المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



مواقف الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) في عهد المنصور  
  
2010   03:46 مساءً   التاريخ: 8-1-2023
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 9، ص75-90
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام موسى بن جعفر الكاظم / قضايا عامة /

إنّ حركة الإمام موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) ونشاطه إزاء هذه الظروف التي تحدثنا عنها لم يسعفنا التاريخ بتفاصيلها ولم يحدّد لنا بالأرقام بشكل واضح حركة الإمام فيها ، إلّا أنّ بعض الروايات التاريخية تشير إلى أن الإمام ( عليه السّلام ) قد مارس أمورا في سنوات حكم المنصور العشرة بعد استشهاد الإمام الصادق ( عليه السّلام ) .

وقد انتقينا بعض ممارسات الإمام ( عليه السّلام ) التي لا تتعارض مع هذه الفترة وتنسجم مع ظروفها . ثم حاولنا بعد ذلك التركيز على الخط الذي سلكه الإمام بشكل عام تاركين التعرض للتفاصيل .

كما أنّ الخط العام والنهج الذي اتّخذه الإمام في هذه الفترة يتضمّن ما كان يهدف إليه من أسلوب علاجي لبعض الظواهر الانحرافية ، كما يتضمّن ما كان يريد أن يؤسّس فيه لثوابت مستقبلية . من هنا يقع الكلام في هذا البحث ضمن عدّة اتجاهات :

الاتّجاه الأوّل : الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) وإحكام المواقع

ونتناول في هذا الاتجاه دور الإمام ( عليه السّلام ) في إبرازه للقدرات الغيبية التي تميّز الإمام عن غيره من الأدعياء وزعماء الفرق والطوائف الضالّة في زمانه ، وبهذا قد لفت أنظار الأمة وأعطاها حسّا تقارن وتحاكم به هذه التيّارات وتفرز بين الحق والباطل بما امتلكته من مقاييس مستلهمة من مشاهد مثيرة حسية كان قد حققها الإمام ( عليه السّلام ) .

وهذا ينبئ عن محاولات إسقاط الحيرة الفكرية السائدة في هذه الفترة .

والنشاطات التي قام بها الإمام ( عليه السّلام ) في هذا الاتجاه هي كما يلي :

النشاط الأول : إخبار الإمام موسى ( عليه السّلام ) لعامة الناس ببعض الغيبيات التي لا يمكن للانسان العادي أن يتوصّل إليها ، والروايات التي تتضمّن هذا النوع من الإخبار كثيرة جدا ننقل بعضا منها :

المثال الأول : عن إسحاق بن عمار قال : « سمعت العبد الصالح ( عليه السّلام ) ينعى إلى رجل من شيعته نفسه ، فقلت في نفسي : وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ! فالتفت اليّ شبه المغضب فقال : يا إسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولى بعلم ذلك ، ثم قال : يا إسحاق اصنع ما أنت صانع فإنّ عمرك قد فنى وقد بقي منه دون سنتين . . . فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلّا يسيرا حتى مات »[1].

المثال الثاني : قال خالد بن نجيح : قلت لموسى ( عليه السّلام ) إنّ أصحابنا قدموا من الكوفة وذكروا أن المفضّل شديد الوجع ، فادع اللّه له . فقال ( عليه السّلام ) : « قد استراح » ، وكان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيّام[2].

المثال الثالث : قال ابن نافع التفليسي : خلّفت والدي مع الحرم في الموسم وقصدت موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) فلما أن قربت منه هممت بالسلام عليه فأقبل عليّ بوجهه وقال : « برّ حجك يا ابن نافع ، آجرك اللّه في أبيك فإنّه قد قبضه إليه في هذه الساعة ، فارجع فخذ في جهازه ، فبقيت متحيرا عند قوله ، وقد كنت خلّفته وما به علّة ، فقال : يا ابن نافع أفلا تؤمن ؟ فرجعت فإذا أنا بالجواري يلطمن خدودهنّ فقلت : ما ورا كنّ ؟ قلن : أبوك فارق الدنيا ، قال ابن نافع : فجئت إليه أسأله عمّا أخفاه ورائي فقال لي : أبدا ما أخفاه وراءك ، ثم قال : يا ابن نافع ان كان في أمنيتك كذا وكذا أن تسأل عنه فأنا جنب اللّه وكلمته الباقية وحجته البالغة »[3].

