المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6253 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



سنة الله في إهلاك الأمم  
  
3114   08:33 مساءً   التاريخ: 9-2-2022
المؤلف : الشيخ جميل مال الله الربيعي
الكتاب أو المصدر : دراسات اخلاقية في ضوء الكتاب والسنة
الجزء والصفحة : 549-564
القسم : الاخلاق و الادعية / الرذائل وعلاجاتها / الجهل و الذنوب والغفلة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-28 443
التاريخ: 20-6-2022 1785
التاريخ: 28-9-2016 2276
التاريخ: 28-9-2016 2734

إن كل ما وقع ، وما يقع في المجتمع البشري لا يقع اعتباطاً وصدفة، وإنما يجري وفق قوانين وسنن وضعها الله تعالى، وأجراها على خلقه، وهي مستمرة إلى يوم القيامة، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه السنة في آيات عديدة نذكر منها :

{ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام: 6]

{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران: 11]

{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112]

فهذه الآيات وغيرها كثير، تشير إلى سنة من سنن الله تعالى الجارية في الخلق في كل زمان ومكان، هذه السنة هي سنة (المجازاة في الشكر والكفر)(1)

ونقصد بسنة المجازاة: أن كل عمل من أعمال الفرد أو المجتمع يترك آثاراً في الواقع الإنساني الخارجي إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً، لأن الجزاء يكون من سنخ العمل فنتيجة الشكر الزيادة، ونتيجة الكفر الهلاك والبوار والنقصان، وهكذا فكل أثر في الكون والحياة هو نتيجة أعمال قام بها الناس وكل هلاك تعرضت له الأمم هو نتيجة ظلمها وخروجها عن السنن الإلهية، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود: 102]

فالله تعالى إنما يأخذ الناس بالعذاب لظلمهـم: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: 117]

{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 11 - 14]

{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45]

هكذا تتعرض الأمم والشعوب للهلاك نتيجة أعمالها الطالحة، وذنوبها الفاضحة، تلك سنة الله في الأمم التي تكذب بالحق ، وتصد عن سبيل الله بحربها للدعاة إلى الله، وكثير من الآيات (تدل على أنه كان من سنة الله إنشاء قرن بعد قرن وهدايتهم إلى الله الحق بإرسال رسـول بعـد رسـول ، وهـي سـنة الابتلاء والامتحان، ومن سنة القرون تكذيب الرسول بعد الرسول، ثم من سنة الله ثانياً وهي سنة المجازاة بتعذيب المكذبين، وإتباع بعضهم بعضاً) فكـل الفساد الاجتماعي والفكري والسياسي في المجتمع البشري هو النتيجة الحتمية لما جنته البشرية بأعمالها الفاسدة ومعارضتها لرسل الله {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]

فقوله تعالى: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41] بعد قوله تعالى: { ظهر الفساد } يدل على أن ظهور الفساد في الحياة جاء نتيجة لأعمال فاسدة أقدموا عليها كانت ذات عاقبة وخيمة عليهم (بسبب أعمالهم التي يعملونها مـن شـرك أو معصية) وقوله تعالى: { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم: 41].

(اللام للغاية أي ظهر ما ظهر لأجل أن يذيقهم الله ويا بعض أعمالهم السيئة بل؛ ليذيقهم نفس ما عملوا، وقد ظهر في صورة الوبال، وإنما كان بعض ما عملوا؛ لأن الله سبحانه برحمته يعفو عن بعض كما قال: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى: 30] (2)

وهـذه السنة (سنة المجازاة) جاريـة لا تتغير، ولا تتبدل أبـدأ ، ولا تنسخ كالأحكام فالسنة الجارية في الأولين جارية في من يأتي بعدهم وهكذا :

{ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } [الأحزاب: 62]

{اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 43]

