المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



آثار القروض الدولية في لبنان  
  
2037   12:08 صباحاً   التاريخ: 14-4-2022
المؤلف : يوسف كاظم رشك
الكتاب أو المصدر : اثار الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية على الموازنة العامة
الجزء والصفحة : ص78-94
القسم : القانون / القانون العام / القانون المالي /

كان الاقتصاد اللبناني في الفترة السابقة لعام 1975 يصنف بأنه من أكثر الاقتصادات ديناميكية وحيوية في العالم العربي، إذ تحول إلى همزة الوصل بين الشرق والغرب، ومن ثم اتصف بدور الوسيط التجاري(1) نتيجة معطيات دولية وإقليمية متنوعة (2) ، وعلى الرغم مما تقدم إلا أنه تعرض الأكثر من مرة لأزمات اقتصادية (3)، تمثل أولها في ظل رئاسة (أمين الجميل) نتيجة لزيادة الاعتماد على الدولار الأميركي مقابل انحدار قيمة الليرة اللبنانية، فضلا عن الانخفاض الحاير في ودائع المصارف، وزيادة الدين العام من 7 مليار ليرة إلى 35 مليار ليرة لبنانية، ومع نهاية الحرب الأهلية، دخل الاقتصاد في فترة ما بعد الحرب في حالة الانهيار الوشيك (4).

ومن إمعان النظر في حجم الديون العامة الخارجية (5)، نجد أنه لم يصار إلى ترك مصدر تمويل خارجي إلا وتم اقترض منه، ومن ثم فإن القروض بأشكالها وشروطها المختلفة تدفقت على لبنان منذ عام 1992 من مصادر عربية ودولية عدة (6) ، وخلال تلك الفترة قامت الحكومة بثمانية إصدارات عالمية لسندات بلغ إجمالها 2,45 مليار دولار، وبحلول عام 1998 فإنه في الوقت الذي تعذر على المقترضين من الأسواق الناشئة حتى التفكير بإصدار سندات، نجح لبنان في اقتراض 1,45 مليار دولار بشروط تنافسية ممتاز (7).

يتضح مما تقدم، حصول تطور كمي ونوعي في الدين العام الخارجي اللبناني، ففي نهاية عام 1992 بلغت قيمة الدين الخارجي حوالي 2247 مليون دولار، وتوالى تراكم المديونية وصعوبات السيطرة على العجز الكبير في الموازنة، بحيث ارتفعت المديونية العامة بشكل ملحوظ (8) ، حيث إن وكالة التصنيف الدولية تتوقع أن يبلغ دين لبنان  140% من الناتج المحلي الإجمالي وهو ثالث اعلی نسبة سجلتها التصنيفات السيادية لدى الوكالة وتشير إلى أن الدين ارتفع كثيرة منذ عام 2011 إلى اليوم حين كان يبلغ 121% وهو ما يعكس اتساع العجز المالي. وبالإضافة إلى ذلك، هناك معايير أخرى تعكس الوضع المتدهور مثل نمو الحاجات المالية، تسديد الفوائد، نسبة الدين إلى التحصيل ، كلها تعكس الوضع المتدهور. سبب التدهور لا يعود إلى الإصلاحات المالية الأخيرة (إقرار الضرائب التمويل سلسلة الرتب والرواتب)، أن هذه الإصلاحات التي أقرها مجلس النواب لا يمكنها أن تخفض العجز في 2017 و 2018، رغم أنها تعد عنصرا إيجابية وهي تعكس إجماعا بين صانعي القرار. بحسب الوكالة، تحتاج إلى خطوات إضافية من اجل عکس مسار الدين العام، أن غياب موازنة مقرة وفق الأصول يواصل كبح الإصلاحات المتعلق بالدين، علما أن الاتفاق الأخير على تمرير الموازنة ليس واضحا وإذا أقرت الموازنة فستكون متأخرة جدا(9) . مع الإشارة إلى إله على الرغم من الجهود المبذولة التي استهدفت التغلب على الصعوبات والتحديات للبنان ، إلا أنه لم تطرح حلوة جذرية المعالجة مشكلة المديونية فقد ارتفع الدين العام من 71.68 مليار دولار في عام 2016 إلى 77.17 مليار دولار لعام 2017 (10).

وتكمن أسباب ارتفاع المديونية الخارجية في عدة أسباب، أهمها مخالفة قواعد الفكر الاقتصادي التي تقضي بأن الاستدانة يجب أن تكون للنفقات الاستثمارية وليس للنفقات الجارية، خلاف لما هو عليه الحال في لبنان، إذ إن 9% فقط من النفقات (والنفقات الفعلية التي إذا أخذنا الهدر في الاعتبار ) قد خصص لمجمل البنية التحتية التي تشكو حتى الآن من نقص كبير في كل المجالات، فضلا عن ضخامة التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان، كذلك فإن توزيع المنافع على الفرقاء السياسيين يكمن أيضا وراء الأرقام الكبيرة للرواتب والأجور، وللتحويلات الأخرى التي يذهب أكثر من نصفها إلى مؤسسات خاصة (11).

ومن مراقبة عملية إعداد الموازنة في لبنان، تستطيع القول بأن الممارسات الحكومية تفتقر إلى التخطيط، افترتيب الأولويات بحسب معايير موضوعية أسلوب لا يكاد يعتمد في عملية توزيع مصادر الموازنة، فباستثناء مشاريع تطوير البنية التحتية، لا يتجاوز أفق مخططات الإنفاق العام السنة الواحدة، وهو نادرا ما يخضع لتحليل منظم أو موضوعي، لا تتجاوز مشاركة المؤسسات العامة في التخطيط للحدود الدنيا، فهذه المؤسسات لا تقدم توقعات متوسطة المدى لتكلفة التوجهات التي تريد تنفيذها، ولا يوجد أسلوب مشاورة منظم أو رسمي يتحكم في عملية تحديد الأولويات الاستراتيجية، بل مع وجود عدد من مجموعات القوى السياسية والاقتصادية، على الحكومة بطريقة أو بأخرى أن تنال موافقة هذه القوى لكي تتمكن من تمرير موازنتها  (12) .

