النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
إصرار هارون على قتل الإمام الكاظم "ع"
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الكاظم "ع" سيد بغداد
الجزء والصفحة:
ص233-246
2025-08-08
36
حبسه في البصرة سنة ثم نقله إلى بغداد
حبسه في البصرة عند واليها عيسى بن أبي جعفر بن المنصور سنة « ثم كتب إلى الرشيد أن خذه مني وسلمه إلى من شئت وإلا خَلَّيْتُ سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة ، فما أقدر على ذلك حتى أني لأتسَمَّعُ عليه إذا دعا لعله يدعو عليَّ أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة . فوجه من تسلمه منه » . ( غيبة الطوسي / 23 ) .
وفي روضة الواعظين / 219 : « وكتب الرشيد في دمه ، فاستدعى عيسى بن جعفر المنصور بعض خاصته وثقاته ، فاستشارهم فيما كتب به الرشيد ، فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والإستعفاء منه . وكتب عيسى بن جعفر إلى الرشيد يقول له : قد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي ، وقد اختبرت حاله ووضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه ، فما دعا عليك ولا عليَّ وما ذكرنا بسوء ، وما يدعو لنفسه إلا بالمغفرة والرحمة ، وإن أنفذت إلى من يتسلمه مني وإلا خليت سبيله فإنني متحرجٌ من حبسه » !
« فحبسه عنده سنة ثم كتب إليه الرشيد في دمه فاستعفى عيسى منه ، فوجه الرشيد من تسلمه منه ، وصيره إلى بغداد وسُلِّمَ إلى الفضل بن الربيع ، وبقي عنده مدة طويلة ، ثم أراده الرشيد على شئ من أمره فأبى ! فأمر بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فجعله في بعض دوره ووضع عليه الرصد ، فكان ( عليه السلام ) مشغولاً بالعبادة يُحيي الليل كله صلاة وقراءةً للقرآن ، ويصوم النهار في أكثر الأيام ولا يصرف وجهه عن المحراب ، فوسع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه ، فبلغ ذلك الرشيد وهو بالرقة فكتب إليه يأمره بقتله فتوقف عن ذلك ! فاغتاظ الرشيد لذلك وتغير عليه » . ( إعلام الورى : 2 / 33 ، ومقاتل الطالبيين / 334 ) .
« وكان تولى حبسه عيسى بن جعفر ، ثم الفضل بن الربيع ، ثم الفضل بن يحيى البرمكي ، ثم السندي بن شاهك ، وسقاه سماً في رطب أو طعام آخر ، ولبث ثلاثاً بعده موعوكاً ، ثم مات في اليوم الثالث ، وكانت وفاته في مسجد هارون الرشيد وهو المعروف بمسجد المسيب ، وهو في الجانب الغربي من باب الكوفة ، لأنه نقل إليه من دار تعرف بدار عمرويه » . ( مناقب آل أبي طالب : 3 / 438 ) .
لماذا لم يعاقب هارون عيسى بن جعفر والفضل بن الربيع ؟
فقد رفض عيسى والي البصرة قتل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لأنه « تحرج من حبسه » ! وطلب من هارون نقله من عنده وإلا أطلقه ! فقبل هارون ولم يغضب عليه !
وكذلك فعل حاجبه الفضل بن الربيع ، فنقله هارون من عنده ولم يغضب عليه !
بينما غضب على رئيس وزرائه يحيى بن خالد ، لأنه وسع على الإمام ( عليه السلام ) في حبسه ، ثم رفض أن يقتله !
والسبب أن والي البصرة عيسى بن جعفر بن المنصور ، أخ زبيدة زوجة هارون ( النهاية : 10 / 228 ) وخال ولده الأمين ووالد زوجته العباسة ( الوافي : 16 / 383 ) .