وهكذا يتضح لنا أن سنن الله تعالى تجري في الآخرين كما جرت في الأولين ، وأن ما نزل بهم من نكال وعذاب هو نتيجة بغيهم وطغيانهم وتعديهم لحدود الله (فكلما بالغ قوم في الإفساد وإلقاء الاضطراب بين الناس، وعادوا في ذلك أخذناهم كذلك ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ، فتجري كما جرت في الأمم من قبلكم)(3)

إذن هذه السنن ليس بدعاً من الأمر، وإنما هي قوانين تجري في الحاضرين كما جرت في السابقين، وهي غير قابلة للنسخ كالأحكام التي قد تتبدل حسب مقتضيات الزمان، وإنما هي ثابتة لا تقبل التحويل والتبديل

{سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا } [الإسراء: 77]

إذن هلاك الأمم جرم استحقوا به الهلاك، ولكن ظلموا أنفسهم بشركهم، وفسادهم في الأرض، وإصرارهم حتى لم يعد فيهم بقية من قبول الحق، وإيثار الخير على الشر بحيث لو بقوا زمناً آخر لما ازدادوا إلا ظلماً وفجوراً وفساداً كما قال نوح الله { إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا } [نوح: 27] (4)

وتأسيساً على هذا أمر الله تعالى عباده أن يتدبروا فـي عـواقب الأمم، وأن يسيروا في آثارهم، وينظروا في أعمالهم، ويدرسوا الحالات التي أدت إلى هلاكهم يقول تعالى: { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام: 6]

{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [آل عمران: 137]

{ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} (النمل:69)

وفي وصية الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام) : ( أي بني إني وإن لـم أكـن عمـرت عمـر مـن كـان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره فاستخلصت لك من كل أمر تخيله، وتوخيت لك جميله، وصرفت عنك مجهولة)(5)

وقبل ذلك قال له: (أحي قلبك بالموعظة... وأعرض عليه أخبار الماضين، وذكـره بـمـا أصـاب مـن كـان قـبـلـك مـن الأولين، وسر في ديارهم وآثارهم فأنظر فيما فعلوا، وعما انتقلوا، وأين حلوا ونزلوا...) (6)

 وهذه الكلمات تصور الوعي التاريخي العميق للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وتبين كيفية فهـم الـتأريخ كسنن جاريـة لا كقصص تمر على الذهن مـرور الكرام... بل لم يحدث شيء إلا وفق سنة طبيعية جارية في كل جوانب الحياة كسنة التمحيص والابتلاء، وسنة المحق والإهلاك، وسنة الازدهار والتقدم ...

 وبهـذا بين الإمام (عليه السلام) الطريق إلى هذا الوعـي وهـو: التفكيـر فـي أعمالهم وحضارتهم، وعلى أي أساس قامت (ونظرت في أعمالهم) والتدبر في أخبارهم علي ماذا ابتنت تلك الأخبار؟ وماذا كانت نتائجها ؟ وبذلك يفهم السائر المتفكر في آثار الأولين عوامل النهوض والتقدم ، وعوامل السقوط والاندثار ومـن أبرزها هلاكهم بذنوبهم { فأهلكناهم بذنوبهم }  .... فإن هذا النص في أفكارهم القرآن (وما يماثله، وهو يتكرر كثيراً في القرآن الكريم... إنما يقرر حقيقة ويقرر سنة، ويقرر طرفاً من التفسير الإسلامي لأحداث التأريخ ...

إنه يقرر حقيقة أن الذنوب تهلك أصحابها، وان الله هو الذي يهلك المذنبين بذنوبهم، وأن هذه سنة ماضية – ولو لم يرها فرد في عمره القصير، أو جيل في أجله المحدود - ولكنها سنة تصير إليه الأمم حين تفشوا فيه الذنوب؛ وحين تقوم حياتها على الذنوب ... كذلك هي جانب من التفسير الإسلامي للتاريخ: فإن هلاك الأجيال، واستخلاف الأجيال من عوامله، فعل الذنوب في جسم الأمم وتأثيرها في إنشاء حالة تنتهي إلى الدمار؛ إما بقارعة من الله عاجلة - كما كان يحدث في التأريخ القديم - وإما بالانحلال البطيء الفطري الطبيعي، الذي يسري في كيان الأمم – مع الزمن – وهي توغل في متاهة الذنوب !