وفضلا عن ذلك فإن الموازنة في لبنان تفتقر إلى الشفافية، فقد سجلت 32 نقطة من أصل 100 نقطة في مؤشر الموازنة المفتوحة للعام 2010، مما يدل على أن هذه البيانات أو المؤشرات

توفر للجمهور معلومات ضئيلة في تقارير الموازنة التي يقدمها  (13)، كما أن موازنة لبنان تفتقر إلى الشمولية والرقابة الفاعلة، فلا تحتوي الموازنة على جميع أبواب وأرقام الإنفاق، إذ لا تخضع بعض الهيئات الحكومية المستقلة وبعض الهبات والقروض الممنوحة إلى قانون الموازنة، كذلك فإن بعض الأجهزة الرقابية لا تمارس مهامها بطريقة فعالة.

وبعد هذا العرض عن الديون الخارجية في لبنان، فإننا سنتطرق لآثار القروض الدولية في لبنان بتقسيم هذا الموضوع إلى الفروع الأتية:

 الفرع الأول: أثر القروض الخارجية على معدلات الادخار والاستثمار

فقد كان لغياب قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة أثرا سلبيا كبيرا على الوضع المالي نظرا لتزايد حاجات الإدارة العامة الضرورية التي لابد من تلبيتها والتي تواجهها إشكالية غياب أي إيرادات أو إجراءات جديدة من شأنها أن تغطي هذه الزيادة في الإنفاق وقد ظهر هذه الأمر جليا في مستوى العجز المرتفع وتفاقم المديونية، ناهيك عن انعكاسه على سمعة لبنان الدولية ومصداقيته كما وعلى قدرته على تنفيذ أية خطة استراتيجية تساهم في تحفيز النمو المستدام وتطوير الاقتصاد و تأمین الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي، أن غياب الموازنة يحد من إمكانية تنفيذ المشاريع ذات المردودية على الاقتصاد والناس، مما يجعل اليد العاملة ترتمي في الوظائف العامة، مما يرفع الإنفاق المستويات لا تلاقيها مردودة مقبولة . إن استراتيجية اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، يفترض أن لايكون هدفها تمويل العجز في الموازنة فحسب، بل يتوجب إتباع سياسة إنفاق رشيدة ومجدية لهذا القرض، تتمثل في ضرورة خلق مشاريع إنمائية تزيد من الإنتاجية، وبالتالي ترفع من دخل الفرد وتحسن من مستواه المعيشي ومستوى دخل الفرد، ومن ثم تزيد تبعا لذلك إيرادات الدولة.

وبالرجوع إلى آراء التحليل الاقتصادي الكلاسيكي والحديث، فإنهما لايكتفيان بحث الآثار الراهنة لنمو الدين العام، بل يدرسان نتائجه المستقبلية أيضا. فالدين من وجهة نظر اقتصادية ليس وسيلة لتخفيض الضرائب، بل هو طريقة لتأجيل دفعها، بالتالي فإن تمويل الإنفاق العام عن طريق الاستدانة بدلا من تمويله بالضرائب يعني تحميل الأجيال المقبلة عبء النفقات الراهنة .

وقد تكون الأجيال المقبلة جزءا من الدين المخصص للاستثمار مبررة؛ لأن النمو الذي يتحقق من جراء المشاريع الاستثمارية تتوزع منافعه بين الحاضر والمستقبل. أما تمويل الإنفاق الجاري بالدين لاسيما الرواتب وخدمة الدين العام، فذلك يعني تحميل أبنائنا وزر أعباء لا دخل لهم فيها، والتزامهم بدفع ضرائب باهظة، وتغيير نمط العيش غرض تسديد الديون (14)  .

ولقد قلت أعباء الدين العام من قدرة الدولة على تحقيق غاياتها على الصعيدين الإنمائي والاجتماعي، فلم يتجاوز مستوى تحقيق الأهداف في مجالي الخدمات الاجتماعية، والبنية التحتية (15).

بعبارة أخرى، فإن موجة التضخم التي تركزت في أبواب الإنفاق ذات المرونة المنخفضة أنت إلى زيادة أعداد الأسر الفقيرة أو التي تقف عند عتبة الفقر (16)، وتراوحت نسبتها ما بين 51.6%  لذوي الإشباع المدني في المؤشرات المرتبطة بالدخل، و 73% هي نسبة الأسر التي تنفق أقل من المعدل الوطني العام للإنفاق المقدر 4.5 مليون لول للفرد سنوية. مع العلم، إن معدل التضخم عند الفئات الدنيا هو أعلى بقليل من التضخم المماثل لدى الفئات العليا، نظرا لاختلاف تركيبة سلة الاستهلاك بين الفئتين، وبما أن مرونة الطلب الدخلية ومرونة الطلب السعرية منخفضة لدى الفئات الفقيرة، فإن ارتفاع الأسعار أو زيادة ضرائب الاستهلاك، لن يقلل إقبالها على الإنفاق، بقدر ما سيدفعها إلى مزيد من الاستدانة (الممكنة أكثر من أي وقت مضى مع فوائض السيولة الهائلة لدى المصارف)، الأمر الذي يزيد من العبء الضريبي على الفقراء مجددا. يعني ذلك أيضا أن هناك علاقة طردية بين زيادة الدين العام وزیادة مديونية الأسر، أي كلما زادت حاجة الدولة إلى التمويل اضطر الأفراد إلى الاستدانة أكثر.

ويمكن القول بأن معدل دخل الفرد لم يشهد أية زيادة في الاقتصاد اللبناني، إذ إن حصيلة القروض تخصص دائمة للاستهلاك، وهو الأمر الذي ألقي بظلاله على التردي الحاصل في مستوى دخل الفرد اللبناني، إذ تضخمت محافظ القروض الشخصية لدى المصارف، مع زيادة الأسر الاستهلاكها، ومن ثم لم تحصل أية زيادة في مستوى دخل الفرد أو زيادة معدلات الادخار بصورة عامة.

بالمقابل، فإن آثار الاقتراض الدولي الخارجي له آثار على الاستثمار، لكنه يختلف باختلاف ما إذا كان الاستثمار مباشرة أو غير مباشر، وطالما إن الهدف الرئيسي للدولة هو الحصول على مزيد من الأموال الخارجية، صار دور السياسات النقدية إقناع المستثمرين، ولاسيما اللبنانيين والعرب منهم، بتوجيه عنايتهم إلى البلد، من خلال التركيز على أربعة عناصر لم تتغير منذ بداية التسعينيات : التثبيت النقدي؛ زيادة معدلات الفائدة؛ تعقيم السيولة؛ والثنائية النقدية.

