انتشار زراعة البن (القهوة)

انتقلت زراعة البن من اليمن الى جنوب الجزيرة العربية. ويقول بعض المؤرخين ان ذلك كان في القرن الرابع عشر الميلادي، وقيل أن ظهورها وانتشارها بأرض اليمن كان على يد جمال الدين بن سعيد المعروف بالذبحاني وكان ستوليا ( مسؤولا ) لوظيفة تصحيح الفتاوى بعدن، وقد ورد ببعض الوثائق العربية « الملح » عام ١٥٦٦ م بأن الشيخ جمال الدين الفرجار هو أول من أدخل زراعة البن الى الجزيرة العربية، وانه هو الذي أحضر بذورها من الحبشة، ثم أدخلت القهوة بعد ذلك الى تركيا حوالي ١٥٤٤ م إلى أوربا عام ١٦١٥ عن طريق طبيب ألماني اسمه راؤلف Rauwolf الذي كان أول من أذاع هناك عن مدى أهمية البن، وما تحقق منه شخصيا اثناء رحلته الى سوريا عام ١٥٧٣ ولو ان اوربا لم تبدأ باستعمال البن الا في عام ١٦٠٠ م حين افتتح أحد الاشخاص في ايطاليا محلا لاستيراد البن من تركيا وتوزيعه بإيطاليا. وفي خلال بضعة سنوات من ذلك التاريخ، انتشر استعمال البن في بلاد أوربا وكان ذلك في عام ١٩١٥، وكان انتشار الشاي في عام ١٦١٠م والكاكاو في عام ١٥٢٨م.

لقد انتشرت زراعة البن بين الناس في شبه الجزيرة العربية. وأدرك العرب أنه مشروب يساعد على اليقظة والتنبه خاصة في رحلاتهم الطويلة وتنقلاتهم في أسفارهم ليلا، وسرعان ما انتشر استعمال القهوة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وسورية وعدن وأقطار الخليج العربي ثم الى مصر، وفي حوالي عام ١٥١٠م عم استعمال القهوة جميع أنحاء الوطن العربي.

أما اشتقاق اسم القهوة ، كما ورد عن العلامة الفخر أبو بكر بن أبي يزيد في مؤلفه « اثارة النخوة بحل القهوة » ، فقد أتى من الاقهاء وهو الاجتواء أي الكراهة ، أو من الاقهاء بمعنى الاقعاد ، ومنها سميت الخمرة قهوة لانها تقهي أي تكره الطعام أو تقعد عنه.

القهوة الشراب المفضل لثلث سكان العالم

وقد اختلف الفقهاء في حلها ( مشروب القهوة ) ، وامتدحها كثير من الفقهاء والعلماء ورجال الصوفية ، لأنها كانت تعينهم على قيام الليل . وألف بعضهم في القهوة وصنف، ومن أشهر المؤلفات « عمدة الصفوة في حل القهوة » لعبد القادر الجزيري، و « اثارة النخوة بحل القهوة » للعلامة الفخر أبو بكر بن أبي يزيد. وقد قيل فيها بعض الشعر تذكر منه:

يا قهوة تذهب هم الفتى               انت لحاوي العلم نعم المراد

شراب اهل الله فيها الشفا             لطالب الحكمة بين العباد

نطبخها قشرا فتأتي لنا                في نكهة المسك ولون المداد

كاللبن الخالص في حله               ما خرجت عنه سوى بالسواد

وقال أخر

عرج على القهوة في حانها           فاللطف قد حف بندمانها

فأنها لا غم تبقي اذا                     قابلك الساقي بفنجانها

فاشرب ولا تسمع كلام الذي         بجهله يفتي ببطلانها

لقد أحبت شعوب الأرض قاطبة شرب القهوة. وأصبحت لها شعبية خاصة لدى العرب وهي الشراب المفضل لدى ثلث سكان العالم، حسب رأي احدى المجلات العربية التي تصدر من أوربا. ونظرا لاختلاف الطريقة التي تعد بها القهوة حسب عادات الشعوب فقد أصبح معروفا لدى الجميع بوجود القهوة العربية، القهوة التركية، القهوة الإيطالية، القهوة الفرنسية، القهوة الأمريكية. وقد افتتحت الكثير من المحلات التجارية التي تتعامل حصرا في بيع القهوة، وافتتحت مقاهي متخصصة في المدن الكبرى في العالم مثل لندن نيويورك، شيكاغو في بداية القرن السابع عشر، حيث أصبحت ملتقى رجال الفكر والسياسة.

لقد احتكر العرب تجارة البن لفترة قرنين من الزمان، حتى نهاية القرن السابع عشر الميلادي.

ونظرا لازدياد الطلب العالمي على القهوة، ولصعوبة المواصلات بين البلاد العربية - آنذاك - ودول أوربا، فقد عمد الأوربيون على نشر زراعة البن في مناطق أخرى من العالم كانوا يحكمونها، فقد قام الفرنسيون والهولنديون بزراعة البن العربي في المناطق الاستوائية من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية كما زرعت أشجار البن في سيلان واندونيسيا حوالي عام ۱۷۰۰ م وفي جزر الهند الغربية عام ۱۷۲۰ وفي البرازيل عام ١٧٧٠ حيث تعتبر الآن من أكبر بلاد العالم انتاجا للقهوة، إذ يصل انتاجها الى حوالي ۲٥٪ من الانتاج العالمي.