الموقع بالنسبة لليابس والماء:

يعد الموقع من حيث علاقته باليابس والماء عنصراً هاماً في قيمة الدولــة السياسية لأنه يكسبها شخصية خاصة ، ويوجه سياستها نحو اتجاهات معينة وبعبارة أخرى يساعد موقع الدولة من البحار والمحيطات على تحديد طبيعة مصالحها، وحالتها الاقتصادية والسياسية. ومن هذا الجانب فان الدول تختلف فيما بينها فمنها دول قارية مغلقة لا تشرف بساحل أو بجبهة على المسطح المائي القريب، وأخرى دول مفتوحة لها سواحل وجبهات بحرية تجد عن طريقها الوسيلة المباشرة للاتصال والحركة المرنة وامكانية الاشتراك الحرفي حركة الملاحة والتجارة الدوليتين.

ويطلق على الدول التي ليس لديها سواحل تطل بها على البحار أسم الدول الحبيسة. وتختلف القارات من ناحية اعداد الدول الحبيسة فيها، ففي قارة أوروبا النمسا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وسويسرا ولكسمبورج واندورا وليشتنشتين وسان مارينو دولا حبيسة . وتشتمل أفريقيا على كثير من الدول الحبيسة في العالم مثل دول تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوروندي وملاوي ومالي والنيجر وأوغنده وفولتا العليا ورواندا وزامبيا وروديسيا وباسوتولاند وبتشوانالاند وسوازي لاند. وفي آسيا توجد افغانستان ولاوس ونيبال ومنغوليا الخارجية وبوتان وسيكيم وفي الأميركتين تقتصر الدول الحبيسة على بوليفيا وبارجواي.

وتحيط بالدولة الحبيسة أكثر من دولة مجاورة ، لذا فان الدولة الحبيسة تقع تحت رحمة جاراتها وخاصة الدول المطلة على البحار وتعاني الدول الحبيسة بصفة عامة من كثير من المشكلات الاقتصادية ومن أزمات العزلة ، وقد تسعى الدولة الحبيسة الى اقامة اتحاد كمركي ، أو اتحاد سياسي ، أو الوصول الى البحر عن طريق ممرات من أراضي الدول الساحلية. وقد بذلت بوليفيا جهوداً مضنية من أجل الحصول على منفذ لها الى البحر ، لكنها لم تنجح في ذلك . كما أنظمت مالي في اتحاد مع جارتها الغربية السنغال عرف باسم ( أتحاد مالي) وتمكنت مالي من الحصول على امتيازات لها في منفذ الى الغرب لفترة لم تطل بسبب انهيار هذا الاتحاد.

ورغم الأهمية الكبيرة التي يكتسبها الموقع الجغرافي للدولة البحرية أو شبه البحرية ، فان نوع السواحل البحرية هو المعيار الذي يمكن أن يساعد الباحث في عملية تقييم لمعرفة القيمة الفعلية لهذا الساحل ولا يمكن ان تتساوى السواحل المطلة على بحار مغلقة أو شبه مغلقة مع السواحل المطلة على بحار مفتوحة, كذلك تتوقف قيمة الجبهة البحرية على الظهير الخلفي للساحل، فالظهير الخلفي لساحل البحر الاحمر في مصر العربية عبارة عن صحراء ، ويبعد عن وادي النيل حيث مراكز الانتاج والعمران بمسافات طويلة ، مما أدى الى قلة استعمال هذه الجبهة ، ولم يلجأ اليها الا في وقت الضرورة. كذلك الحال في الظهير الخلفي لساحل يوغوسلافيا المطل على البحر الأدرياتيكي ، فهو عبارة عن جبال الألب الدينارية الوعرة التي تتميز بتربة الكارست الجيرية.

وبالمقابل فقد لعبت السواحل ذات الظهير الجيد دوراً بارزاً في خدمة الشعوب التي تعيش خلفها ، فسواحل الشام كانت ملائمة لنشأة عدد من الموانئ الهامة  وينقل نحو 80% من مجموع تجارة مصر الخارجية عبر ميناء الاسكندرية لوقوع الدلتا خلفه . كما أن كثيراً من الموانئ الاسيوية كشنغهاي في الصين ، وكلكتا وبومباي في الهند ، وكراتشي في باكستان، تقوم بخدمات كبيرة للمناطق المعمورة الواقعة خلفها والغنية بإنتاجها . اما سواحل غرب أوروبا فقد كان لها الدور الاكبر في التوجيه الجغرافي لهذه الدول وساعدت هذه السواحل في عمليات الكشوف الجغرافية.

وبالنظر لأهمية الموقع البحري فقد صنف الدول على أساس عدد البحار أو المحيطات التي تشرف عليها الى الأصناف الآتية:

1- دول تقع على بحر واحد، ويسود هذا الصنف على دول امريكا الجنوبية وافريقيا.

2- دول تقع على بحرين ، كالمكسيك وجميع أقطار امريكا الوسطى ما عدا سلفادور.