ولقد طبقت تلك التوجهات بطريقة لا تنسجم، في معظم الأحيان، مع احتياجات التوازن المالي والانتعاش الاقتصادي، ولو إنها عملت لصالح الاستقرار، كما لم تتحقق التوقعات الأساسية التي بنيت عليها المحفزات الثلاثة، وتضاربت أو تناقضت، في أكثر الأحيان، مساراتها ومفاعيلها، الأمر الذي أدى إلى فقدان السيطرة على الدين العام  (17) .

وتجدر الإشارة إلى إن النمو الاقتصادي والاجتماعي يأتي خصوصا نتيجة استثمارات وتوظيفات في الاقتصاد الوطني اللبناني المتجسد بصورة رئيسية في لبنان من فعل القطاع الخاص على نحو أساسي، وتشير الإحصاءات وتقارير صندوق النقد الدولي حول السنوات الخمس عشرة الأخيرة إلى (إن حصة الاستثمار العام من إجمالي الاستثمارات كانت شبه معدومة، ولاسيما إن المشاريع التي قامت بها الدولة أبان تلك الفترة، عبر مجلس الإنماء والإعمار، لا تعدو كونها تعويضا عن التأكل اليومي الحاصل في البنية التحتية، ويساع محمودة لتسيير أو صيانة ما هو قائم من مرافق أو مؤسسات عامة، وهذا الوضع الاستشائي لا يمكن ولا يجوز أن يستمر وأن الجزء الأساسي من هذه المشاريع البنيوية، ذات الانعكاس الأكيد على إنتاجية القطاع الخاص وفاعليته، يتطلب استثمارات ضخمة تعجز الدولة عن توفيرها في ضوء العجوزات المتراكمة لموازناتها وتنامي المديونية العامة، من هنا، يتضح أن الحل الأسلم والأفضل يكمن في الاعتماد على إشراك القطاع الخاص في تمويل وتشييد وتشغيل هذه البني والمرافق )

بعبارة أخرى، فإن الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفي طليعتها المصارف تعد الركيزة الأولى التي ينبغي أن يقوم عليها أي توجه استراتيجي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل القريب، على أن ترافقها ركيزتان أخريان هما : اللامركزية الإدارية، وإصلاح الإدارة العامة وتحديثها .

ويشير البعض إلى إله على الرغم من الظروف الإقليمية المحيطة السائدة، لا يزال لبنان من بين الدول الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية المباشرة (18)، مع تسجيل هذه الاستثمارات نسبة مئوية مرتفعة تعادل ما قيمته   6.3 في المئة من الناتج المحلي، وعقد احتساب المجموع التراكمي للاستثمار الأجنبي المباشر، يأتي لبنان في طليعة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا بل هو من بين أكبر الدول العالمية على هذا الصعيد، حيث إن هذا المجموع التراكمي بشكل نسبة 126 في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي، أما الاستثمار الأجنبي المباشر إلى لبنان، فحافظ على مستويات مقبولة، وبلغ 2.83 مليار دولار أميركي في العام 2013.  

أما بالنسبة إلى المشاريع التي ساندتها المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان، فقد بلغ عددها منذ مطلع عام 2013، تاريخ دخول قانون تشجيع الاستثمارات موضع التنفيذ، وحتى نهاية عام 2014، 54 مشروعا قاربت قيمتها الملياري دولار، ووفرت ما يزيد عن 6250 فرصة عمل مباشرة و 14000 فرصة عمل غير مباشرة أن إجمالي قيمة المشاريع الاستثمارية العربية المباشرة الوافدة إلى لبنان بلغت  11.98 مليار دولار بين العامين 2003 - 2016، وكانت لبنان المستقطب الأكبر للمشاريع من حيث القيمة الإسمية بين 21 دولة عربية في هذه الفترة .

مما تقدم، يتبين أن آثار القروض الخارجية على الاستثمار يتوقف على إمكانية الدولة وكيفية استخدام القروض إذا كانت في مجالات استثمارية ومنتجة، يكون لها أثرها بالإيجاب. أما إذا كان استعمال القرض في المجالات الاستهلاكية سيؤثر على اقتصاديات الدولة وعلى الموازنة بشكل عام، وذلك لأن حصيلة من الواردات تذهب إلى إطفاء الدين، ولن يكون بمقدور الدولة إنشاء مشاريع استثمارية لأن حصيلة من الواردات تذهب إلى إطفاء الدين العام، وهذا سيكون لها أثر سلبي على التنمية الاقتصادية للدولة

الفرع الثاني: أثر القروض الخارجية على التنمية الاقتصادية

يترتب على القروض الخارجية عبء حقيقي بالنسبة لاقتصاد الدول المقترضة، إذ يتعين عليها دفع الفوائد، ورد أصل الدين، مما يتطلب اقتطاع من القوة الشرائية للمستهلكين أو المستثمرين في الداخل (وهو ما يعتبر اقتطاعا الجزء من إجمالي الناتج القومي لحساب الدائنين الأجانب، ونقلها خارج الدولة، وفاء بما عليها من التزامات). وإن من أهم الآثار التي تنجم من الاقتراض الخارجي هي التبعية السياسية وما لها من آثار على الجانب الاقتصادي الاجتماعي  (19).

إن الدين العام لا بد من أن يؤثر سلبا عاجلا أم آجلا على النمو الاقتصادي خاصة وأن نسبة الفوائد على الدين العام اللبناني هي أعلى بكثير من نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهذا ما تحاول الحكومة اللبنانية معالجته بسرعة وبأقل كلفة ممكنة. ولابد من معالجة تأثير الدين العام على استقلالية السياسات الاقتصادية

وقبل الدخول في بيان تأثير الدين العام على كل من تلك السياسات، من المفيد التمييز بين السياسة النقدية والسياسة المالية من جهة مجال تأثيرها وأدواتها الخاصة (20)، إذ إن مجال تأثير السياسة النقدية تتجلى في سوق النقد، بينما يتجلى مجال تأثير السياسة المالية في سوق الإنتاج، كما تتجلی الأدوات الخاصة للسياسة النقدية في كل من الإصدار النقدي الجديد، وسياسة السوق المفتوحة، وسياسة سعر الخصم، وسياسة الاحتياطي النقدي القانوني، أما الأدوات الخاصة للسياسة المالية فتتجلى في توقيت حجم الإنفاق وتحديده، وذلك وفقا للأوضاع الاقتصادية والمالية، ووفقا لزيادة الاستثمار والإنتاج والمداخيل، فضلا عن إعادة توزيع الدخول، وتحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق العدالة الضريبية لجهة فرض الضرائب التصاعدية على الميسورين، وتخفيف الضرائب المباشرة وغير المباشرة عن أصحاب الدخل المحدود، وكذلك الإنفاق في الحقول الاجتماعية لرفع مستوى المعيشة والحد من البطالة، ورفع الحد الأدنى للأجور، فضلا عن تشجيع القطاع الخاص عن طريق الإعفاء الضريبي، وتقديم المعونات والضمانات المالية والمصرفية وكذلك تنمية القطاعات والمناطق وفق خطط مدروسة وتحديد مصادر تمويلها.