النشاط الثاني : ومن قدرات الإمام ( عليه السّلام ) الخارقة للعادة والتي تميّزه أيضا عن غيره هي تكلّمه بعدّة لغات من غير أن يتعلّمها بالطرق الطبيعية للتعلّم ، وإنّما بالالهام . وفي هذا المجال تطالعنا مجموعة من الشواهد :

الشاهد الأول : عن أبي بصير قال : دخلت على أبي الحسن الماضي ( عليه السّلام ) ، ما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلّم الخراساني بالعربية ، فأجابه هو بالفارسية .

فقال له الخراساني : أصلحك اللّه ما منعني أن اكلّمك بكلامي إلّا أني ظننت أنك لا تحسن فقال : « سبحان اللّه ! إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك ؟ ! »

ثم قال : « يا أبا محمد إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه روح . بهذا يعرف الامام ، فإذا لم تكن فيه هذه الخصال فليس هو بإمام »[4].

الشاهد الثاني : روي عن أبي حمزة أنه قال : كنت عند أبي الحسن موسى ( عليه السّلام ) إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبشة اشتروا له ، فتكلم غلام منهم - وكان جميلا - بكلام فأجابه موسى ( عليه السّلام ) بلغته فتعجّب الغلام وتعجّبوا جميعا وظنوا أنه لا يفهم كلامهم .

فقال له موسى ( عليه السّلام ) : « اني أدفع إليك مالا ، فادفع إلى كل ( واحد ) منهم ثلاثين درهما » .

فخرجوا وبعضهم يقول لبعض : « إنّه أفصح منا بلغتنا ، وهذه نعمة من اللّه علينا .

قال علي بن أبي حمزة : فلما خرجوا قلت : يا ابن رسول اللّه ! رأيتك تكلم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم ! قال : نعم . وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم ؟

قال : نعم أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا وأن يعطي كل واحد منهم في كل شهر ثلاثين درهما ، لأنّه لمّا تكلم كان أعلمهم ، فإنه من أبناء ملوكهم ، فجعلته عليهم ، وأوصيته بما يحتاجون إليه ، وهو مع هذا غلام صدق .

ثم قال : لعلك عجبت من كلامي ايّاهم الحبشية ؟ قلت : اي واللّه .

قال ( عليه السّلام ) : لا تعجب فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب »[5].

الشاهد الثالث : قال بدر - مولى الإمام الرضا ( عليه السّلام ) - : « إنّ إسحاق بن عمار دخل على موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) فجلس عنده إذ استأذن عليه رجل خراساني يكلّمه بكلام لم يسمع مثله قطّ كأنه كلام الطير .

قال إسحاق : فأجابه موسى ( عليه السّلام ) بمثله وبلغته إلى أن قضى وطره في مساءلته ، فخرج من عنده ، فقلت : ما سمعت بمثل هذا الكلام .

قال : هذا كلام قوم من أهل الصين وليس كل كلام أهل الصين مثله .

ثم قال : أتعجب من كلامي بلغته ؟ قلت : هو موضع التعجب .

قال ( عليه السّلام ) : أخبرك بما هو أعجب منه انّ الإمام يعلم منطق الطير ، ومنطق كلّ ذي روح ، وما يخفى على الإمام شيء »[6].

الاتّجاه الثاني : الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) ومعالجة الانهيار الأخلاقي

لقد أصاب القيم الإسلامية - بفعل الأسباب التي ذكرناها - اهتزاز كبير وتعرّضت الأمة إلى هبوط معنوي وتميّع مشهود ، تغذّيه وتحركه أيد سلطانية هادفة ، هنا سلك الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) سبيلين من أجل أن يحدّ من هذا الانهيار الذي تعرّضت له الأمة .