وكان من كبار شخصيات العباسيين ، وكان لفترة والي مكة وأمير الحج ( تاريخ بغداد : 11 / 158 ) . وكان عزيزاً عند هارون حتى أنه لما سمن وكثر لحمه ، أرسل له هارون طبيبه وعالجه حتى نقص وزنه ! ( طبقات الأطباء / 217 ) .
ومن تناقض عيسى بن جعفر ، أنه كان يتأثم من قتل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، لكنه كان يحث هارون على قتل ابنه الإمام الرضا ( عليه السلام ) لأنه ادعى الإمامة بعده !
فقد روى الصدوق في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 246 ، أن عيسى بن جعفر قال لهارون : « حيث توجه من الرقة إلى مكة : أذكر يمينك التي حلفت بها في آل أبي طالب ، فإنك حلفت إن ادعى أحد بعد موسى الإمامة ضربت عنقه صبراً وهذا علي ابنه يدعي هذا الأمر ، ويقال فيه ما يقال في أبيه ! فنظر إليه مغضباً فقال : وما ترى ، تريد أن أقتلهم كلهم ! قال موسى بن مهران : فلما سمعت ذلك صرت إليه ( الإمام الرضا ( عليه السلام ) ) فأخبرته فقال : ما لي ولهم لا يقدرون إلي على شئ » !
أما وزيره الآخر الفضل بن الربيع ، فأبوه الربيع بن يونس غلامٌ اشتراه جده المنصور ، بإشارة عيسى بن أبان ، لما شكى له المنصور ضعف حجابه فقال له : « إستخدم قوماً وقاحاً ! قال : ومن هم ؟ قال : إشتر قوماً من اليمامة فإنهم يربون الملاقيط ( اللقطاء الذين لا آباء لهم ) ! فاشتراهم وجعل حجابه إليهم ، منهم الربيع الحاجب » . ( فهرست ابن النديم / 285 ) .
وفي تاريخ بغداد : 8 / 412 ، و 413 : « هو الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة ، قال واسم أبي فروة كيسان . . ذكروا أنه لم يُرَ في الحجابة أعرق من ربيع وولده ، وكان ربيع حاجب أبي جعفر ومولاه ، ثم صار وزيره ، ثم حجب المهدي ، وهو الذي بايع المهدي وخلع عيسى بن موسى . ومن ولده الفضل ، حجب هارون ومحمداً المخلوع . . ابن عياش كان يطعن في نسب الربيع طعناً قبيحاً ، ويقول للربيع : فيك شبه من المسيح » ! يقصد بلا أب ، فاستلقى المنصور من الضحك !
« كان الغالب على الرشيد يحيى بن خالد بن برمك وجعفر والفضل ابناه ، صدراً من خلافته حتى ما كان له معهم أمر ولا نهي ! فأقاموا على تلك الحال وأمور المملكة إليهم سبع عشرة سنة ! ثم كان الفضل يغلب عليه » ( اليعقوبي : 2 / 429 ) .
فهذا هو الربيع وابنه الفضل ، اللذان حكما الدولة الإسلامية مع الخليفة !
لذا كان هارون يعتبر الفضل ابنه ولا يخاف من تعاطفه مع الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، بل يفهم تخوفه من مباشرة قتله على أنه خوف من أن يلحقه ضرر بقتل ولي كتحرج ابن عمه عيسى ، لذا قبل منه ونقل الإمام ( عليه السلام ) من عهدته إلى عهدة وزيره الفضل بن يحيى ، وأمره أن يضيق عليه فلم يفعل ، ثم أمره أن يقتله فامتنع ، فغضب عليه ولعنه ، ثم توسط له أبوه يحيى وضمن لهارون أن ينفذ أمره بقتل الإمام ( عليه السلام ) ، فرفع عنه اللعن ورضي عنه !
وجاء أبوه يحيى من الرقة إلى بغداد على البريد أي الخيل السريعة ، ونفذ أمر هارون ، ودبر قتل الإمام ( عليه السلام ) بالسم !