وأول ما يلاحظ أن اعتماد الاقتصاد اللبناني على الأموال المتأتية من الخارج، أكثر من اعتماده على النشاط الاقتصادي الداخلي، أضعف قدرة الحكومة على التحكم بنتائج سياساتها ، كما قلل في بعض الأحيان من فاعلية بعض الإجراءات التي تتخذها. كذلك فإن عدم جدية الخطط المعلنة أو عدم المبالاة بنتفيذها أصلا، والاتكال المضمر على الثقة الخارجية المشترات بأموال الخزينة، أوقع المالية العامة في فخ المبالغات، وأوجد فجوة دائمة بين الآمال والواقع الفعلي، كما وجه الاهتمام بالنتائج القريبة والمباشرة للبرامج الحكومية وإجراءاتها، دون الاهتمام بآثارها البعيدة أو غير المباشرة (21).

بناء على ما تقدم، تتنوع صور تأثير المديونية الخارجية على السياسة الاقتصادية في العديد من الصور، إذ يتمثل أولها في أن الدين العام يؤثر سلبا على مدى استقلالية السياسات الاقتصادية للدولة، وعلى مدى قدرة الاقتصاد الوطني أمام أية هزة اقتصادية داخلية أو خارجية، إذ قد يؤدي ارتفاع الدين العام إلى إحجام المستثمرين الأجانب عن الاستثمار، خصوصا إذا كان مستوى الدين العام أعلى من الناتج المحلي الإجمالي(22)، كما يؤثر الدين العام سلبا على استقلالية الدولة السياسية ونفوذها في محيطها.

ولم نتعكس الآثار السلبية لإعادة هيكلة الدين العام - المتمثلة بإبدال دين داخلي بين خارجي على النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني فحسب، إذ على الرغم من توسع حجم المديونية بالشكل الذي لم يترك مصدر تمويل خارجي - من جهات عربية ودولية - إلا واقترض منه ابتداء من عام 1992، إلا أن واقع الحال يشير لنا عدم حصول أي تأثيرات إيجابية على الاقتصاد اللبناني بصورة عامة وعلى التنمية الاقتصادية والسياسة الاقتصادية بصورة خاصة، أي إن آثار الاقتراض كانت سلبية وليست إيجابية.

وتجدر الإشارة إلى أن الأسباب الكامنة وراء عدم تحقيق تنمية اقتصادية شاملة في لبنان يمكن إجمالها بالمحفز الاقتصادي، إذ كان مشروع إعادة الإعمار المرجع الضمني للأطروحة الاقتصادية لمرحلة ما بعد الحرب، فهیمنت نزعة تجارية ومالية، وصارت المنافسة الإقليمية ترتكز على استقدام الأموال من جهة، وعلى اجتذاب الشركات والمؤسسات الأجنبية من جهة أخرى، أي إن الاهتمام انصب على القسم الثاني من ميزان المدفوعات، وعلی میزان الرساميل خصوصة، فيما أهمل میزان المعاملات الجارية الذي يعبر عن قدرة الدولة على الإنتاج، ويعني ذلك إن الدينامية الاقتصادية المرحلة ما بعد الحرب، قامت على زيادة الجانبية للأموال لا على زيادة الإنتاجية. ولأن تلك الرؤية سعت إلى بناء اقتصاد قليل التنوع والتخصص، يرتكز على الموارد الخارجية لا الداخلية، لم يهتم صانعو القرار بتعبئة المدخرات المحلية، وفضلوا الاعتماد على الديون العامة الممولة بأموال آتية من الخارج، لتظل معدلات الاقتطاع الضريبي منخفضة في التسعينيات، فلم تحقق سوی 8.5% معدلا وسطية من الناتج المحلي في الأعوام 2000- 1992 ، من بينها 3% فقط للضرائب غير المباشرة. كما أدت الاستراتيجيات الاقتصادية التي اتبعت بعد الحرب الأهلية، إلى خفض معدلات النمو الاقتصادي عما هو متوقع، فبدلا من نمو حقيقي متوسطة السنوي 8% في أعوام 2010-1992 ، حسب تقديرات معدي خطط إعادة الإعمار، لم يتجاوز النمو 3، 75%. ويعني ذلك إن حجم الاقتصاد حاليا، يوازي ثلث ما كان يمكن تحقيقه من ناتج، لو تحقق سيناريو النمو المرتفع وحتى لو اعتمدنا سيناريو أكثر تواضعة، يفترض تحقيق نمو يعادل متوسط النمو الذي حققته دول المنطقة في المدة نفسها، فسيتبين أن الناتج الحالي لا يزيد عن ثلثي الناتج الذي كان من الممكن تحقيقه، وفق ذاك السيناريو، إن خسارة ذلك القدر من النمو، خسارة موازية في الإيرادات الضريبية التي يرتبط حجمها بحجم الاقتصاد. وبحساب بسيط يظهر إن مجموع العائدات الضريبية المهدورة نتيجة الخيارات الاقتصادية الخاطئة لا تقل  عن 20 ألف مليار ليرة لبنانية ( 13.34) مليار دولار. واللافت هو إن ذلك الرقم يوازي تربية الفوائد الإضافية التي دفعتها الدولة في التسعينيات، لجنب الأموال من الخارج، تعويضا عن ضعف الإنتاج الداخلي، وهو ما يدل على إن أحد أسباب الإفراط في الاستدانة بشروط مجحفة، هو ضعف الأداء الاقتصادي المنعكس سلبا على مالية الدولة(23) .

ولغرض معالجة مشكلة المديونية الخارجية اللبنانية، فإنه على الرغم من تنوع الطرق والأساليب المطروحة لمواجهة الأزمة المالية في لبنان، إلا أنها لم تحقق كل أهدافها المنشودة.