الأول عام . والثاني يختص بالجماعة الصالحة .

وقد اتّخذ الإمام ( عليه السّلام ) أساليب عديدة للموعظة والإرشاد ومعالجة الانهيار الأخلاقي الذي أخذ ينتشر ويستحكم في أعظم الحواضر الإسلامية التي كان الإمام ( عليه السّلام ) يتواجد فيها .

واستطاع الإمام ( عليه السّلام ) من خلال توجيهه لمجموعة من طلّاب الحقيقة وتأثيره عليهم أن يربّي في المجتمع الإسلامي نماذج حيّة تكون قدوة للناس في كبح جماح الشهوات الهائجة وإطفاء نيران الهوى المشتعلة بسبب المغريات المتنوّعة والتي كان يؤججها انسياب الحكّام في وادي الهوى نتيجة للثروات التي كانوا يحرصون على جمعها ويقتّرون في إنفاقها إلّا على شهواتهم إلى جانب اقتدارهم السياسي والعسكري .

وممّن تأثّر بالإمام الكاظم ( عليه السّلام ) ولمع اسمه في حواضر المجتمع الإسلامي ؛ أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن المروزي الأصل البغدادي المسكن والذي أصبح من العرفاء الزهّاد بعد أن كان من أهل المعازف والملاهي ، حيث تاب على يدي الإمام الكاظم ( عليه السّلام )[7].

وقد ذكر المؤرخون في سبب توبته أن الإمام ( عليه السّلام ) حين اجتاز على داره ببغداد سمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تعلو من داره ، وخرجت منها جارية وبيدها قمامة فرمت بها في الطريق ، فالتفت الإمام إليها قائلا : « يا جارية :

صاحب هذه الدار حر أم عبد ؟

فأجابت : ( حر ) .

فقال ( عليه السّلام ) : صدقت ، لو كان عبدا لخاف من مولاه .

ودخلت الجارية الدار ، وكان بشر على مائدة السكر ، فقال لها : ما أبطأك ؟

فنقلت له ما دار بينها وبين الإمام ( عليه السّلام ) فخرج بشر مسرعا حتى لحق الإمام ( عليه السّلام ) فتاب على يده ، واعتذر منه وبكى[8] وبعد ذلك أخذ في تهذيب نفسه واتصل باللّه عن معرفة وإيمان حتى فاق أهل عصره في الورع والزهد » .

وقال فيه إبراهيم الحربي : ما أخرجت بغداد أتمّ عقلا ، ولا أحفظ لسانا ، من بشر بن الحارث كان في كل شعرة منه عقل[9].

نعم لقد أعرض بشر ببركة توجيه الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) له وتنبيهه عن غفلته حتى أعرض عن زينة الحياة الدنيا ورضي بالقناعة وقال فيها : لو لم يكن في القناعة شيء إلّا التمتع بعزّ الغناء ( الغنى ) لكان ذلك يجزي .

وقال : « مروءة القناعة أشرف من مروءة البذل والعطاء »[10] « 1 » .

وممّا رواه الخطيب البغدادي عنه أنه جعل يبكي يوما ويضطرب ويقول : « اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا ونوّهت باسمي ورفعتني فوق قدري على أن تفضحني في القيامة ، الآن فعجّل عقوبتي وخذ منّي بقدر ما يقوى عليه بدني »[11] « 2 » .

وروى عن حجّاج بن الشاعر انّه كان يقول لسليمان اللؤلؤي : رؤي بشر ابن الحارث في النوم فقيل له : ما فعل اللّه بك يا أبا نصر ؟ قال : غفر لي ، وقال :

يا بشر : ما عبدتني على قدر ما نوّهت باسمك[12] « 3 » .

