية النجم الذي ينبعث منه؟ لم يكن ميشيل متيقنا. لكنه كان جريئًا بما يكفي ليتنبأ تنبوا مُثيرًا للاهتمام.
إذا كان النجم ضخمًا بما يكفي، وكانت الجاذبية تؤثر في الضوء النجمي حقًا، فقد تكون قوة الجاذبية كافية لحبس جسيمات الضوء تمامًا ومنعها من مغادرة النجم. وبذلك سيكون مثل هذا الجسم نجمًا مُظلمًا. هكذا كان القس غير المعروف وهو يكتب في مسكنه في يوركشاير هو أول شخص تصور ثُقبا أسود. غير أنَّ مخطط ميشيل الرامي إلى قياس المسافات التي تفصلنا عن النجوم ظلَّ خائبًا تمامًا. وفوق ذلك، كانت صحته سيئة بعض الشيء وهذا منعه من استخدام تلسكوبه. لذا أرسل إليه كافنديش خطاب مواساة، قائلًا: إذا كانت صحتك لا تسمح لك بمواصلة استخدام [التلسكوب]، فآمل أن تسمح لك على الأقل بأداء مُهمَّة وزن العالم الأسهل والأقل مشقة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ هذا المثال الاستثنائي لنكتة من كافنديش (الذي ذاعت عنه شهرة سيئة بأنه كتوم ومتحفظ) يشير إلى فكرة أخرى تصورها ميشيل. إذ يعني وزن العالم تجربة تجذب فيها كرتان رصاصيتان كبيرتان عند طرفي قضيب الميزان الالتوائي بواسطة كرتين رصاصيتين ساكنتين. وهذا يسمح لمن يُجري التجربة بقياس قوة الجاذبية، وبالتبعية استنتاج وزن الأرض. لم يفعل أحد هذا من قبل. كانت فكرة ميشيل رائعة، لكنه فارق الحياة قبل أن يستكمل هذا المشروع. بل كان كافنديش هو من أجرى تجربة ميشيل، وصارت تُعرف الآن باسم تجربة كافنديش غير أنَّ انتساب الفضل إلى كافنديش في شيء لم يكن هو صاحبه بهذه الطريقة قد عُوِّض وزيادة فيما بعد لأنَّ العديد من الاكتشافات الفارقة التي اكتشفها كافنديش بنفسه وتجاهل نشرها نُسِبت لاحقًا إلى باحثين لاحقين (من بينها قانون «أوم» وقانون «كولوم»).
(بيير- سيمون لابلاس)
على الجانب الآخر من بحر المانش لم يكن بيير - سيمون لابلاس مستمتعا بفترة السلم المثالي الهادئة التي أرسَتْها حقبة التنوير الإنجليزي السلمية. نجا لابلاس من الثورة الفرنسية، مع أنَّ مسيرته المهنية ازدهرت بينما كان يؤثر بنفوذه في معهد فرنسا ومدرسة البوليتكنيك اللذين كانا حديثي التأسيس آنذاك. حتى إنه شغل منصب وزير الداخلية فترةً في عهد نابليون، لكنه لم يبق سوى مدةٍ قصيرة في هذا المنصب الذي ندِم نابليون على تعيينه فيه. إذ أدرك نابليون أن لابلاس كان عالم رياضيات ممتازا، لكنه سيئ جدا في المناصب الإدارية. وقد كتب نابليون عن لابلاس فيما بعد: أنه كان يبحث عن التفاصيل الدقيقة في كل شيء، ولم يكن يتصوّر سوى المشكلات، وأخيرًا نَقَل عقلية الكميات المتناهية الصغر إلى مجال الإدارة. كان نابليون لديه آخرون ممن يُجيدون شغل المناصب الإدارية يستطيع الاستعانة بهم لكن العالم لم يكن فيه سوى قلة من علماء الرياضيات الْمُثِمرين ذوي البصيرة الثاقبة مثل لابلاس. إذ قدَّم إسهامات محورية في الهندسة وموضوع الاحتمالات والرياضيات والميكانيكا السماوية والفلك والفيزياء وعمل على موضوعات مختلفة مثل الخاصية الشعرية، والمذنبات والاستدلال الاستقرائي، واستقرار المجموعة الشمسية، وسرعة الصوت والمعادلات التفاضلية والتوافقات الكروية. وكانت إحدى الأفكار التي فكر فيها النجوم المظلمة.