وفي الغيبة للطوسي / 29 ، ومقاتل الطلبيين / 336 : « فكتب بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلمه منه ، وأراد ذلك منه ( أن يقتله ) فلم يفعل ، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة ، وهو حينئذ بالرقة ، فأنفذ مسروراً الخادم إلى بغداد على البريد ، وأمره أن يدخل من فوره إلى موسى بن جعفر ( عليه السلام ) فيعرف خبره ، فإن كان الأمر على ما بلغه ، أوصل كتاباً منه إلى العباس بن محمد وأمره بامتثاله ، وأوصل كتاباً منه آخر إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس ، فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ، ثم دخل على موسى بن جعفر ( عليه السلام ) فوجده على ما بلغ الرشيد ، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي فأوصل الكتابين إليهما ، فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض إلى الفضل بن يحيى فركب معه وخرج مشدوهاً دهشاً حتى دخل العباس فدعا بسياط وعقابين ( خشبة يربط بها لجلده ) فوجه ذلك إلى السندي وأمر بالفضل فجرد ثم ضربه مائة سوط ، وخرج متغير اللون خلاف ما دخل ، فأذهبت نخوته فجعل يسلم على الناس يميناً وشمالاً !
وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد فأمر بتسليم موسى ( عليه السلام ) إلى السندي بن شاهك وجلس مجلساً حافلاً ، وقال : أيها الناس إن الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي ورأيت أن ألعنه فالعنوه ! فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه ! وبلغ يحيى بن خالد فركب إلى الرشيد ودخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر ، ثم قال له : التفت إلي يا أمير المؤمنين ! فأصغى إليه فزعاً ، فقال له : إن الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد !
فانطلق وجهه وسُرَّ . فقال له يحيى : يا أمير المؤمنين قد غضضت من الفضل بلعنك إياه فشرفه بإزالة ذلك ، فأقبل على الناس فقال : إن الفضل قد عصاني في شئ فلعنته وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه . فقالوا نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت وقد توليناه ! ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى أتى بغداد ، فماج الناس وأرجفوا بكل شئ فأظهر أنه ورد لتعديل السواد والنظر في أمر العمال ، وتشاغل ببعض ذلك ، ودعا السندي فأمره فيه بأمره ، فامتثله » !
لماذا غضب هارون على وزيره الفضل بن يحيى ؟
كان هارون يرى أن تعاطف وزيره الفضل بن يحيى مع الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وامتناعه عن تنفيذ أمره في التضييق عليه ثم بقتله ، أمر خطير ، بل خيانة عظمى للنظام العباسي وشخص الخليفة ! وذلك بعكس مخالفة ابن عمه والي البصرة وبعكس مخالفة غلامه الفضل بن الربيع !
والسبب أن البرامكة بنفوذهم في الدولة ، بإمكانهم أن يقوموا بانقلاب ويقتلوا هاروناً ، ويبايعوا لموسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، أو لأي عباسي ، أو علوي !
ومما زاد غضب هارون على الفضل ، أن أباه وأخاه جعفر كانا عدوين لدودين للإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، وما زالا يحركان هارون ضده ويعملان لقتله !
ولم يشفع للفضل أنه أخ هارون بالرضاعة ، فقد نشأ في بيت يحيى البرمكي ، وكان هارون يخاطب يحيى بن خالد : يا أبت ، ويخاطب ولده الفضل : يا أخي » . ( وفيات الأعيان : 4 / 27 ، وتاريخ بغداد : 12 / 332 ، والطبري : 6 / 441 ) .
ولم تشفع له مكانته السياسية وتاريخه الذي قال عنه في تاريخ بغداد : 12 / 332 : « الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي ، أخو جعفر وكان رضيع هارون الرشيد ، وولاه الرشيد أعمالاً جليلة بخراسان وغيرها ، وكان أندى كفاً من أخيه جعفر ، إلا أنه كان فيه كبر شديد ، وكان جعفر أطلق وجهاً وأظهر بشراً » .