وإذا تتبّعنا ما أثر عن الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) من كلمات وجدنا نصوصا تشير إلى اهتمامه بمعالجة الفساد الأخلاقي بشتّى نواحيه ، فضلا عن سيرته العطرة وسلوكه السويّ الذي كان قبلة للعارفين وأسوة للمتقين وشمسا مضيئة للمؤمنين وقمرا متلألئا للمسلمين .

ونختار ممّا قاله الإمام ( عليه السّلام ) بصدد معالجة الانهيار الأخلاقي ما يلي :

1 - « إنّ العاقل : الذي لا يشغل الحلال شكره ولا يغلب الحرام صبره » .

2 - « من سلّط ثلاثا على ثلاث فكأنّما أعان هواه على هدم عقله » .

« من أظلم نور فكره بطول أمله ، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنّما أعان هواه على هدم عقله ، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه » .

3 - « رحم اللّه من استحيا من اللّه حقّ الحيا ، فحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وذكر الموت والبلى وعلم أن الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات » .

4 - « من رضي من اللّه بالدنيا فقد رضي بالخسيس » .

5 - « من لم يعمل بالخطيئة أروح هما ممّن عمل الخطيئة ، وإن أخلص التوبة وأناب » .

6 - « إنّ صغار الذنوب ومحقراتها من مكائد إبليس يحقّرها لكم ويصغّرها في أعينكم فتجتمع وتكثر وتحيط بكم » .

7 - « إنّ اللّه حرّم الجنة على كلّ فاحش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه »[13].

وللإمام الكاظم ( عليه السّلام ) معالجة شاملة وأساسية ذات أسس قرآنية وتأريخية عريقة سوف تجدها بالتفصيل في وصيّته القيّمة لهشام في فصل تراثه ( عليه السّلام ) .

الاتّجاه الثالث : الإمام الكاظم والتحدّيات الداخلية

وهنا ندرس بعض مواقف الإمام موسى الكاظم ( عليه السّلام ) من جملة من التحدّيات الداخلية التي كان لها تأثير سلبي مباشر على المذهب ، ومنها تحدّيات السلطة لمرجعية الإمام العلمية .

الموقف الأول : إنّ موقف الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) من أخيه عبد اللّه ( الأفطح ) لم يكن موقفا عدائيا سافرا رغم أنه ادّعى الإمامة لنفسه[14] بعد أبيه . وهذا الادعاء الخطير يؤثر على الوجود الشيعي ومستقبله ، فلم يكرّس ( عليه السّلام ) كامل جهده وطاقاته لحلّ هذه المشكلة ، ولم يسلك مسارا يضغط به من الخارج على الخصم ، ولم يفرض على الصف الشيعي أن ينقسم إلى فريقين إلى أنصار وخصوم .

كما أنه ( عليه السّلام ) لم يدخل الحرب النفسية ولا الكلامية وانما عالج هذا الشرخ الجديد بأسلوب هادئ ، وكفيل بعلاج هذه الأزمة .

ويتضح ذلك مما يلي :

أوّلا : ترك للشيعة وعلمائها الحرية في أن تكتشف بنفسها كفاءة هذا المدّعي وعلميّته أو تكتشف غيرها من الطاقات فيما إذا كان يمتلكها ، عن طريق الفحص المباشر ، أو المقارنة بينه وبين الإمام موسى ( عليه السّلام ) كما حدث مع مؤمن الطاق وهشام بن سالم الذين تقدم ذكرهما .

ثانيا : أبقى الإمام ( عليه السّلام ) علاقته مع أخيه ودّية ولم يجعل من المشكلة سببا للمقاطعة بدليل أنه دعاه للحضور في منزله كما تذكره الرواية التي سنذكرها بعد قليل .

ثالثا : استخدم الإمام ( عليه السّلام ) أسلوب المعجزة التي تميّزه عن عبد اللّه باعتباره ( عليه السّلام ) اماما مفترض الطاعة فقام ( عليه السّلام ) باثبات ذلك أمام جمع من خواصّ الشيعة .

