الطبيعة السياسية للتخطيط

ينبغي أن يكون التخطيط عملية موضوعية تدفعها اعتبارات تقنية، ذلك إذا نظرنا للنمط المثالي للتخطيط إلا أننا نجد أنه يختلف في الواقع العملي حيث ينطوي حتما على فكرة تخص «شخصا ما» حول ما يجب أن تكون عليه الأمور. وحتى عندما تكون الخطة معبرة عن إجماع أعضاء مجموعة ما، فإنها لا تزال نتاجا لهذه المجموعة وليست لغيرها من المجموعات. ولهذا فلن تكون الخطط موضوعية تماما في صياغتها أو في طريقة تنفيذها، فمن المرجح أن تمثل الخطة حلا وسطا بين المستفيدين داخل المجتمع أو القوى «المنافسة» داخل المنظمة المحدودة. ويمكن القول في حقيقة الأمر بأن تشجيع المشاركة العريضة في التخطيط سواء على مستوى المجتمع أو المنظمة هو ما يؤكد اكتساب العملية بعدا سياسيا ولو بشكل جزئي.

هناك سبب لحتمية وجود البعد السياسي للتخطيط وهو أن الخطط لا توضع مطلقا لمجرد التخطيط وحسب، فعادة ما يكون هناك شيء ما يدفع باتجاه إطلاق عملية التخطيط. وعلى مستوى المجتمع فإن هذا الشيء قد يكون إحدى الأزمات المتعلقة بالرعاية الممولة من الأموال العامة، أو الأمراض الوبائية المعدية، أو التكلفة الباهظة للرعاية الصحية. أما على المستوى التنظيمي، فإن هذا الشيء فقد يكون إحدى الأزمات التي تنشأ داخل المنظمة، أو التغيرات التي تطرأ على البيئة الخارجية، أو الإجراءات التي يتخذها المنافسون، أو غير ذلك من التطورات الأخرى. وقد تكون مصالح مجموعة بعينها أو فرد له أجندة معينة هي الدافع وراء هذه العملية. وبالفعل فقد يكون لدى البعض ممن يناصرون عملية التخطيط تصور مسبق لما ينبغي أن تقوم به المنظمة ولذا فسوف يسعون للاستعانة بالتخطيط في تحقيق أهدافهم.

ينبغي أن نتذكر أن غالبية القرارات المتعلقة بالرعاية الصحية هي بطبيعتها قرارات سياسية. فعندما يتخذ أحد المستشفيات على سبيل المثال قرارا بتقديم خدمة معينة أو بإضافة تقنية جديدة وكذلك عندما يتخذ مجموعة طبية قرارا بالانضمام إلى المستشفى A على سبيل المثال بدلا من المستشفى B، وكذلك القرار الخاص بتأسيس

عيادة ما في أحد الأحياء الراقية بدلا من تأسيسها داخل المدينة كلها تتخذ استنادا إلى اعتبارات سياسية واجتماعية واقتصادية وليس اعتبارات طبية. ولهذا فلن يكون من قبيل المفاجأة أن نجد أن عملية التخطيط هي أيضا عملية سياسية، فأي من خطط الخدمات الصحية لا شك سيعكس تأثير الاعتبارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتي تؤثر بدورها في بيئات الرعاية الصحية هذه، كما أن الخطط ستكون انعكاسا للبيئة التي أنتجتها . ولهذا فإن التحدي الذي يواجهه المخطط يتمثل في الموازنة بين الهدف والبعد التقني للتخطيط وبين واقع السياق الذي تتم فيه عملية التخطيط.