وفي تاريخ بغداد : 12 / 332 : « عن العتابي قال : كنا بباب الفضل بن يحيى البرمكي أربعة آلاف ، ما بين شاعر وزائر » . ( تاريخ بغداد : 12 / 334 ) .
« ولما غضب هارون على البرامكة وقتل جعفراً ، وخلَّدَ الفضل في الحبس مع أبيه يحيى فلم يزالا محبوسين حتى ماتا في حبسهما » . تاريخ بغداد : 12 / 332 ، والطبري : 6 / 441 .
ومات يحيى وعمره 45 سنة ، قبل هارون بخمسة أشهر . ( الطبري : 6 / 524 ) .
والسؤال هنا : لماذا رفض الفضل بن يحيى البرمكي أمر هارون له بالتضييق على الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ثم بقتله ؟ وهل كان غضب هارون عليه بسبب ذلك ؟
والجواب : أنه لا تفسير لمخالفة الفضل لهارون ، إلا أنه رأى كرامات الإمام ( عليه السلام ) فتشيع أو لم يتشيع لكنه تحرَّج من تنفيذ أمر هارون ، وتحمل أن يُعَرِّض نفسه لغضبه !
ويوجد مؤشر على أن الفضل كان ترك شرب الخمر مع هارون ، توبةً أو أنفةً لأنه ينقص من مروءته ! ففي تاريخ الطبري : 6 / 489 : « كان الرشيد قد عتب على الفضل بن يحيى وثقل مكانه عليه لتركه الشرب معه ، فكان الفضل يقول : لو علمت أن الماء ينقص من مروتي ما شربته » !
والسؤال الثاني : هل يمكن القول إن سبب نقمة هارون على البرامكة ، أنهم فكروا بانقلاب على العباسيين لمصلحة العلويين ، أو أنهم تعاطفوا مع الإمام الكاظم ( عليه السلام ) في أواخر أيام سجنه ، وهل يؤيد ذلك أن هارون تعمد إبقاء سبب نقمته عليهم سراً ، وما رواه الطوسي في الغيبة / 25 : « وكان يحيى يتولاه ، وهارون لا يعلم ذلك » ؟
والجواب : أن هذا الاحتمال لا ينهض مقابل ما يعارضه ، فقد روت مصادرنا عمل يحيى بن خالد البرمكي لقتل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وسعيه به إلى هارون ، وتوظيفه بعض أقارب الإمام ( عليه السلام ) واستقدامهم ليشهدوا عليه عند هارون !
ولا ينهض مقابل أن الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان يدعو عليهم في عرفات لأنهم سعوا في قتل أبيه ، قال ( عليه السلام ) : « إني كنت أدعو الله تعالى على البرامكة بما فعلوا بأبي ، فاستجاب الله لي اليوم فيهم ! فلما انصرف لم يلبث إلا يسيراً حتى بُطش بجعفر ويحيى ، وتغيرت أحوالهم » ( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 245 ) .
فاليقين في أمرهم : إن الذي سعى بقتل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) هو يحيى كما نصت أحاديثنا ، ويشير الحديث إلى أن ابنه جعفر معه ، لكن ابنه الفضل رفض إطاعة أوامر هارون ، ومعناه أنه كان يميل إلى الإمام ويعتقد بأنه ولي ، أو إمام !