فقد قال المفضّل بن عمر : لمّا قضى الصادق ( عليه السّلام ) كانت وصيّته في الإمامة إلى موسى فادّعى أخوه عبد اللّه الإمامة وكان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك هو المعروف بالأفطح فأمر موسى ( عليه السّلام ) بجمع حطب كثير في وسط داره فأرسل إلى أخيه عبد اللّه يسأله أن يصير إليه فلمّا صار عنده ومع موسى ( عليه السّلام ) جماعة من وجوه الإمامية وجلس إليه أخوه عبد اللّه ، أمر موسى ( عليه السّلام ) أن يجعل النار في ذلك الحطب كله فأحترق كله ولا يعلم الناس السبب فيه ، حتى صار الحطب كله جمرا ثم قام موسى ( عليه السّلام ) بثيابه في وسط النار وأقبل يحدّث الناس ساعة ، ثم قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس ، فقال لأخيه عبد اللّه : « ان كنت تزعم انك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس » ، فقالوا : رأينا عبد اللّه قد تغير لونه ، فقام يجرّ رداءه حتى خرج من دار موسى ( عليه السّلام )[15].

والجدير بالذكر أن الطائفة التي اتبعته قد رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة أخيه « موسى الكاظم » لمّا تبيّنوا ضعف دعواه وقوّة رأي أبي الحسن « موسى الكاظم » ودلالة حقه ، وبراهين إمامته[16].

الموقف الثاني : موقف الإمام موسى ( عليه السّلام ) من العناصر التي تصدّت للمرجعية العلمية والدينية ، وأصبحت فيما بعد مرجعا عاما يدعم من قبل السلطان ويحظى برعايته ، ليجعل منهم أدوات طيّعة تبرّر له سلوكه وخلافته .

وانطلاقا من ضرورة الحفاظ على الصيغ الأصيلة ، ومخافة أن تتعرض الشريعة للتحريف بسبب الاتّجاهات والمناهج التي وجدت في مدرسة الخلفاء .

تصدّى الإمام موسى الكاظم ( عليه السّلام ) لتلك المناهج والاتّجاهات وحاول أن يسلبها الصيغة الشرعية الزائفة التي كان يتمتع بها أصحابها حينما جعلوا في مواقع الفتيا في الدولة .

قال يونس بن عبد الرحمن : قلت : لأبي الحسن الأول ( وهو الإمام الكاظم ) : بم أوحد اللّه ؟

فقال ( عليه السّلام ) : « يا يونس لا تكونن مبتدعا ، من نظر برأيه هلك ، ومن ترك أهل بيت نبيّه ضلّ ، ومن ترك كتاب اللّه وقول نبيّه كفر »[17].

وقال الإمام الكاظم في موضع آخر : « ما لكم والقياس ؟ ! إنمّا هلك من هلك من قبلكم بالقياس »[18].

ولم يقتصر الإمام ( عليه السّلام ) على إدانة هذا الاتّجاه فحسب وانما حاول أن يعرّف مواقع الخطأ والانحراف بشكل تفصيلي .

فعن محمد الرافعي أنه قال : كان لي ابن عم يقال له ( الحسن بن عبد اللّه ) وكان زاهدا وكان من أعبد أهل زمانه ، وكان يلقاه السلطان ، وربّما استقبله بالكلام الصعب يعظه ويأمر بالمعروف ، وكان السلطان يحتمل له ذلك لصلاحه .

فلم يزل على هذه الحالة ، حتى كان يوما دخل أبو الحسن موسى ( عليه السّلام ) المسجد فرآه فأدناه إليه ، ثم قال له : « يا أبا علي ، ما أحبّ اليّ ما أنت فيه وأسرّني بك ، إلّا انه ليست لك معرفة ، فاذهب فاطلب المعرفة .

قال : جعلت فداك وما المعرفة ؟

قال : اذهب وتفقّه واطلب الحديث .

قال : عمن ؟

قال : عن مالك بن أنس وعن فقهاء أهل المدينة ، ثم اعرض الحديث عليّ .