وأمامنا في التأريخ القريب – نسبياً - الشواهد الكافية على فعل الانحلال الأخلاقي، والدعارة الفاشية، واتخاذ المرأة فتنة وزينة، والترف والرخاوة والتلهي بالنعيم ... أمامنا الشواهد الكافية من فعل هذا كله في انهيار الإغريق والرومان - وقد أصبحوا أحاديث – وفي الانهيار الذي تتجلى أوائله ، وتلوح نهايته في الأفق فـي أمـم معاصـرة، كفرنسا وإنجلتـرا كـذلك على الرغم مـن القـوة والشراء العريض (7)

إن دراسة التأريخ البشري بوعي وعمق وتحليل لعوامل نهوض الحضارات وسقوطها يوقف الإنسان على حقائق ضخمة ورؤية واضحة في مساره فيستطيع من خلالها أن يتجنبا ، الخطأ الذي وقع فيها السابقون ، ويدرك الأمور التي بها تقدمت الحضارة ونهضت؛ وبذلك يرتقي درجة في سلم الكمال الحضاري.

مسلمتان أساسيتان :

 في إهلاك الأمم وفق النظرية القرآنية هناك مسلمتان أساسيتان:

 الأولى : إن الله لم يهلك أمة من الأمم إلا بعد الإنذار والتبليغ بإرسال الرسل والمصلحين في أوساطهم.

يقول تعالى :

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]

الثانية: إن الله تبارك وتعالى لا يهلك الأمـم إذا غلب على أهلهـا حـركة الإصلاح والتغيير نحو الأحسن، يقول تعالى: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117]

هاتان مسلمتان قرآنيتان وهما: أن الله تعالى يبعث في الأمم رسلا، وأنبياء ومبشرين، ومصلحين وهداة إليه؛ ليثبتوا الحجة على الناس فإذا تمردوا على أوامر الله، وعصوا الرسـل نـزلت بهم عقوبة الله تعالى، وهكذا تسقط الدول، وتباد الحضارات، وتقوم أخرى مكانها .

كلها تقع في سياق سنن الله ( يهلك ملوكا ويستخلف آخرین)

وإذا استقرأنا الآيات الكريمة بدقة نجدها أنها قد أشارت إلى سبب الهلاك

والإبادة وفق السنن الطبيعية التي تجري نتيجة أعمال الناس خلافاً لشرعة الله تعالى فإن الأصـل فـي الكـون الـصلاح، وفي الإنسان السلامة الفطرية إلا أن المخالفة لشرعة الله بالأعمال السيئة - تفسد الفرد والمجتمع على السواء وتعرضهما للهلاك والإبادة .

إذن ظهور المفاسد الاجتماعية بصورة عامة وفي كل مكان جاءت نتيجة عمل الناس غير الصالح، ونتيجة تلك الأعمال هي إنزال العقوبات بحقهم لسوء تصرفهم وانحرافهم عن جادة الصواب ... وما ينزل بهم هو امتحان لهم لعلهم يرجعون .

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]

{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21].

{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 48]

وأما الأعمال التي تؤدي إلى هلاك الأمم فيمكن أن نشير إليها بالنقاط التالية و نستشهد على ذلك بما نص القرآن على ذلك:

أولا: الظلم بكل أنواعه سواء كان ظلم الناس بعضهم لبعض، أو ظلم الحكام للمحكومين، أو ظلم دولة لدولة... كل ذلك خلافاً لسنة الله تعالى فالعدل هو الأصل في الخليقة، والظلم انحراف عن الجادة الشرعية، وصح القول المأثور: أن دولة الكفـر تـدوم – مع العدل – ودولة الظلم لا تدوم، وإن حكمت باسم الإسلام .