ويمكن إجمال أهم الطرق الناجعة في مواجهة المديونية الخارجية بالآتي:

1- إصلاح السياسة النقدية: تتمثل الطريقة الأولى في ضرورة إصلاح السياسة النقدية باعتبارها ضرورة أولية لمواجهة المديونية الخارجية، إذ إن المخاطر الاقتصادية لا تأتي فقط من وضع السياسة المالية العامة فحسب، بل تتحقق أيضا من خلال رسم السياسة النقدية الناجحة، ومثال على آثار السياسة النقدية هو مصرف لبنان، فمنذ التسعينات من القرن الماضي، فإنه يتبع سیاسة فوائد سخية يدفعها لاقتراضه من المصارف بالليرة وبالدولار عموما، مع الإشارة إلى عدم قيام المصرف بنشر إحصاءات أو معلومات عن غالبية هذه العمليات، التي لا تجري في سوق منظمة كما يجب أن تكون الحال، وبالأخص بالنسبة إلى المصرف المركزي كمصرف لبنان. ومن ثم فإن النتيجة تتمثل في أن 58% من الميزانية المجمعة للمصارف تذهب تسليفات للدولة بشكل ودائع وقروض لمصرف لبنان، ومن ثم سندات خزينة)، في حين إن حصة القطاع الخاص تبلغ 26% منها فقط، والتسليف للقطاع الخاص هو علة وجود المصارف التجارية، هذا وضع غير صحي للمصارف وللاقتصاد، بكل المعايير ولا تزال هذه السياسة النقدية تؤدي إلى خسائر كبيرة لمصرف لبنان، والأهم من ذلك إنها تنمي تبعية المصارف أو انكالها على الدولة، وخصوصا على مصرف لبنان، لجهة ربحيتها، وذلك خلافا النمط عمل المصارف التجارية. لقد أصبح وضع المصارف مرتبط ارتباطا وثيقا بوضع الدولة المالي، ما يجعل المصارف عرضة لتقلبات مالية الدولة ومخاطرها بشكل قوي ومباشر.

ومما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد هو إن الاقتصاد اللبناني يعيش منذ سنوات طويلة بأكثر من طاقته، مع الاقتراب بثبات من منطقة الخطر، ومن ثم فإن أمام الحكومة اللبنانية خياران فقط: الخيار الأول : تطبيق سقف سنوي محدد للعجز بحيث تكون نسبته للناتج انحدارية لعدة سنوات، مع سياسة نقدية شفافة تهدف إلى خفض ديون المصارف للدولة، أما الخيار الثاني فيتمثل بالاستمرار في تخزين الأموال أو توجيهها في غير الأبواب المخصصة للتنمية والمشاريع الاقتصادية الإنتاجية مما سيؤدي إلى انهيار اقتصادي (24).

ويواصل الدين العام اللبناني صعوده نتيجة تراجع النمو الاقتصادي ونتيجة العجز المزمن واستمرار النهج غير السليم الذي تتبعه الحكومات المتعاقبة، ومن ثم يتوجب وضع خطة اقتصادية تسمح باستعادة النمو الذي هاجر من لبنان  (25).

وبهذا الصدد، يشير صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير الذي أنتي على السياسة النقدية بوضوح إلى إهمال الإصلاح في مجال السياسة المالية وضرورته الحة، وهذا الإنذار يجب أن يدفع الحكومة إلى إعادة النظر في سياساتها المالية، ويمكن القول بأن أية حكومة تراكم الدين العام على مدى سنوات، ولا تنجز مشاريع إنمائية وتجهيزية حيوية، هي حكومة فاقد لحق فرض الضرائب  (26).

بناء على ما تقدم، فإن استمرار الحكومات في سياسة الاقتراض من الخارج ومن المؤسسات المالية الدولية من أجل تغطية نفقات وخدمة الدين العام، دون الاستثمار في مشاريع إنتاجية وتنموية سوف يؤدي إلى مزيد من العجز والوصول إلى حافة الهاوية، ومع استمرار الخلافات السياسية وعدم وجود رؤية واضحة، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة في الدين العام، ومن ثم سيلقي بظلاله على الاقتصاد اللبناني.

2- إصلاح السياسة الاستثمارية في لبنان: يسير الاستثمار في لبنان وفق قانون تشجيع الاستثمار بخطى جيدة ومستقرة، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه لم يستطع أن يساهم في تخفيض المديونية الخارجية للبنان نتيجة عدم توجيهه بالشكل الذي يسهم في تخفيض عبء (خدمة القرض  العام)وللخروج من هذه المشكلة، وبالأخص فيما يتعلق بالديون الدولية، فإنه يتوجب الأخذ بالعديد من المقترحات ومنها إعادة خطة الاستهلاك الداخلي، إذ تشير التقارير إلى استيراد ما يقارب من %90 من الاستهلاك الداخلي في الأسواق العالمية، فضلا عن وجوب تغيير سياسة الحكومة الضريبية والمالية والجمركية، وإبرام اتفاقيات لجعل السوق المحلية مرتبطة ليس بلبنان فقط بل بالدول الأخرى التي ستوقع على الاتفاقية.

الفرع الثالث : أثر القروض الأجنبية في إنعاش التمويل المصرفي ودعم القطاع الخاص

يتجلى أثر الدين العام على السياسة النقدية في أن الدين العام يؤثر على السياسة النقدية، إذ ترتفع الفوائد نتيجة زيادة الطلب على النقد، مما يدفع بالسلطات إلى زيادة العرض لتخفيض الفوائد .

وفضلا عن ذلك فإنه من الممكن أن يؤدي الاقتراض الخارجي إلى إيقاع السلطات النقدية بزيادات كبيرة في الكتلة النقدية لغرض تمويل الدين، مما يؤدي إلى تعظيم حدة التضخم.

وهذا ما حدث في لبنان خلال الحرب الداخلية في 13 أبريل /1975، إذ إن الفوائد الناجمة عن الاقتراض من المؤسسات الدولية تؤثر سلبا على كلفة خدمة الدين العام، وعلى مستوى الاستثمارات، وبالتالي على النمو الاقتصادي   .