كما يظهر أن جعفر البرمكي كان أحب إلى هارون من أخيه الفضل ، لأنه أخذ الوزارة والخاتم من الفضل وأعطاه لجعفر ، وذكر في شرح النهج ( 18 / 105 ) أن هاروناً كان « يحلف بالله أن جعفراً أفصح من قس بن ساعدة ، وأشجع من عامر بن الطفيل ، وأكتب من عبد الحميد بن يحيى ، وأسوس من عمر بن الخطاب ، وأحسن من مصعب بن الزبير ، وأنصح له من الحجاج لعبد الملك ، وأسمح من عبد الله بن جعفر ، وأعف من يوسف بن يعقوب . . . ولم يكن أحد يجسر أن يرد على جعفر قولا ولا رأياً »
ثم ذكر أن الفضل رد يوماً على جعفر فاستنكر عليه عم هارون سليمان بن المنصور : « فغضب الرشيد لإنكار سليمان وقال : ما دخولك بين أخي ومولاي ؟ كالراضي بما كان من الفضل » !
أما لماذا قتله وصلبه واكتفى بسجن الفضل فلعله بسبب أن الفضل كان أخاه من الرضاعة دون جعفر ، أو لم يبلغ ذنبه برأيه الجريمة التي ارتكبها أخوه جعفر !
العباس بن محمد الذي وكله هارون بجلد وزيره الفضل
قال ابن الجوزي في كتابه المدهش / 67 : « ومن العجائب أنه سلم على الرشيد بالخلافة عمه سليمان بن المنصور ، وعم أبيه المهدي وهو العباس بن محمد ، وعم جده المنصور وهو عبد الصمد بن علي ! وقال له عبد الصمد يوماً : يا أمير المؤمنين هذا مجلس فيه أمير المؤمنين وعم أمير المؤمنين وعم عم أمير المؤمنين وعم عم عمه ، وذلك أن سليمان بن أبي جعفر عم الرشيد ، والعباس عم سليمان وعبد الصمد عم العباس » !
وقال ابن الجوزي في المنتظم : 9 / 124 : « ولي العباس بن محمد الذي إليه العباسية الجزيرة وصار إلى الرقة وأمر الرشيد ففرش له في قصر الإمارة له فيه الآلات وشحن بالرقيق وحمل إليه خمسة آلاف ألف درهم ! وفي سنة ست ومائة توفي العباس ببغداد » وتاريخ بغداد : 12 / 124 ، ومآثر الإنافة : 3 / 357 ، وشذرات الذهب : 1 / 274 .
وفي شرح نهج البلاغة : 19 / 351 : « قيل لخديجة بنت الرشيد : رسل العباس بن محمد على الباب ، معهم زنبيل يحمله رجلان ! فقالت : تراه بعث إلى باقلاء ! فكشف الزنبيل عن جرة مملوءة غالية فيها مسحاة من ذهب ، وإذا برقعة : هذه جرة أصيبت هي وأختها في خزائن بني أمية ! فأما أختها فغلب عليها الخلفاء وأما هذه فلم أر أحداً أحق بها منك » !
وفي نهاية ابن كثير : 10 / 232 : « وكان ابن أبي مريم هو الذي يضحكه ، وكان عنده فضيلة بأخبار الحجاز وغيرها ، وكان الرشيد قد أنزله في قصره وخلطه بأهله . . . ودخل يوماً العباس بن محمد على الرشيد ومعه برنية من فضة فيها غالية من أحسن الطيب فجعل يمدحها ويزيد في شكرها ، وسأل من الرشيد أن يقبلها منه فقبلها فاستوهبها منه ابن أبي مريم فوهبها له ، فقال له العباس : ويحك ! جئت بشئ منعته نفسي وأهلي وآثرت به أمير المؤمنين سيدي فأخذته ! فحلف ابن أبي مريم ليطيبن به استه ! ثم أخذ منها شيئاً فطلى به استه ودهن جوارحه كلها منها ، والرشيد لا يتمالك نفسه من الضحك ! ثم قال لخادم قائم عندهم يقال له خاقان : أطلب لي غلامي ، فقال الرشيد : ادع له غلامه ، فقال له : خذ هذه الغالية واذهب بها إلى ستك فمرها فلتطيب منها استها حتى أرجع إليها ف . . . ! فذهب الضحك بالرشيد كل مذهب ، ثم أقبل ابن أبي مريم على العباس بن محمد فقال له : جئت بهذه الغالية تمدحها عند أمير المؤمنين ، الذي ما تمطر السماء شيئاً ولا تنبت الأرض شيئاً إلا وهو تحت تصرفه وفي يده ! وأعجب من هذا أن قيل لملك الموت : ما أمرك به هذا فأنفذه ! وأنت تمدح هذه الغالية عنده كأنه بقال أو خباز أو طباخ أو تمار ! فكاد الرشيد يهلك من شدة الضحك ! ثم أمر لابن أبي مريم بمائة ألف درهم » !
