(5) تعاظم دور الشركات متعددة الجنسية : Multinational Corporations 

وتعرف بأنها مؤسسات اعمال تجارية وصناعية تقود وتسيطر على انشطة انتاجية في أكثر من دولة غير بلدها( الام)، وتعد إحدى السمات للنظام الاقتصادي العالمي من خلال زيادة نفوذها في السوق الدولية. كما انها القناة الأساسية التي يتحرك عبرها الاستثمار الأجنبي المباشر، هذه الشركات الضخمة أغلبها من دول قارة أمريكا الشمالية وأوروبا، بالإضافة إلى اليابان كما انها تتزايد في الدول حديثة التصنيع مثل كوريا الشمالية والبرازيل وتايوان.

لقد استطاعت الشركة متعدية الجنسية ان تمتد عبر العالمين المتقدم والنامي وتنمو وتستثمر عبر اكثر من دولة وباتت قوة اقتصادية مؤثرة في بيئتها وهو العالم، وقد وصلت اعدادها عام 2007 إلى ما يقارب 7800 الف شركة أم تدير اكثر من 778 ألف شركة فرعية وتابعة على مستوى العالم. وتعد الشركات متعددة الجنسية كنتاج لقوى احتكارات القلة وتسيطر على فروع الإنتاج المهمة وأفرزت كارتلات تسيطر على جانب كبير من التجارة الدولية يتجلى في:

أ- الاستيراد والتصدير مع أطراف أخرى.
ب ـ التجارة بين الشركة الأم وفروعها الرئيسية

جـ- التجارة بين الفروع وبين المشاريع التابع لها في الخارج.

وهذا الدور التجاري للشركات اخذ طابعاً جديداً لأنه لا يتم في السوق التقليدية وإنما يتم داخل شبكة الشركة، ونتيجة لضخامة هذا الدور فأنه يمثل احد مظاهر الجنوح الاحتكاري لانه يقوّض دور السوق التقليدية، ولذا يوصف الاقتصاد الدولي المعاصر.

لقد أصبحت الشركات متعدية الجنسية مصانع عالمية تبحث عن الفرص في أي مكان في العالم، وهناك عديد من تلك الشركات لديها مبيعات سنوية تزيد على الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية في الأماكن التي تعمل فيها ، فمثلاً أن اكبر شركة عام 1994 هي (جنرال موتورز)، لديها إيراد مبيعات يزيد عن الناتج المحلي الإجمالي التركي والدنماركي. كما أن الشركات المتعدية الجنسية ايراداتها تزيد عن الناتج المحلي الإجمالي لجميع الدول النامية عدا سبعة دول (الصين، البرازيل، الهند، كوريا الجنوبية، المكسيك، الأرجنتين، اندونيسيا)، ومن الأمثلة على الاسماء الكبيرة لتلك الشركات( فورد ، تويوتا ، إكسون، رویال داتش ،شيل، سوني، جنرال الكتريك ، IBM، يونيون كاريبد ، سابك للبترو كيمياويات السعودية ، ... الخ) ⁽¹⁷⁾.

وتمتاز هذه الشركات بالسمات الآتية :-

(أ) ضخامة الحجم : ومن المؤشرات التي تتدلل على ضخامة الحجم هو حجم رأسمالها واستثماراتها ومبيعاتها وكذلك أعداد الموظفين فيها من الأجانب ولكن يعد رقم المبيعات (Sales figure) من أهم المؤشرات الدالة على ضخامة الحجم فمثلاً كان إجمالي مبيعات الشركات في عام 1995 من خلال الفروع الخارجية يتجاوز 7 تريليون دولار، وهو أكبر من إجمالي الصادرات العالمية لنفس العام، ويتساوى مع الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية لنفس العام أيضاً.

(ب) الانتشار الجغرافي : أي كبر مساحة السوق الذي تغطيه نشاطاتها خارج حدودها ومن خلال فروعها المنتشرة عبر جغرافيا العالم والتي بلغت أكثر من 1398 فرع تابع لشركة (جنرال الكتريك) فقط العاملة في مجال المعدات الالكترونية والكهربائية.

(ج) تنوع الأنشطة : حيث تتميز بتنوع الأعمال التي تؤديها وبأكثر من مجال تهدف من وراء ذلك تقليل المخاطرة.

(د) إقامة التحالفات : اي الاندماج مع الشركات الأخرى تتشابه معها أو غير متماثلة بهدف المنافسة والسيطرة على السوق.

(هـ) المزايا الاحتكارية : ان هيكل السوق الذي تعمل فيه يأخذ شكل احتكار القلة، فهي تحتكر التكنولوجيا الحديثة لصالحها والمهارات الفنية والتسويقية والإدارية .

(و) تعبئة الكفاءات : بمعنى أنها لم تفضل مواطني دولة معينة فهي تعمل على وفق معيار الكفاءة دون غيرها، وتنفق الكثير على البحث والتطوير.

ان علاقتها بالتمويل الدولي تأتي كونها القناة الأساسية التي ينقل عبرها الاستثمار الأجنبي المباشر وهو أحد أشكال التمويل الدولي، فهي تنتقل أكثر من ثلثي الـ FDI العالمي وبأساليب متنوعة سواء من خلال تمويل إنشاء مشروع جديد او من خلال البدء بعمليات جديدة على الموقع المشغول، او من خلال عمليات الدمج والحيازة هذا أولاً، اما الثاني فهي تقوم بعملية تمويل نشاطها من خلال الاقتراض من الأسواق المالية او من أرباحها المحتجزة او الاقتراض من الشركات الأخرى مره ثانية، أما ثالثاً فهي تؤثر على النظام المالي العالمي ومن خلال امتلاكها لاحتياطات دولية كبيرة وكذلك لأصولها السائلة ذات الحجم الضخم، إضافة إلى ارتفاع قيمة أسهم تلك الشركات المتداولة في السوق المالية ، وبذلك فهي ساهمت بتطوير ظاهرة التمويل الدولي .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(*) مؤشر تعدي الجنسية بحسب كمتوسط لثلاث مؤشرات هي الأصول الخارجية الى اجمالي الأصول. إجمالي المبيعات الخارجية / اجمالي المبيعات العمالة الخارجية/ العمالة الكلية.

17ـ رائد عبد الخالق العبيدي وآخرون، التمويل الدولي، دار الايام للنشر والتوزيع، عمان، 2013 .