أما أثر الدين العام على السياسة المالية، فكما بينا سابقا إن الدولة لم تقف على الحياد بالنسبة إلى القضايا الاقتصادية والاجتماعية خصوصا، إذ باتت في أمس الحاجة إلى رسم سياساتها المالية في إطار الاقتصاد الوطني العام، وخصوصا أن الأعباء المالية (واردات) أصبحت اليوم تلتهم ما يزيد على ثلث الدخل الوطني، ولذلك فإن اقتطاع هذا الحجم كضرائب ورسوم وما إليها من الثروة القومية ، وثم إنفاقه كما تقضي كتلة النفقات في الموازنة العامة، من شأنهما أن يحدثا آثارة هامة على الأوضاع الاجتماعية للمكلفين من جهة، وعلى الأوضاع النقدية والتجارية والصناعية من سوء الإنتاج والاستهلاك من جهة ثانية (27) ، كما إن ضخامة الدين العام في لبنان قدح من حرية الحكومة في التحكم بسياستها المالية، مما أثر تأثيرا سلبية على السياسة المالية، إذ إن الضرائب التي ستجبی التمويل عجز الموازنة وبالتالي الدين العام تؤثر على تصرفات المواطنين الادخارية والاستثمارية، وبالتالي على توزع الموارد في الاقتصاد العام، وهذا غير مرغوب فيه، غير إن خدمة الدين العام ودفع معاشات الموظفين، قد امتص معظم أن لم نقل كل موارد الموازنة دون أن يبقى شيئا يذكر لتمويل الحاجات الاجتماعية والاقتصادية الملحة، فضلا عن إن خدمة الدين العام ستؤدي فيما بعد إلى زيادة الضرائب والرسوم الضرورة تسديد أقساط هذه القروض، مما يؤدي إلى هجرة رأس المال الوطني إلى الخارج، وإلى تحميل عبء القروض إلى الأجيال المستقبلية.

بناء على ما تقدم، فإن السياسة النقدية قوضت الأساس الاقتصادي لرؤية ما بعد الحرب، القائمة على إن القطاع الخاص هو أساس النمو، وهو ما كان يفترض اعتماد سياسات نقدية توسعية لا تضييقية كما حصل فعلا. وكانت الدينامية السياسية من عوامل تهديد الاستقرار المالي، لكونها شجعت الهدر وأجلت قرارات كان ينبغي البدء بها، وعلى رأسها زيادة معدلات الجباية ورفع إيرادات الدولة المتأتية من الضرائب المباشرة، وقد تفاعلت تلك المحفزات الثلاثة مع ما تضمنته من إخفاقات، على نحو أدى إلى زيادة الدين العام بمعدلات متسارعة.  

ويمكن تقويم أثر ذلك على حجم الدين العام من خلال التقريب الحسابي التالي: قام المحقز السياسي على فرضية تحقق ما يسمى السلام الإقليمي، واستمد ديمومة تأثيراته من المبالغة في الإنفاق داخلية لاسترضاء المتضررين من السياسات الجديدة، لذلك فإن المؤشرين التاليين يساعدان على قياس مساهمة العامل السياسي في زيادة الدين العام، المؤشر الأول : هو الفارق بين العجز الفعلي والعجز المخطط له في قوانين الموازنات العامة، في كل سنة من السنوات محل الدرس. المؤشر الثاني : الإيرادات الضريبية الفائتة نتيجة الانخفاض الشديد والمقصود في المعدلات الضريبية، لاسيما ضرائب النخل  (28) .

وبالاستناد إلى دراسة أثر السياسة الضريبية على توزيع المداخيل المنشورة في 2003، فإن عبء الضرائب غير المباشرة ارتفع بين عامي 1993 و 2003، من 9,52% من دخل الشريحة الأدنى دخلا إلى 27.9 % ويتراجع ذلك العبء مع الانتقال صعودة من فئة دخلية إلى أخرى، وصولا إلى 10.7 % فقط للفئة الأعلى مقابل 8.1%  في 1993، ويؤكد ذلك الطابع التراجعي للضرائب غير المباشرة، مع وجود ميل مرتفع للاستهلاك لدى الفقراء، وتعرض أعداد كبيرة منهم لفجوة ادخار سالبة.

وترجع أسباب ذلك إلى إن تلك الضريبية تنازلية أصلا، ولا يغير من ذلك وجود إعفاءات واسعة نسبية من الضريبة على القيمة المضافة، تطال عددا من السلع والخدمات الأساسية ومن بينها : الطعام والمشروبات الغاز المنزلي، النقل المشترك، التعليم والكتب المدرسية، الصحة....، فالإعفاءات تشمل أيضا سلعة وخدمات فاخرة وكمالية، فضلا عن إن الإعفاءات الأجتماعية محصورة بالضريبة على القيمة المضافة التي تمثل نصف عائدات الضرائب غير المباشرة تقريبا، ولا تشمل أنواع أخرى کرسوم الاستهلاك الداخلي .

فضلا عما تقدم، يتسم القطاع المصرفي في لبنان بقيام رأس المال الأجنبي بنتفيذ مشاريع البنى التحتية واستثمارها كجزء من تنفيذ سياسته العامة في لبنان والمنطقة (29)، ونتيجة لذلك فإن السياسة المالية والمصرفية لا يتحكم فيها مصرف لبنان فقط، وإنما تكون محكومة بالظروف العالمية والمحلية في آن واحد، وهو ما سيكون له تأثير في مصير القروض الأجنبية ومصير استخدامها داخل لبنان.

ونتيجة لما تقدم، يذهب البعض إلى إن الجزء النقدي من الدين العام يؤدي إلى تضخم مضاعف, وهو الأمر الذي يوجب على السلطات النقدية محاولة الحد منه وذلك من خلال تمويل الدين العام مباشرة (30).

الفرع الرابع : أثر القروض الخارجية على التضخم التمويني

على الرغم من أن دولة الاقتصاد تعد جزء لا يتجزأ من ميكانيكية تمويل الدين العام، إلا أن ذلك الربط عرض لبنان لمخاطر الأسواق، ولتقلبات العلاقة الاقتصادية بين أوروبا والولايات المتحدة، كما حصل في التسعينيات حين ارتفعت قيمة الليرة تجاه سلة العملات نحو 100%، فيما فقدت الليرة أكثر من ثلث قوتها الشرائية في السنوات الست الأخيرة، ربطة بتراجع الدولار وارتفاع معدلات التصحيح في لبنان بوتيرة أعلى من الخارج.