3- دول تطل على ثلاثة بحار، كالولايات المتحدة وكندا وفرنسا وتركيا.

4- دول تقع على بحار متعددة ، كالاتحاد السوفياتي.

5- دول جزرية ، كالمملكة المتحدة واليابان.

كما تمتاز البيئات الساحلية من الناحية الحضارية بانها عادة ولكن ليس دائماً أرقى من الداخل لأن السواحل ترتبط دائماً بالعالم الخارجي وتيارات الحضارة الجديدة ومحاور التقدم . وهي دائماً تتطلع الى كل جديد ولا تعرف العزلة ولا الانطواء أو التقوقع ولهذا فهي تشارك ويتوقف ذلك على طبيعة الساحل وظهيرة) دائماً في التقدم الحضاري وفي الحضارة العالمية. بينما سكان الداخل كثيراً ما ينعزلون عن مثل هذه المؤثرات والتيارات وعلى سبيل المثال كانت فينيقيا من أرقى أجزاء الشرق القديم.

ويؤثر الموقع الساحلي البحري في اقتصاد الدولة ، وفي الدور الذي تلعبه وفي مصالحها المختلفة وكل هذه الظروف تؤثر بدورها في الجغرافية السياسية للدولة فمثلاً لعب الموقع البحري دوراً خطيراً في بناء امبراطورية سياسية واقتصادية كبيرة لبريطانيا كما لعب الدور نفسه في سياستها العدوانية كما يمكن القول ايضا على الولايات المتحدة وفرنسا.

وكذلك يؤثر الموقع البحري والبري في نوع الدفاع الذي تعتمد عليه الدولة . فبغض النظر عن سلاح الطيران الذي يتواجد في كل من الدولة البحرية والقارية نجد ان الدول البحرية تركز اهتمامها أكثر على بناء الاسطول التجاري والحربي والغواصات في حين أن الدول القارية تركز بصورة أكبر على اعداد الجيش البري ومثال ذلك دفاع بريطانيا والدفاع الروسي. وحتى في الدول البحرية نفسها نجد تفاوت مثلاً بين اليابان وانجلترا فاليابان أهتمت بدلاً من ذلك بالقوات البرية ذلك لان سياسة اليابان التوسعية كانت تتجه الى الدول البرية المجاورة لها مثل منشوريا وكوريا والصين ودول جنوب شرق آسيا. هذا في حين أن انجلترا كانت تتجه الى الدول البعيدة عنها مثل الهند وباكستان وأجزاء من الوطن العربي ولذلك كان عليها ان تهتم أكثر بالأسطول البحري وليس بالقوات البرية.

أما روسيا فباعتبارها دولة قارية ، فأنها تعتمد على قوتها الارضية بالدرجة الأولى وتلعب الجزر بحكم موقعها الجيد دوراً هاماً في المصالح التجارية والعسكرية للدول لأنها تستعمل كمحطات في أواسط البحار والمحيطات, وقد حرصت الدول الاستعمارية ويصدق القول على بريطانيا أكثر من غيرها محافظة منها على سلامة خطوط مواصلاتها مع مستعمراتها، على السيطرة مجموعة من الجزر والمضايق الواقعة على هذه الخطوط.

وقد لعبت الجزر دوراً هاماً خلال الحرب العالمية الثانية، فقد استخدمت جزيرتا أزورس وبرمودا وكذلك جزيرة أسنسيون في المحيط الاطلسي محطات لتموين الاساطيل الامريكية، وكانت الجزيرة نفسها قاعدة جوية للطائرات الامريكية عام ١٩٤٢ ، أما جزر المحيط الهادي مثل ويك وجوام وبونين واوكيناوا ، فلا تقل في أهميتها الاستراتيجية عن جزر المحيط الاطلسي، وقد لعبت نفس الدور. وقد أستخدم الجيش الامريكي بعض جزر البحر المتوسط كمحطات للعبور اثناء انطلاقه من شمال أفريقيا لغز و ايطاليا خلال الحرب العالمية الثانية, كما استخدمت الجزر في المحيط الاطلسي والبحر المتوسط کمراکز عدوان على الوطن العربي من قبل الدول الاستعمارية (بريطانيا - فرنسا - الولايات المتحدة ومساندتها للعدو الصهيوني في جميع اعتداءاته المتكررة على الأمة العربية.

ويقع الوطن العربي في منطقة البحار الخمسة: البحر المتوسط، والبحر الأحمر، والمحيط الهندي، والخليج العربي، والبحر الاسود، وهي بحار دفيئة لا تتجمد مياهها مطلقاً لذلك فهي صالحة للملاحة, ويمكن تقسيم العالم العربي الى شبه جزيرتين احداهما آسيوية والأخرى أفريقية, وتمتاز سواحل أشباه الجزر هذه بتعرج سواحلها ووجود الخلجان بها لذلك تتشربها الموانئ الطبيعية التي تسهل عملية الملاحة.