وما أهلك الله أمة، ولا شعباً، ولا أسقط دولة، ولا حطم حضارة قائمة إلا

نتيجة ظلم أهلها، يقول تعالى: { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [يونس: 13]

{وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59]

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [القصص: 58، 59] .

إذن سبب دمار وانهيار الدول والشعوب هو الظلم بكل أشكاله سواء كان ظلماً اقتصادياً كانتشار الربا، والاحتكار، وبخس الميزان، والسرقة والرشوة ، أو الظلم الأخلاقي كانتشار الزنى، واللواط، وشرب الخمور ... الخ .

وهذا عامل مهم في التحلل الأخلاقي الذي له الدور الأهم في الانحطاط وبالتالي السقوط والدمار.

ومن هنا علينا أن نعي جيداً أن حبل الظلم قصير، وإنه لا بقاء لظالم فرداً أو مجتمعاً أو دولة ...

2- الإسراف : وهو تجاوز الحد الشرعي في كل فعل يعمله الإنسان ... وأشتهر ذلك في الإنفاق {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا } [الفرقان: 67].

ولكن الإسراف لا يتوقف عند الإنفاق بلا حدود معقوله، وإنما يعم جميع الأمور فلكل أمر في حياة الإنسان حدود فإذا أسرف فقد خرج عن الحد الطبيعي المرسوم له.

والمسرف هـو المتجاوز الخارج عن طريق الصواب {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } [غافر: 28]

...  و مثال ذلك الحذر والحيطة من العدو، وإعداد العدة والعدد، فإذا تجاوز ذلك الحد تحول إلى قوة تدميرية لأهلها ولغيرهم ،وصارت وسيلة للاعتداء والاستكبار كما نشهد اليوم في الدول الاستعمارية التي اتخذت من التسليح وسيلة للسيطرة، وحولت العالم إلى برميل من البارود لا ندري متى ينفجر فيبيدها، ويدمر الشعوب الأخرى مثال هـذا الإسراف: إن العالم صرف على التسلح في النصف الأول من القرن العشرين أربع ميلياردات دولار، وكان بالإمكان أن تصرف هذه الأموال للإطعام لكل الناس على وجه الأرض لمدة خمسين سنة ..

3 - البطر: وهو حالة يدهش فيه العقل لكثرة النعمة فلا يؤدي حقها وتؤدي به إلى فقدان توازنه، فيصرفها في غير وجهها المعقول أو المشروع؛ ولذا قال تعالى {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 58]

4 - الفسوق: وهو الخروج عن حدود الشرع المقدس، وهو أعم من الكفر ويقع بالكبير والصغير من الذنوب، وهـو أحـد عـوامل التدمير الاجتماعي والحضاري، حيث يؤدي إلى الانحلال الأخلاقي، والفكري، والسياسي والاجتماعي، يقول الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } [الإسراء: 16]

والهداية والفسوق نقيضان لا يلتقيان يقول تعالى:

{ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 108].

{ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ } [السجدة: 20]

5- التكذيب بآيات الله تعالى: مـن خـلال استقراء تاريخ الأنبياء (عليهم السلام) ومواجهة الظالمين لهم نرى أنهـم واجهوا حالة التكذيب لهم من قبل الناس بمرارة ، والتكذيب لآيات الله تعالى ورسله من أبشع أنواع الكفر، وهو يؤدي إلى الهلاك والدمار للأمم والشعوب، يقول تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران: 11]

6 - الذنوب وهو معنى جامع لجميع المعاصي المتقدمة وغيرها، وسمي الذنب ذنباً لما يترك من آثار سيئة على الفرد والمجتمع تدمر ما فيه، يقول تعالى: { فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام: 6].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(۱) العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: 34/15.

(2) العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: 196/16.

(3) العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: 340/16.

(4) محمد رشيد رضا، تفسير المنار: 154/12

(5) نهج البلاغة كتاب: 31.

(6) المصدر نفسه.

(7) سید قطب، في ظلال القرآن: ۱۳۲/۳

 

 




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.