فضلا عن إن النمو المطرد للقيمة السوقية لسندات الخزينة ضاعف من وهم الثروة، الذي يحفز الطلب، ويضغط على الأسعار، ويزيد التكاليف، ويقلل من القدرة التنافسية للدولة. يضاف إلى ذلك التنقيد الضمني للدين ومضاعفة قدرة المصارف على خلق النقود الكتابية، وهو ما لم تلحظ مؤشرائه بوضوح، نظرا لتثبيت العملة المحلية، لكنه أحد العناصر التي تفر معدلات التضخم التي تساوي في لبنان ضعف ما هو مسجل في محيطه (31).

ويذهب البعض إلى إن تضخم الدين كان وسيلة من وسائل إعادة إنتاج النظامين الاقتصادي والسياسي على أسس لا تختلف كثيرا عما كانت عليه قبل الحرب، لكن المحصلة هي نظام غير مستقر وأزمات اقتصادية واجتماعية حادة.

وعلى الرغم مما تقدم، إلا أن الرأي السائد لدى الكتاب الاقتصاديين في لبنان يذهب إلى إث التضخم أصبح لفترة طويلة نسبية ظاهرة شاملة. وملازمة للنمو الاقتصادي، مع ما لهذه الظاهرة من آثار على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي, وما يعنيه من تعطيل "صمام الأمان"، بحيث تحولت البلاد ولفترة من الزمن نحو التضخم على الطريقة السائدة في بعض بلدان أميركا اللاتينية، وفتحت تأثیر عوامل اقتصادية واجتماعية ومالية ونقدية في غاية التعقيد. وارتفعت نسبة التضخم السنوي الوسطى من 7% في بداية السبعينات إلى 20% سنويا خلال الفترة 1984- 1975 , ثم إلى نحو %110 سنويا بين عام 1984 وعام 1992, الأمر الذي جر إلى انعكاسات سلبية على مستويات الأجور في القطاعين العام والخاص، وعلى مستوى الأسعار. فعلى سبيل المثال لا الحصر , نورد النتائج الهامة التي توصل إليها الباحث كمال حمدان حين أكد أنه بدءا من أواسط الثمانينات, حصل انفصام حاد و متزايد بين الأجر. من جهة، وبين تكاليف المعيشة, من جهة ثانية, تمثل في خسارة الحد الأدنى للأجور نحو 75% من قوته الشرائية, فيما خسر الأجر الوسطى نحو 85% منها في الفترة المذكور (32).

وإذا ما انطلقنا من التأكيد على إن ظاهرة تعاظم التحويلات الوافدة من الخارج, والتي جعلت الناتج الوطني يتجاوز الناتج المحلي بنسب كبيرة. قد شارفت على نهايتها, فإن هذا يعني إن على لبنان أن يعتاد في المستقبل على احتمال حالة عجز في ميزان مدفوعاته, وليس فقط في ميزانه التجاري، كما هو معهود.

و ينسحب هذا الأمر على السنوات القليلة المنصرية، فلقد سجل الميزان التجاري عجزا بقيمة 7.1 مليار دولار خلال المرحلة 1990/1989  وإذا ما استرجعنا ظاهرة التراجع في الناتج المحلي الإجمالي إلى حدود 6.2 مليار دولار عام 1983، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والتوقف القسري عن العمل لحوالي 200 يوم عام 1988, وازدياد تحويلات رؤوس الأموال من لبنان إلى الخارج أي إلى اللبنانيين المهاجرين الباحثين عن ملاذ وعمل خارج لبنان، نتيجة تردي الأوضاع الأمنية وانقسام السلطة السياسية. وتراجع التحويلات إلى لبنان من العراق والسعودية والكويت وبقية دول المنطقة الخليجية، لوجدنا إن النتيجة المنطقية لهذا إنما تكمن في تزايد العجز في ميزان المدفوعات عام 1990 ليصل إلى أكثر من 43 مليون دولار.

بناء على ما تقدم، يمكن القول بأن ازدياد عجز الموازنة العامة أدى إلى تسارع نمو الكتلة النقدية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم في السنوات القليلة الماضية، بل إلى انهيار سريع في سعر صرف الليرة اللبنانية وتسريع واقع دورة الاقتصاد(33).

_______________

1- مهدي محفوظ، علم المالية العامة والتشريع المالي والضريبي، (بيروت - لبنان: د.ن.، 1997، ص43 2 .

2- غسان بدر الدين، جدلية التخلف والتنمية، ط1، (القاهرة - مصر : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 1993، ص 191).

3- سليم الحص، "الواقع الاقتصادي في لبنان: إلى أين؟"، مقال منشور في صحيفة السفير، بيروت - لبنان، 2009/5/11

4- فواز طرابلسي، تاريخ لبنان الحديث، (بیروت - لبنان: بلوتو برس، 2007، ص 449).

5- ينصرف مفهوم الدين الدولي إلى تلك الميدالية التي تحصل عليها الدولة من دولة أخرى، أو من أي شخص طبيعي أو معنوي خارجي، وأيضا من المؤسسات الدولية عاطف مقلد، المالية العامة: الموازنة ومصادر تمويلها، (بيروت - لبنان: دن 1994، ص 180)

6- وكالة التصنيف الدولية، (مودز)، متاح على الموقع الالكتروني

  comments al-akhbar.com تاريخ الزيارة 2017/12/15

7- رفيق الحريري، الحكم والمسؤولية الخروج من الحرب والدخول في السلم، (بيروت - لبنان: د. ن، د.ت، ص39)

8- زاد الدين العام اللبناني من 8, 50% من الناتج المحلي القائم في 1993 إلى نحو 184 % في 2006. ومع این معضلات النمو الحقيقي المرتفعة في السنوات الثلاث الأخيرة المترافية مع معدلات تضخم عالية، خفضت معامل التين الناتج إلى %133 فقط بداية 2011، فإن فوائد الذين لا تزال با هلة، واستنزفت السنة الماضية 49% من الإيرادات الحكومية تقريدة و 3, 92% من الواردات الضريبية، ولم تقل حصتها عن 36,5 % من مجموع النفقات، مستأنفة بذلك مسارها التصاعدي بعد وتيرة تنازلية بدأت في 2009، وبلغت أدنى نقطة لها في 2009 عبد الحليم فضل الله، الشين العام في لبنان  1992 - 2010 أليات تكوينه وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، مقالة منشور في جريدة الأخبار، العدد (1527)، بتاريخ 3 تشرين الأول 2011، على الموقع الالكتروني الآتي: 22705/ http://al-akhbar.com/node  ، تاريخ الزيارة: 2017/7/18 .

