التمثيل الكارتوغرافي:

إذا كانت العلوم الطبيعية تستخدم بعض الأدوات العلمية الدقيقة، كالتلسكوب في علم الفلك، والميكروسكوب في العلوم البيولوجية، وأنبوبة الاختبار في علم الكيمياء، فإن الخريطة هي الأداة الرئيسية في مختلف الفروع الجغرافية.

«ومن الطبيعي أن يكون الجغرافي أكثر التخصصين استخداماً للخريطة، فهي عدته، يسجل عليها المعالم الطبيعية المختلفة، ويوزع عليها الظاهرات البشرية والاقتصادية. وإذا كانت الإحصائية هي عدة المخطط على المستوى القومي، فإن الخريطة هي عدة المخطط على المستوى الإقليمي، ولذلك يمكن القول: إن الإحصائية والخريطة هما عدتا المخطط بوجه عام) .

إن التوزيع على الخريطة ببساطة وسيلة من وسائل البحث العلمي، وهي والإحصاء صنوان، فالجدول الإحصائي خريطة رقمية، والخريطة التوزيعية جدول مرسوم، والخريطة بالنسبة للجغرافي أشبه بالإحصاء بالنسبة لدارس الاقتصاد.

والخريطة - في الواقع - وسيلة عالمية للتعبير والتفاهم، تتحدى الحواجز اللغوية، ويستخدمها كثير من ذوي الاختصاص، فالجيولوجي والمتيورولوجي والبيدولوجي وعالم النبات وعالم الآثار وعالم الاقتصاد والاجتماع والسياسة، والمهندسون والعسكريون .. إلخ ، كلهم يستخدمون الخرائط، ولا غنى لهم عنها في أعمالهم ودراساتهم وأبحاثهم.

يقول (برستون جيمس): «إن أهم ما أسهمت به الجغرافية في المعرفة البشرية إنما كان نتيجة لاستخدامها الخريطة في التوزيع والمقارنة والكشف عن أنماط التوزيع العامة». ويذهب (ميل H.R.M1II) إلى القول: " إن ما لا يمكن إثباته على خريطة لا يمكن وصفه ".

وتعد الخريطة من أفضل الطرق المستخدمة لتخزين المعلومات الجغرافية، إن لم تكن أفضلها، لأن الباحث يستطيع أن يربط بين المعلومات التي يخزنها على الخريطة، والظواهر الأخرى الواقعة في المنطقة المدروسة نفسها، مما يساعد الباحث على التحليل والربط والتفسير. وكثير من الجغرافيين يرى أن الخريطة يجب أن تسبق مرحلة الكتابة في الأبحاث الجغرافية.

وفي الواقع، إن الخريطة هي لغة الجغرافي، وأداة التعبير عن النتائج التي يتوصل إليها. وهي تمكن الإنسان من الارتفاع فوق مدى رؤيته المباشرة، كما أنها تساعد الباحث على دراسة الأماكن التي يصعب زيارتها ودراستها على الطبيعة.

وتختص خرائط التوزيعات ببيان مدى انتشار ظاهرة معينة في مساحة محددة من الأرض أو البحر في وقت معين، كتوزيع المطر أو الحرارة أو السكان أو الحرف أو المحاصيل المختلفة إلخ .. وقد يكون ذلك في شهر أو فصل أو سنة أو متوسط لعدة سنوات.

وهناك عدة اعتبارات لابد أن نأخذها عند رسم خرائط التوزيعات بعين الاعتبار، فلا بد من اختيار مسقط ملائم من مساقط المساحات المتساوية، لئلا نخدع عند مقارنة المساحات بعضها ببعض. وأفضل المساقط هذا النوع من الخرائط هو:

- مسقط مولفايدي (مولويد) Molwide projection: إذا كان التوزيع في العالم كله.

- المسقط الأفقي الاستوائي المتساوي المساحة: إذا كان التوزيع في نصف الكرة.

- المسقط الأفقي القطبي المتساوي المساحة: إذا كان التوزيع في المنطقة القطبية.

- مسقط (بون The Bonne's pr): إذا كان التوزيع في قطر أو قارة، ويمكن الاستعاضة عنه بالمسقط المخروطي البسيط (The Simple conical projection)؛ حينما يكون القطر ممتداً امتدادا عرضياً كبيراً.

كذلك، ينبغي في خرائط التوزيعات أن نسجل على الخريطة تاريخ الإحصاءات التي اتخذناها أساساً لرسمها، ولا بد من ذكر المدى الزمني الذي أخذت فيه تلك المتوسطات، سواء أكانت شهراً، أم سنة، أم عدة سنوات مثلا، ومن الضروري تعيين اسم الشهر أو الفصل أو السنة، وخاصة في خرائط المناخ.

ومجب أيضاً أن نشفع الخريطة بمفتاح يوضح ما تدل عليه ألوانها أو رموزها. ولما كان الغرض من خرائط التوزيعات هو توزيع ظاهرة أو ظواهر مختلفة، فيجب ألا تطغى المظاهر الطبيعية أو المظاهر الصناعية على فكرة التوزيع، ففي خرائط الأمطار مثلاً لا داعي مطلقاً لإظهار المدن والسكك الحديدية والمرتفعات والمنخفضات وغير ذلك من التفاصيل.

ويمكن تقسيم خرائط التوزيعات إلى خرائط غير كمية، وخرائط كمية تعتمد في إنشائها على الإحصائيات. وتنقسم كل مجموعة من المجموعتين إلى أنواع، تبعاً للطريقة الفنية التي ترسم بها الخريطة، وتضم الخرائط الكمية على هذا الأساس ما يأتي:

١- خرائط التوزيع بالرموز الحرة.

٢- خرائط التوزيع بالنقط (100110205).

٣- خرائط التوزيع بطريقة (الكارتودياغرام Cartodiagram.

٤- خرائط التوزيع النسبي (Choropleths أو الكارتوغرام).

٥- طريقة الخطوط ذات القيم المتساوية (Isolines).

٦- خرائط الحركة (Dynamic maps)، أو خرائط الخطوط الانسيابية، (Flow-line maps).

٧- الخرائط الطبولوجية (Topological maps).

ولا مجال هنا للحديث عن جميع الطرق المذكورة، وسنكتفي بخمسة منها على سبيل المثال، ونحيل الطالب إلى المصادر الكارتوغرافية، التي يجد منها الكثير في قائمة المصادر والمراجع العربية والأجنبية.