قال : فذهب فتكلّم معهم ، ثم جاءه فقرأه عليه فأسقطه كلّه »[19].

الاتّجاه الرابع : الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) وتركيز القيادة الشرعية السياسيّة

ركّز الإمام موسى الكاظم ( عليه السّلام ) على مسألة القيادة والولاية الشرعية المتمثّلة بالإمام المعصوم والموقف من القيادة السياسية المنحرفة ، وتعريف الخواص بالإمامة والقيادة الحقة عبر أساليب تربويّة .

وفي هذا الاتجاه قام الإمام ( عليه السّلام ) تعميقا لهذا المعنى - بعدة نشاطات :

النشاط الأوّل : في المجال الفكري

فقد عمق الإمام ( عليه السّلام ) الأسس والثوابت العقائدية والفكرية التي اسّس لها الأئمة ( عليهم السّلام ) من قبله ، والتي تشكّل تحصينات وقائية تطرد بدورها الفكر المضاد والدخيل الذي تعتمده الخلافة العباسية في نظرية الحكم والتي تحاول به الخلط بين ما هو أصيل ودخيل بهدف تضليل الأمة بعد ما رفعت شعار الدعوة إلى الرضيّ من آل محمّد .

لذا أعطى الإمام ( عليه السّلام ) مقياسا واضحا تميّز به الامّة وتطبقه على كل من يدّعي القيادة والخلافة الشرعية .

فعن أبي بصير عن أبي الحسن الماضي ( عليه السّلام ) قال : دخلت عليه فقلت له :

جعلت فداك بم يعرف الإمام ؟ فقال : « بخصال : أمّا أوّلهن فشئ تقدم من أبيه فيه ، وعرّفه الناس ، ونصّبه لهم علما ، حتى يكون حجّة عليهم ، لأن رسول اللّه نصّب عليا ( عليه السّلام ) علما وعرّفه الناس ، وكذلك الأئمة يعرّفونهم الناس وينصبونهم لهم حتى يعرفوه ، ويسأل فيجيب ، ويسكت عنه فيبتدي ، ويخبر الناس بما في غد ، ويكلّم الناس بكلّ لسان »[20].

وجاء عن أبي خالد الزبّالي أنه قال : « نزل أبو الحسن ( عليه السّلام ) ( موسى الكاظم ) منزلنا في يوم شديد البرد في سنة مجدبة ، ونحن لا نقدر على عود نستوقد به فقال : يا أبا خالد ائتنا بحطب نستوقد به .

قلت : واللّه ما أعرف في هذا الموضع عودا واحدا .

فقال : كلّا يا أبا خالد ! ترى هذا الفجّ ؟ خذ فيه فإنك تلقى أعرابيا معه حملان حطبا فاشترهما منه ولا تماسكه .

قال : فركبت حماري وانطلقت نحو الفجّ الذي وصف لي فإذا اعرابي معه حملان حطبا فاشتريتهما منه وأتيته بهما ، فاستوقدوا منه يومهم ذلك .

وأتيته بطرف ما عندنا فطعم منه .

ثم قال : يا أبا خالد ! انظر خفاف الغلمان ونعالهم فأصلحها حتى نقدم عليك في شهر كذا وكذا .

قال أبو خالد : فكتبت تاريخ ذلك اليوم فركبت حماري في اليوم الموعود حتى جئت إلى لزق ميل[21] ونزلت فيه فإذا أنا براكب مقبل نحو القطار فقصدت إليه فإذا يهتف بي ويقول : يا أبا خالد !

قلت : لبيك جعلت فداك .

قال : أتراك وفيناك بما وعدناك ؟ ثم قال : يا أبا خالد ! ما فعلت بالقبتين اللتين كنا نزلنا فيهما ؟

فقلت : جعلت فداك قد هيأتهما لك . وانطلقت معه حتى نزل في القبتين اللتين كان نزل فيهما .

ثم قال : ما حال خفاف الغلمان ونعالهم ؟ قلت : قد أصلحناها فأتيته بهما .