في عام 1796، نشر لابلاس كتابه «شرح نظام الكون». ويستعرض هذا الكتاب، الموجه إلى جمهور مُثقَّف متعلم، المبادئ الفيزيائية التي يقوم عليها علم الفلك، وقانون الجاذبية وحركة الكواكب في المجموعة الشمسية، وقوانين الحركة والميكانيكا. وتُطبق هذه الأفكار على ظواهر مختلفة، من بينها المد والجزر وتحرُّك نقطتي التقاء خط الاستواء السماوي بمستوى مدار الأرض على طول مستوى مدار الأرض بسبب تغير اتجاه محور دوران الأرض، ويحتوي الكتاب أيضًا على تكهنات لابلاس بخصوص أصل المجموعة الشمسية. ويتضمن فقرةً معينة ذات صلة خاصة بموضوعنا. إذ حَسَب لابلاس الحجم الذي يجب أن يكون عليه جسم شبيه بالأرض لكي تكون سرعة هروبه مساوية لسرعة الضوء. وأظهر، في توضيح صائب تمامًا، أنَّ قوة الجاذبية على سطح نجم ذي كثافة مشابهة لكثافة الأرض، لكن قطره يساوي قطر الشمس نحو 250 مرة، ستكون شديدةً جدا لدرجة أنَّ الضوء نفسه لن يستطيع الهروب. وفسّر أنَّ هذا هو السبب الذي يجعل أكبر الأجسام في الكون غير مرئية. فهل يُمكن أنها ما زالت مُختبئة غير مرئية في سماء الليل المعتمة في الوقت الذي تخيلنا فيه أنَّ الأشياء الوحيدة الموجودة هناك هي الأجسام المضيئة الساطعة التي نستطيع رؤيتها؟ طلب عالم الفلك المجري فرانتس زافير فون زاك من لابلاس أن يُقدِّم الحسابات التي قادته إلى هذا الاستنتاج، ولبي لابلاس هذا الطلب، بتدوين حساباته (باللغة الألمانية) وأرسلها إلى إحدى الدوريات التي كان فون زاك مسؤولًا عن تحريرها.
غير أن لابلاس كان قد بدأ يعي نظرية طبيعة الضوء الموجية آنذاك. وكانت أفكار كلٌّ من ميشيل ولابلاس قائمةً جزئيًا على نظرية طبيعة الضوء الجسيمية. فإن كان الضوء مكونا من جسيمات بالغة الصغر، فحينئذٍ سيبدو منطقيًا أنَّ هذه الجسيمات تتأثر بمجال جاذبية، وتظلُّ مربوطة إلى الأبد بسطح نجمٍ ذي حجمٍ كافٍ. لكن بدايات القرن التاسع عشر شهدت عدة تجارب بدا أنها تُعزّز مصداقية نظرية طبيعة الضوء الموجية. ولو كان الضوء موجة وليس جسيمات، فعندئذٍ يكون من الأصعب أن نرى أنَّه من المفترض أن يتأثر بالجاذبية. وهكذا حذف تنبُّؤ لابلاس بالنجوم المظلمة في هدوءٍ من الطبعات اللاحقة من كتاب «شرح نظام الكون». ففي النهاية، كان ميشيل ولابلاس عاكفين على تخمين النظرية واستكشافها، ولم يكونا مدفوعين باحتياج إلى شرح أرصادٍ مُعيَّنة، ولذا نُسِيَت هذه الفكرة فترة من الزمن بذلك كانت الأجسام التي تَخيَّلها ميشيل ولابلاس «نجومًا سوداء»، وهي أجسام هائلة في الكون تستطيع بحُكم كُتلتها أن تحافظ على بقاء أنظمة من الكواكب في مدارات حولها، لكنها في الوقت نفسه، بحُكم كتلتها الهائلة نفسها أيضًا، لا يُمكن أن تُرصد عبر إشعاع الضوء. فالضوء النجمي المنبعث من أسطح نجوم ميشيل ولابلاس سيكون أبطأ من أن يتغلب على قوة جاذبية السطح الشديدة. الشيء الذي لم يستطع ميشيل ولابلاس تخمينه هو أنَّ مثل هذه الكتل المتراكمة الهائلة ستكون غير مستقرة إلى الحد الذي يجعلها تنهار. وفوق ذلك، ستثقب نسيج الزمكان أثناء انهيارها، وستُنشئ نقطةً من نقاط التفرد. وبذلك فإنَّ «الثقوب السوداء» ليست «نجومًا مظلمة»، ومن أجل أن نعزز هذه الحجة ونبدأ في التعرف على الاكتشاف الفلكي للثقوب السوداء، سنحتاج أولًا إلى فهم طبيعة الزمكان.
|
|
أكبر مسؤول طبي بريطاني: لهذا السبب يعيش الأطفال حياة أقصر
|
|
|
|
|
طريقة مبتكرة لمكافحة الفيروسات المهددة للبشرية
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|