أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-09-2015
7078
التاريخ: 25-03-2015
4791
التاريخ: 25-09-2015
1794
التاريخ: 26-03-2015
6368
|
وهو
أن يقصد المتكلم إلى هجاء إنسان فيأتي بألفاظ موجهة ظاهرها المدح وباطنها القدح،
فيوهم أنه يمدحه وهو يهجوه، كقول بعضهم في بعض الأشراف [وافر]:
له حق
وليس عليه حق ... ومهما قال فالحسن الجميل
وقد
كان الرسول يرى حقوقا ... عليه لغيره
وهو الرسول
فأما
ألفاظ البيت الأول على انفرادها فلا تكاد تصلح إلا للمدح ولا يفهم منها غيره؛ وأما
البيت الثاني لو انفرد أيضاً لما فهم منه مدح ولا هجاء، وكان إلى باب من الأبواب
أقرب من هذين البابين، لكمه لما اقترن بالأول أهل نفسه وأخاه للهجاء، وعدل
بألفاظهما عن الثناء وحصل من اجتماعهما ما ليس لكل منهما على انفراده.
ومن
أمثلة هذا الباب أيضاً قول عبد الصمد بن المعدل أو أبي العميثل في أبي تمام وقد
كانت في لسانه حبسة [رمل مجزوء]:
يا
نبي الله في الشعـ ... ـر ويا عيسى بن مريم
أنت
من أشعر خلق الـ...ـلّه ما لم تتكلم
فإن
حال هذين البيتين حال البيتين اللذين قبلهما، إذ الأول منهما إذا انفرد كان مدحاً
محضاً، وإذا اجتمعا صار هجواً بحتاً، غير أن ثاني الآخرين مخالف لثاني الأولين.
ومن
ملح هذا الباب قول السعيد بن سناء الملك رحمه الله في قوّاد [سريع]:
لي
صاحب أفديه من صاحب ... حلو التأني حسن الإحتيال
لو
شاء من رقة ألفاظه ... ألف ما بين الهدى والضلال
يكفيك
منه أنه ربما ... قاد إلى المهجور طيف الخيال
وهذا
النمط غير النمط الأول الذي قدمناه، وهذا من لطيف التوجيه، ولقد تشبثت بأذيال
القاضي السعيد رحمه الله في هذا المقطوع بقولي فيمن ادعى الفقه والكرم وانتحل
هاتين الشيمتين دون بقية الشيم، وهو ممن يتهم [سريع]:
ابن
فلان أكرم الناس لا ... يمنع ذا الحاجة من فلسه
وهو
فقيه ذو اجتهاد وقد ... نص على التقليد في درسه
يستحسن
البحث على وجهه ... ويوجب الدخل على نفسه
وكل
توطئة وقعت في هذا النمط الثاني صالحة للمدح البحت فإذا اقترنت بأبيات المعاني
انقلب ما كان فيها مدحاً تهكماً، وصارت هي بنفسها هجاء، والذي أفرد هذا الباب بنفسه
عن باب التهكم مع أن الذي فيه من المدح تهكم هو أن التهكم لا تخلو ألفاظه من لفظة
من اللفظ الدال على نوع من أنواع الذم، أو لفظة يفهم من فحواها الهجو، وسيأتي بيان
ذلك في باب التهكم، وألفاظ المدح في هذا الباب لا يقع فيها شيء من ذلك، ولا تزال
مفرقة ومجتمعة تدل على مجرد المدح حتى يقترن بها ما يصرفها عن ذلك، وشواهد التهكم
لا تخلو عن ألفاظ التهكم في أبيات التوطئة، وأبيات المعاني، وما يقع في هذا الباب
من التهكم إنما يقع في التوطئة دون أبيات المعاني، والله أعلم.