فقال ( عليه السّلام ) : يا أبا خالد سلني حاجتك ؟

فقلت : جعلت فداك أخبرك بما كنت فيه . كنت زيدي المذهب حتى قدمت عليّ وسألتني الحطب ، وذكرت مجيئك في يوم كذا ، فعلمت أنك الإمام الذي فرض اللّه طاعته .

فقال ( عليه السّلام ) : يا أبا خالد من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام »[22].

النشاط الثاني : في المجال العملي

كان الإمام ( عليه السّلام ) يحاسب شيعته واتباعه المتعاطفين مع الحكّام والولاة ولا يسمح لهم بالانخراط في دائرة الظالمين وأعوان الظالمين إلّا في موارد خاصة كان هو الذي يأمر بها ويشرف على سيرها وتصرّفاتها .

قال زياد بن أبي سلمة دخلت على أبي الحسن موسى ( عليه السّلام ) فقال لي :

يا زياد ، انك لتعمل عمل السلطان ؟

قال : قلت أجل : قال لي : ولم ؟ !

قلت : أنا رجل لي مروّة وعليّ عيال وليس وراء ظهري شيء .

فقال لي : يا زياد لان أسقط من على حالق ( المكان الشاهق ) فأقطّع قطعة قطعة ، أحب اليّ من أن أتولّى لاحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم ، إلّا ، لماذا ؟

قلت : لا أدري جعلت فداك .

قال : إلّا لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه .

يا زياد ! إنّ أهون ما يصنع اللّه بمن تولّى لهم عملا أن يضرب عليه سرادقا من نار إلى أن يفرغ من حساب الخلائق .

يا زياد ! فان وليت شيئا من أعمالهم ، فأحسن إلى اخوانك ، فواحدة بواحدة واللّه من وراء ذلك .

يا زياد ! أيّما رجل منكم تولى لاحد منهم عملا ، ثم ساوى بينكم وبينهم ، فقولوا له :

أنت منتحل كذاب .

يا زياد ! إذا ذكرت مقدرتك على الناس فاذكر مقدرة اللّه عليك غدا ونفاذ ما أتيت إليهم عنهم ، وبقاء ما أتيت إليهم عليك »[23].

ويأتي إخبار الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) بأمور مستقبليّة - مثل إخباره بموت المنصور قبل تحقّقه وهو في أوج قدرته - دليلا عمليّا وحسيّا آخر على مبدأ إمامته ، فضلا عن ما يفرزه هذا الإخبار بالمستقبل من آمال بانفراج الأزمة التي كانت تتمثّل في عتوّ المنصور وجبروته .

الإمام موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) يخبر بموت المنصور

وأراد أبو جعفر المنصور الذهاب إلى مكة - وذلك قبيل وفاته - فأخبر الإمام ( عليه السّلام ) بعض خواص الشيعة بموته قبل أن يصل إليها . وفعلا مات قبل الوصول إليها كما أخبر به الإمام ( عليه السّلام ) .

قال علي بن أبي حمزة : سمعت أبا الحسن موسى ( عليه السّلام ) يقول : « لا واللّه لا يرى أبو جعفر بيت اللّه أبدا .

فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا ، فلم نلبث ان خرج فلمّا بلغ الكوفة قال لي أصحابنا في ذلك فقلت : لا واللّه لا يرى بيت اللّه أبدا .

فلما صار إلى البستان اجتمعوا أيضا اليّ فقالوا : بقي بعد هذا شيء ؟

قلت : لا واللّه لا يرى بيت اللّه أبدا .

فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن ( عليه السّلام ) فوجدته في المحراب قد سجد فأطال السجود ثم رفع رأسه اليّ فقال : اخرج فانظر ما يقول الناس .

فخرجت فسمعت الواعية على أبي جعفر فأخبرته . قال : اللّه أكبر ما كان ليرى بيت اللّه أبدا »[24].

