أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2017
2372
التاريخ: 31-5-2016
6683
التاريخ: 5-3-2022
1729
التاريخ: 28-11-2017
1759
|
المجالات التطبيقية في الجغرافيا الاجتماعية
يمكن تعريف الجغرافيا التطبيقية على أنها تطبيق أساليب البحث الجغرافي ومناهجه وأدواته الحديثة على المشكلات المعاصرة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية)، فضلاً عن المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع وتشكل حجر عثرة أمام تقدمه وتطلعاته(*).
إن الجغرافية التطبيقية، بمعنى آخر، عبارة عن توظيف الجغرافية كعلم لوضع الحلول والمعالجات لمشكلات المجتمع الطبيعية منها والبشرية، وقد اتسع دور المشكلات البشرية في العصر الحاضر بسبب الزيادة المضطردة في حجم السكان فضلاً عن الضغط المستمر على موارد البيئة الطبيعية ونشوب الخلافات والنزاعات بين البشر.
لقد ظهر فرع الجغرافية التطبيقية كفرع مستقل في المؤتمر الدولي التاسع عشر الذي عقد في مدينة ستوكهولم عام 1960م، والمؤتمر الجغرافي الدولي الذي عقد في لندن عام 1964م، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الفرع من الفروع المهمة في علم الجغرافية. وبالتدريج أخذ يثبت جدواه في جميع الميادين. وقد أكد الجغرافي البريطاني الشهير دادلي ستامب Dudley Stamp أن الجغرافية التطبيقية يمكنها أن تسهم في إدارة شؤون الإنسان، وتكون في خدمته لحل مشكلاته من ازدحام السكان أو المواصلات، فضلاً عن زيادة الإنتاج بمختلف أنواعه، وتخطيط المدن أو الريف، وتأمين الخدمات أو مرافق البنية التحتية وغيرها). وقد أخذت الدراسات الجغرافية تبتعد عن الجانب النظري والوصفي وتتجه إلى الجانب التطبيقي في جميع أبحاثها ودراساتها، لأن تلك الجوانب على مساس مباشر بحياة الإنسان.
إن المجال الاجتماعي من المجالات المعقدة والمتداخلة مع العديد من المجالات، فالواقع الاجتماعي ما هو إلا نتيجة الالتقاء بين الواقع السياسي والاقتصادي والبيئي، ومن خلال تفاعل هذه المجالات في بوتقة المكان ينجم واقع اجتماعي معين، ومن هنا يتضح الأثر الجغرافي في الواقع الاجتماعي. فالجغرافية التطبيقية لا تسهم في وضع الحلول والمعالجات الاجتماعية فحسب، بل تسهم كذلك في وضع المعالجات اللازمة للمشاكل السياسية والاقتصادية والبيئية، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الواقع الاجتماعي بشكل أو بآخر.
وتعالج الجغرافية التطبيقية في المجال الاجتماعي على سبيل المثال الاخطار الناجمة عن الحروب والسياسات التمييزية، فالحروب، بصرف النظر عن وجود غالب أو مغلوب، تفرز مظاهر اجتماعية غاية في التعقيد والمأساوية، فضلاً عما تخلفه من خسائر بشرية ومادية. وهذه الخسائر هي أساس التغيرات الاجتماعية فينجم عن انخفاض المستوى الاقتصادي وغياب أولياء الأمور انتشار ظاهرة التسرب والانحراف والجنوح وعمالة الأطفال والتسول والبطالة.
إن الدور الجغرافي التطبيقي له اتجاهان مهمان في حالة الحروب؛ الاتجاه الأول: يستعمله المحاربون، حيث يكون للمعرفة الجغرافية دور رئيس في حسم المواقف العسكرية، فطبيعة السطح والظروف المناخية واتجاه الطرق، كلها عوامل تساهم في حسم الموقف القتالي. أما الدور التطبيقي الجغرافي الآخر: فيتمثل في مساهمة الجانب التطبيقي للجغرافية الاجتماعية في معالجة الظروف الناجمة عن الصراعات والحروب، التي لا يقتصر دورها على ما تقدم ذكره، بل إن لها آثاراً نفسية تنعكس على طبقات المجتمع، لاسيما الشباب والأطفال، إذ تساهم في زعزعة الثقة بالنفس وزرع روح الكراهية لدى المجتمعات.
إن الواقع الاجتماعي في العراق، كمثال على ذلك بعد حرب الخليج الأولى التي استمرت لثماني سنوات، يزخر بالعديد من المعطيات الاجتماعية التي أفرزتها تلك الحرب، فعمالة الأطفال تعد إحدى الافرازات التي انتشرت في صفوف الأطفال، وشاع الفقر بين الطبقات المتوسطة الدخل، وارتفعت مؤشرات التضخم، وشاع التسول وتفشت البطالة، وازداد الوضع الاجتماعي سوءاً بعد عام 1991 على أثر الغزو العراقي لدولة الكويت، وما تبعه من حصار اقتصادي ساهم في تغيرات كبيرة اصطدمت بالبنى الاجتماعية للمجتمع العراقي، الأمر الذي اضطر مجاميع الشباب للهجرة إلى دول الجوار طلباً للعمل، فضلاً عن الهجرة من الريف باتجاه المدن بعد أن انخفض المستوى الاقتصادي للريف وأهملت الزراعة.