السندي بن شاهك رئيس شرطة هارون
شكى المنصور لأحدهم ضعف حُجَّابه ، فقال له : « إستخدم قوماً وِقَاحاً ! قال : ومن هم ؟ قال : إشتر قوماً من اليمامة فإنهم يربون الملاقيط ( اللقطاء الذين لا آباء لهم ) !
فاشترى المنصور حاجبه الربيع ! والسندي بن شاهك من هذا النوع ، مع فرق بينهما أن الربيع شرطي سياسي يحتاج إلى فهم اجتماعي ولباقة ولياقة ، بينما السندي شرطي عسكري يحتاج إلى شدة في تنفيذ أوامر الخليفة بقسوة بدون رحمة حتى لو كانت على أقارب الخليفة وأولاده ووزرائه !
وهو لقيط عرف باسم أمه السندية شاهك : « وسبى ذراريهم ( السند ) فكان من ذلك السبي مهرويه وخَلَد ، وقرابتهما شاهك وكانت على مائدة شهريار ، وهي أم السندي بن شاهك ، وكان منهم الحرث بن بسخنز ، وجميع هؤلاء الموالي الرازيين » . ( طبقات الأطباء / 221 ، ونهاية الأرب / 623 ) .
وقد عرف بنسبته إلى أمه وليس إلى أب ! ورباه المنصور تربية عباسية غليظة فكان السندي يتعجب من تفضيل المأمون علياً ( عليه السلام ) على العباس ، فقال للفضل بن الربيع : « ما ظننت أني أعيش حتى أسمع عباسياً يقول هذا ! فقال الفضل له : تعجب من هذا ، هذا والله كان قول أبيه قبله » ! ( كتاب بغداد لطيفور / 17 ) .
وفي تذكرة ابن حمدون : 2 / 364 : أن السندي « أحضر رجلاً ادعيَ عليه الرفض فقال له : ما تقول في أبي بكر ؟ فأثنى عليه ، قال : فعمر ؟ قال : لا أحبه ، فاخترط السندي سيفه وقال : لمَ ويلك ؟ قال : لأنه جعل الشورى في ستة من المهاجرين وأخرج العباس منهم ، فشامَ سيفه ورضي عنه » !
وكان السند بن شاهك يكلف بالمهمات التي تحتاج إلى قمع وتجسس !
قال في وفيات الأعيان : 1 / 338 : « ثم دعا ( هارون الرشيد ) السندي بن شاهك فأمره بالمضي إلى بغداد والتوكل بالبرامكة وكتَّابهم وقراباتهم ، وأن يكون ذلك سراً ففعل السندي ذلك » .
لهذا السبب أمر هارون بنقل سجن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) من عند الفضل بن يحيى إلى السندي بن شاهك ، لأنه أشد وأقسى ، وخالف بذلك العرف السياسي بأن تسجن الشخصيات القرشية والهاشمية عند وزراء الخليفة وشخصيات دولته ، فقد حبس الإمام الكاظم ( عليه السلام ) أولاً عند عمه عيسى بن جعفر والي البصرة ، ثم عند وزيره الفضل بن الربيع ، ثم عند وزيره الفضل بن يحيى ، فتأثموا أن يقتلوه فأمر بحبسه عند السندي بن شاهك الشرطي القاسي ، وأمره أن يقتله !