وهكذا انتهت حياة المنصور العبّاسي واستولى على الحكم من بعده ابنه المهدي وذلك في سنة ( 158 ه ) ، وبذلك بدأ عهد سياسي جديد له ملامحه وخصائصه . وسوف نرى مواقف الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) الرساليّة في هذا العهد الجديد .

 

[1] أصول الكافي : 1 / 484 ، ح 7 ، وفي الخرائج والجرائح : 1 / 310 ، ح 3 : إسحاق بن منصور ، وفي اثبات الهداة : 5 / 541 ، ح 78 : إسماعيل بن منصور عن أبيه . وفي بحار الأنوار : 48 / 68 ، ح 90 - 91 عن الكافي والخرائج .

[2] بصائر الدرجات : 264 ح 10 ، واخبار معرفة الرجال : 329 ح 597 ، والخرائج والجرائح : 2 / 715 ح 13 ، وعنه في بحار الأنوار : 48 / 72 .

[3] مناقب آل أبي طالب : 4 / 311 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 72 .

[4] قرب الإسناد : 265 ، ح 1263 وعنه في بحار الأنوار : 25 / 133 ، ح 5 ، واثبات الهداة : 5 / 535 ح 72 .

[5] قرب الإسناد : 262 ، ح 1257 وعنه في بحار الأنوار : 26 / 190 و 48 / 100 ، ودلائل الإمامة : 169 ، والخرائج والجرائح : 1 / 312 ، ح 5 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 70 .

[6] دلائل الإمامة : 171 وعنه في مدينة المعاجز : 438 ح 38 ، والخرائج والجرائح : 1 / 313 ، ح 6 وعنه في كشف الغمة : 2 / 247 وبحار الأنوار : 48 / 70 ، ح 94 .

[7] الكنى والألقاب : 2 / 67 .

[8] الكنى والألقاب : 2 / 167 .

[9] تأريخ بغداد : 7 / 73 .

[10] تاريخ بغداد : 7 / 79 .

[11] تاريخ بغداد : 7 / 81 .

[12] تاريخ بغداد : 7 / 83 .

[13] تجد هذه النماذج وغيرها في فصل تراثه ( عليه السّلام ) .

[14] بصائر الدرجات : 251 ، ح 4 ، وأصول الكافي : 1 / 351 ، ح 7 ، واختيار معرفة الرجال : 282 ح 502 ، والارشاد : 2 / 221 .

[15] الخرائج والجرائح : 1 / 308 ، ح 2 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 67 و 47 / 251 .

[16] الارشاد : 2 / 210 - 211 .

[17] أصول الكافي : 1 / 56 - 58 .

[18] أصول الكافي : 1 / 57 ، ح 16 وعنه في وسائل الشيعة : 27 / 42 ح 15 .

[19] بصائر الدرجات : 254 ، وط : 2 / 274 ، ح 6 ، وأصول الكافي : 1 / 352 ، ح 8 باسم محمد الواقفي ، والارشاد : 2 / 223 باسم الرافعي وعنه في إعلام الورى : 2 / 18 ، 19 ، وكشف الغمة : 3 / 13 ، 14 ، والخرائج والجرائح : 2 / 650 ح 2 ، وفي بحار الأنوار : 48 / 52 ، ح 48 عن البصائر والارشاد والاعلام والخرائج

[20] قرب الإسناد : 265 ح 1263 ، وأصول الكافي : 1 / 285 ح 7 ، والإرشاد : 2 / 224 ، ودلائل الإمامة : 169 وعن الإرشاد في إعلام الورى : 2 / 22 ، وفي بحار الأنوار : 48 / 47 ح 33 عن قرب الإسناد والإرشاد والاعلام والخرائج .

[21] اللزق بالكسر : اللصق يقال « هو بلزقي » أي بجنبي .

[22] مناقب آل أبي طالب : 4 / 319 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 77 .

[23] الكافي : 5 / 109 - 110 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 172 .

[24] قرب الإسناد : 264 ح 1259 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 45 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.