وتسهم الجغرافيا التطبيقية في عملية التصنيع والتجارة مساهمة كبيرة، إذ لا يخفى على الباحث ما للصناعة والزراعة والتجارة من تأثيرات اجتماعية متنوعة، فالصناعة تخدم الذوق العام للمجتمع الذي يتأثر بالواقع الاجتماعي للمجتمع، فكل دولة من دول العالم تشتهر بنوع معين من الصناعات فسويسرا تشتهر بصناعة الساعات، وفرنسا بصناعة العطور، والألمان يشتهرون بصناعة السيارات، كما تتنوع الهوايات وأنواع الرياضيات بحسب الدول، فبعضها يميل إلى رياضة الغولف وأخرى تميل لسباق الخيول أو الماراثونات أو التزلج على الجليد، ومن المؤكد أن هذا التنوع في العادات والتقاليد والأذواق يؤدي إلى إنتاج سلع معينة تختلف عما تنتجه الدول الأخرى، الأمر الذي يساهم في تنشيط عملية التبادل التجاري. كما يمتد تأثير العوامل الاجتماعية إلى تحديد أنواع الألبسة التي تشتهر بها الدول بحسب عاداتها وتقاليدها.
وعلى الرغم من تأثيرات العوامل الاجتماعية، فإن للأديان والمعتقدات السائدة دوراً في تحديد الصناعات وتحديد حجم التبادل التجاري، فصناعة المشروبات الكحولية التي تشتهر بها البلدان الأوربية وتنشط عملية التبادل التجاري بها لاوجود لها في المجتمعات الإسلامية، وتنطبق الحال بالنسبة للحوم الخنزير المحرم في الشريعة الإسلامية.
أما الآثار الاجتماعية في المجال الزراعي فتظهر من خلال حجم الإنتاج وغلة إنتاج الدونم الواحد، وأتباع الوسائل الزراعية التي تختلف بحسب المستوى الثقافي والاجتماعي للفلاح، حيث يتجه المزارع الذي نال حظاً وافراً من التعليم إلى اتباع الوسائل الحديثة في الزراعة، الأمر الذي ينعكس على ارتفاع مستويات الإنتاج .
وفي بعض المجتمعات تدخل المرأة عاملاً مهماً في الزراعة، بينما في مجتمعات أخرى يقتصر العمل على الرجال، إذ تقف العادات والتقاليد حائلاً أمام تطور المرأة، مما يحرم المجال الزراعي من الأيدي العاملة. وفي الهند تترك الأبقار سائبة بسبب النظرة القدسية لها، مما يحول دون استغلالها والاستفادة منها.
تؤثر العادات الاجتماعية في بعض المجتمعات تأثيراً مباشراً على الزراعة فبعض المجتمعات تنظر إلى الزراعة كحرفة غير مرغوب فيها، أو أنها تنظر إلى جانب زراعي معين نظرة فوقية لا ترحب بها، كما هو الحال بالنسبة لزراعة الخضروات في جنوب العراق، التي لم تكن محل رضا وترحيب من السكان، بينما كانت تلك المجتمعات ترحب بزراعة الرز، الأمر الذي أدى إلى انخفاض المستوى المعاشي للفلاح، فضلاً عن تدهور التربة وانخفاض خصوبتها، وامتد الأثر الاجتماعي لتربية الجاموس التي لم تكن لها نظرة محببة في اوساط المجتمع العراقي سابقاً، ويطلق على هذا الحيوان مصطلح (المعدان)، وهي التسمية التي تطلق على سكان الأهوار، وبالأخص على مربي الجاموس منهم، وهي تسمية كانت متداولة منذ العصر العباسي، ووردت أيضاً في القاموس الفارسي - العربي، حيث تشير كلمة (ماد)، إلى قوم عاشوا شرق إيران قديماً، و(ماد) لها علاقة بالشعب الميدي الكردي، أما الهضبة الواقعة غرب إيران أو شرق دجلة المسماة عيلام (إيلام)، وتشمل لورستان وجبالها فهي موطن الكرد الفيلين وهي البلاد المجاورة لأهوار وسط العراق وجنوبه.
ولم تكن مهنة بيع الأسماك شائعة في المجتمع العراقي، بل كان ينظر لها نظرة استعلائية، كونها لا تتوافق مع - عادات المجتمع العراقي أو أعرافه. أما المهن الحرفية أو اليدوية فهي الأخرى اقتصرت على طبقات معينة كمهنة الحياكة والصياغة والصباغة والحدادة والنجارة وصناعة المستلزمات الزراعية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) للمزيد حول الجغرافية التطبيقية وموضوعاتها يراجع:
1- جمال الدين الدناصوري، الجغرافية التطبيقية - طرق التطبيق وإنجازاته، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة 1971 .
2- علي علب البنا، الجغرافية التطبيقية. المضمون - التطور المنهج، ط1، دار الفكر العربي، القاهرة، 2003
(1) علي سالم الشواورة وجابر الحلاق، الجغرافية الطبيعية والبشرية، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، 2012، ص211-212.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|