وبعد قتل الإمام ( عليه السلام ) أعطى هارون للسندي جائزة فجعله والي دمشق !
قال عنه الذهبي في تاريخه : 14 / 185 : « السندي بن شاهك . الأمير أبو نصر ، مولى أبي جعفر المنصور ، ولي إمرة دمشق للرشيد ، ثم وليها بعد المائتين ، وكان ذميم الخلق ، سندياً يجعل القول قول المدعي » ! أي يحكم له تصديقاً لقوله بدون بينة !
وقال المؤرخ البغدادي ابن الطقطقي في الفخري / 137 : « فحبسه عند السندي بن شاهك ، وكان الرشيد بالرقة فأمر بقتله ، فقتل قتلاً خفياً ، ثم أدخلوا عليه جماعة من العدول بالكرخ ليشاهدوه ، إظهاراً أنه مات حتف أنفه » .
ونلاحظ أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) عبر عن السندي بالرجس ، وأوصى أن لا يتولى غسله وتكفينه ! « دعا بالمسيب وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام وكان موكلاً به ، فقال له : يا مسيب إن هذا الرجس السندي شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي ودفني ، هيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً » ! ( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 95 ) .
السندية بنت شاهك خير من أخيها !
روى في تاريخ بغداد : 13 / 32 ، عن عمار بن أبان قال : « حبس أبو الحسن موسى بن جعفر عند السندي بن شاهك ، فسألته أخته أن تتولى حبسه ، وكانت تتدين ، ففعل ، فكانت تلي خدمته ، فحكيَ لنا أنها قالت : كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعاه ، فلم يزل كذلك حتى يزول الليل ، فإذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح ، ثم يذكر قليلاً حتى تطلع الشمس ، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى ، ثم يتهيأ ويستاك ويأكل ، ثم يرقد إلى قبل الزوال ، ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر ، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب ، ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة . فكان هذا دأبه !
فكانت أخت السندي إذا نظرت إليه قالت : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل ! وكان عبداً صالحاً » وسير الذهبي : 6 / 273 ، وتاريخ أبي الفداء / 293 ، ومصادر كثيرة .
سجن السندي أشد سجون الإمام الكاظم ( عليه السلام )
استمر سجن الإمام ( عليه السلام ) في المرة الثانية نحو أربع سنوات ، وتنقل في أربعة سجون ، أولها سجن البصرة وكان في بيت الوالي عيسى بن جعفر بن المنصور والثاني في بغداد عند وزير الرشيد الفضل بن الربيع ، والثالث عند الوزير الفضل بن يحيى البرمكي ، والرابع عند رئيس شرطة الرشيد السندي بن شاهك ، وكان أصعب السجون عليه ، فقد زادوا عليه القيود وشددوا عليه .
ففي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 82 : « فحبسه عيسى بيت من بيوت المجلس الذي كان يجلس فيه وأقفل عليه ، وشغله العيد عنه فكان لا يفتح عنه الباب إلا حالتين حالة يخرج فيها إلى الطهور وحالة يدخل فيها الطعام » .
« وصيره إلى بغداد وسُلِّمَ إلى الفضل بن الربيع ، وبقي عنده مدة طويلة ، ثم أراده الرشيد على شئ من أمره فأبى ! فأمر بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فجعله في بعض دوره ووضع عليه الرصد ، فكان ( عليه السلام ) مشغولاً بالعبادة يُحيي الليل كله صلاة وقراءةً للقرآن ، ويصوم النهار في أكثر الأيام ، ولا يصرف وجهه عن المحراب ، فوسع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه ، فبلغ ذلك الرشيد وهو بالرقة فكتب إليه يأمره بقتله فتوقف عن ذلك ! فاغتاظ الرشيد لذلك وتغير عليه » . ( إعلام الورى : 2 / 33 ، ومقاتل الطالبيين / 334 ) .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