9- إن مشكلة المديونية نجمت بالأساس من مشكلة سد الفجوة بين مستويات الناتج المحلي الإجمالي ما قيل وما بعد الحرب، واعتمد بالدرجة الأساس على الحكومات التي تقود جهود إعادة الإعمار في أعقاب الصراعات العنيفة، إذ كان معدل الناتج المحلي الإجمالي الفرد الواحد في لبنان يعادل معدلات البرتغال وأيرلندا، بينما أصبح في نهاية الحرب الأهلية يشمل  5/1 من معمل البرتغال و 10/1 من المعدل في إيرلندا

Ghassan Dibeh, "The Political Economy of Postwar Reconstruction in Lebanon". UNUWIDER: July 2005.P3.

10- Ibid, p.1.                                                                     

11- مروان اسكندر، موازنة تضييق الخناق على الاقتصاد، مقال منشور في جريدة النهار بتاريخ 2017/2/17 

12- مجموعة مؤلفين، الموازنة والتنمية الإجتماعية في لبنان، (بيروت - لبنان: المركز اللبناني الدراسات، 2000، ص36 .

13- بحث منشور على الرابط  493/12/48122 : http://www.aljoumhouria.com

تاريخ الزيارة : 2017/2/15   

14- غسان العياش، أزمة المالية العامة في لبنان (الانهيار النقدي 1982 - 1992)، طا، (بيروت - لبنان: دار النهار للنشر، 1997، ص208)

15-  عبد الحليم فضل الله، الدين العام في لبنان  1992 - 2010 أليات تكوينه وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، مقالة منشور في جريدة الأخبار، العدد (1527)، بتاريخ 3 تشرين الأول 2011، على الموقع الالكتروني الآتي: 22705/ http://al-akhbar.com/node

، تاريخ الزيارة: 2017/7/18 .

 

16- وفق الأرقام المتاحة وأخرها يعود إلى دراسة الأوضاع المعيشية للأسر 1997، فإن 42.3 % من مجموع الأسر التي يقل دخلها عن 1.2 مليون أن ملی. شهرية تضطر إلى السحب من الرصيد أو الانسانية التأمين حاجتها الأساسية، في مقابل 16% فقط الفئات العليا و 30% معدلا وسطيا  وهكذا يضطر الفقراء إلى نقع ضرائب على ما يستهلكونه من سلع وخدمات ممولة بالديون  .

17-  عبد الحليم فضل الله، الدين العام في لبنان  1992 - 2010 أليات تكوينه وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، مقالة منشور في جريدة الأخبار، العدد (1527)، بتاريخ 3 تشرين الأول 2011، على الموقع الالكتروني الآتي: 22705/ http://al-akhbar.com/node

، تاريخ الزيارة: 2017/7/18 .

 

18- خلاف الرأي المذكور أعلاه يذهب آخرون إلى القول بتركيز الإنفاق الاستثماري اللبناني على البنى التحتية المادية، وأغفلوا الأبعاد البشرية والاجتماعية والدينية في عملية التنمية، وقد اعتبرت هذه الأبعاد أما متوافرة وأما قابلة للتحقق بمجرد تحقيق البنى التحتية لمفاعيلها التلقائية. كما أغفلوا معايير تكاليف التشغيل والصيئة والتمويل والتوازن القطاعي والمناطفي؛ المزيد ينظر : شريل نحاس ونحاس مكرم، أوضاع لبنان المالية سبل المعالجة وحظوظ اجتناب الأزمة، دراسة اقتصادية مرفوعة إلى الحكومة اللبنانية مع اقتراح اعتمادها بصيغة برنامج عملية التصحيح المالي على خمس سنوات (1999-2003)، بيروت 1999، ص 38

19-  عادل أحمد حشیش، تاريخ الفكر الاقتصادي (محاولة التعرف على المعالم الرئيسية لتطوير الأفكار والمذاهب الاقتصادية)، (القاهرة - مصر: دار النهضة العربية، 2005 ، ص 253 .

20- فوزي علوي، المالية العامة (النظم الضريبية وموازنة الدولة)، (بيروت - لبنان: منشورات الحلبي الحقوقية، 2003 ، ص 312 .

21- عبد الحليم فضل الله، الدين العام في لبنان 1992- 2010، آليات تكوينه وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية"، المرجع السابق

22-  مقال منشور في جريدة النهار، 2001/4/12 متاح على الموقع الالكتروني،

https://newspaper.annaha.com  تاريخ الزيارة ( 2017/8/22) .

23- عبد الحليم فضل الله، الدين العام في لبنان 1992- 2010، آليات تكوينه وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، المرجع السابق .

24-  قراءة سياسية في الدين العام اللبناني: 102 مليار دولار، مقال منشور في جريدة النهار، تاریخ 1 أيار 2015 .

25- جاسم عجاقة، 22مليار دولار استحقاقات الدولة اللبنانية حتى العام 2020، مقال منشور في صحيفة المدن، 2016/1/23 .

26-  مروان اسكندر، موازنة تضييق الخناق على الاقتصاد، مقال منشور في جريدة النهار بتاريخ 2017/2/17  السابق، ص 10.

27 مروان اسكندر، موازنة تضييق الخناق على الاقتصاد، مقال منشور في جريدة النهار بتاريخ 2017/2/17   .

28-عبد الحليم فضل الله الدين العام في لبنان 1992-2010 آليات تكوينية وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، المرجع امسابق، ص 72

29- حازم اللبي، لبنان بين الأمس واليوم رؤية اقتصادية المشكلة متفاقمة"، بحث منشور في مجلة الدفاع الوطني اللبناني، العدد( 32 )، بيروت - لبنان، نیسان 2000، ص 85، ومابعدها.

30-  مروان اسكندر، السياسة الإتفاقية"، بحث منشور في مجلة أبعاد، العند (2)، بیروت، 1994، ص99

31-  عبد الحليم فضل الله، الدين العام في لبنان 1992- 2010، اليات تكوينه وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية"، المرجع السابق

32- عبد الحليم فضل الله الدين العام في لبنان 1992-2010 آليات تكوينه وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، المرجع السابق، ص 81

33- حازم اللبي، لبنان بين الأمس واليوم رؤية اقتصادية المشكلة متفاقمة"، بحث منشور في مجلة الدفاع الوطني اللبناني، العدد( 32 )، بيروت - لبنان، نیسان 2000، ص 85 ، ص89

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .